الأربعاء، 2 أبريل 2008

كورش قادر



كورش قادر : شاعر وطبيب ، من مواليد (كركوك) عام 1971, صدرت له مجموعة بعنوان (انشطار الظلّ)عام 1999 ثم اعقبتها مجموعة بعناون ( شبيهي المذهل ) .
قدمت له زوجته الفطور ، دخل غرفته ، استمع الى باخ .. ثم ......
من الغباء والبشاعة السؤال لماذا قرر الرحيل !!
اتخذ قراره عام 2006.
***
ما الذي تفعله القصيدة حين تشتد الحرب !!
كنا نفكر انا وكورش عبر الهاتف قبل ان يرحل :
تصحو كئيبة كعادتها. تنط من النافذة إلى الحديقة. تتمخط. تتبول بين الورود مثل بنت ذكية. تلمح حنفية الماء تقطر. تتثاءب. يصل ساعي البريد. تشم جيفة دبور ميت. لكنها تفتح الرسائل التي تكرهها عن عمد. رسائل الأنبياء، رسائل الأدب، رسائل الأصدقاء، رسائل الحرب ورسائل السلام. تتبول فوق كل رسالة مختومة. على مائدة خشبية تجلس كعجوز مسحورة. تقشر البصل، لعلها تبكي مثل بقية القصائد. تتخيل. يخطئ بعضهم ويظن أنها تفكر. كيف أنها لو لم تولد مع البشر. على كوكب من دون حدائق ومن دون رسائل. كوكب تتنفس فيه القصائد من دون شكل. بلا حراس لغة ولا مزوري ضوء. كوكب لا تنبت فيه الأحاسيس والأعشاب والدماء جنبا إلى جنب. كوكب منزوع منه حس الدراما. تشعل سيجارة. تلمح غيوم تتآمر. تسبّ القصائد المنهكة ليلا نهاراً في النحيب على القتلى. تضيف لهم الله وسبعة ملائكة. تلحس طرف السكين مثل مجنونة. تربط رأسها من شدة الصداع. تفتح ألبوم صور العائلة: قصائد منذ مئات السنين، بعضها يشع كالماس وبعضها أكل منها الزمن أو صبغ مغزاها الصدأ. تعثر على الدبور ، ترسم له في مخيلتها بقعة شمس صغيرة وسرب من النمل يفر بجناحي الدبور إلى حفرة معتمة. تقطف برتقالة وتخرج. تمطر حين تشق طريقها في الزحام المرعوب. لا تعود إلا بعد منتصف الليل. ثملة. تتقيأ فوق الشراشف. تحيض. تدخل الحمام. أمام المرآة تفرغ جيوبها مما دسه الأصدقاء من آراء حول الشعر. فجأة ينط الفزع إلى قلبها. تتخيل أنها تورطت اللحظة في كتابة رسالة ما . تمحو ما تخيلته بغضب وهلع . تجلس على مقعد المرحاض. تباعد بين ساقيها مثل امرأة هدّها النعاس. تتبول. تغفو. تحلم. تصحو. تنط من النافذة إلى الحديقة. تسقط قذيفة فوق شجرة برتقال. تخرج شوال البصل. تتخيل كوكبها الفارغ ...

قربان
في تسعينيات القرن المنصرم، كانت هناك شقة صغيرة في منطقة الكرادة في بغداد، هي شقة الطبيب والشاعر كورش قادر. كان يجتمع أصدقاء كورش فيها كل مساء: عدي رشيد، سمر قحطان، معتز رشدي، باسم حمد، سليم جواد، باسم الحجار، ياسر قادر، حسن بلاسم. كان غالبا ما يندلع في تلك الشقة ضحك ونار. ضحك كثير، منه الأسود ومن الأبيض. وكان هناك كتب وموسيقى وأفلام ونساء ودخلاء في بعض الأحيان. كانت اللقاءات من أجل القصيدة والسينما والرواية واللوحة وخشبة المسرح. كورش قادر، شنق نفسه في مدينة السليمانية، ترك مجموعة شعرية بعنوان "انشطار الظل" وأخرى بعنوان "شبيهي المذهل". الأصدقاء توزعوا على أنحاء هذه الأرض المعجونة بالذل والرعب. تماسكوا أصدقائي ، ليس من أجل هذا العالم. ليذهب إلى الجحيم، حروبه ومعاهدات سلامه. تماسكوا من أجل أن نضيف إلى مكتبة العبث المزيد من قصائد الضحك والانتقام، أو من سيكون قربان البحر التالي !!
***
آخر رسالة وصلت من الشاعر عبر البريد الإلكتروني :
حسن أيها الملعون ، أنت تبحث عن أشياء أنا أبحثها ، و قد كنت قرأت شمبورسكا ، والتي يترجم أغلب أعمالها الشاعر والناقد هاتف الجنابي ، والذي زار كوردستان و لم أحظ بلقائه للأسف البالغ .أحبها لدرجة كبيرة فهي بسيطة و لكن عميقة هي فكرة القصيدة ... أقرأ لها صمت النبات ، و كذلك تادييش قرأت له مختارات. كلمة نوبل أيضا رهيبة لشمبورسكا .
حسن ، هذا العالم في غاية القذارة ، زد على ذلك سخرية عدم وجود غيره لحسن الحظ ، ناهيك عن باحة الجنون الأخيرة التي تنتظرنا بكل يقين. سرفانتس يسميه وادي الدموع عالمنا هذا ، أما الحياة سأسميها أوهى النسمات في جهنم الزمن.
و أنت ، ماالذي ستفعله. ربما ستأتي لحضور مهرجان ! أم أنني أختلق ذلك احتيالا على شعور مرّ هو الرغبة في رؤية شخص يعاني من مرض أسمه : حدس العاقبة. هل ستأتي حقا ، ففي ذلك عزاء لغريب يقطن هذه الأوقات والبقاع .
كورش
***
نصّـــان بقلم الشاعر كورش قادر:


حلم
نصفُ إغماضةٍ

تكفي لإيقاظ الحرب

عندما يغدو التمييزُ

بين حروفِ الحلم
وأحشاء الرأس
ثرثرة ٌ مؤلمة ٌ

ومهاترة ٌ مشوّهة َ الظلِّ

لا تمت ُّ بصلة ٍ للضوءِ،

ما كان لكَ أن تُقحِمَ العينَ

في محاجر الموتى

وتضفرُ الخطى حبلاً

لشنق النهار

استدار السكونُ في استواء المرايا

مستبدّاً بالحب ِّ يقتفي أثر الموت

مجدٌ مُشيّدٌ وفتات

بهاءٌ وهباءٌ

هو الحلمُ ائتلافٌ شائكٌ لصورةٍ وعرة،

بعينيه الراسختين ِ بعينيك ِ،

تُراكَ ما أنت َ؟

من هو الكائن الجدير بالحياة ؟


دلمونْ
( أيها الباب لو كنتُ أعلم أن هذا سيحلَ بي وان جمالك سيجلب عليَّ المصائب إذن لرفعتُ فأسي وحطمتكَ ولجعلتُ منكَ كلكاً )
من ملحمة كلكامش موت أنكيدو


ذاك أن (إيتانا) لم يعثر على عظام النسر لينفخ فيها جوهر الهواء إيقاظاً لنشأة التحليق

فلربما رُجمَ وضَلَّ سبيلهُ في الجهات الأربع...

وقد حُرِّفت ْ في خرائط كانت تطفو في دجلة أزمنة قبل أن يلتئم
إذ فما جدوى أو هراء تبجيل أو تكفير مَنْ يتكبدون عناء حمل اسم الفصول

في فخار مطعون بمذاق البرق

بالنبش أو بالتحديق الشاق في النجوم
ممسوسون كما ثيرانُ حُمّمتْ بالدم وانهدمتْ في معابد الأجنحة وهشيم القصب

هائمون خائرون ذهاباً إياباً عبر خُرم ليرمّموا رمادَ السرد

لا ابتهالاً لصغار الأفعى وهم يُذبحون كل يوم عند جذع الشجرة
بل وإيغالاً في مدّ الأنابيب وسلالات وأسلاك عبر الجرح القديم

أو أن من حملننا بأحشائهن خللَ القرون

وهنَّ أضحيات ُ أعياد مقدّسةٍ باطلة

لم يتضرّعن وينحرن الدموع لدموزي
وإنانا سائلة سلّة النواميس وقد نذرتْ خواتمها وإقتلعت عينيها وألقتْ بهما في المبخرة

بعد أن خُيّلَ لها أنهُ

يُصلبُ على مداخل ومخارج المدن

غداة جُنّ بالعشبة وأيقنتْ أنه

لن يُشفى أو يُبَعث ليحرثَ لها فرجها أبد الآبدين.
وبذلك آثرتْ أن تظلَّ محجرين شاخصين ورخاماً مبتور

الأطراف في متحفٍ يجوبه المخنثون وأشباه الناجين من الطوفان.

ليست هناك تعليقات: