الأحد، 6 أبريل 2008

رسائل الى فنان له أكثر من عينين ... 2




20.8.2006
أخبرت جاسم من جديد عن إلتزامك الحار بالقصة لكن بدون الدعاء : الله يكثر من أمثالك ! فأنا أصبت عشرات المرات بخيبة الأمل من عدم تحقق أيّ دعاء موّجه الى أعلى ! ولذلك أفضل دعاءا الى جهة أرضية ! لا أعرف إن كنتُ قد كشفتُ في السابق أمامك بأني فاقد الصلة بمن هو في السماء ولذلك لا أنسى أبدا ذاك البيت الشعري لجاك بريفير : أبانا الذي في السماوات إبق فيها...
21.8.2006
( اوبريت ) غومبروفتش عمل صعب إلا أن صعوبة المخرج المسرحي هي أكبر من صعوبة المترجم ! وما يشدني الى هذا البولندي هو هذا التأرجح الفذ بين السخرية السقراطية والكوميديا الساخرة - الماجنة المعاصرة مع تلك المسحة السماوية التي لايقدر على صنعها إلا من آمن بأن الحياة هي مصادفة غير مستحّبة دبّرها مخلوق أكله الضجر وضاق ذرعا بما يحدث ، أو لا يحدث ، في هذه المنظومة الشمسية البائسة. أكيد أن مبعث غيظه هو فشله في العثور على زاوية أخرى في الكون أكثر لياقة وإثارة للفضول من زاويتنا هذه ...
23.8.2006
في آخر العمرأصبحت عاطفيا رغم نصيحة عزيز لنا ، ألبير كامي ، بأنه ليس من الحكمة تعميق أيّ عاطفة... أصبحت هكذا بعد قراءة رسالتك السابقة. جاءتني هواجس لايعرفها إلا من ينوء تحت ثقل سبعة عقود ( هناك أوربيون عقلاء وواقعيون كما أنهم لايخلون من نفحة شعرية يعتبرون كل عقد من السنين صليبا ، وهكذا لايقولون إنه بلغ من العمر سبعة عقود بل سبعة صلبان ...). أكيد أن خورش كان من المحاصرين على هذه الأرض التي كما معلوم تكونت ، وبحكم العبث ، من غازات تكثفت وأخذت تدور كالحمقاء حول ما هو أكبر منها ... إنها رحلة شبيهة ، في الغالب ، بدورة ورق لعبة البوكر: من الألف الى الياء لابد من المجازفة... رسالة الراحل كورش الأخيرة تبليغ واضح بما كان عليه أن يحدث. هكذا قرأتُ السطور وما بينها. أنا أطاطيء الرأس عادة ً كإشارة تخليد و إجلال حين يرحل عزيز عليّ. أبقى سجين هذه الوضعية الى أن يستيقظ ( الوعي المباشر ). أما أنت يا حسن فلابد أن لك طريقتك في الحزن والتخليد. إلا اني اقترح أن تكتب كلمة تضمنها قصيدته - الرسالة كي ننشرها في الموقع وفي أيّ وقت تشاءه . لتكن ( كلمة في الموقع )، فرحيل كورش قادر إيماءة مفجعة الى أننا نكتشف الجحيم كل يوم في هذه الأرض التي يسعى الحمقى وحدهم إلى أن تكون بلا جحيم... عندما اخبرتني برحيله عدت بحركة تلقائية الى نصه الجميل عن ( النهايات ) . إكتشفتُ مرة اخرى كم من الجواهر مخبوءة في التبن العراقي. وفي المقطع الأخير من كتابه ( أرض البشر ) يبكي إكزوبري الأطفال الموتى بسبب البؤس. لم يبك بسبب هذه اللعنات المخيمة على الأرض بل لأن هؤلاء رحلوا مصادفة وكفعل غير مبرر تماما ، ولم نقدر على إكتشاف بيتهوفن أوموتسارت آخر فيهم... و ليغفر لي كاتبنا الرائع هذا إذا أبدلت نهاية كتابه وأضفتُ الى أطفاله الأطفال الكبار- الشعراء أمثال كورش قادر...
25.6.2006
رسالتك القصيرة مخيفة حقا. مخيفة وليست محزنة فقط. لابد من قرارتأتي به كفنان قدرَه الوحيد طرح ما يتفاعل في دواخله ومتاهاته. الطرح ليس من أجل عيون الآخرين الذين هم بحاجة الى غفران رب المسيح ولأنهم ( لايعرفون ما يفعلون ) بل من أجل الذات نواة الكون. البكاء ؟ إنفض يا أبني عنك هذه الغشاوات التي لاتفعل شيئا سوى تشويش صورة المشهد الذي هو في كل الأحوال لا يمنحنا المسرة. عد الى صديقك سيوران الذي أقنعني ألف مرة بأن الإنتحار آلية عقيمة رغم أن الحياة لاتعدو كونها فعلا كونيا صغيرا ملؤه الطيش... لكن تبقى ال( لكن) الإنتهازية المنقوعة بإفرازات العقل : لابد من دفع عربة العمر ولأن ما فيها لايخصنا تماما كما لايخص الآخرين ، بل يخص سرّ الأنا الذي لا نعرف من يملك مفتاحه. عدْ الى عالمك الحقيقي : شعر وكتابات حساسة تسخو بها الذات ، وكاميرا وبحلقة منتشية في كل الكائنات وبينها طبيعة فنلندا القاسية والمتفجرة بالحياة في ذات الوقت. من حججي الأخرى أنك لم ( تعرف كل شيء ) بعد ... لم تجلس ولم تثرثر مع جميع أحبائنا الكبار. ولماذا تنفي خيارا شديد الإغراء : ممارسة تجارب جديدة في زمكانات مختلفة. اللعنة على النصائح التي أجد نفسي مرغما على اللجوء إليها في وقت الشدة. مثلا خذ هذه النصيحة الصغيرة لكن كم هي ذهبية ! : الإستماع الى باخ... إذهب إلى هذا الإنسان الذي فهم الحياة وما خارجها بأمثل صورة ( وكم من فيلسوف يحسده على مثل هذا الفهم ! ) ، وبعدها تستطيع العودة الى ذاكرتك الجريحة... رجاءي الذي ألحف عليك به أن لاتقرأ رسالتي مرة واحدة ... مع المحبة والأمل بأنك أقوى مما تتصور. - ذكرتُ باخ السماوي رغم أني أستمع في هذه اللحظة الى موتسارت في كونستروالكمان الثالثة ( أداغيو ). وفيها يكون موتسارت ، هذا المنتشي الأبدي بالحواس و الحياة المشمسة ، بالغ الحزن . ربما إكتشف ما إكتشفه بعده سيوران وكيركغاورد...
28.8.2006
أنا ( بخير وسلام ) أي ليس هناك من صدمات ، ولا أقول جديدة بل غير معهودة... أنا مرتاح بالطبع لكونك ( مازلت تتنفس ) ، وهذا شيء ممتاز وفق معايير أمثالنا اثناءها ترجمت نصا صغيرا لبورخيس كان قد كتبه كمقدمة لرواية صديقه كازاريس. أبعثه مع صورمختارة آملا ً أن يبدد بورخيس بعض الغيوم السود... أواصل ترجمة مسرحية غومبروفتس ( أوبريت ). في الحقيقة أنا إستعجلت هنا قليلا ، فهناك الكثير من قصصه الرائعة التي من المناسب أن ابدأ بها الترجمة. لايهم. أنا متفائل فيما يخص فرص ترجمة مثل هذه الأعمال . فأحيانا أجمعُ بعض القوى لتحدي الزمن ! وصلت الى رابط صديقك صدر الدين أمين. كنت قد شاهدت بعض أعماله في السابق. فنان مثير للإهتمام. لا أعرف لماذا أسموه بالفطري. لا أقول بأنه منقاد لتأثيرات طاغية من ميرو وكلي لكن هناك تأثيرات ، أو بالإحرى إنجذاب الى فولكلور الهنود الحمر من مختلف المناطق. ألوانه غنية ولكانت أكثر سحرا لو إنتبه دائما الى تحقيق رهافة اللون. بالطبع سيكون من المفيد والمسّرالإشارة الى أعماله في موقع ( القصة).
29.6.2006
أرسل إليك المادة الأخيرة وهي رسم عملته للصديق جون نقاشيان ، ورغبتي أن يظهر مع نص علي النجار والصور الثلاث التي أرسلتها كي تظهر مع النص. علي موافق على مثل هذا ( المرفق ) لنصّه. رجائي إليك أن ترتب الصور بشكل يسمح بالتنويه بأن الرسم من عملي و ليس من عمل النجار ولا نقاشيان... إذ لابد من التنويه تجنبا لخيبة أمل القراء بموهبة هذين الفنانين التي أفرزت مثل هذا الرسم ! في الحقيقة كان جون قد أعجب بالرسم حينها...
29.8.2006
برأيي الإنتظار قليلا ريثما تهدأ عاصفتك الداخلية وتكتب من القلب مكثفا الصداقة والتجارب. وحينها أنت من يقررالصيغة كأن تكتب لقسم ( تجارب ) مثلا ، هكذا فعلتُ بعد أن وصلني خبر رحيل الصديق نزار عباس. كنت مصدوما أيضا و لم أستطع أن أكتب شيئا قبل أن تهدأ الدوامة... ولجأت حينها الى الذكريات وأخذ نص من نصوص نزار كان أحد ى القطع من نثره المركز الرائع ، و أخذت أيضا مقاطعا من رسائله . وأن تكتب عن صديقك والتجربة معه هو أمر مفروغ منه إلا أن هذا لايعني كتابة فورية. أنا واثق من أنك تفهمني جيدا ولو أن رغبتك هي الإيفاء الفوري لهذا الدين إزاء عزيز عليك. حينها سيكون من المناسب جدا ، ومن أجل القراء أيضا ، أن تكتب وتنقل بضع قصائد وتجتزأ مقاطعا من نصوصه ورسائله ، و أكتبْ لغاية الإنهاك... برأيي أن مثل هذا النص سيكون أفضل بكثير من صيغ أخرى.
30.8.2006
حين قرأت رسالتك الأخيرة شعرت بقناعة وإرتياح لكوني أقنعتك بخصوص نصك عن الصديق الراحل. لا أعرف ربما نسيت أنا عنف المشاعر رغم أن من واجب الكاتب عدم نسيان أيّ شيء ... أبعث بقصة صغيرة فاتني ذكرها يوم أمس ( هكذا أصبح النسيان الآمر الناهي ! ). كما عثرت في إيلاف على نص لباسم البرنيص يصلح للكلمة. كما تعرف يغني باسم خارج هذا السرب الصاخب الذي جاءنا ، ومنذ أن رفع الستارعن مسرحياتنا البائسة ، من إحدى مسرحيات يوجين إيونيسكو...
31.8.2006
ضميري يستيقظ كل صباح حين أجد نفسي وقد كففت عن مواصلة الكتابة في ( دفاتر الذاكرة ) خاصة إني وصلت الى الخمسينات أي العصر الذهبي الآخر للفلم... سأبحث عن الثغرة الكافية في الوقت كي أعود الى الدفاتر. كما تعرف الوقت هو من أخطر الوحوش التي لا يكفيها أنها تتربص بنا بل تنهشنا بصورة منتظمة القسوة ! أقول هذا كتبرير إذا لم تنجح خطتي لهذا الأسبوع والقادم أيضا : ترجمة ( مقدمة ) أخرى لبورخيس ، ترجمة قصة لغومبروفتش ، معاودة الكتابة في الدفاتر ، إنهاء قصة جديدة ( كيف وجدتَ القصة الأخيرة ؟ ). أظنه يكفي ! في الحقيقة أنا لا أحب بلزاك كثيرا لكني معجب بخصلة جبارة فيه : لم يكن يخرج أحيانا من " صومعته " لأكثر من شهر بسبب حمى الكتابة ... في هذا الصباح حاولتُ مرة أخرى كبح جماح رغبات في الترجمة والكتابة غير السردية وحتى مسك الأقلام الملونة لعمل تخطيطيات بسيطة لقصصي وغيرها. بالطبع سبب الكبح أني أحرص كالبخيل على الوقت الذي لابد من تخصيصه للكتابة السردية. هكذا أفكر دائما. واليوم إنتابت التفكير حمى جديدة بعد أن نظرت الى صور نجيب محفوظ الأخيرة . اللعنة على هذه الدورة الزمنية بين الميلاد والرحيل. محفوظ في عمر الخامسة والتسعين بدا كمومياء بعثت بالقوة الى الحياة. أظنه وليم ودزورث من قال إن الإنسان العجوز شبيه بمعطف قديم ممزق في الريح...
3.9.2006
رسالتك الأخيرة تكشف عن أنك قد أخذت ( مواقعك ) القديمة ، كما في المعركة ، ونحن ألسنا في معركة لاتعرف الهدنة ؟ بالطبع نحن الخاسرون والمهزومون الأبديون فيها ولو أننا قد حققنا ، أو نريد أن نحقق ، فيها بعض الإنتصارات الثانوية ( قهوة الصباح من النوع الممتاز تشجعني ، وكما يبدو ، على التفلسف ! ). ربما إنتصارنا هو أننا كسبنا الوعي باليأس الوجودي الذي أدرك باسكال بعضه بقوله عن القصبة المفكرة في الريح... إنها رحلة يا عزيزي لابد من قطع جميع أشواطها رغم الإنعدام التام لليقين بأن لها هدفا محددا ، وفي كل الأحوال لسنا أشد ذكاءا ووعيا وحساسية من كيركيغورد معذبّنا الذي لم يستطع التخلص من جذره البشري : الدين لكن بشكله المباشر : المسيحي ( في الحقيقة نحن كلنا متدينون وإلا لأصبح الكون قشرة بيضة مثقوبة مصّ أحدهم بياضها وصفارها ...). لم أقرأ ( فلسفة الصورة ) ولو أني أعرف شيئا عن أفكار دولوز. ما يسرني أنك تعود الى نصك ( الرجل القاموس). نصيحتي الصغيرة هنا أن تكثف الكلام ، وهذا شيء علمني إياه ألبير كامي والأدب الأميركي الذي علينا أن ندين له بالكثير ( تماما كما دان سارتر له ...). نحن يا عزيزي غير معنيين بالقاريء العادي بل بالآخر الذي يتعذب معنا كل يوم ... الأمورالأخرى تلتهم ، منذ أيام ، الجزء الأكبر من الوقت. توقفتُ عند بورخيس والقصة الجديدة كما لا أجد نفسي قادرا الآن على الرجوع الى غومبروفتش رغم أني قرأت البارحة من جديد روايته الفضائحية ( بورنوغرافيا ) ، بالطبع ليست الفضيحة جنسية هنا بل أخرى : فضيحة الإنسان حين يواصل ألعابه العبثية على سطح هذا السيّار المنسي والمهمل في الكون... كما جاءتني مهمة جديدة ، بل بالأحرى رغبة كانت محبوسة وأطلق الصديق علي النجار سراحها : الكتابة عن النزعات البدائية في الفن الحديث ، بمناسبة كلامه في ( القصة )عن معرض صديقنا نقاشيان. في الحقيقة أرغب أن أقصر الكلام على ( إرهابي ) الفن الحديث جان دوبوفيه وتأثيره على فن صديقنا، هناك بالطبع تأثيرات وحتى من منعم فرات. وكل هذا أمر طبيعي. فلدى أكبر جماليي الفن الحديث هناك جذر للبدائية ( الكثير من الأعمال الجميلة لبيكاسو وماتيس وغيرهما يفضح منحدره البدائي من فنون أفريقيا والباسفيك العظيمة... ). أو خذ ْ الموسيقى الحديثة التي ترضع من طبول أفريقيا وطفلها الرائع : الجاز الأميركي.
5.9.2006
منذ يومين أراوح في مكاني . لم أنه بعد ترجمة بورخيس. وكل شيء شبيه برعاف الأنف : سيل بطيء جدا من الكلمات ! آمل أنها حالة طارئة. ربما تأخذ القراءة وقتا أطول. قرأت البارحة قصة طويلة بديعة ليوكيو ميشيما ( موت في عز الصيف ) إستهلها بكلمات بودلير من ( الفراديس المصطنعة ) : " في عز الصيف يثيرنا الموت أشد " . وانا تثيرني دائما سيرة حياة هذا الكاتب والشاعر. اظنه حاكى غوغان حين ترك تلك الوظيفة العالية وتفرغ للفن...
6.9.2006
لا أريد العودة الى الكلام عن نص شوبان والذي وصلنا لكن أرغب أن أضيف بأنه من النوع ( المنجور )بتلك الداة التقليدية ولا أعرف لم ذكرني بمقالات لبعض أدباء العراق الذين هم اليوم على الموضة أو بالأحرى في الواجهة بفضل الميديات و جماعات الوله المتبادل ، حيث يدفعهم كسلهم المعرفي الى حافة الإضحاك بل الفضيحة في أعين كل من يتعامل مع الفن وعذاباته بصورة جادة...
6.9.2006

أرسلت إليك ترجمتي الأخيرة لبورخيس. هناك أسماء ومصطلحات كثيرة لكني وجدت أن شمولها كلها بالإحالات سيكون نوعا من الدلال المبالغ فيه. الصعوبة الرئيسية وجدتها في ترجمة أشعار تاسو المكتوبة بالإيطالية وليس اللاتينية التي كان " مجدها " آخذا بالأفول آنذاك ( تاسو عاش في القرن السادس عشر . هو شاعر غريب أصيب بالشيزفرينيا التي قضت عليه في النهاية ...). وما لاحظته أن في التراجم الإنكليزية والدنماركية والبولندية لنص بورخيس بقيت تلك الأبيات الشعرية بالإيطالية أي كما جاءت في نص بورخيس. بالطبع يمكن العثور على ترجمتها في ترجمة ديوان تاسو ( أورشليم المحررة ) لكن المانع عندي ليس الكسل ولا الإستخفاف بل ضغط الوقت ولربما سيردم هذه الهوّة الصغيرة أحد قرائنا الذين يعرفون الإيطالية...
6.9.2006
كنت أدوّن شذرات ٍ أثناء مختلف القراءات. وجاءني نسيان آخر ولم أبعثها إليك ! وهذا بعض ما عثرت عليه من بين ركام الأوراق :
* لاتنتظروا يوم القيامة. إنها في كل يوم . ألبير كامي * اللذة هي جائزة الطبيعة على عناء الحمل والولادة. فرويد * أن يموت المرء من أجل الدين هو أمر أسهل من العيش المطلق للدين. بورخيس * أكثرية الناس غير معنية بماوراء العوالم لكنها مؤمنة به ، أما أنا فلا أؤمن لكني معن به. بورخيس * الماضي لايمكن تدميره فعاجلا أم آجلا تعود الأحداث ، و أحدها هو النية في تدمير الماضي. بورخيس * إسم " الفن " لا أطيقه ، والأفضل أن لايكون هذا الفن. جان دوبوفيه * في الأساس لاشيء هناك إسمه فن. هناك فنانون فقط . السير أرنست غومبرتش * إذا أعجبك الكلام فإصمتْ ، وإذا أعجبك الصمت فتكلمْ ( عن أبي القاسم القشيري في رسالته عن التصوف ) * أنا لست ضائعا في المعجميات الى هذه الدرجة كي أنسى أن الكلمات هي بنات الأرض ، والأشياء أبناء السماء ( مقدمة للقاموس من عام 1755 ) صاموئيل جونسن * لقد جيء بكثيرمن الأفكار المخترَعة من أجل أن لا يفكر الإنسان . تشيتشيرو ( سيسيرو ) * أكتبوا على قبري : لم يكن يعني بما حوله لكنه كان يتابعه. مان ري * عندما يكون غير ممكن مهاجمة الأفكار تحصل مهاجمة المفكر. بول فاليري * مدام بومبادور كانت القائلة : من بعدنا الطوفان a pres nous le deluge ... * من حكايات كريلوف : آه ، كم هو قوي هذا الكلب الصغير، فهو ينبح على الفيل ! * الأعمال الأدبية التي نهضت كإحتجاج على الأوضاع غيرالإنسانية لاتملك في معظم الأحيان عمرا طويلا. تشيسواف ميوش * جورج بيركلي الإرلندي وضع يده قبل مولد نيتشه بأكثر من قرن على إحتمال أن العقل هو سجن للإنسان. * الشعر هروب من الذات وليس تعبيرا عنها . إليوت
7.9.2006
وصلت الى تجديد ( القصة ) . شيء باهر حقا. شموعك الخمس الصغيرة في مكانها وبدقة واحد بالمائة من الملمتر ! وكما نقول في البلد : آني مفرّع وأندعي كي يبقى حسن للقصة وثقافتنا التي تغتالها شتى الأيدي كل يوم : يد القتل ويد الجمود والتخلف عن اللحاق بالعالم ، بالطبع هناك أيضا يد ( اللانضج ) الغومبروفتشي... أعجبتني محاورة جمانة. هذه الفتاة زنبرك حيّ ، والأكثر من ذلك هي ( تعبانة على نفسها ) ثقافةً ًوموهبة ً... أكيد أن كثيرين كانوا ينتظرون إشعال الشموع الخمس. لكن ما العمل ، فدكتاتور البيولوجيا مارس ساديته قبل منتصف ليلة أمس وأبقاني بعيدا عنك !
7.9.2006
رسائلك أشعر بها وكأنها إنفراجات في حروبي الباردة ... وهذه أكبر لعنة من الأخرى الساخنة التي لو إشتعلت لنقلتني بسرعة خاطفة الى تلك العوالم التي أميل الى الظن بأنها أفضل... لا أظن أن ساباتو كتب القصة القصيرة . ربما في مطلع العمر. سأتاكد من ذلك. لديك ( النفق ) بترجمة دار المأمون ؟ كما فهمت من رسالتك بأن هناك روايات أخرى لساباتو مترجمة الى العربية . لولا إغراء نصوص بورخيس ومهام الكتابات الأخرى من قصص وأحوال عودة الى التشكيل وغيره ، لتوجهت من جديد الى ساباتو الذي كما أحدس هو ُمقاطع من قبل الثقافة الرسمية والأخرى التي يحلو لها الجلوس على فوهة بركان الحاضر السياسي وغيره ، وإلا لماذا لم يسلط على هذا الكاتب العظيم ولو ربع الاضواء المسلطة على كونديرا مثلا. لاحاجة هنا الى الكلام عن الفارق النوعي بين الإثنين... مقهاك الهلسنكية يذكرني بمقهى ( الحمراء ) بوارشو والذي يقدم القهوة بالفناجين الصغيرة والدلة ( كانت تنقصنا النارجيلة ! )، وهناك كان يأتي الفنانون وبقية ( المنفيين ). وكل من جاء من العراقيين ، الجواهري والبياتي وفرمان وسعدي يوسف وخالد القشطيني وغيرهم، فوجيء بوجود مثل هذه المقهى. وكنا نحن زملاء الدراسة أمثال محمد مهر الدين ومظفر العابد ومظهر أحمد وغيرهم من الرواد المخلصين لهذه المقهى.
7.9.2006
هذا النص يحمل علامتك الفارقة ، الجيدة بالطبع. إنه نثر أدبي بالغ الشفافية. آمل أنك سترفق به الصور المناسبة. كما أرجو أن تعده للنشر في ( القصة ).

لم أبحث طويلا عن ساباتو في النت وغيره أي أني لم أعرف هل كتب القصة أيضا أم لا. في الحقيقة هو لم يكتب عدا ثلاثيته ( النفق ، عن الأبطال والأضرحة - وترجمت الى الفرنسية بإسم آخر : ألكسندر ، و: يا آبدون ، ملاك التهلكة ). كما وصلت الى معلومات شيقة عن ساباتو مثل إهتمامه الشديد بالغنوصية ( ومن هنا كلمته المعروفة : الرب نائم ، وحلمه السيء هو وجودنا...). وكما تعرف كانت هناك صداقة حميمة بينه وغومبروفتش الذي كان هاجسه الدائم عدم السماح للوجود بأن يقع في شرك الشكل... قرأت أيضا كلمة له عن أنه في السرد الأدبي نحن نبحث عن دروب حين نلقي في العالم بشخصيات من لحم ودم بينما هي تعود في الحقيقة الى مملكة الأشباح. إنها تقوم بدلا عنا ، والى درجة معينة فينا أيضا ، بتشييد تلك المصائر التي حرمتنا منها الحياة. والرواية الكونكريتية ، رغم انها غير فعلية ، هي شكل إخترعه الإنسان كي ينفصل عن هذه المحدودية. وجدت أيضا كلمة أخرى : المهمة الرئيسية للكاتب اليوم هي فحص الحقيقة عن الإنسان ، وهذا يعني فحص طبيعة الشر. وفي ( عن الأبطال والأضرحة ) يتكلم ساباتو عن الإنسان الذي رفع مبنى غريبا يسمى الثقافة ، وبهذه الصورة أعطى البداية لتمزقه وكف عن أن يكون حيوانا بسيطا ، كما أنه لم يبدأ بالصيرورة ربا ً كما أراد له عقله... يسرني حقا أن لديك كتب ساباتو هذه.
8.9.2006
أرى أن تحتفظ بعنوان ( الطرقات ) كعنوان رئيسي وليكن الثانوي :( موسوعة شخصية ). أعتقد أنه سيكون نصا ممتعا ومثيرا أيضا. أنا راجعته في وقت متأخر وربما لم تكن المراجعة دقيقة ، فأرجو الإنتباه. كلنا نعرف أن تطويع اللغة كي تفتح أبوابها للأفكارهي العملية الأصعب ، وللأسف علينا أن نسلك هنا مثل حيوانات السيرك المدرَّبة ... كما أخبرتك في رسالة سابقة ، أنا كلي تقصير تجاه ساباتو. مازلت لا أعرف الكثير عنه ناهيك عن مقالب الذاكرة... أنا لا أعرف كيف كيف سددنا ديننا لهذا الكاتب والمفكر. وسأكون سعيدا إذا عرفت أن كتابنا، ولو بنسبة خمسة بالمائة ، يستمعون الى صوته أو دخلوا دربه...
8.9.2006
يسرني أنك أخذت تلتفت الى نصوصك السابقة خاصة. فكرتي هي أن تجمع ( سينمائياتك ) ، من مقالات ويوميات وسيناريوهات متوفرة لديك ، في كتاب. أعدك بتصميم غلافه. أما عنوانه فسنفكر في الإبقاء على ( الطرقات ) أو إختيار آخر. ما رأيك ؟ كما تعرف أن أكثر من تسعين بالمائة من الكتب هي بمثل هذا المحتوى . عدتُ الى جان دوبوفيه وكتبتُ بضع صفحات. أنا مصمم على تكريس نهاية الأسبوع ل( إرهابي ) التشكيل هذا ... إذا سمح لك الوقت برؤية أكثر أعماله. ستمنحه بالتأكيد الإسم الكوني وتضمّه الى بقية أسماء الملعونين والمنفيين. له سلسلة من الأعمال المكرسة للصحراء الكبرى. عاش هناك مع البدو من عرب وأمازيغ وطوارق ، وقبلها تعلم العربية ( للأسف الشديد لم يشعل ثورة عربية جديدة يضاهي بها لورنس ذلك الآوتسايدر الأبدي ! هل قرأت " أعمدة الحكمة السبعة " ؟ مثقفو الأدغال العربية ال( زرق ورق ) أصابهم الإعياء و تصبب العرق من جباههم الصخرية كي يحجّموا مثل هذا المثقف الرائع ( وكان كولن ولسن أفضل من كتب عنه في مؤلفه " اللامنتمي " ) ويدخلوه في مصيدة الفئران السياسية ...
10.9.2006
تبدو يا حسن وكأنك تملك صندوقا قديما من جزيرة الكنز تفتحه من حين إلى آخر وتخرج منه لؤلؤة أو حلية تريدها أن تتوهج تحت شمس القصة ( في آخر العمر أنا مهدد بخطر لوثة الشعر ! ). ثق بأني مسرور لكل نص يأتي منك ، فنحن قد وقعنا في كماشة النصوص الأخرى التى تبدو في أغلب الأحيان كأنها أصوات فرقة هواة للإنشاد يديرها مايسترو من النوع البائس... إنتهيت من الكتابة عن دوبوفيه ، لكني غير راض. لم أرد أن أكتب عنه بحثا أو دراسة ولاحتى سكتشا بل مجرد خواطر متقافزة أستطيع أن أكبسها في خانة اليوميات. الأسوأ في الأمر أني أحب دوبوفيه كثيرا وأشعر بأني قد ( خنته ) في مثل هذا النص الذي لايكشف في الحقيقة إلا عن القليل...
11.9.2006
قرأت قصتك ( جريدة عسكرية ). واضح أن الخيال والمراقبة الحادة لواقع العراق آنذاك لا ينقصانها. توقفتُ فقط عند تقنية اللجوء الى مخاطبة القاضي. أكيد أن هناك رمزا وراء هذه الشخصية : رمز الرب الذي يحسم أمر الدخول : الجنة أم النار ... بالطبع قد يحتمل الأمر تفسيرا آخر ، لكن في جميع الأحوال ليست هذه بالقضية الجوهرية . المهم أنك نجحت في الأخذ بهذه التقنية الكتابية.
13.9.2006
أعمل الآن في نص آخر لبورخيس. هناك قصة أكتب فيها ولا أستطيع فيها للمرة الألف العودة الى هذا الواقع ب( كل حذافيره )... في الحقيقة سألت نفسي : لم هذه العودة ؟ أليس أكثر حكمة بل وفنيّة ، إنتقاء جزيئات من هذا الواقع المباشر كي نستغلها عند الإيغال في عوالم أخرى هي فعلية أيضا ( يكفي أن نرفع بصرنا الى السماء ونرمي بكثير من الأساطير المقدسة جانبا ! ). كما تعرف الكلام عن الفن هو مجرد كلام وليس هناك من معجزة كي تحوّله الى فن !
15.9.2006
آسف لتأخري في الإجابة على رسالتك الجميلة والرقيقة كالعادة. إنه الخريف. رغم متاعب الجسد أنا أحب هذا الفصل من السنة. طبيعة الشمال تنفض فيه ألوانها القديمة وتأخذ بالتبرج كأيّ محظية من بلاط أحد اللويسات ! كما تعرف لحب الطبيعة أكثر من جذر حسّي واحد. أذكر أن سارتر كان يكره الريف ومعه الطبيعة ، شأن أوسكار وايلد ، والجسد أيضا - أي على العكس من وايلد هنا ... إنه موسم الميلانخوليا ! . النزعة الخطابية و( الإلتزامية ) في الكتابة ، سواء أ كانت سردية أو لا ،أخشاها بل هي تفزعني مثل فزع الشيطان من رش الماء المقدس على الرؤوس في الكنيسة ! عدت قبل قليل الى القصة الجديدة . أفكار كثيرة تتزاحم وتتدافع ، وتبقى المعضلة الأولى : تكثيف كل شيء ... أستمع طيلة الوقت حين أجلس أمام الكومبيوتر خاصة ، الى الموسيقى. إنه إكتشاف متأخر، فقبلها كان الراديو والمسجل الصوتي المونو وليس الستيريو. الموسيقى في الخريف تقمع كل نزوة ! أستمع الى فيليكس مندلسون . رومانتيكي حتى النخاع ( ما العمل ، إنها ميلانخوليا الخريف ...) . أعتقد أنه أشهر الجميع في الغرب بفضل ( مارش الزفاف ). ربما يضاهيه الآن في الشهرة العجوز بيتهوفن الذي إختاروا مقطعا من سمفونيته كنشيد للإتحاد الأوربي . كان مندلسون قد وضع موسيقى جذابة ل( حلم ليلة صيف ) الشكسبيرية.
15.9.2006
أنت يا حسن زنبرك غير إعتيادي ! جميل جدا أن تكون هناك جماعة سينمائية تفكر وتعمل بهذه الصورة. بالطبع الفلم عمل جماعي لمتلق جماعي أيضا. ينبغي أحيانا ، ولسواد عيون الفن ، العمل بدون التفكير بالمتلقين. بالطبع هي مجازفة مالية ونفسية أيضا. لكن ينبغي من حين الى آخر تهيئة القدم ل( جّلاق ) الى هذه المؤخرة الحيوانية وتلك... أكتب وأترجم ببطء قاتل. نص بورخيس بعنوان ( إدعاء الواقع ) مكتظ بالأسماء ولابد هنا من الأخذ بحكمة ( خير الأمور وسطها ). أما القصة الجديدة فهي خريفية تماما أيضا ! : عن زائر مضحك قليلا وخبيث قليلا . إسمه الموت ...
16.9.2006
... ثق بأن الإنسان لم يتبدل كثيرا منذ العصر الحجري القديم ( من طرفه قال كلود - ليفي ستروس مرة بأن الإنسان لم يقم منذ ذلك العصر بأي إكتشاف إنقلابي حقيقي أعقب إكتشاف النار والعجلة ...). كل ما في الأمر إستبدل الهراوة بالصاروخ والقنبلة العنقودية ...
17.9.2006
سيكون يوما بهيجا حقا إذا شاهدنا ( القصة ) بحلتها الجديدة. لقد صارت هي ، وكما قلت َ ، بيتنا الآخر. وآمل أن تسجل الثقافة العراقية هذه الجهود ( أميل أحيانا الى الأخذ بالمثل البولوني : الآمال هي أمّ السذج . وأنا هنا أخذت بصيغة الجمع ، فالأمل ، وعلى عكسه في لغتنا ، هو مؤنت في تلك اللغة ) ... ...
17.9.2006
ما زلت غير مصدّق بأني أنهيتُ ، بسهولة ، كتابة القصة المرفقة التي غفت في الكومبيوتر لأكثر من أسبوعين. أبعثها بعد أن أعددت صورة مناسبة لها. بقي الآن أمامي عزيزنا بورخيس: ذلك النص الذي لم أنه ترجمته بعد. أظن المقال الذي أرفقته برسالتك قد ترجم عن إحدى النشريات الإنترنتية البولندية. في الحقيقة أنا لا أتابع إلا أحيانا ما ينشر هناك. أما القصة التي ترجمتها فلا أعرف لم نشرت تحت عنوان إسرائيليات ! الكاتبة بولندية حتى النخاع... وكل ماهناك أن بطلة قصتها كانت يهودية فهل يعني هذا انها صارت أوتوماتيكيا ً إسرائيلية رغم أن القصة كتبت قبل نشوء هذه الدولة ! سوزان سونتاج كانت شخصية لامعة ومثيرة حقا. عاشت فترة في الصين وتأثرت كثيرا بالفلسفات الشرقية. والمحزن أنها رحلت مبكرا قليلا. سأتوجه بالدعاء ولو الى إله يوناني منسي كي يعطيني فرصة لترجمة سونتاغ أيضا.
17.9.2006
قرأتُ ما كتبته عن قصتي ( زائر الصباح ). لديك يا حسن مسبار يجول ويرصد ما في رأسي وقلبي ! أاود أن أؤكد بأن لاعلاقة للقصة أبدا بفجيعة كورش. ربما هناك علاقة نسجها اللاوعي وليس الوعي ... قرأتُ أشعاره. وهي خسارة فنية وإنسانية مرهبة حقا. كتب آراغون مرة : واحدا بعد الآخر ممثلو مأساتنا يرحلون / أصيح أين تلك العيون...
23.9.2006
أود ان اسألك عن قيس الزبيدي : أين هو الآن ، وماذا عمل و يعمل ؟ إنه من اصدقاء بغداد وبرلين القدامى. كنت ألتقي معه في برلين حين كان يدرس السينما هناك. كان شابا طموحا و( تعبان على نفسه ). ومع فيصل الياسري كانا ( ثنائي برلين) الشهير ! اللعنة على الذاكرة التي تخونني دائما حين أريد تدوين شيء من هذه الفترة وتلك... ما زلت أراوح في مكاني فيما يتعلق بترجمة بورخيس. إنه الوقت الذي أحكم الآن حصاره عليّ ! سرقتُ البارحة جزيئة منه وكتبت لكن على الورق وبعيدا عن الكومبيوتر بضع صفحات لقصة اخرى كان موضوعها يقرض في الرأس منذ زمن بعيد : محاولة الإنسان المضحكة – المبكية للخروج من قفصه الزمكاني ...

24.9.2006
لا أعرف الكثير عن السينما العراقية لكن اشاركك الرأي بندرة الثمين هناك. في زياراتي أثناء الثمانينات كنت ألتقي مع هذا وذاك ممن أدركتهم حرفة السينما. أذكر خيبة الأمل بل أفزعني الفراغ الذي كانوا يدورون فيه... من ناحية أخرى هم لم يهبطوا من القمر. فالأكيد أنهم يعرفون ما تريده الأكثرية ، أما الأقلية فمن يكترث بها بدءا بالمتلقي الجماعي عبر مؤسسات النقد وإنتهاءا بأروقة وزارات الثقافة !
. واصلت البارحة ترجمة بورخيس . كالعادة هو نص ينضح بمعرفة الأرجنتيني ذات النطاق الخرافي. سأحاول توفير الإحالات الضرورية . أما القصة الجديدة فستكون ، بالتاكيد ، مواصلة للدوران حول تلك الهواجس عن الكينونة و طوابق الواقع ( هم إكتشفوا لغاية الآن تسعة منها ! ) وعن ضياعنا الحقيقي و ليس ذاك المربوط بسلاسل إنتمائنا الى كوكب صغير مجهول لا يرى بالعين الكونية المجردة ... لا أعرف بالضبط أي تقنية ستكون المختارة من بين الكثير...
27.9.2006
سؤالي عنك وأمورك. في الحقيقة أنا كنت مثل ( رقاص فوكو ) الذي تكلم عنه أيكو في روايته ! وهذا إختراع جيّد لكن للعلم وليس للإنسان عامة . ففي هذا ملايين الرقاصات... لا أعرف كيف أنهيتُ ترجمة نص بورخيس والذي لا يخلو من الصعوبة كالعادة. لا أعرف هل على قارئه أن يبلع حبة أسبرين قبل المباشرة بالقراءة ! أقصد هنا القاريء الذي إعتاد على اللغة السهلة والأساليب التي تلتهم كالزلاطة... لم أتقدم كثيرا في كتابة القصة الجديدة. كانت ولاتزال لي بالمرصاد مشاغل أخرى.
27.9.2006
قبل قليل فتحت الكومبيوتر ولم يسعفني الوقت كي أقرا نصوصك بإمعان. ما لدي الآن لقوله هو وجوب العثور على رباط تقني يشد كل هذه التجارب والإعاشات. وهنا أمامنا نموذج هنري ميللر... أرجو التغلب على الشعور بالتشوش فهو ناصح سيء. وإذا كنت قد بدأت الكتابة بهذه الطريقة فمن الأفضل مواصلتها ثم يأتي حكمك عليها. في مثل هذه الحالات تبقى التقنية هي المشكلة الأساسية . فموقفاك الفكري والشعوري سبق أن تحددا قبل وأثناء الكتابة. أرجو أن لا تعير الآن أهمية للتسمية.
28.9.2006
وجدت مقالة لمحمد عارف يتكلم فيها عن الإبادة الجماعية. محمد صديقي القديم ، درسنا سوية في وارشو ، وقبلها كنا في بغداد في شلة واحدة. كان قاصا جيدا لكنه ترك الأدب للصحافة وخاصة ما يتعلق بالعلوم. بالطبع هذا المقال ذو طابع سياسي صرف لكن ما العمل حين أصبح كل شيء اليوم سياسيا على حد تعبير شيمبورسكا...
2.10.2006
نصوصك مكتنزة سرديا إلا أن المشكلة مع الصياغة ، وهنا يبدو الجهد من النوع السيزيفي ، لكن في الظاهر حسب ولأن عملية ( النحت ) تكون من الناحية الفعلية بدون نهاية. رغم ذلك لابد من أن يُرَصّ البناء. وهنا يأتي التعب مع اللغة ، مع الكثير من أحوال التردد في إختيار المناسب من الكلمات والجمل التي لاعليها أن ( تتمرد ) على إيقاع السرد مثلا. وأثناء المراجعة جاءتني فكرة أن تنصرف أيضا الى فن السيناريو الذي لا ينكر أحد تأثيره البالغ على فنيات السرد المعاصر، وأذكر أن لديك نصا عن إشكاليات كهذه. هناك مقاطع ( مشاهد ) كثيرة في النصوص تكشف عن مراقبة يقظة جاءت بها عين فنان سينمائي: : عبور النهر ، فحوصات اللاجئين وغيرذلك. ربما هو ميلي الشخصي الذي طغى على النظرة الموضوعية ، لكني متأكد بأنه طغيان نسبي. انت لست بحاجة الى الهدوء والتروي ( التروي في النشر ؟ ) بل الى مزيد من العرق والغيظ والجوع المعرفي أي أن تعرّي اللغة بأداة النحو ومن ثم ترّوضها... لا أريد القول بأن هناك إستراحة بعد إجتياز الحاجز النحوي. لاشيء من هذا القبيل. كما أنها ليست عملية سحرية لفتح السدود كي يتدفق الماء. هي عملية لابد من القيام بها في كل مرة ( يكفي هنا أن ننظر الى مسودات دوستويفسكي بعد كتابته الأخوة كارامازوف ، بل همنغوي الذي يبدو سرده " تلقائيا " ، خامة مطروحة بدون َطرْق وصقل إلخ ). بيضة برانكوزي إستنزفت كل طاقات هذا القروي الروماني . أكيد أن الإستثناءات كثيرة مثل غورنيكا بيكاسو التي جاءتنا في سرعة فلكية. إلا أن الشقاء الذي تسببه اللغة هو من صنف جحيمي آخر... في الحقيقة أنا أكررهنا كلاما سبق أن قلته ، وآمل أن لا يسبب الخيبة .
6.10.2006
عدا القراءة لا أكتب إلا القليل . تذكرت في الصباح أني كنت قد بدأت بترجمة مسرحية غومبروفتش ( اوبريت )- ترجمت أكثر من الثلث ، لكن الذاكرة إرتكبت خيانة أخرى... سأعود الى الترجمة منذ اليوم ومعها الكتابة في قصة فيها أجواء نصوصك البيوغرافية الأخيرة: يوميات ، ذكريات ، مذكرات ، سرديات ( لكني اضفت كالعادة عامل الفنتازيا ! ). إخترت لها عنوانا لايخلو من الخيال الشعري - العلمي إن صح النعت : " بعيدا عن الجهات الأربع ". هناك أيضا نص ( بورخيس و الآخرون ). لا أعرف لم أقوم بمثل هذا التعذيب للذات ! ربما هو الإحساس بالزمن، ولكم هو ذو طعم حريف. صار يلازمني أيضا الشعور بميل لا يقاوم الى " آلهة " الماضي : إليوت و باوند وجويس وبورخيس وغومبروفتش وغيرهم ...
9.10.2006
أرجو أن تكون في أحسن حال ممكنة. أنا أعرف بأنه أسبوع ليس كغيره. كما قلت في رسالة سابقة حدسي يوميء الى أن كل شيء سيكون على ما يرام. لا أعرف كيف تستمع الى الموسيقى عند الإنتقال من مكان الى آخر: عن طريق الووكمان مثلا ؟ هي وسيلة لاتخلو من الدهاء أن تنفصل عن أصوات العالم وتبقي تلك السماوية من باخية و شوبانية وبرامزية ورحمانينوفية... أظنها وسيلة من نوع العكازات الروحية التي تعين عظامنا المرضوضة الخارجة في كل يوم من ( ساحة وغى ) ولا يهم هنا إن كانت صغيرة أو كبيرة... خلال هذين اليومين اللذين يفصلانك عن العملية أرجو الإستسلام بدون قيد وشرط الى الموسيقى ! أنا موشك على الوصول الى نهاية القصة الجديدة. في الحقيقة هي محض حوار آخر مع الذات أشركت فيه الآخرين. عملت أيضا رسما بسيطا للقصة مع إستشهاد من شاعر فرنسي ينتمي الى جماعة المتوحدين. إسمه بيير جان جوف. هو من تلك القبيلة التي ينتمي إليها رامبو ولوتريمون وألفريد جار، قبيلة المولودين بأكثر من حبل سرّي واحد... في قصيدته ( الكارثة ) التي إستشهدت بها ثمة نبرات ( بطولية ) ، فكأن شاعرنا يلقي بقفاز التحدي بوجه السماء وما على الأرض أيضا ... : دعوا عينين غريبتين تغوران في الفضاء ولاتجف منابع الدموع ولتقترب الصاعقة ضاحكة ً مغنيّة ً إنها الساعة التي يكون فيها الإنسان عاريا وتحتضر قوى الجبروت هل تسمعون قعقعة السلاح الذي يقطر دما هل تسمعون عمل الأرض القاتم هذه الأكف القوية لنساء ذوات أظفار بيض هل ترونها وهي تمزق جلد السماء ؟

13.10.2006
فوجئت وحزنت جدا لكل هذا. ماهذا الألم الذي تعجز عن قتله بالمسكنات القوية ! اليد كلها جروح ولا مفر من المعاناة الى أن تلتئم. أرجو أن لاتفكر وتشغل نفسك بأمور أخرى غير الإنصياع لمتطلبات فترة النقاهة. ماجاءني بشي من الإرتياح تفاؤلك بالعودة الى البيت. أرجو أن لا تكلف نفسك بالرد على هذه الرسالة إذا وجدت أن هناك صعوبة. بالطبع سأواظب على الكتابة لكن بدون إنتظار الرد.
15.10.2006
شيء جيد جدا أنك حملت في ( القصة ) المحاورة مع النوبلي التركي . أعترف بأني لم أقرأ له الكثير. لكن لدي إنطباع بأنه متأثر كثيرا بالأدب الأميركي. وهذا ليس بالشيء السلبي أبدا ، فالكثيرون خرجوا من معطف هذا الأدب. أكيد أنه كاتب لامع لكن تبقى ملابسات الحاضر ذات تأثير لاينكر على قرار الجائزة...
16.10.2006
كنت أعرف بأنك تعامل ( القصة )بهذه الصورة الحميمة منذ أن ( وطأت قدماك ) أرضها. لا أقول بأني متعب الى درجة التفكير بأن ترعى وحدك هذه الحديقة ، لكن للعمر أحكامه شبه الدكتاتورية. فمن ناحية أطمح بأن تكون القصة ذات نوع ، وليس كمّ ، متميز : أن ننشر تلك النصوص ( الملعونة ) المنبوذة لشتى الأسباب ، ومن ناحية أخرى أجد هذا الدرب ، و ليس بدافع المخافة ، قد يسبق زمنه ، وفي واقع الحال زمكانه، خاصة أني لست من العارفين بخارطة الحاضر الثقافي في بلداننا. بإختصار أرغب القول بأني لا أعرف كيف هو تيار الكتابة " الملعونة " وحجمها ، وبمعزل عن الوزن النوعي في الإبداع ، وهل سنلقى التجاوب الكافي إذا قمنا بإعلان التمرد على كل هذه الكتابات المؤدبة أو " التعايش السلمي " معها ( يخيل إليّ ، في معظم الأحيان ، أني مرغم على التعامل مع كتاب كانت درجاتهم عالية جدا في دروس " الواجبات الوطنية " من مدارس زمننا الذي حشرنا في معصرته الإخلاقية - الوطنية وغيرها ). أرجو أن تفكر بموضوع ( الخيار الآخر ) أما م ( القصة ) ، خيار كتابات تخدش وتخدش ، بأظافر عارية ، هذا الجدار المقيت الذي بناه ويبنيه ، كما يبدو ، عميان لايعرفون أين مكان الطابوق وأين مكان الجص أو الإسمنت فيه. وإذا تحقق هذا الخيار فلابد حينها من الأخذ ببروفيل آخر للقصة أي تهيئة مساحة للشعر الملعون وغيره أيضا... في الحقيقة هذه الأفكار تقرض في رأسي منذ زمن بعيد. ولعل الإغراء الأكبر هنا هو هذه الحرية المخيفة للأنترنت والتي تعرض أمامك كل هذا المفاتن التي يصعب مقاومتها ! أنا أتذكر نصوصك الأولى في ( القصة ) التي رسمت إمتعاضا تقليديا على تلك الوجوه الوقورة. بالطبع أنا تجاهلت الأمر حتى أني لجأت الى نوع من التسلية : تظاهرت ُ بأني أقلب التجهم الى إبتسامات إعجاب ... بالطبع ثمة خيار آخر ذكرته أعلاه : توسيع مساحة الملعون في القصة وفق مبدأ الجمع بين عنصري الطبيعة الأساسيين : النار والماء ... .
17.10.2006
الذاكرة ! هي مثل قالب الثلج : لا ( تموع ) مرة واحدة بل تستمر هذه العملية طويلا لدرجة أنك لا تشعر بها إلا في النهاية حين يختفي القالب تاركا بركة ماء ! تماما مثل أفواج الأسماك الصغيرة الأمازونية التي تكلم عنها ألبير كامي في ( السقطة )... . عزيزي حسن. لم أفهم تماما ما كتبته عن يوم ميلادك. هل تقصد السابع عشر من هذا الشهر؟ إذا كان الأمر كذلك فلك أجمل التهانيء على كل شيء قدمته كهبات وهدايا للآخرين ، لكن حصة الأسد من تهانئي إليك هي على متانة الكتفين اللتين تحملان طيلة هذه العقود الثلاثة مثل هذا الصليب... تذكرتُ هنا فلما تشيكوسلوفاكيا رائعا إسمه ( شجاعة في كل يوم ) يتكلم عن تلك الشجاعة الصامتة التي لاترى بكل وضوح حين يواجه الإنسان دراما هذا الوجود ( العادي ) الذي ليس فيه أيّ شيء إستثنائي أو خارق لكننا نرى بوضوح كاف شبح الصليب في خلفيته... نصوصك الفلمية أعجبتني كثيرا. لا أعرف هل هي جاهزة أم أنك تكتبها بصورة منتظمة. أواصل ترجمة ( أوبريت ) غومبروفتش. ترجمة منهكة حقا. مثل هذا الإنهاك لا يصيب مترجمها الى لغة أوربية أخرى. فالمناخات اللغوية متقاربة هنا . موضوعها السخرية المطلقة من الأرستقراطية البولندية التي إنحدر هو منها. لا تخلو صفحة واحدة من حشد من الأسماء والكلمات والجمل الفرنسية ، بدءا بعبارات الغزل وإنتهاء بأسماء الأطباق الفرنسية... الترجمة تأتي عادة على حساب أعمال كتابية أخرى. أنا أترجم بدافع الهواية والغواية معا ! ولم أفقد الأمل تماما في أن هناك عددا لا بأس به يقدرهذا الجهد...
19.10.2006
في الواقع إنقضى اليوم في درجة ليست بالصغيرة من حمّى الرسم ! أبعث أيضا بتصميم لمجموعة تالية تتكون من قصصي العشرالأخيرة. أعجبني العنوان : ذلك المطر البارد. كما أعجبني التصميم الذي إستفدتُ فيه من لوحة معروفة لرائد التكعيبية الأوربية التشيكي فرانتشيك كوبكا ومن صورة أخرى ترمز الى المطر.. في المحصلة لا أعرف هل أنا سرقت الوقت أم كان هو السارق ، فاليوم إنقضى بدون رجوع الى ( اوبريت ) العزيز غومبروفتش وقراءات طويلة إلا أن التعويض جاء مع النبيذ الإيطالي والإستماع الى جيوسيبه فيردي ( برأيي أن الإستماع الى الموسيقى الأوبرالية يحتاج الى أجواء معينة بضمنها فتح زجاجة نبيذ إيطالي أحمر ! ). بقيت مع تلك الأصوات الكونية لأكثر من ساعتين. لم أستطع بعدها عمل أيّ شيء غير مواصلة الإستماع الى الموسيقى ... وإنتقلت الى سيرغي رحمانينوف الذي بقي روسيّا ً الى النهاية ( أنقذ لنا فنا مسحورا عندما ترك روسيا البلاشفة في عام 1917 ...). أرجو الإستماع الى كونشترتو البيانو رقم 3 وسيمفونيته الثالثة أيضا. جميع الكبارالروس تسللوا الى بيانو هذا الساحر وياللغرابة أسسوا فرقة أوركسترالية عجيبة ... في الصباح قرأتُ سارتر مرة أخرى: ( الحرية الديكارتية ). جاء النص مقدمة لأنثولوجيا كتابات لديكارت صدرت في جنيف في عام 1946 بعنوان ( كلاسيو الحرية ). في الحقيقة كان سارتر قد ضمّنها في كتابه المعروف ( مواقف ) من عام 1947 . لا أعرف هل سبق أن ترجمت ( مواقف ) الى العربية كاملة. يكتب الأستاذ الكبير : ( الحقيقة هي شيء بشري. فلكي تملك كينونة عليّ أن أؤكد عليها. وقبل حكمي الذي هو تعبير عن إرادتي وإلتزام حر لوجودي ليس ثمة أيّ شيء عدا الأفكار الحيادية والمضبّبة التي ليست هي بحقيقية ولا زائفة ). أظن سارتر قد شخص بذلك الأسلوب الذي لا يعرف أحد لغاية الآن كيف قدرعلى خلق التوازن فيه بين الحسي والذهني ، المرضَ الحقيقي للحقيقة... وفي نصه يكرر جملة هايديغير المعروفة : ( ليس بمكنة أيّ أحد أن يموت بدلا عني ) . بالطبع يحاكي هنا كلمة ديكارت ( ليس بمكنة أيّ أحد أن يفهم بدلا عني )... لا أعرف يا عزيزي هل كان هذا اليوم ذا مذاق غريب. ربما قادتني نزوة طفولية في أن أجرّب مديات حريتي : فيردي ، رحمالنينوف ( أيّ رابط يجمع الإثنين ؟! ) ، سارتر ، رسوم ، تلوين ، مونتاج تشكيلي... كما تمثلت حرية الطفل الذي إستيقظ في داخلي بإعادة تدوين حقائق ووقائع غريبة ، وبعضها لايخلو من الإضحاك ( قد ترغب في أن تشاركني فيه إذا ذكرت لك الأسماء الحقيقية لعدد من المشهورين : شكسبير : وليم آردن ، غيته : يوهان فولفانغ تيكستور ، موتسارت : فولفانغ أماديوس بيرتل ، نابليون بونابرته : نابليون رامولينو ، بيتهوفن : لودفيغ كيفيرتش ، ماركس : كارل بريسبورغ ، تشرتشل : ونستن جيروم ، آينشتاين : ألبرت كوخ ، همنغوي : أرنست هول ، أسامة بن لادن : أسامة غانم . شارلي شابلن : شارلي هِل ... ) - لم أعرف إلا اليوم أن في الولايات المتحدة يتعرض 11 ألف شخص لمختلف الإصابات الجسمية عن تجريب طرق جديدة في الجماع الجنسي. كما تبين أن 99% من هذه الأمة يزداد تقديرها للنفس بعد فتح الماء في المرحاض ... - ولنبق في أميركا قليلا : إخترعوا فيها دواءا جديدا للكآبة. إسمه كيتامينا. يقال إنه دواء ناجع خاصة أن شعاره : تخلص ْ من الكآبة في ساعتين ... - لا أتذكر أين قرأت ما قاله أحد أعضاء لجنة نوبل : ( ينبغي التمييز بين التأثيرات السياسية التي لايمكن يتجنبها ، وبين النوايا السياسية التي لامكان لها ). المشكلة هنا أن لا وجود على الأطلاق لأدب غير متحيز... هل أتعبتك بهذا الكوكتيل العبثي ؟
19.10.2006
لا أعرف إن كان تجوالي اليوم يرمز الى نشاط مدهش. أردت ُ فقط أن أكسر القالب اليومي وفق نصيحة قديمة لأحد الأطباء من الأهل : لابد من تغيير نمط الحياة اليومية ، في يوم واحد من الأسبوع ، من أجل الحفاظ على الصحة النفسية . أنا لا أقول بأن النصائح تكمن رداءتها في مجانيتها بل في أنها متأتية من تجارب أخرى ... الساعة الآن بعد العاشرة بقليل. سأذهب الى التلفزيون. فقد يحالفني الحظ وأعثرعلى فلم يستحق المشاهدة ويبتعد ولو قليلا عن خلطة اليوم العبثية !
12.10.2006
صباح الخير. يسرني جدا ان اسمع أن صحتك في تقدم. العلاج الطبيعي مهم جدا ، فأرجو الحرص عليه. صحيح أني كنت البارحة متعبا .المشاغل كانت تأتي بشكل موجات عالية ( العمر لايسمح بضرب جف قوي ! ). لكن لا مخرج هناك غير أخذ إستراحة ولو قصيرة. 22.10.2006
مبادرة جيّدة أنك توجه الدعوة للكتاب كي يساهموا بالقصة. بالطبع هو شيء مفهوم أن تتنوع ردود الفعل على ما نقوم به. لا أخفي عليك بأني لا أحب هذا ال(نون ) شخصية وقلما. في الحقيقة هناك قاسم مشترك بين هذه الشخصية وهذا القلم : النزعة البالونية التي حالفها الحظ لغاية الآن ولم يصلها أيّ دبّوس. وبدون وقوعي في ( السوقية ) أقول بأن هذا ، ومن هو على شاكلته ، يتصرف دائما وفق ذلك المثل السلافي المعروف : ( يتغوّط أعلى من مؤخرته ). هذا الصنف من الدمامل في الثقافة العراقية ، بل في كل ثقافة ، لاهمّ له غير تلميع الأسم وفق وصفة تلميع الحذاء... لا أعرف ما أقوله عن هذا المتطوع في الدفاع عن مراتبية الأسماء في النشر. التكرلي والراحل الصقر ومحمود عبدالوهاب والربيعي وغيرهم لم يبدوا ولو إمتعاضا بسيطا من درج أسماءهم ونتاجهم مع المبتدئين والهواة ومن أسماهم بالأدعياء. بل على العكس جاءنا الشكر. وإذا لم تخني الذاكرة فقد كان هذا الرجل الذي يتصور نفسه ذلك ( الأعور في بلد العميان ) ينشر ، ولربما يواصل النشر ، في هذه الصحيفة وتلك حيث تكتظ صفحات الجريدة بأسماء المبتدئين والهواة... ومرة سألتني ، في نص لك ، كيف نجوتُ !! في الحقيقة أنا لم أقم بأيّ عمل خارق بل كل ما في الأمر أني أدرت ظهري... مرة جاءتني دعوة لحضور المربد. في الحقيقة ترددت لكني قبلتها في النهاية لأسباب شخصية قبل كل شيء . كنت حاضرا إحدى ندوات المهرجان ، وعند خروجي إعترض طريقي هذا ال( نون ) قائلا بأننا ( لا أعرف من هم المقصودون بصيغة الجمع هذه ) لا نفسح الطريق للغرباء. وكان يقصد ، وفق تفكيره البدائي ، بأني صرت غريبا بحكم إقامتي في الخارج. وإنتهى الأمر حينها بتجاهلي التام لهذه الدعوة الصريحة الى عراك للديكة... أنا اورد هذه الواقعة لسبب واحد : ضحكت حين سمعت بأن هذا ال(نون ) صار ( غريبا ) مثلي لكن من نوع راق و ليس من نوع بائس ومفجع مثل غربتك وطريق الأشواك إليها... عندما إنتهيت من قراءة رسالته إليك جاءتني الضحكة بدل الغيظ. السبب : كثرة النصائح من مثل هذه المرجعية الكبيرة ، هذه النظرة الفوقية لما يفعله الآخرون ثم هذه الشيزوفرينيا ( ثمة أنواع من الشيزوفرينيا بعضها يثير الضحك وآخر يدعو الى الرثاء ) التي جعلته يتصور نفسه وقد إحتل كرسي النقد في إحدى الجامعات المعروفة... ما لفت نظري في الرسالة صفراوية كاتبها . فليس هناك ولو كلمة واحدة عن جهدنا. أكيد أن ما دفع هذه الصفراوية الى درجة الغليان ( مليون كليك )... أظنه يملك موقعا في الإنترنت . سأحاول الوصول إليه كي أعرف ما يفعله ( روكي ) العراقي من أجل إنتشال الثقافة العراقية وتخليصها من الهواة ومن هب ودب... بالفعل أنا نجوت من هذا السيرك وأبطاله الذين هم في واقع الحال هواة يقنعون أنفسهم ، من دون توقف ، بأنهم ممتهنون. المعذرة إذا جاءت رسالتي مكدرة. فصراحتي كانت تقود نقراتي على لوحة المفاتيح !
23.10.2006
عدت البارحة الى ترجمة ( أوبريت ) غومبروفتش. إنه نص بالغ الصعوبة بسبب أزدواجية اللغة وكونه قد كتب خصيصا للأوبريت . لكن لابد من ترجمته ! فهو بمثابة فتح صندوق سحري آخر قد لايعرفه الكثيرون ... كتبت في رسالة سابقة بأني أفكر بكتابة قصة من نوع العبث النقي ( لا أعرف لماذا تخفي الأكثرية الساحقة رأسها في الرمال غير معترفة بأن الحياة ذاتها من أكبر أنصاب العبث ! ) ، لا أقصد هنا طرح صيغة للهذيان الذي هو تشويه وتنظيم سيء لطروحات العبث بل قصدي التذكير ببطلان صحة تعاريف كثيرة يأخذ الإنسان بها بدافع الجبن أو الخمول أو البحث المضحك عن ( راحة البال )... قد يبدو مفارقة ً القول بأن الكلام عن العبث ليس بالهيّن ، فكل بوابات الجحيم وتلك الأوهام الضائعة مفتوحة أمامك. كما أن الإحصاء عاجز تماما عن تسجيل ملياردات ، بل أعداد غير منتهية ، من أحوال العبث. لكن لأحاول تنمية هواية جمع العبثيات... مثلا : في البدء كانت الكوكو كولا خضراء اللون. في عمر العاشرة إنتبهت الى أن من المستحيل أن ألحس كوعي. كانت فوبيا ناتالي وود الخوف من الماء ، وفي الأخير رحلت غريقة . 66% من العدائين الأميركان يفكر بالجنس حين يعدو. 8 % منهم فقط يمارس الجنس وهو يفكر بالعدو ( هذه إحصائية غير راهنة . فهي تعود الى ما قبل عامين ). ما زلت أبحث في بريدي عن رسالة شبه رسمية مكتظة بالأخطاء الطباعية التي حوّلتها الى كتاب مقدّس جديد ! بالطبع سأستفيد من نصائح وتوجيهات بول جيننغز صاحب أنثولوجيا العبث. ومرة إستفدت منها حين ترجمت نصوصا قصيرة ل( كلمة في الموقع ) مما كتبه جون أبدايك و آخرون.
24.10.2006
أيام زمان كنت معجبا بشوبرت الرومانسي حتى النخاع. كان ماكنة إنتاج للأنشودات والأغاني ( أكثر من 600 كما أتذكر ) زائد السوناتات والرقصات وتلك السمفونية الثامنة التي عرفت بإسم الناقصة... أحسدك على قراءة بروست من جديد. الوقت يجري بسرعة جنونية ، ولايسمح لي بالإقتراب من الكتب الكبيرة ( لغاية اليوم لا أصدق بأني كنت قد قرأت الحرب و السلام ثلاث مرات ! ). باخ أستمع إليه كل يوم ، في الصباح خاصة. أرغنه الربّاني يمنحني القدر الكافي من الجلد لمواجهة يوم جديد...


أقرأ الآن ميشيما. أظنه كان أفضل اليابانيين فيما يخص معايشة آداب العالم. أعماله كلها منتزعة من السيرة الذاتية. يكتب عن طفولته ومراهقته وفتوته بصراحة مصدمة قد لا نجدها عند الكثيرين. ربما برغمان كان قد تجاوزه هنا. الهاراكيري حال دون نيله نوبل( عاش 45 سنة فقط). بالطبع ليست كل أعماله بيوغرافية صرفة إلا أن روايته الكبيرة ( إعتراف قناع ٍ ) من عام 1949 هي سيرة صريحة. سجلت ُ هذا القول من الرواية : ( يقول الكل إن الحياة هي مثل المسرح ، لكن القلائل من الناس إمتلكوا مثلي ، ومنذ زمن الطفولة ، الوعي بمسرحية الحياة ). هو كاتب مصدم لكنه يجذبك بمغناطيس سحري الى هاجسه الدائم ، هاجس الموت. وكما يقول النقاد فهذا الهاجس هو المفتاح لفهم أعماله. في الحقيقة كانت حياته إطالة لحقبة طفولته - مما جاء برهانا آخر على صدقية كلمة بودلير الشهيرة : الرجل هو طفولته - لكن ميشيما هو قبل كل شيء جمال متفرد وإيروسية وعجز تام عن تحقيق الرغبة في أن يكون شخصا آخر... وكل هذا يختفي وراء قناع البطل الرئيسي أي ميشيما نفسه. في الواقع إنتصرهو على هاجسه ذاك بعدها بعشرين سنة لكن ليس في عالم الفنتازيا بل في الحياة الحقيقية التي دحرها الموت ... قبلها بأسابيع قرأت قصته الجميلة ( موت في عز الصيف ). يوم آخر إبتعد فيه عن ( أوبريت ) غومبروفتش. ومن قال إن الترجمة ليست مزاجا ! كيف الدخول الى متاهة تلك القصة العبثية التي ذكرتها في رسالة سابقة ، رغم إدراكي أن المهم هو البدء بالكتابة وبعدها ترفع السدود أمام المجرى...
26.10.2006
وكما شكوتُ في رسالة سابقة أخذ الخريف يهاجمني بشراسة متزايدة. هذه التبدلات العنيفة في الضغط الجوي تجعلني من فئة طريحي الفراش... فكرت أيضا بإعداد مجموعة القصص الأخيرة للتحميل في القصة ( مجموعة " ذلك المطر البارد " ) . فكرت أن أكتب بنفسي مقدمة بسيطة ولوأني أفضل أن يكتبها شخص آخر.. لا علاقة للأمر بالنرجسيات أو تطمين رغبة فارغة بل هو الفضول في أن أعرف كيف يجد نتاجي من هم ( على الساحل الآخر ) . كما أني لا أقصد هنا كلمة أو مقدمة " إيجابية " بل أن تكشف بصدق عن موقف كاتبها المنتمي الى أولئك الذين هم من جيلك ( الشرس ) غير المهادن في الفن. أرجو أن تفكر بالموضوع. كما تعرف فهاجسي ، اي إنسحاري ، هو الكتابة عن شتى مستويات الواقع. أنا لا أستثني ( واقعنا ) بفينومينولوجيته الأليفة كما أسميتها أنت مرة ، إلا أنني أستغل هذا الواقع لأغراض عملية صرفة مثل الحفاظ على رباط ما مع القاريء الذي يملك الشبيه بالتجارب التي أطرحها غير أنه يدرجها في خانات سفلى أو يطردها تماما لأسباب معروفة. اكيد أن هذا الصنف من القراء ، و الكتاب بالطبع ، يأخذ بالمنطق وقوانين المستوى الشائع من الواقع. بالطبع ثمة فاصل واضح لديهم بين قصة من واقعهم وأخرى فنتازية ، سندبادية ، شهرزادية أو من كليلة ودمنة. فهنا ، أي في الفنتازي ، يرفع المحظور لكن ليس في قصة من ( واقعنا ). أنا في قصص ( ذلك المطر البارد ) لم أتجاوز كثيرا ذاك الفاصل من جهة ، ومن جهة أخرى لم امض بعيدا مع تقنيات النثر الحديثة. بالطبع هذا النأي ليس دافعه الحرص على علاقة ( صحيحة ) مع القاريء بل يعود الى قدراتي المحدودة في التعامل مع هذا الحديث. معلوم أن العلاقة مع القاريء ليست بالثابتة بسبب ظرفيتها : إنها في تبدل دائم يتناسب طرديا مع التبدلات في فن الكلمة عامة ، مثلا : الهوة أكبر من كبيرة بين قاريء المنفلوطي والآخرالمعجب ببروست مثلا...
29.10.2006
لم أقصد بما قلته في الرسالة الأخيرة التمسك بتقنية واحدة ، فهذا أمر له محاذيره ، وقد يتحول الى عادة سيئة أي غير خلاقة. وكان قصدي كسب تجارب أكثر في الكتابة وفق تلك التقنية. عندما قرأت قصتك لا أعرف لماذا تصورتها سيناريوها لفلم ( مثير )... هذا خريف مجدب ! أكيد أن الوضع الصحي يعيق ما أريد عمله فيما يخص الكتابة . آمل انه ظرف عابر. كنت قد توقفت عن كتابة تلك القصة العبثية . أنا أقول مجازا : العبثية ، فهي ، في واقع الحال ، أشد تطرفا في واقعيتها من كل هذه النتاجات النمطية المختومة بشعار الواقعية الذي يجده أصحابها وحلفاؤهم من نقاد وغيرهم بأنه سيبقى راهنا الى أبد الآبدين ! في الحقيقة أنا أجابه ايضا مشكلة تقنية : تزامن أربعة مصادر للصوت : كلام في الهاتف ، أغنية ، نعيق غربان ، ضجة الصباح في البيت. وقد يكون لديك مفتاح معين ...
29.10.2006
رسالتك الأخيرة نثر مرّكز جميل حقا. كان بيركيلي محقا حين قال عن عدم وجود شيء إسمه العالم الخارجي ، فكل ما في الأمر ، أي كل ما في هذه الخدعة الأبدية ، هو تلقفات حواسنا. الأصوات تفرض كينونتها علينا. بالطبع يمكننا رفضها لكن الى حدود معينة ، وفي المحصلة تدحر هي كل محاولات الكتم... لكن قل لي ياحسن هل ثمة حاجز فعلي بين كلى نوعي الأصوات - أصوات الداخل والخارج ؟ أكيد أن الجواب قريب من تلك الحافة التي تسمى ، بدافع الخمول البشري ، حافة الجنون. بعبارة أخرى هم يستثنون حالات معينة تخص أولئك الإنبياء الذين كانوا مغرمين بسماع الأصوات الداخلية ، وأحيانا يأخذون بمسرحة القضية كأن يهبط ملاكا على هذا أو تلك... لم أفهم بالضبط : هل تكتب عن فلم أم أنك تكتب سيناريو ؟ قرات ُ نصّك ( خطبة الجمعة ) ولم أجد فيّ غير رد فعل واحد يلخصه ذلك القول المتحفي : ... هكذا تورد الإبل ! لدي فكرة : عندما قرأت بضعة نصوص عن المثقف العراقي وجدت نفسي في واد آخر ! واحد يتكلم عن مدعي الثقافة أي كما نقول البوزجي ، وآخر عن إنتهازية وإنحطاط ( الفئة المتعلمة ) ، وأنا اتكلم عن المثقف الذي يحترق يوميا وليس بسبب النيران التي يشعلها البشر للبشرفقط بل هو يحترق ولأكثر من سبب ملعون ( أنا أشك بأن المتطوعين لإنقاذ البشر من صنف واحد فقط من الأوجاع ، قد قرأوا وهضموا ، مثلا ، جحيم هنري ميللر، المكيّف الهواء أو جدالات أميل سيوران مع الرب والمطلق وظاهرة الحياة والموت وكل الاشياء - الجوهر ). أكيد أني قد إعترفت لك قبلها بنفوري من كل نقاش مع كل من يحيا على إتفاق مع الشائع من الظواهر والأفكاروكل تلك الأبنية الفوقية، مع أولئك السعداء الذين يغفون على وسادة واحد زائد واحد يساوي إثنين ... كتبتُ اليوم في القصة العبثية قليلا. تلاحقني طوال الوقت فكرة ( جنونية ) : إختراق حاجز الصوت التقليدي، و السير بكل تواضع وراء أستاذنا جويس الذي لم يأبه تماما ب(أصول اللعبة )...
30.10.2006
أنت تدهشني حقا بصندوقك الألكتروني هذا. كتاب ( طفل الشيعة المسموم ) . هو شيء ممتع و مفيد : أعجبني كثيرا بصوره الحيّة النابضة التي تلبط مثل السمك. أعجبني هذا الحزٍّ والجزٍّ في الواقع الذي لم نلق عليه بشراستنا بل هو من لقحنا بها. ثق بأني كنت ومنذ زمن طويل أفكر وأتمنى ظهور مثل هذه النماذج للنثر الفني. شيطانك يا حسن مسكون بهاجس الفن ! إذن ، أرجو الإنسياق مع ( وساوسه ) وإكثرْ من فتح الصندوق...
30.10.2006
قبل أن تصلني رسالتاك كنت قد إنتهيت من تلك القصة العبثية ( بالطبع أقول هكذا مجازا ، فالعبث الحقيقي هو هذا الواقع المألوف ...) . أكيد أن نسقها ( الغريب ) يسبب عسر الهضم لبعضهم. لكن لاحيلة في اليد ، وحتى نبيهم قال مرة إن رضاء الناس غاية لاتدرك. ما يهمني هو رأي أقلية أوكتافيو باث... ستلاحظ بأني لم أتخلص تماما في القصة من منحى السخرية التي أخذ بها أساتذتنا الكبار أمثال سقراط وكيركيغورد وكامي وسيوران. سررت كثيرا لملاحظاتك النابهة عن القصة.
31.10.2006
القصة - السيناريو تحمل بلاشك ( علامتك الفارقة ). إنها عمل جيد حقا. بالطبع لدي ملاحظات تخص في الأساس مباديء التعامل مع فن الكلمة بالدرجة الأولى . كما بودي أن تلجأ الى سخرية من نوع أكثر نعومة ووفق كلمة ( اللبيب يفهم بالإشارة ) ، فنحن نكتب الى هذا الصنف من الناس. الصور ( السوريالية ) كثيرة في النص. وهنا عليك بمزيد من الرهافة. واضح أنك تكتب بعين سينمائي ، فكل شيء في النص ملتحم بالعدسة ، لكن لابد من مراعاة فن الكلمة طالما نلجأ إليه. مثلا كيف يبدو سيناريو ( الكلب الأندلسي ) أو ( العصر الذهبي ) ؟ أكيد أنه قد ( ُ كتب ) بلغة سينمائية وليس أدبية رغم أن بونويل كان يجيد الكتابة الأدبية أيضا . أرغب في ان أعمل أو أعثرعلى صورة مناسبة ل(الطفل ). أرجو الإنتظار قليلا. آمل ان تلقى قصتي ( الأصوات ) شيئا من إعجابك. بالنسبة لي أنت أحد قرائي الحقيقيين الذين يعدون بأصابع اليد ، أو اليدين إذا أردت الوقوعُ من جديد في حفرة التفاؤل...
1.11.2006
. كتبت مقدمة بسيطة لمجموعتك ( طفل الشيعة المسموم ). في الحقيقة هي تكرار ل( أفكارنا ) عن فن الكلمة. أرسلها للإطلاع. وقد تكون لديك ملاحظات معينة. أشكرك على إرسال بعض كتابات سينيكا. ولكم هي راهنة تأملاته المكرسة للوقت ! إليوت صاغ بعضها بشكل آخر، مثل : ما أفظع الحياة التي قضيناها بالعيش ... منذ ايام صرت أتصرف على العكس من نصائح سينيكا فيما يخص إحترام الوقت. ها أني أتنقل في القراءة بدون خطة ( محكمة ). أكيد أنه الخريف الذي يخفض التركيز ويدفع الى مقاومة السأم . مثلا أقرأ ، ربما للمرة الخامسة ، في كتاب موسوعي ثمين إقتنتيه منذ أيام الدراسة : تأريخ الآداب الأوربية كتبه أساتذة وباحثون بولنديون. إلا أن المؤلم فقدان جزء مهم من الكتاب : تأريخ الأدب الروسي وآداب أخرى من شرق أوربا. بالطبع هناك مصادر أخرى لكن الكلام يكون أكثر صوابا حين يتكلم سلافي عن سلافي آخر... هل سمعت ب( مرض ستندال )؟ كان يشكو من خفقان جنوني للقلب ومغص في البطن و دوار رأس حين يشاهد جداريات كنيسة سانتا كروتشه في فلورنسه ! طبيب يوضح بأن السبب كان يعود الى تبدل الوقت وتعب السفر والإحساس المكدر بمرور الوقت... فهذه الأعراض كانت تظهر حين كان الفرنسي يشاهد تمثال دافيد لميكاله أنجلو ولوحة باخوس لكارافاجيو ! وبعدها يقولون إن الإنسان سجين حواسه الخمس فقط...
2.11.2006
قرأت قصتك (الأفغاني ) وأعجبتني من جديد ( فلميتها ). عدت اليوم ، قليلا أيضا ! ، الى ( أوبريت ) غومبروفتش. البولون يقولون عن مثل هذا العمل بأنه شبيه برعاف الأنف ! أقرأ قصة يابانية طويلة ( لو كانت لكاتب عربي لأسماها : رواية ! ) لكاتب معروف لكن ليس عندنا. ربما سمعت به :هيساكي ماتسورا. فيه تقاطع مبتكر لثلاثة آداب - اليابانية ، الأوربية ، الأميركية. هذا إنطباعي. هو متعدد الإهتمامات والإبداعات : شاعر ، كاتب ، ناقد أدبي ، سينمائي ، مترجم ، مختص بالآداب الفرنسية والإيطالية والإسبانية ، أستاذ في جامعة طوكيو. كنت قد تابعت أخباره. هو من نخبة المثقفين الطوكيويين. أصدر كتابا جمع فيه مقالاته عن الفلم. أمتدحه النقاد كثيرا. كما أصدر مونوغرافيا مكرسة للفرنسي غودار. يميل الى كتابة القصص التي أصدرعدة مجاميع منها. تأكلني الرغبة في ترجمة هذه القصة...
4.11.2006
أستمع الآن الى أدفارد غرييغ ، النرويجي حتى العظم. عاش في ذلك ( العصر السعيد ) - النصف الثاني من القرن التاسع عشر. أسموه بشوبان الشمال. شيء طبيعي أن يقترب أيضا من هنريك إبسن ( هناك سمفونيته بإسم بير غينت الإبسنية أيضا ). الموسيقى هي أروع تعويض عن بخل السماء علينا...
4.11.2006
لا أظن ان هناك راعيا ل( القصة ) يجرؤ على مضاهاتك ! فقد صرتَ تجسّ نبضها كل ساعة تقريبا... قرأت مؤخرا كلمة جدانوفية بجذر تكعيبي لأحد البقالين في دكان الأدب العراقي. أعترف بأن رعشة زمهريرية سرت في البدن حين فقهت أنه ليس أمرا بعيد الإحتمال أن يشيّدوا "غولاغ " صغيرا " على قد الحال " ، في بلد الكمّاشتين أي الرافدين ...
5.11.2006
كنت أتابع أيضا أخبار الحكم على صدام. قد لا تعرف أنا ضد حكم الموت. ألا يكون عقابا صحيحا وناجعا لو قضى آل كابوني العراق بقية العمر في الكنس وتنظيف المرافق وإخضاعه لنظام السجون العراقية الذي لا أظنه بالمتساهل ؟ بالطبع سيكون مثل هذا الحكم مخففا ، بل ملائكيا بالمقارنة مع كل حكم كان يصدره على العراقيين... جاءت المشاهد التلفزيونية لقراءة الأحكام على صدام وجماعته تعبيرا سيركيا منفراعن تلك العملية البشعة : تحويل الحياة الى شعارات أو ترميز الى مخيلة متقيحة، مخيلة إستمناء... عدت الى ( أوبريت ) غومبروفتش. سيكون نصا صعبا على القاريء الذي لا يعرف ما هي الأوبريت من جهة ، ومن جهة أخرى يتصور أن لا حياة أخرى غير تلك التي يلتصق بها...
6.11.2006
كنت أترجم غومبروفتش ووجدت نفسي قد إنجرفت مع أفكار أخرى وقفت على رأسها فكرة أن أكتب عن قضية الساعة : الحكم على صدام ، والهوس الجماعي بأن شنقه هو عقاب رباني و ليس من صنع البشر... إذن كتبت ُ. لكن ليس بدافع الفضيحة بل لإيماني بأن ما أفكر به وأنطق وأكتبه هو عدم إبتعادي عن الحقيقة - الجوهر. وهذه كلمات وجدت من الضروري جعلها مقدمة لما أريد أن تطلع عليه بهذا الشأن. في واقع الحال أنا لم آت بشيء جديد بل محض تذكير بالإفكار التي طرحها كامي وكويستلر... لم يسعفني الوقت بترجمة شذرات من صنف اللأليء لألبير كامي ...
6.11.2006
وعدتك بشذرات من كامي. أرجو أن يكون إختياري صائبا بعض الشيء :
- لست متحمسا كبيرا للفلسفة الوجودية الشهيرة أكثر من اللازم - و أقول بصراحة إني أعتبر إستنتاجاتها زائفة . لكنها تمثل مغامرة عظيمة لفكر الإنسان. - الغاية تبرر الوسائل. ربما. لكن أي شيء يبرر الغاية ؟ هذا السؤال يبقيه الفكر التأريخي معلقا بينما يجيب التمرد : الوسائل. - الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي لا يقبل أن يكون كما هو. - التمرد شهوة مطلقة الى الحرية . بل على العكس إنه يقف ضدها. إنه يرفض السلطة التى لا حدود لها حين تهدم تلك الحدود التي لا يمكن التعرض لها. - كل واحد يحمل في نفسه الطاعون ، ولا أحد قد تخلص منه . ينبغي حراسة النفس بدون توقف كي لا نزفر في لحظة سهو ، الطاعون بوجه الإنسان الآخر. - في الناس هناك كثير من الأشياء التي تستحق الإعجاب وأكثر من الإحتقار. - على الدوام تحل الساعة في التأريخ حين يعاقب بالموت ذلك الذي يجرؤ على القول إن اثنين زائد إثنين يساوي أربعة. - الحياة الموّجهة بكاملها صوب النقود هي موت . والإنبعاث هو في إنعدام المصلحة. - لايعرف الإنسان أن يتعذب ولا أن يكون سعيدا لأمد طويل. إذن لا يصلح لأيء شيء يحسب له حساب. - في عز الشتاء إقتنعت بأني أحمل فيّ صيفا لا يقهر. - تكون الفلسفة ذات قيمة بقدر قيمة الفلاسفة. وكلما كان الإنسان أكبر كانت الفلسفة حقيقية. - الدواء الوحيد للضجرين من العيش في الجماعة هو العيش في مدينة كبيرة. إنها الصحراء الوحيدة التي بقيت أمام الإنسان. - الناس يموتون وهم غير سعداء. - من الأسهل أن تحقق النجاح لكن من الأصعب أن يكون عن إستحقاق. - رغم معناه العام يساوي الأمل التخلي عنه في الأهمية. وأن تحيا يعني أن لا تتخلى . - لاحرية للإنسان إلا حين يقهر الخوف من الموت. - ليكن عزاءا لنا أن ايّ ألم في العالم لا يستمر الى الأبد. العذاب ينتهي و يظهر الفرح و بهذه الصورة يتسعادلان في الأهمية. - الأصدقاء غير معنيين بالعواصف التي تعاني منها لكنهم بكل سرور يستفيدون من سفينتك. - هناك الناس الذين يبررون العالم و بحضورهم يعينون على الحياة. - هكذا نحب الماني الى درجة اننا نخشى تحقيقها. - هذا العالم هو العبث. - ينبغي حماية الجسد و ليس الأفكار. - الحرية ليست أكثرمن فرصة كي أن تكون أفضل. - كل ما أعرفه عن الأخلاق و الواجبات أدين بالفضل لكرة القدم. - هناك على الدوام فلسفة مناسبة لإنعدام الجرأة . - كل ثوري ينتهي كظالم أو هرطوقي. - أنا اتمرد إذن انا موجود. * - يقتفي كامي أيضا أثر الأخرين حين ُيخرج الإنسان من الكتلة البشرية بل من معاشرة الإنسان الآخر ، فهو يواجه النفس الفردية بالوجود . والأمر شبيه هنا بإخراجه السمكة من الماء. فيتولد غومبروفتش ( من يومياته )
عزيزي حسن . كان من الأصوب أن يقول غومبروفتش ذلك الفردي من طراز مبهم إذ لم تتحقق فرديته إلا بتواجد الآخرين ( كان ينفر من سارتر ، ولربما جاء موقفه هذا كتحدٍ لمقولة الفرنسي : الجحيم هو الآخرون ) : أن وضع الإنسان شبيه بالطريق المسدود ، وبصورة أدق شبيه بذلك الوضع في لعبة الشطرنج حين تنعدم أيّ إمكانية أمامك للقيام بنقلة لأحد البيادق، و ترى الوضع نفسه لدى اللاعب الاخر، أي أن هناك مأزقا في اللعبة لا يمكن التخلص منه إلا بإماتة الشاه ...
8.11.2006
سررت كثيرا برسالتيك. لو كنت مكانك ، أي مع مثل هذا الحمل الثمين على الظهر ، لهربت الى أبعد غابة فنلندية ! أحسدك على مثل هذه المطالعات الدسمة. كما تعرف الكثير متوفر عندي لكن القراءة بالعربية هي تجربة أخرى تماما كما لوأن الإنسان شعر بألفة طبيعية ... كما أحسدك على هؤلاء الأصدقاء النشطين ( تذكرت " كسل " صديقى الراحل نزار عباس حين اطلب منه بعض الكتب العربية ، أي غير المترجمة الى العربية ،. كان يقول : تعال الى بغداد و خذ ما يعجبك من مكتبتي ! برأيي أنها كانت من أثمن المكتبات ، فنزار كان من أذكى القراء... ) في الحقيقة يبدو النت ، ومعه التلفزيون ، كأنه يعتاش على مأساة العراق أو كونه متفرجا ذا نفسية معوّجة هنا وهناك. كلمتي عن صدام مجرد تعبير عن هاجسي القديم : عدم الإنجراف مع أيّ هلوسة جماعية... أبعث إليك من جديد بشذرات كامي . الأولى كثرت فيها الأخطاء الطباعية التي لم أجدها في رسالتيك ! لا أعرف يا عزيزي كيف هو منظرك مع حمل الظهر ... هناك صورتك متكئاً على حاجز ووراءك الكاميرا . إلا أن الحمل بدا فيها خفيفا . أكيد أن إنحناءة الظهر كانت بسبب الإتكاء ! تجولت البارحة في النت لغرض واحد فقط : إصطياد شذرات ! كما تعرف هو جاذب لايقاوم في معظم الأحيان أن نسمع ما يقوله الأكثر حكمة منا : - الشعب الأكثر حكمة في العالم هم الصينيون من دون شك. إخترعوا الطباعة وليس الصحف ، إخترعوا البارود لكن للألعاب النارية فقط ، إخترعوا في الأخير البوصلة لكنهم صرفوا النظر عن إكتشاف أميركا. شارلي شابلن - لوكان ناس الكهوف يعرفون الضحك لكان تأريخ العالم مغايرا. أوسكار وايلد - الفارق بين الرب والمؤرخين يعتمد بالدرجة الرئيسية على أن الرب لايقدرعلى تغيير الماضي . صاموئيل بتلر - التأريخ هو مجموعة من الأكاذيب متفق عليها. نابليون بونابرته - أخونا ليس جارنا بل جار جارنا. هكذا يفكر كل شعب. نيتشه - جميع الشعوب تملك في تأريخها وقائعا لكانت رائعة حين تكون حقيقية. ديديرو - البلد غير السعيد هو البلد الذي يحتاج الى الأبطال. بريخت - عالم الرجل الأميركي كبير كبر صحيفته. آينشتاين - اللامنتهى والأزلية هما الوثوق الوحيد والأكبر. كيركيغورد - الرب يرى ، الوقت يمر سريعا ، الموت يطارد ، الأزلية تنتظر. ُكتبت على شاهد قبر... - الوقت لايسرع بل نحن لا نلحق به . ليف تولستوي - الوقت معلم كبير ، لكنه يقتل تلامذته. هكتور برليوز - أن تكتب يوميات معناه أن تكتسب عادات الحارس - تسجل الصغائر وتقف عندها وتمنح ما تلقاه أهمية كبرى ، أي أن تصبح كاتبا بأسوأ معنى لهذه الكلمة . أميل سيوران - من الخطا أن تسهّل المهمة على القاريء. سوف لن يكون ممتنا لكم. هو ببساطة لا يحب أن يفهم ، بل يحب المراوحة في مكانه ، والتعمق ، يحب أن يكون ( ُمعاقبَا ً ). ومن هنا مكانة المؤلفين غير الواضحين ، ومن هنا العمر الطويل للبلبلة confusion . أميل سيوران - العصفور : كم من الوقت عليّ الزقزقة كي يأتي الربيع. كاريل تشابيك - الساسة هم متشابهون في كل مكان. يعدون ببناء جسر وحتى هناك حيث لايوجد نهر. خروشتشوف - العقل هو أحكم دواء ضد التعصب والكراهية والإستعبااد والقهر. سلمان رشدي - الخطيئة الأسوأ للرأسمالية هي إذلالها للفرد. آينشتاين - الدوغما ليست إلا حظرا سافرا للتفكير. فيورباخ - الحرية هي الحق في عمل كل شيء لا يضر بالآخرين . ماركس - الإيمان بالمرجعيات يدفع الى قبول أخطائها كقدوات ٍ. ليف تولستوي - لا المسيحية ولا بقية الأديان إستطاعت أن تغيّر الإنسان الى أفضل. نيتشه - بمقدور الأخلاق أن تصبح أقسى أنواع القهر. نيتشه
9.11.2006
أظنك قد إلتهمت نصف الغذاء الروحي الموجود في حقيبة الظهر ! أنا مغتبط لكونك تملك مثل هذه السعادة ... منذ أيام تمدد الخريف في خلاياي : كل شيء يجري ببطء قاتل ! وكما يبدو وأحس به مصحوبا بألم يعرف قسوته كل من يكتب حصلت مؤامرة - مؤامرة الذاكرة مع الوقت. ببساطة دحرتني لغة غومبروفتش بل بالأحرى لغاته : " فصحى" ، عامية ، ثالثة مستعارة من مقاهي باريس ، رابعة جاءت من صالونات الأرستقراطية البولندية من ذاك الزمان... عندما تركت غومبروفتش ، بالطبع ليس نهائيا ، توجهت ُ صوب ري برادبري صاحب 451 درجة فهرنهايت ، في قصة قصيرة له بعنوان غريب ( سفرة طولها مليون سنة ). قصة شفافة تكاد تكون للأطفال. هذه المرة كانت الذاكرة معي بيد أن الوقت إنفلت من بين الأصابع... عدتُ البارحة الى أندريه جيد. قرأت عن حياته. كانت أكبر نكبة حلت به هي البيت وبالضبط أمه المتزمتة. دخل جيد أكثر من ( باب ضيّق ) لكنه لم يخن الحقيقة ولولمرة واحدة.. رغم ذلك كان هو القائل إن كل من ينساق لكل الإغراءات إنما يبدد طاقته وينتهي بالفناء الذاتي. الغريب أن صاحب ( اللاأخلاقي ) كان القائل بأنه ليس هناك من أخلاقيات من دون زهد. زار مرة الكونغو وراعه البؤس البشري ومن ثم جاءت كلمته التي يلفها ألف شك: الناس أهم من الإنسان. ثم ناقض نفسه حين قال إن العالم لا ينقذه أحد غير حفنة رجال... ما أعجبني فيه أيضا مراقبته لرجال القلم الذين ما زالوا يصولون ويجولون في الصالونات الأدبية التي أبدلت اليوم هيئاتها ومقراتها... قال مثلا إن الصالون الأدبي هو مجرد ( وكالة للدعاية التجارية ) ليس فيها غير خليط من الخبث والإدعاء الفارغ... تركتُ جيد وذهبت الى نوفاليس ! للأسف لم أبق طويلا معه ( هذه المرة لم أفلح في فك إسار الوقت ...) . إليك بعض الشذرات النوفاليسية : - الحياة هي مرض النفس. - من الأفضل ان تحلم وليس أن تحيا . - الحب الحقيقي هو لقاء روحين ( خارج الزمن ).
9.11.2006
أنا بإنتظار قصتك الجديدة ا. يهمني أن لا تهمل نصوصك، و تخرجها من ذلك الصندوق . فمكانها الطبيعي في الضوء... أرجو أن يبحث الخريف عن ضحية أخرى غيري ، فأنا مشغول جدا ولاوقت لدي للدخول معه في مناورات ! وفي الأخير قد لاتكون هي خسارة كبيرة إذا إخترتُ الصمت لأجل غير مسمى...

11.11.2006
كنت أتوقع مثل رد الفعل هذا لديك إزاء العلاقة الحميمة التي تشد أحدنا الى الآخر. لا أريد هنا أن أوقعك في سوء فهم إذا قلت بأنه يندر أن عثرت على صلة مناسبة مع ممثلي جيلي من الكتاب والفنانين. ومن كان من المقربين إليّ ختموا ( ملهاة الوجود ) في شتى الفترات ( ربما بقي واحد أو إثنان ). من ناحية أخرى أنا معك في رفض التقسيم الزمني. فقدر هائل من السكينة والقناعة يأتيني مثلا حين أتكلم مع الأطفال بل حين ألهو معهم. أكيد أنها محفورة في داخلي كلمات كيركيغورد حين علق الأمل على الأطفال ، ولأن البالغين لا رجاء فيهم ، بل هو قد توّجه هنا بنداء الى ربّه كي ينقذه منهم ! بإختصار أنا أعي الزمن وحده وليس عواقبا معينة لهيمنته علينا. وفي الأخير يكون الأمر في منتهى الوضوح حين أشعر بقطيعة وغربة مع الذهنيات السائدة التي تفرز غالبية النتاجات التي ننشرها في ( القصة ) لأسباب نعرفها نحن الإثنين ... أشكرك على مشاعرك وأهنيء النفس على هذه الصلة التي هي أصفى من البلور...
1611.2006
أكيد أنك مشغول بأكثر من أمر واحد. كيف العمل في مجموعتك ؟ أنا مشغول أيضا بأكثر من أمر. رغم ذلك أترجم وأكتب ولوكان ذلك قليلا. عدتُ الى كيركيغورد ( إسمه بالدنماركية أبسط : كييغه - غو ! ) . أدوّن ملاحظات كثيرة عند قراءتي من جديد ل( التكرار ) الذي عاد فيه الى مناورة الرومانسيين التقنية في الكتابة ( هي مغرية حقا وأنا وقعت مرة أو مرتين في شباكها ! ): أحدهم يعثرعلى مخطوطة تحوي قصة ما ... لكن هذا محض غلاف خارجي. الفحوى الكيركيغوردية وقوف عنيف آخر بوجه هيغل... عاد أيضا تأنيب الضمير : لم أواصل ترجمة كيركغورد. كما تعرف ليست المسألة بهذه البساطة. المترجمون الغربيون ، وحتى من أميركا اللاتينية ( أما اليابانيون فيسيطرعليهم هنا هاجس الدقة السويسرية ! ) ، يقضون شطرا من حياتهم في ترجمة الدنماركي. بالطبع مترجمونا يأخذون بقول ( شله وأعبرْ ) المأثور !
17.11.2006
أعمل أحيانا بصورة مكثفة حين يكشف الخريف عن وجه صاف ! ففي اليومين الأخيرين مضيت أبعد فيما يخص تدوين اليوميات. فيها عدت الى صديقيّ الوفيين : غومبروفتش و كيركغورد ! الأول يفتح شدقيه ويطلق ضحكات مرّة بوجه الحياة ، والثاني ينزوي في ركن ذي إنارة متواضعة حين تتقدم الحياة صوبه... صرتُ لا أعرف يا عزيزي كيف أفترق مع أمثال هؤلاء الأصدقاء المخلصين... أكيد أن هناك أصدقاء آخرين و أنا لم أفقد الأمل في العثور عليهم ونسج العلاقة. إجتزأت من اليوميات الجديدة شذرات لكيركيغورد :
- للفلاسفة الحق كله عندما يقولون إنه ينبغي فهم الحياة عند النظر الى الوراء . لكنهم ينسون أنه ينبغي مواصلة الحياة. - المجازفة في فقدان التوازن تستمر للحظة واحدة لكن حين لا يجازف الإنسان البتة إنما يفقد نفسه الى الأبد.

- في كل واحد تتغلب الميول الحيوانية ويؤمن بصورة وطيدة بأن الجمع البشري يعني أكثر من الفرد في حين أن الروح هي شيء مناقض تماما ، إذ أن الفرد يعني أكثر من الجمع وأن كل إنسان يمكن أن يصبح إياه ( الفرد ). - أكثرية الناس هي ذاتوية فيما يتعلق بالنفس ، وموضوعية فيما يتعلق بالأخرين. و أحيانا تكون هي موضوعية بصورة مفزعة – لكن الهدف الصحيح هو أن تكون أنت موضوعياً إزاء النفس وذاتويا إزاء الأخرين جميعا. - الصمت هو جوهر الحياة الداخلية. - لكي نتغلب على الخوف واليأس علينا أن نصبح فردية ً " تكرسا للنفس "، ونختار دائما النفس وليس الآخرين. - عندما أصبح الإنسان شقيا الى درجة معرفته بوجوده البائس بعمق ٍ يسمح له بالقول الصادق إن الحياة لا تملك لديّ قيمة إلا حين تملك القيمة الأعلى. - ( ... ) لم أكن جريئا الى درجة القول إن العالم سيء . وأنا قوم بتفرقة : المسيحية تعلم بأن العالم سيء. لكني أجرؤ على القول بهذه الصورة وأنا بعيد للغاية عن النقاء الداخلي. لكني أقول : العالم هو بائس وحياتي كلها هي هكذا ( ...) - تصورتُ أن هدفي في الحياة إظهار الحقيقة بالقدر الذي إكتشفتها فيه ولكي أدمر ، بهذه الطريقة ، جميع المرجعيات الممكنة. - ( كان كيركيغورد يشير بدون إنقطاع الى أن ما هو الأكثر بؤسا ويستحق الإحتقار في الكائنات البشرية يأتي من البحث عن السعادة الأرضية.) - ولدتُ في عام 1813 ، وفي هذا العام المجنون أُنزل الى السوق الكثير من أوراق النقد المزيفة ، ومن الأفضل مقارنتي بإحداها. فيّ شيء ما يشير الى العظمة لكن نظرا للحالة الجنونية للقضايا أنا لا ِأملك قيمة الى حد كبير, - لماذا لم أترعرع مثل بقية الأطفال ، لماذا لم تغمرني السعادة ، لماذا كان عليّ ، بصورة مبكرة ، أن أنظر الى مملكة الشكوى ، لماذا جئت ُ الى العالم وفيّ هذا الخوف الذي يظهر لي دائما وجهه ، ولماذا كانت كافية تسعة أشهر كي تجعل مني عجوزا في بطن أمي وأولد عجوزا وليس طفلا . - عدا الحلقة الكبيرة من المعارف الذين أقيمُ ، عامة ، معهم علاقات سطحية جدا ، أنا أملك كاتمة َ أسرار ٍ confident واحدة قريبة مني : ميلانخولاي ، إنها هي التي ُتحيّني وسط اللهو والعمل ، وتدعوني إليها. إذن أذهبُ وحتى لو مكث جسمي في مكانه. إنها السيدة الأكثر إخلاصا من كل من عرفتهن. إذن لا غرابة في أن عليّ المضي فورا ً وراءها. - من غير الممكن العثور على الرب في الطبيعة. - الفردانية هي وحدة الوجود أمام الرب. لايمكن لها أن تبقى وحدها. إنها بحاجة الى سياق إجتماعي كي تكون مطابقة لنفسها ( مالكة لهويتها ).
17.11.2006
خبر نشر القصص مفرح جدا حقا ً وبألفين نسخة ! بالطبع سأكتب بكل إعتزاز كلمة عن المجموعة. سوف لن تكون من باب المجاملة ، فأنت تعرف رأيي بنتاجك القصصي . بخصوص الغلاف : هل تريد أن أعمل لك غلافا ثم يأتيك الثاني من صديقك وبعدها تختار الذي يعجبك ؟ أرجو إخباري.
18.11.2006
البارحة راجعتُ القصة الأولى ( جريدة عسكرية ). كنت قد راجعتها من قبل لكني الآن وجدت أن من الضروري التوقف هنا وهناك فيما يخص الأسلوب. تجد ملاحظاتي بين قوسين. بعضها يتعلق بالتشبيهات والنعوت التي لابد من تطويعها حين ننقلها من منطقة الشعر الى الآخرى النثرية. بالطبع ما أقوله ليست من المباديء الصارمة والمطلقة لكني وجدت في هذه القصة ( طرحا مباشرا ) لها. أبعث بالغلاف الذي أعددته ل( الطفل ). وبدون تحيّز مني كمصمم له ، أجده يستحق الإعجاب!
18.11.2006
تجد الآن الكلمة. بقيت هناك بضع قصص للمراجعة. أملي كبير في أن تصلك صباح الغد.
[ تمثل قصص حسن بلاسم تيارا متفردا في أدبنا اليوم. وشأن الممثلين الآخرين لهذا التيار ليس قصده الإثارة وخرق المحظور تطمينا ً لرغبة غير صحية تنحو صوب فضائحية رخيصة. وقد يعزز بعض المظاهر مثل هذه الشكوك. لكنها مجرد مظاهرخادعة. فقصص حسن بلاسم ، شأن كتاباته الأخرى من شعر وسيناريوهات وغيرها، هي شبيهة كل الشبه بما يفعله مشرط الجرّاح وهو يحزّ في الإنسجة الحية ويقطع أوعية الدم لكن الغرض ، هنا ، ليس تفريغا لقسوة أو تطميناً لسادية ما. الغرض هو فتح نوافذ للتهوية وطرد كل هذا الهواء الفاسد الذي يخيل لنا أنه قد جاء من عصور الديناصورات وبقي راكدا في الرئة والنفس والذهن. ومن الواضح أن عملية كهذه لا تخلو من العنف والإزاحة الفظة لما ُبلي من الستر وحجبَ َالحياة الحقيقية التي يصعب تهميشها في بعد واحد حسب. يسهل الإستنتاج أن حسن بلاسم لم يقطع بعد أشواطا طويلة في دربه القصصي. إلا أن إنجازه يدفعنا جميعا ، عدا المكابرين والآخرين المدمنين على إستنشاق ذلك الهواء الفاسد ، الى الإعتراف بقدرته السردية وخصوبة مخيلته الفنية. كما يسهل ملاحظة هذه الصيغة من التضافر أوالتكافل بين القاص والسيناريست والفنان الواقف وراء الكاميرا السينمائية. فهذه القصص جاءت ثمرة لتعامل خاص يمارسه الإثنان : القاص والسينمائي. وعليه يكون خلق الصور وإنثيالها بمثل هذه الوتائر هو نوع من التلقيح الناجح لأداتين في الفن : اللغة والكاميرا. بالطبع هناك صيغ في الكتابة القصصية جاءت بها كل فتوحات الأدب الحديث ، منذ أزمان ما قبل جويس وبعده أيضا ، وأصبحت بالغة الشيوع في آداب العالم . وواضح أن التيار الذي يكون حسن بلاسم أحد ممثليه قد أخذ بهذه الصيغ مما يكون أمرا بدهيا لايبتعد عن طبيعة الاشياء. ومفهومٌ أن المهم هو الفعل الفني وليس ساحته ... إن هذا الصنف من القصة لايزال يافعا ، وإن لم يكن وليدا ، في أدب المشرق العربي خاصة. ولايحتاج الأمر الى إفراط في التفاؤل إذا قلنا إن قصة حسن بلاسم ستغتني بتجارب أكثر نضجا كي تسهم بجدارة في تمثيل قصة عربية جديدة عن حق. عدنان المبارك ]
19.11.2006 عند المراجعة تلبسني شعور بأنني أقرأ إعترافات شبيهة ببوح كيركيغورد ، وخاصة في( كلب جياكوميتي ). فللشكوى مصادر متشابهة في عدد من النصوص وإن إختلفت سبل طرحها... لا أعرف هل ترجموا كثيرا لصديقنا الدنماركي الى العربية. إذا لم يحصل هذا فستكون خسارة أكبر من فقدان مكان في جنان الخلد الموعودة !
19.11.2006
نصوصك لا ينقصها غير السيطرة والتحكم بقنوات الطرح. أنا أعرف أن من الصعب تحقيق كامل الرضا لكن لابد من المزيد من العرق ... كلمتك في ( القصة ) حققت لي بعض الإنفراج . أكيد أنها سببت الإزعاج لهذا وذاك لكن ليس هذا هو المهم بل مفعولها الإيقاظي . وفي كل الأحوال ليفقهوا بأن هناك غرائز أخرى غيرغريزة القطيع التي يطلقون لها العنان ليل نهار وكأنها فلم هندي خرافي الطول.
21.11.2006
أريدك أن تواصل المغامرة مع الكتابة. أما اللغة فهي عملية تراكم طويلة ، روتينية تشبه في أغلب الأحيان بنية الكلمات المتقاطعة : أنت تعرف الغالبية العظمى من الكلمات لكن كلمة أو بضع تقف لك بالمرصاد ! أرجو أن لا تبالغ في غمّ اللغة. يكفي هنا القليل من المثابرة. لا أقول بأن اللغة عندك غانية لاتمنح بل تثير الشهوات فقط . أبدا. غالبما تدهشني حريتك في التعبير وخلق الصور ثم تلك التداعيات المبتكرة ، وكما كتبت في كلمتي للقصص بما معناه أنها حالة لافتة حين يتزاوج رصدان أحدهما للكاتب والثاني للسينمائي. بصراحة أنت يا حسن مشروع كاتب مرشح للقيام بخطوة واسعة بل قفزة فوق كل هذا الركام المزيّن بديكور اللغة ، وحتى هذه ، أي لغة الأكثرية الراضية عن نفسها ليل نهار والتي ينهشها طموح فارغ فراغ البيضة التي ُشفط بياضها وصفارها ، هي نتاج بلاستيكي من مصانع ليغو المشهورة ! وعليه آمل أن تتراجع عن كلمات : ( لن أغامر بعد هذا الكتاب... ). وقد تختلف اللغة ، لكن ليس كثيرا ، عن بقية الوسائط التي تنقل الفنان الى حالة تجسيد ما ترهصه مخيلته... الكوابيس. فن التعايش معها هو من أصعب الفنون. أكيد أن كوابيس العراق تحمل ماركة هذا العصرالذي أعادنا الى همجيتنا القديمة لكن بسبل مسماة حضارية ، وإلا ما الفارق بين الإجهازعلى الإنسان بهراوة كهوفية أو بقنبلة عنقودية... هو أمر أكثر من كونه مفجعا أن يخسر العراق الآن فرصة تأريخية أخرى...
24.11.2006
يزداد يقيني أن العراق دخل طريقا مسدودا. غرورالقوة العظمى الأميركاني يحول دون الإتفاق مع الملالي حول البعير العراقي ولذلك تتكاثر عليه السكاكين. هكذا هي السياسة دائما. مساومات بازارية بائسة على حساب الآخرين بالطبع. أميركا غانغسترية العشرينات كانت بحال أفضل من حال هذه الدولة العراقية الكسيفة التي لم يبق تحت سيطرتها ولا حتى عشرة كيلو أمتار مربعة... أنا أكتم الألم عادة ًولاأريد أن أحوّله الى صراخ. لكن مثل هذا التصاعد الجنوني للقتل ، وقد خطط له بالطبع ، يخرج حتى الملائكة عن أطوارها... تجولت اليوم قليلا ثم توجهت الى المكتبة. الكتب العربية كثيرة ، معظمها روايات. تدهشني دائما ، بالأحرى تفزعني ، مثل هذه القدرة الإنتاجية ! أسماء بالعشرات تعلن عنها دور نشر معروفة. أكيد أنه إسهال أدبي ! يكفينا أن نعرف أن قاصا لامعا مثل عبدالملك نوري لم ينشروا له غير مجموعة واحدة ( نشيد الأرض ) ثم مسرحيته ( خشب ومخمل ) ، واليوم نجد أن كل ( لحيمي ) صار يحلق عاليا ! أقول هذا وليس فيّ ولا ذرة حسد واحدة ، بل لأني موقن من أن العامل الحاسم هنا هو الفلوس المدفوعة للناشر.
26.11.2006
الكل قلقون . العنف يتصاعد بوتائر جنونية . من الصواب أن يوّجه إصبع الإتهام الى الكل ، وبدون إستثناء ، الى المخططين والمنفذين سواء أكان هؤلاء يعلمون أولا يعلمون. كل شيء يدل أيضا على أنها ستكون أفظع من الأفغنة أو اللبننة أو أيّ جحيم آخر. فتركة الماضيين القريب والبعيد تقذف بحممها اليوم بعد أن كانت فوهة البركان مسدودة. قرأت مرة قصة لجون شتاينبيك عن لؤلؤة أصطادها صياد فقير وتحولت الى نقمة عليه. هكذا حالنا مع النفط الذي لو لم يكن لكنا من شعوب العالم السعيدة التي تعيش على السياحة والزراعة ، ولما فارقت الإبتسامة وجوهنا - فمن يستقبل السائح بوجه متجهم... الحديث عن النشر العربي ذو شجون كما يقال. فهذا النشر هو مرض عضال شأن بقية أمراضنا ، وما أكثرها. بمقدوري أن أنشر وأنشر إذا دفعت الثمن ، وهو ليس بالمادي فقط ...
28.11.2006
سأقرأ نصوصك ( العيون ) غدا. كنت في المجر عدة مرات إلا أني كنت أشرب نبيذهم فقط. أكيد أن لديهم شرابا شبيها بالفودكا لكني لا أتذكر أني إقتربت منه في إحدى المرات ... أما السكائر فأنا أتفق معك بأن تركها هو فعل شبيه بالأعجوبة. أنا تركتها مرتين. الأولى إستمرت بضع سنوات ، والثانية الى يومنا هذا ! لا أعرف كيف حصل لي ذلك. كان مجرد قرار وعمليات تعذيب صغيرة ، وكبيرة أيضا ، في كل يوم ... قضيتُ اليوم ساعات أخرى مع غومبروفتش. لولا الإنشغالات الأخرى لكنت قد أنهيت الترجمة. عدت قليلا الى بورخيس. أقرا له نصا بديعا بعنوان ( تأريخ الأبدية ). كان هاجس الزمن الأشد شراسة من بين كل هواجسه. يستشهد هنا بأبيات من ميغويل أونامونو ( هذا المعذب الذي تعلم الدنماركية كي يقرأ كيركيغورد بلغته ) : نهر الساعات الليلي يجري من منبعه الذي هو الغد الأبدي ... في نيتي ترجمة نص بورخيس بعد الإنتهاء من ( أوبريت ) غومبروفتش.
28.11.2006
لم أنه غومبروفتش ( بقيت صفحة و نصف لكني شعرت بضرورة التوقف ! ). إنقضى اليوم في أمور العيش الذي هو ملعون في كل الأحوال ، فهو من يغتال الحياة في كل ساعة... قرأت اليوم ، قليلا أيضا ، بعض قصص بو. يالها من مخيلة ! ويا لها من ريادة أيضا. في بعض قصصه يبدو أكثر حداثة من هذا وذاك ... لا أعرف لم هذه العودة الى الكتب والأسماء القديمة. ربما السبب في هذه الطوابق من الغث الحاضر !
28.11.2006
أعددت الرسم ل( العيون ). الباعث هو إعجابي بمثل هذه ( المتفجرات ) الشعرية. سيأتيني بعض المتعة إذا رافق الرسم تلك ( العيون ). قبل ساعات وجدت نفسي عاجزا عن الكتابة والقراءة أيضا ، فرحتُ الى التشكيل بمرافقة موسيقى كلود ديبيسي وأصدقاء آخرين. قد يكون الإستماع الى مونيه الموسيقى هذا نوعا من رد الفعل على فظاعات العالم الخارجي ( في إحدى قصصي يلعن بطلها حرب صدام مع إيران التي اطلقت صاروخا أخطأ هدفه في بغداد. كان البطل يستمع حينها الى موتسارت الذي أجهز الصاروخ عليه ...). لا أعرف لم تذكرت كلمة أورويل حين قرأت ( العيون ) : النثر هو كتابة من أجل تأثير المضمون ، والشعر كتابة من أجل تأثير الكلمات. إذن ، كان الرب حكيما جدا حين همس ( في البدء كانت الكلمة ) ...
29.11.2006
مشروعكم عن مركز الفلم القصير من المشاريع الضرورية والملحة. كما تعرف الفلم القصير لامستقبل جماهيري له إذا عرض بصورة مستقلة لكنه فرصة كبرى للسينمائي الذي يعمل في ظروف كظروف العراق...
5.12.2006
إنشغلت مع غومبروفتش الذي سرق مني جزءا لا يستهان به مما بقي من حيوية ! ثم جاءتني قصة جديدة تبين أنها أقوى من هذا الإحتياطي الهزيل من الطاقة ! ( تكملتها قد تحصل في السنة الجديدة ! ) رغم ذلك أشعر ببعض الرضا ( هو شيء نادر أن نملك بعضه في هذا اليباب المدمّى ! ). أبعث بأوبريت مع الغلاف الذي كنت قد أرسلته من قبل لكن ربما إختبأ في مكان ما في بريدك... قراءة ( أوبريت ) صعبة جدا وتتطلب قدرا ليس بالصغير من سرحة مخيلة. لكن هذه لا تفتقد عندك...
7.12.2066
عاشت إيدك على هذه الخدمة و أقصد هنا بالضبط تجديد ( القصة العراقية )، والتي تؤديها للثقافة العراقية التي تنتظر أن يخرجها أحد من تابوتها ... وكما يبدو كان حظ بطلة " أوبريت " غومبروفتش أسعد بكثير حين خرجت عارية من تابوتها ... بالطبع أنا أفضل أن تخرج ثقافتنا عارية أيضا وبدون كفن - لا أسود ولا أبيض ولا أحمر و لا غيره...
9.12.2006
قبل قليل إنتهيت من كتابة قصة لم أكن قد خططت لها في هذه الأيام . وقد تكون كرد فعل ، غير سريع بالطبع ، على بعض ما يحدث فيّ و الخارج... لا أعرف كيف هزمتُ الوقت وكتبت وعملت رسما لهذه القصة أيضا ! أملي أن تحقق لك بعض المتعة عند قراءتها. سأعود الى ترجمة بورخيس وكتابة نص ترحيبي بعودة موقعك ( الفيل ).
12.12.2006
تعليقك جميل على القصة الأخيرة. أعترف بأنه كانت هناك حمى خفيفة أثناء كتابتها. السبب ؟ في الواقع العملي يكون السبب كل شيء ! ربما هو إنفصام أو بلغة الطب النفساني فصام يشتد ويخفت في كل واحد منا حين يجيل البصر حواليه بدءاً بمجازر العراق وإنتهاءا بلامعنى الوجود الذي يقودنا من حين الى آخر الى تلك العدمية ( النبيلة ) التي نجدها أيضا في كلمة سارتر المعروفة : الأمر سواء أن تسكر في حانة أو أن تقود الشعوب ...

15.12.2006
ما كتبته عن مدارسكم في السبعينات والثمانينات والتسعينات يدفعني الى الإعتقاد بأننا نحن ديناصورات الأربعينات والخمسينات والستينات كنا أسعد حظا ، ففي زمننا لم يظهر أيُّ كاليغولا مهووس بجمع لعب الحرب ومن ثم اللهو بها بعد أن يقوم بتحويلها الى أسلحة قتل ودمار. كلامك عن الأدب العراقي هو تشخيص معروف لدى الكل عدا محترفيه وهواته المغرمين بالسقوط الدائم في هذه الحفرة وتلك. والأمر يبدو كأن هناك بكتيريا أفسدت الدم والدماغ وطبقات الأنا. غالبما أقف عند أسباب كل هذا وأظل أفكر وكلي دهشة : كيف لم توقظ كل هذه الصدمات والرجات ، الحضارية منها وغير الحضارية ، هؤلاء الكتاب السائرين في نوم لا يقظة فيه ! والإثارة المفجعة تحصل حين يدخلون في ربع يقظة وتتلبسهم الأوهام ، فهم فقدوا تماما القدرة على التمييز بين السبات واليقظة ، وكل من هو يقظ يعتبرونه من دعاة النوم ! والأمر يذكر الى حد كبير ببطل ( بلد العميان ) لويلز ، وأنت تعرف قصدي هنا... أظنك محقا حين تقول بأنهم بإنتظار ظهورأدب كبير بعد صدام. و ياله من إنتظار عقيم وأبدي بل غودوي !. الأدب الكبير لا يحتاج الى عكازات سياسية أو غيرها. في روسيا المقهورة والبائسة ظهر ذلك الأدب العظيم. وجماعتنا تنتظر أن يشتعل موقد أدبهم بعد إنطلاق بضع شرارات جاهلين أن حطبهم لا يصلح لمثل هذا الموقد. فهو رطب ومنخور! ولماذا ؟ لأنه طال أمد خزنه في تلك الأقبية المظلمة...
17.12.2006
أعترف لك ، و أظنني سبق أن إعترفت ، بأني أخشى كثيرا ترجمة كيركيغورد. الإشكال ليس مع الترجمة بل مع نصوص الدنماركي التي عذبت الجميع وبينهم الناشر الدنماركي ! بالطبع خشيتي من أن أقع في حفرة إيهام القاريء ، وكما تعرف فهي الموجعة أكثر من غيرها. لكن لابد من المثابرة... من ناحية أخرى أنا لا أتابع ما يترجم الى العربية ، فقد تكون هناك تراجم لكيركغورد. وقبل سنوات شكا صديقي الراحل نزار عباس من عدم توفر تراجم للدنماركي . وعدته بترجمة بعض نصوصه ، وهكذا جاءت ترجمة من ( المرض حتى الموت ) و( إما وإما ). ما لاحظته أن عليّ التفرغ للترجمة تماما في حالة كيركيغورد والدخول في دائرته السحرية وعدم الإلتفات الى أعمال كتابية أخرى. ، أي " التصومع " مع سورين ! كتبت قليلا في قصة كنت قد تكلمت عنها في رسالة سابقة. لا أعرف لم يلاحقني المونتاج الفلمي عند الكتابة السردية الآن. أكيد أن إغراء هذه التقنية من النوع الذي لا يقاوم ... أكتب عن بيلا هامفاش أيضا ل( تجارب ). رغم أني قرأت القليل من أعماله ( قصته التي ترجمتها ، أي " كيركغارد في صقلية " ، وبضعة مقالات رائعة و أجزاء من روايته الفذة " كرنفال " ) أشعر بقرابة روحية مع هذا الفيلسوف والكاتب الذي كان معجبا ب( إثنيني ): نيتشه وكيركغورد. وكأن عذاب اليأس والوجود على مثل هذا الكوكب لم يكفه فجاءته شتى أنواع العذابات الأخرى - عذاب العيش المادي وعذاب كوابيس النظام وكهنته من أمثال جيورجي لوكاش. لك أن تتصور بأنه قضى عقودا من حياته ، في زمن الجنة الإفتراضية ، يكسب خبزه كعامل غير ماهر( إشتغل لسنوات طويلة في أحد المخازن ! ). وكتبتُ أن مالرو أسمى روايته القصيرة تلك ( زمن الإحتقار ) إيماءة منه الى الفاشية. لا أعرف هل ترجمت الى العربية أم لا . تتكلم هي عن شيوعي من معسكر هتلري للإعتقال. نشرها مالرو في عام 1935 وحينها كان هامفاش من الأسماء المجرية الكبيرة ... في كل الأحوال يبدو لي أن النشر العربي فقير فيما يخص الأعمال التي تتكلم عن زمن آخر للإحتقار- زمن السوفييت ...
24.12.2006
أظنه العيد منذ يوم أمس ، والآخر منذ اليوم ، وبعد أسبوع ستقدم " شكليات " أخرى. لا أعرف هل ثمة أعياد حقيقية اليوم. كانت هذه في ذلك الزمن الأسطوري ، زمن الطفولة... إستيقظت بعد التاسعة بكثير وعلى غير عادتني. أكيد أن حمى التحضيرات العيدية للأيام السابقة قد أعطبت ساعتي البايولوجية... إنها الدورة الدموية البطيئة الآن و هذه العظام التي لاتخدعها تمارين الصباح... ما زلت مع قهوة الصباح وموسيقى برامز، وها أن الشمس قد طردت الغيوم السود. آمل أن يكون نهارا مشمسا في كل هذا الشمال . قبل أن أنام البارحة قرأت نصا غريبا لسارتر عن فلوبير. ليس هو نصا بل جزء صغير من سيرة فلوبير التي كتبها سارتر. سيرة ضخمة مؤلفة من ثلاثة أجزاء ، وكل جزء يحوي أكثر من 700 صفحة ! سارتر كان ماكنة كتابة مصنوعة على يد ساحر فذ من القرون الوسطى ! وأضيف هنا أن الموت حال دون أن يكمل سارتر عمله هذا ... أنا لا أعرف هذه الكتب الثلاثة لكن الجزء الذي قرأته يدل على أن سارتر أخذ بإسلوب الإيغال في التفاصيل الى درجة لاتصدق ! وكان تعليق المترجم هنا أن سارتر لجأ الى أسلوب التحليل وعلى العكس من كتابه عن جينيه و القائم على أسلوب التركيب. هي ظاهرة عجيبة حقا أن سارتر كان يبذل مثل هذا الجهد البيندكتيني ( هكذا يوصف هنا أي نسبة الى القديس بيندكت...). يخيل إلي أن سارترقد ألقى بقفاز التحدي بوجه كامل الوسط الأكاديمي وعالم الفلاسفة الأكاديميين الذي كان يبغضه لحد الغثيان... آمل أن لا تكون خواطري الصباحية قد أتعبتك. فنحن هكذا نندس مثل الدود الطروادي في هذا الزاغور من الحياة و ذاك ولربما الفارق الجوهري الوحيد بيننا هو أننا نتعذب. وهذا العذاب مرده الى جنوننا في أن نعرف كل شيء : الحياة والإنسان والكون...

27.12.2006
اشكرك على التمنيات بالعام الجديد .. أملي أن يكون عام 2007 عام إبتسامات دائمية عندكم. بالطبع هناك كاتالوغ بكامله للإبتسامات. قصدي هنا الإبتسامة النقية والبريئة والحكيمة أيضا - الحكمة هنا في أن علينا أن ( نكتشف ) من دون إنقطاع ... وقبل أن يلتهم النسيان سؤالي : ما هي أخبار ( الرجل القاموس )، هل مازلت تعمل فيه ؟ مرّ نصف فترة الأعياد ب( سلام ). جاءني قليل من السعادة حين توفرت نسبة أكبر من الوقت للمطالعة والإستماع الى الموسيقى والنبش في الأوراق القديمة ! واصلت قراءة يوميات يانوش بيلينسكي ، وهوشاعر مجري بالغ الحساسية ، لم يكن متمردا ولا منشقا حينها بل مضى أبعد تاركا السياسة وراءه ، ولربما أخذ ، هنا ، وكان كاثوليكيا صادقا ، بنصيحة معلمه أي المسيح : ليدفن الموتى موتاهم ... أخبار العراق لا يمكن أن تكون أكثر سوءا. . اللعنة عليهم جميعا ، فبدونهم لكان العبث الشرقي ملطخا بقدرأقل من الدماء...
27.12.2066
هو عزاء كبير ومعه غبطة حقيقية أن لي قارئا مثلك. كما تعرف أنا لا أهتم كثيرا بالقاريء الإحصائي ، فهذا ( الشبح ) أتركه للآخرين الذين تنحصر سعادتهم في كمِّ ما يُكتب عنهم. أما أنا فلي غبطتي تلك... قرأت بإمعان ما كتبته عن القصة الأخيرة. مجموعة ملاحظات ذكية حساسة. وتقول بأنك معاق من ناحية النقد. لا شيء من هذا القبيل ! قناعتي ، ومعها إنتشائي ، تعمق إدراكي بأن ما أكتبه يلقى مثل هذا التجاوب. أكيد أن ( جهابذة ) النقد قادرون على التحليل ، أو كما يقول الفرنسيون شطر الشعرة الى أربع شعرات ، إلا أنه تحليل مختبرات يتعامل غالبما مع الجماد . أماأنا فأفضل القلب على الرأس. ملاحظتك صائبة فيما يخص طول القصة. أنا تعمدت الإطالة. الظاهر أني لم أفلح كثيرا. أخبارك مسرة. أنا أعرف بأنك بعيد عن الإحباط فيما يخص مثابرتك في العمل وهو الآن عمل أفلام قصيرة. المهم التسلح بالصبر( قدر علمي كان فيلليني قد عمل لأمد ليس بالقصير مساعدا لروسيلليني ...). بالطبع انت لا تحتاج الى نصيحتي هنا لكن ها هي قد خرجت مني ! : المبدأ الأول هو العمل وإستمراريته الى أن تتحقق الإستقلالية ... في يومياتي كتبتُ عن الشاعر المجري قليلا. ربما سأكتفي بما كتبته وترك الباقي الى مناسبة أخرى . تكلم هوعن لقاء له في سويسرا مع ديرنمات وزيارات بينها لمتحف برن وما شاهده هناك ، عن قرب ، من أعمال باول كلي. أعجبني ما قاله عن شاعر اللون هذا : يذكر كلي بالمظهر ببيلا بارتوك لكن حين حقق بارتوك النقاء كان كلي قد وصل الى البراءة. ليس هو بالطفولي بل البريء ، وهذا فارق أساسي ويمكن أن يتحدد في الفن بأبرز صورة. عن لقائه مع ديرنمات يذكر حديثهما عن التعارضات بين دراماتورغيات التلفزيون والفلم والمسرح. ديرنمات يرى أن الفلم محروم من الأمكانية الأكثر سحرية للمسرح : دخول الممثلين وولادتهم على الخشبة ... لدي رغبة في أن أكرس بعض يومياتي لرسائلنا. بالطبع سأعرضها عليك للقبول والرأي. أعود الى القاموس. نصيحتي أن تكتب فيه ، وفي غيره أيضا بكل تلقائية وعدم الوقوف عند الكلمات والجمل وهل هي في حالة خام أم إكتسبت شكلها النهائي ، ومع عدم الإلتفات الى اللغة في هذه المرحلة من الكتابة ( تصوّرْ بأنك قد دخلت غابة عذراء وعليك أن تشق طريقك فيها من دون بوصلة ! ). في الحقيقة هي نصيحة غومبروفتش. كما علينا ان لاننسى بأن كل بدء بالكتابة هو دخول في تجربة جديدة تماما ، وهذا لايعني بأنها ستكون ناجحة الى النهاية. وأنت تعرف كم من أمتار من الشريط يبذرها المخرج كي يحقق في الأخير ما طرحته عليه مخيلته... أشكرك سلفا على الوعد بإرسال نسخة من الفلم.
30.12.2006
إستيقظت مبكرا بسبب صدام. هل إنتبهت الى ماقاله من قبل بأنه يفضل المشنقة على عناء السجن ؟ إذن السجن وليس الموت السريع هو العقاب الحقيقي... لكن ما العمل إذا كان العنف وإنعدام العدالة وإطلاق العنان لكل الشهوات هي ( القراءة الخلدونية ) في بلدنا... أكررالتمنيات بالعام الجديد : أن يكون عام إبتسامات ومفاجآت سارة وعمل مثمر. أود أن أختم السنة بهذه الشذرات :

- قد تكون هناك أزمان أجمل لكن هذه الأزمان هي أزمانننا. سارتر

- إستمري أيتها اللحظة ، أنت جميلة للغاية . غيته

- ا لزمن هو نحات قاس للبشر. أوديساس أيليتس

- الزمن شرنقة الأبدية. جان بول

- الزمن هو أحسن معلم لكنه لايملك دائما تلامذة شطار. فرانسوا مورياك

- الزمن هو أب الحقيقة. فرانسوا رابيليه

- الزمن لا يمرّ ، الزمن يستمر. ميغويل دي ثربانتث

- الزمن في خارجنا وأمامنا لكنه ليس الى جانبنا. ليف تولستوي

- يطير الزمن أحيانا مثل الطير، وأحيانا أخرى يزحف مثل الأفعى ، لكن ما هو الأحسن للإنسان أن لا يلحظ الزمن : هل هو يمر بسرعة أو ببطء. إيفان تورغنييف

- الزمن يعامل بوداعة من يسلك معه بوداعة. أناتول فرانس

- لا يعني الزمن غير هروب الأشياء التي كانت تبدو حقيقية. جورج باتاي

- يسرع الزمن مع مرور السنين في إحدى الوظائف الثابتة. شوبنهاور

- الزمن هو الناس ، فهم من يخلق الأزمان الطيبة أو السيئة. القديس أوغسطين

- الزمن هو أفضل رقيب ، والصبر هو أفضل معلم . فرديريك شوبان

- الزمن يهرب ، ولأنه لن يعود أبدا. فرجيل

- الزمن مفترس الأشياء. أوفيديوس

- أليس بالمضحك أنهم سيسمون أزماننا في المستقبل بالأزمان القديمة الطيبة. ألبرتو مورافيا

- طالما تملكون الزمن إفعلوا الخير. الرسول بولص

- نحن عبيد عقارب الساعة وسجناء التقاويم وسعاة الحسابات المصرفية . جان أنوي

- الحكمة الكبرى هي الزمن ، فهو يكشف كل شيء. تاليس


ليست هناك تعليقات: