الأحد، 6 أبريل 2008

رسائل الى فنان له أكثر من عينين ... 1



عدنان المبارك

حسن بلاسم ممثل نموذجي لجيله الذي ألقوه في جبّ أشرس واقع عرفه العراق المعاصر – عراق دكتاتورية دموية وبعث لأردأ وأحط تقاليد في تأريخنا : الإستبداد في كل شيء بدءا بالسطو على الدولة وإنتهاءا بمحق العلاقات الطبيعية بين الناس. وقد يبدو مفارقة قولي إن هذا الصنف من الجحيم الأرضي لا يطال الموهبة الفنية بشكل خاص. فالفنان الحقيقي لا يحتاج الى شيء آخر غير أدواته ، وإذا أفتقدها تحايل على الواقع كي يمتلكها: دي ساد كتب بغائطه ، وجدنّا الكهوفي صنع بنفسه أصباغه ، وحركة المقاومة في رواية ري برادبري ( فهرنهايت 451) علمت الناس أن يحفظوا على ظهر قلب ، ما في الكتب التي حرقتها السلطة ، و الأمثلة هنا أكثر من كثيرة . غير أن القول بأن حسن بلاسم يمثل جيله لا يعني أنه أخذ بالقوالب الشائعة عند التعامل مع ذلك الواقع المباشر خاصة أن التسلط الصدامي الحيواني على المجتمع والإنسان لم يتح دائما للفنان أن يلتفت و من موقع التكرس ، الى القضايا الأخرى ، قضايا الجوهر... وما يثير الإعجاب بل الدهشة أن حسن بلاسم تعامل مع ذلك الواقع كجزء من ( واقع ) آخر أدرك جيدا حقيقة أنه واقع فعلي أيضا... فن الكتابة لدى حسن بلاسم ظاهرة عراقية جديدة. قبله كانت هناك محاولات في حمل مثل هذه السكين لشق جلد الواقع من أجل الوصول الى الأنسجة الداخلية ، إلا أن تلك السكين لم تغر عميقا وحتى أنها لم تفترق كثيرا عن الفعل الأدبي شبه المهذب : شعر حسين مردان مثلا.

أعود الى ما ذكرته في البدء عن حسن كممثل نموذجي لجيله. القصد من النموذجية هو الإلتصاق الحسي بالواقع المباشر، لكن لدى حسن يكون هدفها إعادة إكتشافه ذلك الواقع ، بعبارة أخرى إعلاء أصوات الأنا التي دخلت تلك التجربة... انا لا أعرف جيدا حسن كفنان حامل الكاميرا وخالق أفلام. إلا أني أعرفه ككاتب سيناريو ترشحه موهبته للإسهام في ولادة كتابة سينمائية عربية لائقة بهذا القرن الجديد وتتجاوز بعيدا نتاجات ما يسمى بالسينما العربية التقليدية. تعرفت على حسن ككاتب طموح في إعادة إكتشاف الواقع ، وشاعر يطرح علينا تصوراته وتهويماته وأحلامه وكوابيسه في وسائط للتعبير يصعب إكتشافها لدى الآخرين. وهذا التعرف سرعان ما تحوّل الى علاقة حميمة رسختها ميزاته الأخرى : هذا الإخلاص المتناهي لفنه ، هذه الحمى التي تصل درجة الغليان، حمى مخاضاته كسينمائي وكاتب وشاعر. وعليّ الإعتراف بأني لم ألق من قبل مثل هذا العشق الخلاق للكتاب ، للموسيقى، لكل الإشارات التي تواجهنا بها الحياة الحقيقية... أنا أتراسل مع حسن منذ بضع سنوات. وسحرتني رسائله التي تتحول الى شاشة حسّاسة لما يغلي في داخله من ردود أفعال إزاء الخارج ، من أمان و أحلام وكوابيس أيضا. وليومياتي هذه لم اعثر إلا على رسائلي الى حسن من العام الماضي. لكن ما يمنحني القناعة والغبطة أني أجدها تعكس ، بشكل مقبول ، أحوال تجاوبي مع رسائله ونتاجه الفني وعذاباته اليومية ...

******

10.3.2006
عزيزي حسن. سررت كثيرا برسالتك. سأبعث إليك بالكتب غدا. غومبروفتش بقي طويلا في الأرجنتين وصادق بورخيس وساباتو، وقد سبق أن كتبت مقالة عنه. في الحقيقة لم يكن هناك حب متبادل بينه وسيوران. والسبب هو أن لكل واحد إحالاته الى القضايا الجوهرية. بالطبع أنا اقف هنا الى جانب سيوران ! سأعود الى ترجمته : أولا ً مقالة - رثاء لكاتب مجري مقيم في باريس ، وكتبها بعد شهر على رحيل سيوران ، في حزيران 1995 . هي مقالة قصيرة لكنها تسلط ما يكفي من الضوء.
11.3.2006
بدل ترجمة سيوران والآخرين ، بدل مواصلة الكتابة عن سيزيف الذي خنقته إحدى مدن واقعنا الهجين ، رحتُ مع الشعر. هكذا الحال مع العوالم الداخلية التي تملي علينا ، ونحن ما علينا إلا الإنقياد... وبالمناسبة عثرت على تراجم لشاعرات بولنديات كانت قد نشرتها مجلة ( الحركة الشعرية ) التي يصدرها في المكسيك الشاعر اللبناني قيصر عفيف. وفي هذه المجلة الجيدة نشرتُ كثيرا من تراجمي. لا أظن أني قد أرسلت لك من قبل ، قصائد البولنديات. على أي حال أبعثها الآن ، فقد تعطي لقهوة الصباح نكهة إضافية !

11.3.2006
هو خبر مسر عن إنتاجية فلمك. ما العمل إذا كانوا هم المتحكمون بالكثير من الأمور. لابد هنا من المرونة و لتضغط ( ألف ليلة وليلة ) الى أربعين دقيقة ...أكيد أنه ليس بالأمر السهل. أزمة الكتابة والتقييم يمر بها كل واحد. أكيد أنه صراع بين الرغبة في الجهر: أنا هنا ! ، و بين الوعي بأن ليس كل ما نكتبه يصلح للطرح... إنها مسألة شائكة جدا إذ تخص عالمنا الداخلي هذا المتمرد الدائم على الآخر الخارجي بحقائقه وقوانينه المسماة بالموضوعية... واصلت ُ اليوم ترجمة النص عن سيوران . آمل أن أنهبها في هذه الأيام. ستصلك قبل تحميلها في الموقع.
12.3.2006
أظنك الفاعل الحقيقي ( لكن بطلعة ملائكية ! ) لهذه الحمى التي تنتابني منذ أيام - حمى الترجمة قبل كل شيء . فأنت متفنن في التذكير بأن سيوران في الإنتظار ! في واقع الحال هو أمر مسّر ويوّفر القناعة أن أجدد الصلة مع مثل هذا النبي - الفلتة ...
12.3.2006
النص ليس متواضعا بل أنت. عليّ أن آخذ بالتسلسل فيما يخص مضمون هذه الرسالة : النص جميل الى درجة تسمح لك بدفع رؤوس من يكتببون الشعر ، ظلما وعدوانا ، الى قعور بركهم الصغيرة بمائها الراكد منذ العصر الديناصوري! المفاجاة أنك قد ( خبأت َ ) عليّ هذا الشعر لغاية ثالث شهور السنة ! ثق بأني لم أقرأ مثل هذا النص الجميل منذ أمد طويل ( أكيد أن هناك نصوصا تضاهيه أو تفوقه ، لكن جهلي بها هو شفيعي ). استوقفتني كلماتك في برج الفأر عن : ... أعداؤك حيوانات وبشر . أجد أنه اكثر واقعية إذا قلت َ : أعداؤك حيوانات وبشر متنكرون بجلود حيوانات. أنت تفهم . ولا حاجة هنا كي أقول بأن كفة الحيوانات هي الراجحة في ميزاني...
13.3.2006
كانت نيتي أن تصلك هذه الرسالة ومرفقاتها قبل ساعتين أي حين أنهيت ترجمة نص صغير لسيوران. لكني لم أستطع الخروج ، بسهولة ، من عالم الأساطير اليونانية بحثاً عن المزيد من أخبار سيزيف ! ضحكت قليلا حين وجدتني هنا مثل جامع الطوابع أو الفراشات... بقيت هناك نصوص كثيرة لسيوران هذا المعذب الأبدي ( أكيد أن ثقل صليبه لم يخفّ في السماء. فهناك يكون قانون الجاذبية نافذ المفعول أيضاً ! ) . وعلى الدوام أشعر بإمتلاء غريب حين أعود إليه. ربماالسبب هذا الزحف الثعباني للزمن ...
16.3.2006
صارت الحياة اليومية تلتهم كل الوقت تقريبا. لم أفعل شيئا عدا المطالعة وترجمة نص آخر لسيوران ، ينتظرالآن التشذيب. سارسله في القريب خاصة انه لن يظهر في الموقع عند التجديد القادم بل التالي. الجرائم العراقية، أي المجازر ، لاتدعنا نفكر جيدا بعوالمنا التي يقول سيوران عنها بأنها الحقيقة النهائية...
17.3.2006
كنت دائما أجد أن الدخول الى عالم الشعر يعتمد على الحالة النفسية أو ما يسمى بالمزاج. رواية حسن بن عثمان جيدة و عنده رواية اخرى أكثر نضوجا وشهرة أيضا. كان رئيسا لتحرير مجلة ( الحياة الثقافية ) التونسية ، وهي مجلة جيدة ، لكنهم طردوه قبل أشهر بسبب إفتتاحية لم تأت ، كما ظهر ، وفق ذهنية ومزاج الوزير ! هكذا هوعالمنا الفاطس من المحيط الى الخليج : كل شيء مسموح لكن داخل أطر السلطة. 20.3.2006
عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة كانت في منتهى الجفاف : لم أكتب شيئا سوى النبش في أوراق قديمة... لاتقدم هناك في الكتابة عن سيزيف المعاصر، سيزيف قصتي ، بالأحرى عن عصر سيزيف. فهذا كان محتالا وصغير النفس ! كما لا أعرف كيف وجدوا له مرتفعا وصخرة كبيرة في هاديس ، جحيم ماتحت الأرض ... ربما كان ، آنذاك أيضا ، أمرا ممكنا من الناحية التقنية !
21.3.2006
تألمت البارحة كثيرا حين سمعت برحيل مهدي عيسى الصقر. رغم طقوس الإحتفاء التي رافقت أعوامه الأخيرة كان كل شيء يقف ضده. أكيد أنه رحل وقلبه ممزق بسبب البصرة التي صارت نهبا للصوص وأولئك الذين سكنتهم أكثر من روح شريرة واحدة...
22.3.2006
أنا مثلك قرأت القليل من نتاجات مهدي عيسى الصقر ، عدا القديمة من الخمسينات والستينات. عندما كنت اسافر الى بغداد في السبعينات والثمانينات لم أستطع لقاءه . فبقائي إنحصر في بغداد ، وكان هو في البصرة. كثيرون من الأصدقاء وعدوني ، لأكثر من مرة ، بإرسال كتب الصقر لكن الإنتظار طال وكان بدون نتيجة ... هل تعرف بأن خشيتي الكبرى أن أتوقف عن الكتابة. أظنه هاجس الكثيرين. أكيد أن للقاء مع البحرمفعوله في ما إعتدتُ على تسميته ب( إعادة ترتيب الأثاث الداخلي ) . بدأت البارحة بكتابة شيء جديد ل( دفاتر الذاكرة ) . أنا الآن عند الفلم الفرنسي من الخمسينات والذي شاهدت آنذاك معظم ( جواهره ) في ووج البولندية : أفلام جان - بول شانوا ، رينيه كلير ، هنري كلوزو ، أندريه كايات، كريستيان - جاك، جاك تاتي ( آه ، كم كنت مغرما بكوميدياته الفلسفية الساخرة ! ) ،ألبير لاموريس ثم كبار الموجة الجديدة. أظنه سيكون ( دفترا ) ضخما.
23.3.2006
أخبرتك مرة بأني غريب عراقيا بسبب غياب اللغة المشتركة بيني وبين الكثيرين. هم يكتبون من وراء منبر ، أمام مايكروفون لابد من الزعيق أمامه ومواءمة الصوت ومضمونه لمن يستمع... كلمات ، كلمات ، كلمات صارت تدنس قبر هاملت في كل دقيقة ! واقعية حتى العظم ، تعاصص مع المجتمع لأغراض الإنجاب لدى الجحفل الذي لايفكر ولو للحظة واحدة بأن هذا السلاح قديم وبدأ يعلوه الصدأ! نسبة كبيرة من نفوري من متابعة أحوال تعذيب الورق والموجات الكهرومغناطيسية ( الإنترنت مثلا ) يعود الى الناطقين بمثل هذه الضاد. وما يثير إستغرابي الدائمي أن لا أحد يستخدم اليوم المصطلح اليوناني القديم والمناسب لظاهرة هذا الصنف من الكتابات : غرافومانيا، هوس الكتابة المكرورة وبالضبط هوس المحرومين من الموهبة الادبية والذين لايبقى أمامهم سوى اللجوء الى صب سوائلهم في ذات القوالب وهكذا دواليك. بالطبع يصيب الخرس أقلامهم عند الإبتعاد عن القوالب ، والنطق بلغة مفهومة. وحتى اني لا اقصد بالفهم هنا تفاعلات النطق في الدماغ أوالعقل بل بالتفاعلات الأخرى في منطقة الحس. وقد تفرض أصول اللعبة مثل هذه اللغة والمنطلق لكني أنا الذي يحن الى بلد العميان الويلزي أجدني بغير حاجة الى مثل هذا البصر...
ملاحظتي الأخيرة : أنا أشعر بإنجذاب لايقاوم الى آراء كل " تلميذ متهور " و لأن الدراما عصيّة على المنطق والعقل كله بل الفيزياء أيضا...

24.3.2006

كما يبدو نشأ خط للتخاطر، وبصورة عفوية : أنا أكتب نصا عن الأحلام وأنت ( تختلي ) بنص قصصي ! وبمكنتي أن أضيف شيئا ذا صلة : أنا أقرأ مرة أخرى يوميات فيتولد غومبروفتش ( 1953 - 1966 ). وهناك تدوين يكشف عن ( وصفة ) نموذجية لكتابة القصة : أغلق عينيك وإختر موضوعا لا على التعيين ثم أبدأ الكتابة ولاتعرإنتباها الى مسار الموضوع بل التركيز على التفاصيل لغاية وضع النقطة الأخيرة ! ويقول غومبروفتش إنه كتب بهذه الصورة روايته المعروفة ( عابرة الأطلسي ). هذا الكاتب ذو المنحدر الأرستقراطي كان لا منتميا حقيقيا. قام بشتى التمردات و الخروقات لكنه لم يطق الصعلكة بسبب ذلك الدم الأزرق... في الحقيقة الصعلكة وحريتها شبه المطلقة تتعارضان في أحايين ليست بالقليلة مع حرية الكاتب الحقيقية. إلا أن هذا أمر آخر لا علاقة له بمواضيع رسالتي هذه. ونكاية بأيتام غوركي وغيرهم من مهندسي النفس سأترجم نص غومبروفتش وأدفعه الى موقع ( القصة ) ! بعبارة أخرى سأحاول نسيان هذه العقود السبعة التي تلتف كالأفعى حول عنقي وحياتي وأمارس خطيئة النكاية ! ( هناك مسرحية بولندية ناجحة إسمها ( خطايا الشيخوخة ) مما يأتي تعارضا ساخرا مع الظاهرة المعروفة : خطايا الشباب ، أو كما يقال عندنا : طيش الشباب ...). كتبتُ كلمة رثاء للصقر. في الحقيقة لم أعرف الرجل شخصيا كما لم أقرأ إلا القليل من نتاجه لكني إنجرفت مع حزن غامض حين سمعت برحيله. أكيد أنه كان كاتبا متواضعا وذا حس أدبي مرهف، ولو كانت أعباء حياته اليومية والشخصية أخفّ لكان قد إنفصل تماما عن أوهام ما يسمى بالأدب الإجتماعي ... أعجبني تشبيهك : لغة السلاحف. بالفعل هي تروس صلبة تدبّ ببطء قاتل في تلك الساحة المسّورة جيداً ...
25.3.2006
لا أعرف لماذا تركتُ المشاغل الأخرى وإنصرفت الى ترجمة ( نصائح ) غومبروفتش. آمل أن يمنحك هذا النص شيئا من المتعة مصحوبة بقدرٍ لا بأس به من النكاية بمملكة السلاحف ومستخدمي سيارات الإسعاف الأدبي أيضا !
26.3.2006
ما جاء في رسالتك من تجارب ( علقمية ) مع يافطات القصة في العراق يصلح للنشر خاصة ً أنه لا تنقصك الجرأة ولا الصدق في أن تؤدي مرة ًأخرى دور طفل حكاية أندرسن وصيحته عن عري الملك ... أضيف هنا بأن ما كتبته حول هذا الموضوع ( المقرف ) في رسالتك أخذ يملك رد فعله عندي : سأواصل ترجمة ما كتبه غومبروفتش عن فن الكتابة خاصة. كان هذا البولندي (عرّاكا ) و مغرما بتعرية شتى أصناف الجوقات التي دخلت عالم الكتابة وكأنها قد إجتازت بوابة للنصر وليس وضع الرأس تحت سكين الجيلوتين ... وآمل أن يتحول غومبروفتش بعد الترجمة الى دشَّ ماءٍ بارد ٍ على رؤوس أصحابنا الذين بالغوا في إستغلال صبرالورق ...
27.3.2006
أنا تركت التبغ لأكثر من عشر سنوات مما يعني أني قضيت على هذه العادة وصرت لا أفتقدها بعد قهوة الصباح ! إلا أن عادات جديدة أخذت تحفر سككها في الدورة اليومية. بالطبع معظمها عادات غير مؤذية و بعضها ممتع ومفيد ويتجاوب مع أكثر من بعد في مثل هذا الكيان المتشظي ( باسكال أخذ بالتعميم وشبّه الإنسان بالقصبة المفكرة المرتجفة في الريح ...). أنا اجلس طويلا أمام الكومبيوترالذي صار بوفاء الكلب ! كما أني أكنّ الإمتنان له ، فقد تحول الى رباط حريري يشدني بمن أحبهم ... هذه مقدمة لا أريدها أن تكون عاطفية ( وقعت من زمان ضحية لنصيحة ألبير كامي : لا ينبغي أن نعمّق عواطفنا ) بل مجرد تقرير واقع حال ، ففد إعتدت ، كما السيجارة في تلك السنين ،على مراسلتك لدرجة أني أشعر ب( وجوب ) إخباِرك بجدول أعمالي الكتابية ! وهكذا قبل ساعة واحدة تم إعداد غلاف لمجموعة قصصية أخرى غير ( مملكة السرير ) ، وكان مشروع نشرها يعود الى بضع سنوات مضت . حينها كتب الصديق زهير شليبة مقدمة لها غير أن طاحونة الزمن غيّرت دورتها وعاد الى موقعه القديم : حمل الزمن أسلحته و بدأ التصويب الى تلك القصبة ... أبعث إليك بصورة الغلاف ومقدمة زهير.
28.3.2006
منحني هذا اليوم قدرامعقولا من القناعة : تم إعداد غلاف آخر لمجموعة أخرى هي لقصص الخيال العلمي هذه المرة. قبل العاشرة صباحا ألقيت ُنظرة على صورة فوتوغرافية معيّنة وأخذتُ على الفور بنصيحة غومبروفتش حول كتابة القصص ! ولمرة اخرى تأكدت ُمن جودة الوصفة ونجاعتها ! آمل ان أنتهي في القريب من كتابة هذه القصة. بعدها بدأت ُ بكتابة مقدمة لمجموعة القصص هذه إلا أني صرفت النظر إذ إنتبهت الى وجود نصّ لي عن أدب الخيال العلمي في موقع القصة يفي تماما بالمرام. أبعثه أيضا مع الغلاف ومشروع الفهرس. وهكذا صرت لا أعرف إلا أن تشاطرني مثل هذه الأفراح الصغيرة ! سأعود هذا اليوم الى ترجمة شيء من غومبروفتش.رغم أن هناك خططا آخرى لكن من الواجب التضحية بالوقت من أجل خاطر الروماني ، والبولندي أيضا...
29.3.2006
كما تعرف كانت هناك تبدلات في دار الشؤون الثقافية ، وقد تكون مستمرة ، لكن بالنسبة لي أريد مفاتحتهم بخصوص النشر. بالمناسبة سأثير موضع نشرهم لترجمتين من تراجمي ( " وجها لوجه" لبرغمان ومسرحية مروجيك " الحدث السعيد " ) وحتى بدون مفاتحتي. لكن لايهم . هكذا هي السكك المعوّجة للحياة عندنا... لم أتحرك كثيرا مع غومبروفتش وسيوران. القصة الجديدة تتقدم ببطء أيضا . الأفضل أن أدعها " تختمر " أكثر ولو أن هذا يتعارض مع نصيحة غومبروفتش ! لكن مالعمل إذا كان اليوم يتكون من عدد محدود من الساعات !
30.3.2006
هناك متع صغيرة ، أكيد أن قناعات صغيرة أيضا ترافقها ، كنوع من المواجهة ، بل التحدي ، لكل هذه الخيانات التي تحاصرنا : خيانات الجسد والآخرين والرب وقبل كل شيء خيانات العقل الذي هو مخصيّ منذ ملايين السنين ولايدبرأموره مع هذا العالم الذي يطرح ، كأي ّ جهة شريرة ، ألغازه وفي كل ثانية... هذا ما توارد الى ذهني بعد قراءة رسالتك الأخيرة التي تكلمت فيها عن قصتي ( الجحيمان ). هي قصة كنت قد نسيتها تماما في أثناء الحمى اليومية... في الحقيقة كنت ُ قد بالغت في ( نفض ) الغيظ لدرجة أنه كان يحاذى الإشمئزاز... لكن ما العمل يا عزيزي إذاكان بيد الخلاف مع الآخرين والعالم دفة مشاعرنا وتفكيرنا الى حد يدعو الى الخوف حقا.
30.3.2006
سأعود الى فيتولد غومبروفتش وبالضبط ليومياته الضخمة. هناك مشروع ترجمة قصة له أو قصتين أيضا. لا أعرف ما أقوله فيما يخص طلبات الاخرين منك. أرجو أن تضعها في المرتبة الثانية. فما ذكرته في الرسالة عن الكتابة اليومية يمنحني الغبطة حقا. والحسد الصافي أيضا . المهم ان نأخذ بنصيحة هنري ميللر حين إكتشف أن قدَرَه هو في شيء واحد : الكتابة...
31.3.2006
إنصياعا لنصيحة ميللر لم أوقف إستمرارية الكتابة ! : واصلت الكتابة في القصة وفقا لوصفة غومبروفتش ( هل تعرف بأنه لم يخطرببالي من قبل ، الأخذ بنصيحته رغم أني كنت قد قرأتُ يومياته في نهاية الستينات. كان فيتيك " وهو تصغير لإسمه الأول " من معبوديّ القلائل آنذاك، وما عمّق الإنسحار هنا مشاهدتي مسرحياته وفلما بولنديا إعتمد على روايته العظيمة " فيرديدوركه ". هذا الفلم لم يكن محروما من الطموح الفني رغم إستعارته من اساليب الكبار أمثال فيلليني وفايدا وكوبولا وغيرهم . للمرة الأولى ، ربما الثانية أو الثالثة ... ، وجدتُ نفسي في حالة تعاطف كبير مع إحدى الشخصيات القصصية. ربما هي عاطفية عجوزمثلي ! 1.4.2006 قبل قليل إنتهيت من الكتابة وفق وصفة غومبروفتش. عملتُ لها رسما . بهذه الصورة أشعر بتباشير الربيع بعد شتاء منهك ! أظنك تعرف أن الوجه الآخر البشع للربيع هو كثرة الرحيل الى العالم الآخر. سيارة الإسعاف تواظب على الحضور في حيّنا كل صباح خاصة. القلوب الشائخة لا تتحمل جنون طقس ما قبل الربيع، او لم يقل إليوت بأن نيسان هو أقسى الشهور ... عدت أيضا الى غومبروفتش. ترجمت بضع صفحات. قد أنتهي من الترجمة اليوم.
2.4.2006
قرأت رسالتك بإهتمام بالغ. آمل أن لايكون عملك الإضافي على حساب الكتابة ومواصلة الوجود ككاتب وفنان. لقد سبق أن تكلمتَ ، لكن بإقتضاب ، عن وضع العائلة .بالطبع هو واجب إبداء التكاتف وخاصة في هذا الظرف الكارثي. أملي أن تفلح في التوفيق بين كل هذه المهام الصعبة. بخصوص الفيل أنت تبدي بالغ الإنفعال فيما يخص تصرفات الآخرين. هنا لابد من خلق بون بينك وبينهم يكفي لمواصلة عملك. هناك من هم هكذا ولولا وجود الآخرين - ملح الأرض بينهم لأصبح هذا السيّار أكبر جحيم في الكون...
2.4.2006
كان لسيوران صنوه الروماني. كان صديقه ، وكتب عنه نصا قصيرا لدي رغبة في ترجمته. ربما غدا. عثرتُ أيضا على أقوال أخرى لسيوران ، قد تكون معروفة عندك . في كل الأحوال إليك بعضها : - التأريخ موكب مطلقات زائفة. - أنا إنسان سيضحك في اللحظة الأخيرة ، أمام العدم المطلق ، سيضحك ويضحك في إحتضار النهاية ، في لحظة الحزن الأخير. - لا شيء مهم . المهم هو اللاشيء. - منذ الفي سنة ينتقم المسيح منا لكونه لم يمت متمددا على الكوشة. ( هذا قول ينسب الى سيوران . لست متأكدا من ذلك ) - ليس هناك من مكان في العالم يمكن فيه أن يمارس المرء ، مهنيا ، الإشمئزازَ من العالم. - لهو شيء رائع أن كل يوم يجيء لنا بسبب جديد للإختفاء. - حين يبدأ الإنسان التفكير بأيّ شيء ، تأتيه رغبة لا تقاوم في أن يتدحرج من الضحك. - الكتاب هو إنتحار مؤجل. كذلك قرأت ُ أن سيوران عندما كان طفلا صادق حفارا للقبور يبلغ الخمسين من العمر ولايكف عن الضحك طيلة الوقت ... وهناك من شبهّه بساحر الضجر( كلمة ساحر تجيء هنا بمعني ساحرالأفاعي snake - charmer ... ) أو آخر قال بان هذا الروماني ( أقال ) الإنسان من كل مناصبه... بالفعل فهذا الرجل الذي كان هوسه عدم الإنقياد لشتى أنواع ( الخرافات ) ، كان يعيش في الكلمات القاتلة التي صاغها بكل دقة بعد ان نبذ لغته ووطنه...
3.4.2006
بالفعل هي خسارة حين لا نعي الزمن وحين نعيه سلبا أيضا... أرجو أن تعثر على حل لمشاكل العيش وهذا الخبز الذي هو إفيون حقيقي كما قال همنغوي مرة. وصلت الى الرابط المخصص لسيوران. فيه أشياء ثمينة حقا. للأسف أنا لا أتجول كثيرا في الإنترنت ( لكم وددت أن يخفف الوقت من عصره الوحشي ليومي وهذا الجزء الكبير من الليل ). ولولا بعض الضرورات لما وصلتُ الى هناك... فقد أصبحت منذ بضع سنوات أعمل كل شيء في أقصى العجلة بل أبدو كأنني أنقذ أكثر ما يمكن من الأشياء قبل أن يلتهمها الحريق. الغيظ يسيطر عليّ بكل سهولة حين أكون مرغما على أداء بعض الأعمال الروتينية . في الرأس تتكاثر الأفكار والمشاريع لكن لا تفاهم هناك مع الزمن ... لا أظن ياعزيزي أن ما كتبه غومبروفتش وغيره من ( الهراطقة ) يعدّه كل قاريء عربي هدية ثمينة كما تقول. فهو في كل ساعة يتلقى هدايا أخرى بشكل كلام ممضوغ بدون توقف ، كلام عن بديهياته البائسة وتطمين رخيص لمخاوفه وهو في مثل هذا الضياع الذي سببه غوصه في العيش وليس الحياة الحقيقية... في قصتي الأخيرة لم أخف إنسحاري بفلسفة الكاميرا - القلم التي كان الكاتب الرائع جون دوس باسوس من روادها الكبار. كما تعرف لا أحد منا راض تماما عما يكتبه. منذ زمن بعيد يتحكم بي هاجس معين : أنا لا أفعل شيئا غيرالقيام ب( كولاج ) لبضع تقنيات منتقاة من هنا وهناك. لاشيء جديد غير التفاصيل. في كل الأحوال لايعني كل هذا ، الإستسلام والإحباط. فبالممارسة ، ولتكن مهووسة ، نكتشف كل شيء : النفس ، العالم ، الاخر. وقد يكون فعل الإكتشاف هو نصف الفن ... أشكرك على ملاحظاتك الذكية والحساسة تجاه ما أكتبه وأترجمه. أنا فرح حقا بمثل هذا القاريء الذي ترجح كفته على الكفة التي تحمل القراء الآخرين وحتى لو كان عددهم كبيرا...
5.4.2006
كل شيء يشير الى أني أصبحت عاطفيا ! أملي الآن أن لا أكون متهافتا أيضا... أظنك لاحظت نفوري من آليات الثقافة المسماة بالعربية ، أقصد آليات الهوس بالأسماء وإغواء النفس أي التعامل مع هذه كأنها فينوس متمددة في داخل واحدهم وتنتظر منه أن يتغني بجمالها قبل أن يفتضها... أنا مثلك لا أحب الماغوطات والمحفوظات وكامل الجيش الذي يشهرأسلحته الكارتونية بوجه هذا السراب وذاك. البارحة قرأت ثانية لغومبروفتش الذي يذكر ويذكر كل المتعاصصين مع ما يسمى بالمجتمع و( الإنسان ) بأن لاشيء يصل الى الخارج بدون ثمن ما ، شأن الحال منذ ( خروج ) هذا اللبون وإمتلاكه الوعي واللاوعي والجسد والجينات والأحلام ... أما إشارتي الى رحيل الماغوط فتأتي وفق تلك الحكمة اللعينة : شيء خير من لاشيء ... رغبتي الدائمة أن أقلبها : لاشيء خير من شيء . كما ترى إنها الجرثومة السيورانية ! ربما أشرتُ في رسالة سابقة الى نيتي في ترجمة نص له كرسه للكلام عن صديقه بنيامين فوندان الذي كانت إهتماماته الرئيسية الفلسفة والفلم . ربما تعرفه : يهودي من مولدافيا. إسمه الحقيقي بنيامين فيهزلير 1898 - 1944 ، إعتقله النازيون أثناء إحتلال باريس ونقلوه الى معسكر الموت في داخاو مع شقيقته. توسط سيوران وعدد من المثقفين من أجل إنقاذه إلا أنه إشترط أن يطلق سراح شقيقته أيضا. النازيون رفضوا بالطبع. وكان مصيره الغاز والحرق هناك. بدأتُ الترجمة وقد أنهيها اليوم. عزيزي حسن . كن رواقيا ! وأترك ْ خرافة الموت ! لا منجل هناك ولاهم يحزنون ! ثمة صوت في ّ ، وهو جهوري أحيانا ، يجزم بأن هذا الموت مجرد إعادة تأثيث للكينونة ! أما إشارتك الى الربيع ( المتقاعس ) عندكم فلاشيء جديد هناك : ناس الشمال يقسمون الربيع الى ثلاثة ( فصول ) : ماقبل الربيع ( المبكر )، الربيع ، ما قبل الصيف ( المبكر )... إنها هواية قديمة لدى الإنسان في أن يقسّم و يصنف !
6.4.2006
أنا فاهم تماما أوضاعك غير الإعتيادية والمزعجة حقا ، فأنا أجد كل ما يعيق الكتابة و القراءة حكما بالنفي الوجودي. لقد توقعتُ مثل التجاوب الجميل مع رغبتي في أن تكتب شيئا عن ( مملكة السرير ). عندي أصدقاء هنا وهناك هم على إستعداد للكتابة عن هذه المجموعة لكنهم ، وأرجو أن تثق ، لايقدرون على التخلص من تذبذبهم بين محور( الكتابة الحقيقية ) والآخرالذي لم ُيخلق ، برأيي ، الأدب من أجله. وعادة ً أدخل معهم في نقاشات ومناوشات هي في المحصلة عقيمة. مثلا كانت حجة صديق في عدم هضمه لأدبي ( لم يقل ذلك صراحة ً ) في أن على الكاتب أن ( لاينسى الآخرين ). وكما تجد فهذه كلمات فضفاضة تصلح لكل العصور والعقائد أيضا... ولا أتذكر بأني قد تجاهلت الآخرين في أحد نصوصي غير أن جوهر الأمر ليس في النسيان أو عدم النسيان بل في هوية هؤلاء الآخرين وموقعهم في تلك القضايا التي تقض المضاجع ... أبعث بنص آخر لسيوران . وآمل أن يعينك الى حد معقول بتحمل ( أوزار ) العيش هذه !
8.4.2006
أنا كذلك إستغربت ، في البدء ، من تجدد ظهور موقعك ( الفيل )لكن بمظهر آخر: قبيح ومتدن... في البدء تصورت أنك عملت ( ثورة ) في الموقع لكن في اليوم التالي وصلتني رسالتك المفتوحة ، وإتضح كل شيء. أنا مثلك لا أستوعب مثل هذه الوقاحة من جانب دكاترة وأساتذة ، وفي الحقيقة لا علاقة للألقاب العلمية وغيرها بالأخلاق، ومن هنا نفوري من إستخدامها كزينة مثل منديل جيب الصدر أو لأغراض أخرى...
18.4.2006
سررتُ لإهتمامك بمجموعتي القصصية. سبّبَ العيد تأجيل بعض الخطط . كنتَ قد إنتبهتَ لأختياراتي فيما يخص الترجمة التي أسعى دائما الى أن أتناول فيها الثمين الذي لا يزال مجهولا ما بين المحيط والخليج... ومن هنا إهتمامي الخاص بسيوران وغومبروفتش وغيرهما. أكيد أن أمثال هؤلاء الكتاب قد حكم عليهم باللاجماهيرية إلا أن هذه هي إمتياز فاخرحقا... أكتب وأكتب في قصة جديدة ، وقد تكون طويلة ، لكني أشعر بأني أدور مثل القط الجائع حول صحن فارغ ! المشكلة هنا تقنية صرفة. ما يغيظني أنها تستنزف الكثير من الوقت.
21.4.2006
قرأت صفحات كثيرة من كتاب تاركوفسكي. أكيد أنه عمل إستثنائي لفنان إستثنائي. أقصد عمل باهر لفنان يحاذي العبقرية. أنتظر ما كتبته عن قصصي. فكما أخبرتك ، ولا أظن لمرة واحدة ، بأني حريص على الإستماع الى آرائك التي لا أبالغ إذا قلت بأنها إستثناء أيضا في معمعة أسواق الغرور العراقية ... أشعر بنوع من العجز بل الإحباط فيما يخص الإتصال بآليات النشر العربي. فغالبما تبدو المسألة شبيهة بدسّ إصبعك في كورة زنابير! أفكر أحيانا بأنه من الأفضل ، بل الأسلم ، الإنتظار، فقد يظهر صدفة ً في الأفق غودو ! لكن هذا لايعني صرف النظر عن كل فرصة تأتي. توقفت اليوم أيضا عند سيوران وغومبروفتش الذي واصلتُ ترجمة أخرى من يومياته ، أما سيوران فسأترجم له أيضا).
22.4.2006
كما هي عادتي أبعث إليك بكل نص جديد قبل تحميله في موقع القصة. غومبروفتش والآخر الروماني يجذباني ، بالقوة ، كي أوصل عذاباتهما الى هذه الأذن العربية وأملي أنها ليست صماء بنسبة كبيرة ! قبل قليل إخترت أيضا نصا ً لسيوران. لا أعرف بالضبط هل أن ما يطرحه الإثنان من خلال ترجمتي ، ملك خاص بهما أم أني واهم بأن صوتي ، ولكم هو ضعيف ، قد لحق بمثل هذين الصوتين الجهوريين ... في كل الأحوال أنا أشعر دائما بنوع غريب من الراحة ، وحتى لو كان الجسم منهكا ، حين أضع النقطة الأخيرة من الترجمة. أظنني أصبحت ( فريسة ) سهلة للتخاطر أو بالأحرى تناسخ الأرواح ! أتعبتني اليوم أيضا القصة الجديدة. لحسن الحظ كان هذا التعب قبل اللقاء مع البولندي والروماني ... ما يحدث في العراق أجده من مبتكرات جهنم أخرى. هذه القراقيزالمسمّرة في لوحة الجريمة لاتعرف حتى كيف تضع الماكياج المناسب على وجه الخشب المنخور. إنها تبدو تماما من كوابيس اللامعقول وبالطبعة الأكثر قرفا : عذراوات زائفات يبتهلن في دار دعارة ! إيران تنهب النفط والباقي الضئيل من " عراقية " هذه القراقيز. بالطبع الجريمة والخيانة تنسحبان على بقية العصابات. .. وما يحدث يدفعني حقا الى التشكيك بوجود ذلك الحاجز بين اليقظة والكوابيس.
23.4.2006
أنا أنسى أحيانا أن وقتك صار الآن شبيها بسريرالفقير الهندي : مسامير حادة في كل مكان فيه ! : هذا العمل العبودي ، ملاحقة الخارج ، والداخل بالطبع ، التفريغ بالكتابة وغيرها ، وفي الأخير ذلك ( الوعي الشقي ) الذي كما تعرف وتجرّب في كل ثانية ، أن له مفعول حامض النتريك ... أبعث إليك من جديد برسالة صديقك ذاك. هؤلاء الشباب يغذون السير في درب غير مألوف على الطرق العراقية المعبّدة على عجل و بتلك الصورة السيئة... هم نافدو الصبر يقفزون كي يقطفوا ثمرة ، وحتى لو كانت صغيرة ، من شجرة الحياة ( كلمة الحياة جاءت مجازا هنا ، فكما تعرف أدخل برابرة الشرق ، والغرب أيضا ، تقسيما جديدا، فهناك ثلاث خانات : واحدة للحياة والثانية للعيش البشري والثالثة للحيواني. حصل هذا قبل إنتباههم الى أن وجود عيشين هو نوع من الترف الذي لا تستحقه الحيوانات السائرة على قائمتين ، وهكذا دمجوا العيشين البشري والحيواني في واحد يكون نموذجه المثالي ما يحصل في العراق وغيرها من بلدان جحيم دانتي... أنت لست مشتت الذهن البتة ، ولو كنتُ مكانك لنسيتُ أين سكني وهل يصلني ضوء الشمس أم القمر ... قبل قليل إنتهيت من ترجمة نص قصير لسيوران . لا أعرف كيف حصل وكان هذا الأحد مشحونا بالأشغال. ولو كنت على يقين بأن هناك أحدهم يقطن في السماء لتوجهت إليه بالشكر على أن لديه مثل هذا الحرص على طاقتي الجسمية والعقلية !
26.4.2006
ماكتبته عن المجموعة يكشف مرة أخرى عن ملاحظتك الحادة وجما ل التعبير ( لدى الكثيرين تصور " آخر" عن هذا الجمال ). وكما يقال في أوربا أنت مسكت الثور من قرنيه ! أقصد أنك ذللت موانع نصوصي ( وكما تعرف ينشأ بعضها بصورة لا إرادية ) ونفذت الى معظم أغراضي من الكتابة.. فبعيدا عن المجاملات ( لا تنس أنها من نكباتنا ايضا ! ) أنا أفضل ألف مرة كلمتك على تدبيجات النقاد والعياذ بالله ! إن هؤلاء مؤمنون حتى النخاع بمثلنا الخالد : تريد أرنب أخذ أرنب ، تريد غزال أخذ أرنب . كما ترى مثلنا مصاغ بكلمات مطلقة الوضوح لكنه يصبح من ألغاز أبي الهول في ماكنة الفرم الناقدية ( لكم أنا أترحم على زمن لويس عوض ومحمد مندور ، بل حتى محمود العالم ، حين كان فيها الأرنب أرنبا والغزال غزالا ... ). أشكرك على هذا الجهد خاصة وأنت في حال يصعب عليك التنفس فيها بحرّية... . ما زالت أصارع القصة الجديدة. كما تعرف ليس كل كاتب يحالفه النجاح في عصرنة الماضي : هاجس توماس مان في العصرنة كان قد أثمر بصورة رائعة لكن الأمر تعلق بمان و ليس بواحد مثلي . بالمناسبة كانت قد أعجبتني رواية شتاينبيك " شرقي عدن " وفلم كازان المعتمد علمى مثل هذه العصرنة لتلك الأسطورة التي أعقبت الطرد من الجنة ... وصلت الى أشياء جميلة أخرى لسيوران ، و آمل أن يمنحني الوقت إحدى إبتساماته ، ولكم هي نادرة !
26.4.2006
قرأتُ بإهتمام ، الملاحظات الإضافية الواردة في رسالتك. كما تعرف أنا أؤكد على المنطلق الذاتي وليس المنطقي في الكتابة السردية أي على العكس من الكتابة الأخرى : مقالات ، دراسات إلخ. وأقصد هنا أن ما يسمى ب( فلسفة زائدة ) في القصص هو عبارة عن الأخذ بمنحى معيّن. وكان صديقي الراحل نزار عباس قد عبر عن عدم إرتياحه من مثل هذا الفلسفة الزائدة رغم أنه كان يتقبل كل جديد في التقنيات السردية. معلوم أن في قصصي مناح أخرى معدومة فيها هذه الفلسفة ولكن يبدو الأمر بالغ الطبيعية حين أكتب قصة عن كاتب ، أو فنان آخر ، وأستخدم وفق النزعة الواقعية التي أسميتها أنت ، وعن حق، بالأليفة ، أو النزعة الطبيعيية من زولا وغيره ، منحى الفلسفة الزائدة. بعبارة أخرى لكل إنسان عذابه : أكاكي أكاكييفتش ُسرق معطفه وبذا إنتهت سعادته بل حياته ، وعطيل قتلته الغيرة ، ونوري بطل قصة (هذه الدورة السريعة ) كان عذابه وجوديا وروحيا : الموت والإله. إذن هل كان عليّ أن أستثني هنا الفلسفة الزائدة وأبترهذا البعد من شخصيته وكيانه ؟ والشيء نفسه يظهر في بعض القصص الأخرى. وما أذكره أني كتبت الى نزار حينها بأن بروست يصف إبتسامة واحدة في بضع صفحات لكني لم أجد ولو إعتراضا واحدا على مثل هذه ( الوصفية الزائدة ) ... أكرر الشكر على إهتمامك الصادق بالقصص والكتابة عنها. صرتُ مزاجيا : تركتُ ، مؤقتا بالطبع ، كلا من القصة الجديدة وسيوران وغومبروفتش وتوجهت الى ( صديقي القديم ) خوان ميرو ! كما تعرف نحن لا نحزر ما يتفاعل في دواخلنا : لربما كانت هناك حاجة ملحة الى تجديد اللقاء مع هذا الساحر الإسباني التي إستخرج الكثير من منطقة الحلم . أو لم يكن هو القائل بأن على عمله أن يكون قصيدة ً تترجم الى موسيقى على يد فنان تشكيلي ...
28.4.2006
أعود الى ميرو : ليس هناك أسهل من التدليل على أن النزوات ترافق الحياة وحتى في مراحلها الأخيرة ! بهذه الصورة ( عدت ُ ) الى صديق قديم وإلى فنه... أبعث إليك بنص وصور على أمل أن تعتبرها كما الكرسي الذي يلقى الإنسان المتعب الراحة فيه ( هذا تعريف مشهور لهنري ماتيس عن التصوير...). في الحقيقة يبقى مثل هذه التعريف راهنا بل يزداد مع تعمق الإيمان بأن لا أحد قادرا على محو قتامة هذه الحياة ( كأن اليأس واللامعنى لايكفيان ! ). إذن أنظرْ يا عزيزي الى أعمال هذا الإسباني الذي لايتعب أبدا من التسكع في الكهوف السحيقة في القدم وفي سماوات أخرى أيضا... بالطبع سأعود الى سيوران وغومبروفتش وتلك القصة التي صارت تشبه أكثر فأكثر شوكة من سمك الصبور البصراوي إنغرزت في البلعوم ! وقد أبالغ هنا. فأنا في طريقي للعثورعلى المفتاح المناسب لأقفال القصة !
29.4.2006
البارحة أرسلت إليك نصا عن ميرو مع بعض الصور للوحاته مقترحا معاملتها ككرسي لجسد متعب ! هناك كتاب بديع لسيوران بعنوان ( كتاب الصلوات للمهزومين ). ألفه في منتصف السبعينات. في الحقيقة جاء هذا الكتاب إجمالا فذا لكل ما سبق أن كتبه. في التسعينات كنت قد قرأت ترجمته البولندية ( ربما أخبرتك مرة ً بأن لسيوران محرابا كبيرا في معبد الثقافة البولندية ! ). على أكبر إحتمال سأعدُّ نصا بسيطا عن إنطباعات سريعة خاصة ًأنني لا أملك الآن هذا الكتاب ، وكنت قد قرأته حينها في وارشو، وليس لدي الآن إلا ملاحظات بسيطة لا تعينني الذاكرة التعبانة في إغنائها...
29.4.2006
لا أعرف كيف حصل ولم يرسل بريدي ميرو إليك. أظنه ( التشتت الربيعي ). شبكة النت هي من نعم الإنسان على الإنسان والتي تهبط ، من أعلى ، بدل المن والسلوى ( قيل إن الرب زوّد العبرانيين بعد عبورهم البحر الأحمر بماكنة لصنع المن ! هناك عالم أميركي يملك بضعة أدلة على ذلك ! أما عبورهم البحر فكان إشاعة أخرى من إشاعات التاريخ : هم عبروا أحد ذيول البحرغير العميقة في شمال سيناء ! ) . أقول عن المن ولأني عثرت اليوم على نصوص كثيرة لسيوران ، أما الإنكليز فستلاحقهم لعنات صغيرة ! مثلا : دنسوا تراثه حين جمعوا كتابين له في واحد ، ودمجوا العنوانين في واحد أيضا ! ومثل هذا الإعوجاج تعرفهم سياستهم أيضا !
1.5.2006
أنهيت اليوم ترجمة من يوميات غومبروفتش الذي كان يتعذب في الأرجنتين لأكثر من عقدين ( من عام 1939 الى بداية الستينات ). ومغامرته الأرجنتينية أصبحت رمزا عبثيا صارخا : كان بين ركاب باخرة بولندية جديدة حين إندلعت الحرب وأضطر الى البقاء هناك. عاش في عوز لا يطاق بالنسبة لهذا النبيل الذي كان نسخة محتشمة للمركيز دي ساد... يومياته كبيرة وتحتل كتابين ، وهي تعتبر من بين أفضل كتاباته ( زوجته الكندية تعتبرها أفضلها ). وأنا قدر إمكانياتي وفي حدود رحمة الوقت أرغب نقل أجزاء منها الى العربية. بودي أن أتفرغ الى الترجمة لكنها مجرد رغبة ( غير واقعية ) ، فبإنتظاري ، عادة ، هموم كتابية أخرى ... .
2.5.2006
وصلتني الكلمة ل( مملكة السرير ). فشكرا على الإلتزام و الجهد. مر اليوم بعيدا عن همومنا التقليدية. ما العمل إذا كنا مغروزين في الزمكان ... في الحقيقة المشكلة هي مع عمق هذا الغرز...
3.5.2006
كان علي أن أتكلم ، مرة أخرى ، عن ظروفك الحالية التي صارت تعترض بصورة خطرة طريقك كفنان. لا أريد أن اكرر وأسهب في الكلام عن هذه القضية ، ولسبب بسيط هو أنك أعلم مني بكل الظروف والملابسات ، بل أقصر الكلام على أمر واحد : طالما أن العمل الذي أسميناه ، وهو بالفعل ، بالعبودي ، يلتهم نهارك لابد من التفكير بالتحايل على الوقت وخلق هامش ، على الأقل ، كي لا يحصل الإنقطاع. للأسف لايتعلق الأمر بالقدرات والقابليات أو ما يسمى بالموهبة بل بالعمل المتواصل ( الظاهر أن نسبة الكولسترول عندي قد إزدادت كثيرا لدرجة نسياني من كان القائل إن الموهبة هي 95 % عمل ومثابرة ! ) مما يعني أن عليك ان تقوم كل يوم بمعجزة صغيرة كي لا يحصل الإنقطاع... . ما زلت اصارع القصة الجديدة ! اليوم قررت عصرنة ثلاثة من أبطالها فقط : بروميثيوس وسيزيف وآريس ، وكلهم من بغداد ثم إنتقلوا الى مدينة أخرى... بينهم بالطبع إثنان من الأرباب، أما الثالث أي سيزيف فهو من الفانين ! وهنا لا أستطيع أن أستثني عامل السخرية لكن المقنعة أوغيرالمباشرة... صرت أتكلم عن هذه المسوّدة وكأنها ستكون مثل إلقاء حجر كبير في مياه الأدب الراكدة !
15.5.2006
أنا أقدر ظروفك حق التقدير. وهذه الأزمة اللعينة التي تمر بها تتطلب حقا شجاعة يومية. ولو كان غيرك واقعا في مثل هذه الفخاخ لسمعنا من بعيد أصوات الإستغاثة والتوسلات ... فيما يخص مقدمتك الجميلة ل( مملكة السرير ) أقولها بدون مجاملات : ماكتبته جاء إنتصارا لموقفي من الكتابة الأدبية خاصة. . أثناء هذه الفترة كتبت بعض النصوص وترجمت أخرى. للأسف لم يسعفني الوقت لإنهاء ترجمة مقال جميل لأكتافيو باث عن بورخيس. كذلك لم أكمل ترجمة نص لغومبروفتش تحت عنوان إستفزازي ( ضد الشعراء ) ! في الحقيقة كان يقصد هنا طرزا معينة من الشعراء وبدون تعميم. أنهيت تلك القصة التي عذبتني لأيام طويلة. لا أعرف : قد تكون المسألة بكاملها مجرد شطحة تجريبية...
17.5.2006
آمل ان أنهي ترجمة مقال باث . كنت قد قرأت المقال قبل عقود ونسيته. بالطبع سيصلك حال إعداده. أمنيتي الآن أن تعود انت الى ( همومنا) فبدونها نكون قد مارسنا العيش فقط ... كانت إشارتك نابهة حين مسكت بالعصب الرئيسي فيما أكتبه من قصص ، أي التأرجح بين الإثنين : (واقع ) و( لاواقع ). وكما تعرف كل إنسان يتأرجح هكذا لكنه يأخذ بأسباب الوعي المباشر البرغسوني. فكرتُ بهذا حين عثرت ُ على وريقة فيها عنوانك الالكتروني : حسن 73... وتحته بضع ملاحظات من مطالعاتي . لا أعرف إن كانت هناك صلة بينها و العنوان. قد يبدو الأمر في منتهى العادية إلا أنه ليس كذلك. ساباتو يقول إن الإنسان مضحك حين يبحث عن الغرابة في الخوارق و ما يحدث في البعيد الكوني في حين أن كل الظواهر البشرية هي تلك الخوارق الحقيقية . يكفي هنا أن نتوقف قليلا عند عملية التفكير وتداعي الصور حيث يحدث هذا الشيء بسرعة فلكية يصعب إخضاعها لمقايسنا الخاصة بالزمن... إذن وجدت تحت عنوانك هذه المقتطفات: - مان ري ( الدادائي الذي لم يكن يرجى إصلاحه ! ) لم يكن يهتم بماحوله لكنه كان يتابعه . - مارغري ريكس : سيلحق بك التمرد وإن هربتَ منه. - جريدة واشنطن بيبر : الدادائية لم تُقتل في الحرب العالمية الأولى و لا في الثانية و لا في حرب كوريا ولا في حرب فيتنام ، الدادائية عاشت معنا قرابة مائة عام لتشهد حرب العراق.
18.5.2006
كلماتك عما أعمله تحتل موقعا أثيرا عندي. إنني أجد العزاء والدعم النفسي المتين حقا عندكم أنت وأصدقاء لايتجاوز عددهم أصابع اليد ... أنا من زمان بعيد إعتدت على أن أعمل بصمت وفي مثل هذه الوحدة التي لا تأتي لي بأي ّإحباط أو قنوط ، بل على العكس فأنا سعيد حين أكتب وأترجم ، وهذه السعادة تتضاعف حين أدرك بأن حسن وبقية الأصدقاء في الإنتظارمما يمنحني القناعة والرضا بهذه الأقلية التي تكلم عنها باث مرة ً... للأسف لم أنتهي من ترجمة باث بعد. بقي القليل وآمل أن تجدها عندك في القريب
20.5.2006
يسّرني كثيرا أنك تكتب إلي. في الحقيقة كنت قلقا حينها بسبب حقائق لا يمكن تجاهلها: الحياة بالغة الهشاشة ، وفي كل زاوية يتربص بنا ( إنقلاب ) سواء أكان كبيرا أو صغيرا... صحيح ... كان سيوران قد إنخرط قبل الحرب في منظمة فاشية رومانية من طراز الفالانغا الفرانكوية أوالكتائب النازية ... إلا أنها كانت فترة عابرة في حياته . بالطبع كانت منظمته هذه معادية لليهود. فيما بعد إكتشف سيوران أن طريقه هو آخر. كان من بين أصدقائه والشخصيات المعجب بها كثيرون من اليهود أيضا. فيما يخص ازمة الكتابة عندك أنا أيضا مررت بأكثر من فترة إنقطاع عن الكتابة وحتى القراءة . إنها ظاهرة ( طبيعية ) ، حتى الأرض لا ُتحرث ولا ُتزرع في كل موسم . وما أفعله عادة في مثل هذه الظروف مراجعة ما كنت قد كتبته وتهيئته للنشر مثلا. بالطبع لا يحصل هذا بصورة منتظمة. لكن عندي هاجس منهك وهو خشيتي أن أفقد الإستمرارية...
21.5.2006
منذ خمسة أيام بدأ يرفس في الرأس جنين قصة جديدة. فكرتها عودة بيولوجية لعجوز الى عمر الخامسة مما يعني تعاملا ونظرة مغايرة جذريا الى الاخرين والعالم . ربما سيحالفني الحظ هنا وأفلح في تبيان نسبية التجارب بل الحياة كلها. أرجو أن اسمع عن عودتك الى تلك النصوص التي وكما فهمت لا تحتاج إلا الى التنقيح. أنا بالإنتظار ومعي موقع القصة وأصدقاؤنا.
21.5.2006
لم يسعفني الوقت إلا بقراءة بضعة أجزاء من نصك الذي هو في واقع الحال رواية. بالطبع تصفحته كاملا. التقنية المستخدمة لاتحتاج الى أي ّ تعديل. لا أستطيع الحكم على النص قبل قراءته كاملا إلا أن حدسي يهمس : هذا نص جديد تماما وهو مرشح قوي كي يكون حجرا ثقيلا يحرّك تلك المياه االراكدة! أقول هذا الشيء وليس لأني من المعجبين بكتاباتك بل لأنه نص قيّم حقا. كلمة أخيرة فقط : أنا متأكد بأن نشر الكتاب في القصة أو غيرها ( بالطبع انا أفضل نشره عندنا ) سوف ( لن يمر بسلام )... نصائحك يا حسن هي طيبة على الدوام : سأجمع النصوص الفلمية المترجمة في كتاب واحد ( أمنيتي الأزلية أن يطول اليوم كي يصبح نهارين وليلتين مثلا ! 23.5.2006
مشاريع الكتابة كثيرة. إنتبهت اليوم الى أنني لم أعد الى ترجمة العزيز كيركيغورد : ( إما و إما ) و ( المرض حتى الموت ). أكيد أنه إهمال لا يغتفر ! اظنني اخبرتك مرة بأن طموحي الدائم ترجمة إثنين : الدنماركي والبولندي غومبروفتش.
23.5.2006
بخصوص نصّك هناك ملاحظة أجدها أساسية : لابد يا عزيزي من التكثيف والتلغرافية الهمنغوية في المكان المناسب بالطبع. وإذا لم يفهم قاريء اليوم ذلك فالأمل كله في القاريء الآخر : القادم ...
24.5.2006
أعود الى الرجل - القاموس. أنت تكتب ببالغ الإنفعال الى درجة عدم السيطرة على تدفق الأفكار والحلول التقنية. كما تعرف لابد من التحكم والسيطرة شأن صائغ الذهب الذي يترك إنفعالاته وآلامه وهمومه جانبا حين يبدأ عمله...
26.5.2006
حسن بن عثمان كاتب جيّد وللأسف أخرجوه من رئاسة تحرير مجلة ( الحياة الثقافية ) التي تعتبر من أفضل المجلات العربية . ، أي أنه لا جديد تحت شمس السيرك العربي ! . كما أخبرتك ( الرجل القاموس ) نص متميز إلا ان إنطباعي الأول هو أنه لايزال خامة بحاجة الى المزيد من التحويل والصقل ، بعبارة أخرى إنه ( مسوّدات ) ثمينة حقا وما عليك إلا أن تعيد ( النحت والبرْد والصقل والتلميع ) أي أن تدخل بوابة جحيم الكتابة الحقيقي. ولكم أبغض الكتابة لهذه الأسباب خاصة أنه تلاحقني دائما إجابة ساباتو حين سألوه لماذا هو كاتب مقل : انا لا أنشر مسوّدات...
26.5.2006
حتى الكبار يتعذبون كل يوم . بتعذبون مع اللغة ، مع الصياغة ، يتعذبون عند إخماد أكثر من بركان في الرأس والقلب. جوزيف كونراد البولندي تعذب طويلا مع الإنجليزية التي كتب بها كل أعماله تقريبا. . أنت كاتب جيّد ولاينقصك إلا سيطرة أكبر على الإنفعالات عند الكتابة التي هي ، في واقع الحال ، أشغال نسائية بسبب الشبه القائم بينها والحياكة والتطريز! فهنا القاعدة الذهبية هي الصبر والمثابرة وتدريب الرأس على تحدي مثلنا الشعبي : رمانتين فد إيد ما تنلزم. على الكاتب أن يمسك بخمس رمانات وإلا ليفتح مكتبا للوساطة في بيع وشراء العقارات... أما مسودات ساباتو فلا تعني أن كامل الحق مع الكتاب المقلين. والسبب بسيط : لا قانون هنا يحكم قبضته على كل الكتاب. من ناحية أخرى لا يعني الأمررفع كل رقابة ذاتية على النص. قبل كل شيء أنت لا تخطو خطوتك الأولى. فما كتبته لغاية الآن ليس بمسودات نشرتها بدافع حب الظهور. وإذا كانت رسالتي الأخيرة تتحمل أكثر من تفسير واحد فما علي الآن إلا الإيضاح. إن كل ما قصدته هو أن ( الرجل القاموس ) ، وأظنه نصا ليس بالجديد تماما ، يخلق الإنطباع بأنه لم يوضع على السندان طويلا وأن عليه ان يمر بالعذابات التي ذكرتها. وهذا كل شيء. إستنتاجي الوحيد هنا : لابد من المزيد من العرق والطرق على السندان. إذن شمّرْ الساعد يا عزيزي ولاتهدر فرصة دفع الرجل القاموس الى الضوء . كلمتي الأخيرة : الكتابة من أكثر الأعمال الشاقة سادية. ً
28.5.2006
عثرت على نص بديع لكامي بحثت عنه في موقع القصة على إعتقاد بأنه موجود هناك أيضا لكني لم أجده. آمل أني لم أخطيء في البحث. ما عثرت عليه منشور قبل سنوات. أبعثه إليك للقراءة في فترة إلتقاط أنفاس عند متابعة ما يكتبونه في الإنترنت ! ( فكرتي الثابتة ، ويعتبرها علم النفس ظاهرة منحرفة اي ما يسمى في أمراضه idea fixe هي : أن فنانينا ، وبينهم الأدباء بالطبع ، لو كبحوا جماح نرجسيتهم التي هي من طراز أخرغير المعروف في العالم - " طراز متخلف لأسباب مخفيّة كالعادة في " العِب " ، لنظروا الى العالم بكل فعليته المفزعة ، بكل هيئاته وألوانه الحقيقية و ليس تلك من الواقع الإفتراضي ...). كذلك قمت بمراجعة نص باث عن بورخيس مرة أخرى ( تبين أن التشتت الذهني قد غنم مواقعا جديدة في رأسي !
29.5.2006
أنا أعرف صدق مشاعرك تجاهي ، وهذا عزاء ليس بالصغير لي في هذه ( الرحلة )... ومن هنا هذه الحميمية في العلاقة. هناك ألف سبب وسبب للحزن. أما الكمد ( وأقصد به عاقبة التفاعل المباشر مع الوجود اليومي خاصة ...) فهو الإبن الشرعي لأكثر من جحيم أرضي ... .
30.5.2006
فيما يخص نص ( الرجل القاموس) كنت قد إنتبهت منذ البدء الى أن النص يكشف عن تجارب لك. وهذا شيء ثمين بل إمتياز ، كما يقول غومبروفتش ، أن يتكلم الكاتب عن نفسه أولا وأخيرا... كما تعرف ليست المشكلة بالنسبة للفنان أن يملك التجارب بل في صهرها في بوتقة الفن. تطرقت رسالتك الى المثلية التي ليست هي حقيقة أخلاقية بل بيولوجية. في كل إنسان عنصران : هرمس وأفروديت ، والبيولوجيا تتحكم هنا بمسألة أي ّ جين سيكون المهيمن. تجاربك الأخرى تتفاوت أبعادها ، من تراجيدية الى أخرى حصلت في هذه البيئة وتلك. في الحقيقة ما أعجبني في النص مراقبتك الحادة للواقع الخارجي بشكل خاص. ملاحظتي الأخرى أن نصّا ً بمثل هذا الوزن النوعي يملك متطلبات صعبة وأقصد مجهدة ، إذ لا بد من المزيد من العرق... لكن لدي الان قناعة أكبر بأنك " ستمسك الزمام بقوة " بعد أن ذكرت لي بأنك ستستثني الإنفعال عند المراجعة.
31.5.2006
التكرار هو ممل عادة ً لكن لدي رغبة دائمة في أن أكرر: الرجل القاموس نص ( يغرد خارج السرب ) ومن هنا ضرورة مواصلتك العمل وإعداده للنشر. بالطبع هو شيء ضروري التفكير والتمحيص وتقليب المسألة من كل جانب كي يأتي القرار النهائي حول التقنية المناسبة. إذا تعلق الأمر برأيي أنا أفضل الشكل الحالي : مشاهد لكن عليها أن تخضع لعامل الزمن ( الكرونكيل ) ، أقصد بدون تمازجات زمنية غير واضحة . بالطبع المطلوب هنا مونتاج ماهر يربط بضع تقنيات كالسرد الإعتيادي والفلاش باك إلخ. صباح اليوم فكرتُ ب(مستقبل ) الرجل القاموس وظهوره ككتاب ألكتروني في البدء.
2.6.2006
انتم من جيل أنضجته كل هذه المآسي والتجارب التي وصلت أبعد غور ، بل هي سكين زمكانية تحملها انت يا حسن كي تتوجه الى الحياة بعين ويد جرّاح ماهر ! إنكم ذوو هوس وعطش الى المعرفة غير بشريين ... وكل هذا صحيح ، وأنا كنت قد خبأت هذا الكلام ، فبعض الحقائق ليست بحاجة دائمية الى الجهر بها... تسرني دائما أخبار مشاريعك السينمائية . فيما يخص العمل ارجو ان لا تستهن وحتى بأقل الفرص شأنا ، فالعمل في الفلم ، في فنلندا ، هو الآن قدَرك الوحيد إن صح التشبيه ، ولابد هنا من عناد ومثابرة مضاعفة. بوابات الجحيم أوصدت العراق أمامك، وبحكم تشاؤمي المزمن لا أرى الخلاص قريبا. لا اعرف إذا كانت هناك فرص أمامك للعودة الى الفلم في بلد آخر ( اثناء العطل مثلا ). المهم يا عزيزي أن لا تحصل هنا أيّ فترة إنقطاع.
2.6.2006
أشعر بتعلق غريب بهذا النص ( الرجل القاموس ) الذي لا أنظر إليه ، بالطبع ، إلا بعينيّ ...أرجو أن تكون عنايتك كبيرة حين تراجعه بل كن قاسيا على الزائد غير الضروري من الكتابة هنا وهناك. بالطبع أنا مهتم جدا بقراءته حين يكون في صيغته النهائية. فلدي رغبة قوية في أن أكتب عنه بل ها أن بعض الأفكارأخذت تتجمع في الرأس. أود أن أبوح برغبة أخرى : أن يخفف نقادنا المبجّلون من غلوائهم المضحك ويفتحوا أفواهم متكلمين عن أعمال تأتيهم من الجانب الاخر من المرآة ( عليهم أن يكونوا ولو مرة واحدة في العمر مثل الصغيرة أليس حين عبرت المرآة ورأت بتلك العينين البريئتين أكثر من حياة " حقيقية " هناك... ). أنا اعرف بأن إنتظار أقوال حقيقية ممن أدركتهم حرفة النقد هو أمر أصعب من إنتظار غودو! بل هو أكثر عبثية ، وكما يقول البولون ، من أحلام رأس مقطوع ...
2.6.2006
رأيي أنه من الضروري إستخدام لغة بسيطة مع تجنب الإيغال في التحليل بل إمنحْ القاريء فرصة الإستقراء و إطلاق المخيلة و تشغيل ماكنة التفكير ! وكما تعرف لا شيء أصعب من الكتابة بلغة بسيطة...
3.6.2006
مضيت اليوم أبعد مع نص بورخيس. هو نص هرطوقي حتى النخاع ! فساحرنا العجوز يمزح مع الذي في السماء لكن ليس تماما بل نجده يلجأ الى المكر حين يخلط الجد بالهزل ، وحسنا فعل !
4.6.2006
سروري بالغ بمثابرتك في العمل ( القاموسي ). لاطريق آخر ياعزيزي غير الإستمرارية ووتجنب فخ الإستراحات الكثيرة ... وما أتوقعه منك التناول " البارد "وبأعصاب " رواقية " إن صح التشبيه. أنا معك حين تقول عن مملكة النقد المشيّدة من ورق اللعب رغم أن فرسانها لايعرفون حتى أبسط لعبة من ألعاب الورق ! المحزن هو أن لا آفاق هناك لنشوء لغة مشتركة بينهم وأمثالنا : هم يتكلمون كالببغاوات عن طبقات من الأرض تعود الى ما قبل العصر الجليدي ، ونحن نريدهم أن يدسّوا أنوفهم المصابة برشح دائمي ، في فعلية هذا الزمكان. النتيجة : كل ٌ يمضي بدربه ...
5.6.2006
كتبت إليك حوالي الساعة الثانية عشرة ليلا ، بعد مشاهدة فلم ( لقاء مع جو سميث ) لأنتوني هوبكنز وبراد بت. موضوع الفلم يليق بالسينما المكسيكية إلا أنه لو نزعنا البريق الهوليوودي عنه لكان فلما لايخلو من العمق خاصة انه يحّرك موضوعا أزليا : الموت . في الفلم جاء الموت بهيئة رجل وسيم كان قد فارق الحياة وتقمص الموت جسده ، وبعدها يقع في كمين الحب البشري ...
6.6.2006
فيما يخص نصك ( الرجل القاموس ) المهم أن تواصل العمل حتى إن كان تلقائيا وبدون رابط مباشر بالنص. كلمة غومبروفتش التي أرسلتها وجدتها تمسك بلب موضوع بطلك الذي تكون همومه نابعة من إمتلاكه الجسد ، والى جانب الوعي المنتشر في كل الإتجاهات - إ نها الثيمة التقليدية في أدب الوجودية القديم... بعبارة أخرى إنها ثيمة الوجود المسمَّر بالزمكان ، فالدليل الوحيد على حضورنا ، هنا والآن ، هو الجسد ، أليس كذلك ؟
7.6.2006
رغم أني لم أعمل كثيرا اليوم أنا ممتليء بالرضا ، ومرة قال سيزاره بافيزه مرة ً إن الحمقى وحدهم يحققون مثل هذا الإمتلاء ... وكما يبدو لم يقرأ سيوران وإلا لما أنتحر و بذلك فقد فرصة التدحرج من الضحك ، كما فعل الروماني في كل مرة فكر فيها بالعالم ! ولايهمني شيء هنا غير تلك الأخطار حين أفقد بوصلتي الحياتية التي توميء لي غالبما الى إنتمائي البشري مما يعني هنا وجوب قبول أصول اللعبة...

9.6.2006
أحيانا يحتاج المرء الى إسترخاء كبير قد يبدو شبيها بالكسل البليد. هذه عادتي حين كنت أعمل بتركيز شبه مرعب ! نعم ، هو شيء بالغ الحكمة أن يصغي واحدنا الى ساعته البيولوجية كما يقال. حاليا ساعتي هذه نشطة جدا ، فهي تدق قبل صياح الديكة في الصباح !
10.6.2006
خبر المهرجان الشعري الفرنسي مفرح. أنت شاعر ومهما تبرأت من " التهمة " ! فلما تكتبته روائح هذا الزمن الحقيقية ، زمن تكسير المساطر وصرف النظر عن ال( حرام )ات. لكل زمن شهداؤه وشهوده و...مهرجوه أيضا. ولكي لا يفتح ( حلوكهم ) واسعا سكنة الأقفاص الحجرية عليك أيها العزيز أن تتقن إستعمال تلك اللغة : المطرقة والسندان... فهؤلاء يظنون أنهم سدنة معبد اللغة الوحيدون والى أبد الآبدين ... أغرمت كثيرا ، في السبعينات خاصة ، بالأدب الياباني . فكوروساوا دفع الجميع الى أن يفتحوا صندوق فنون بلاده... عقب قراءة رسالتك تذكرت بأن هناك قصة يابانية لآبي كوبو لم أنته من ترجمتها. إنه صاحب رواية ( إمراة من كثبان الرمل ) الذي جاءنا منها ذلك الفلم الرائع. قرأت له ( العصر الجليدي الرابع ) من الخمسينات، والكتاب مجموعة قصص فنتازية. ما تقوله عن تصحر النشر العربي فيما يخص الأدب الياباني أظنه صحيحا رغم أن قراءاتي لهذا الأدب هي في لغات أخرى. هناك يوكيو ميشيما الحكيم - المجنون ب(هاراكيريه)... هناك أيضا الأجيال الأخيرة من كتاب اليابان. همومهم مضاعفة بسبب الغزو الحضاري الذي يريد طمس اليابان الحقيقية... بالطبع انا أعرف أحمد ثامر جهاد. هو من أولئك ( الفتيان الرائعين في الأقاليم ) . هكذا كتبت مرة ... أنا في غاية الغبطة حين أشاهد كيف تسهم ( القصة العراقية ) ، بجهدك خاصة ، في الثقافة السينمائية العراقية...
10.6.2006
سرقات ( الكاولية ) في الشبكة العنكبوتية ! نعم ، هم يسرقون بدون أي رادع ولاشيء مثل حقوق المؤلف يمنعهم . إنه الوجه الآخر لعملة الإنترنت ( في الحقيقة للنشر الورقي أكثر من وجه قبيح أيضا ). أرسلت إليك مرة اخرى فهرس الكتاب مع الإشارة الى أماكن النصوص في القصة. سأتفرغ لترجمة القصة اليابانية إبتداءا من يوم غد. لولا الجرس الصغير للقصة الجديدة الذي يقرع بإلحاح مريب في الرأس ل(نفضت ) الترجمة سريعا...
12.6.2006
ما هي اخبارك ؟ آمل أن عزالصيف الذي جاء مبكرا هذه السنة يجذبك الى البحر والشمس... وكلها متع نادرة على هذا الكوكب. وفق إطلاعاتي المتواضعة أكيد أن هناك أكثر من سيّار يصطخب بمثل هذه الحياة... تقدمتُ بعض الشيء في ترجمة كوبو .قد أكملها اليوم رغم أن أكثر من شاغل يتربص بي. في الحقيقة إنخفضت وتيرة العمل عندي. أكيد أن للصيف جزءا كبيرا من المسؤولية ! . أشرت ُ في رسالة سابقة الى فلم ( إمرأة من كثبان الرمل ) بالإعتماد على رواية آبي كوبو. هو فلم مهم بالطبع. أرجو مشاهدته إذا سنحت الفرصة أمامك. كوبو الذي يسمونه بكافكا الياباني قام بتركيب مدهش في روايته هذه للكافكوية بنزعات من الوجودية وحتى الشوبنهاورية... وسأكون سعيدا إذا ظهر ولو ربع كوبو في مكان ما بين المحيط والخليج .
12.6.2006
تجد مع الرسالة آخر محاولة لي. أبعث أيضا بقصة كوبو التي أنهيت ترجمتها قبل قليل ، معها صورته وملصق للفلم الياباني ، من عام 1964 ، والذي كان كوبو قد كتب سيناريوه أيضا. رحل كوبو مبكرا قليلا . لا أعرف هل الذي فوق رؤوسنا يختار من نحبهم نكاية ًبنا أم أنه يحبهم أيضا ...
13.6.2006
خبر سار التوجه لقضاء في إستونيا التي هي من ( الجزر الصغيرة في البحر السلافي )... كما تعرف صاحبنا آيزنشتاين هو من هناك. فكرة أخذ القصة لإجازة صيفية هي جيدة أيضا خاصة أننا لسنا جريدة يومية ولا أسبوعية...
15.6.2006
لا أعرف كيف أنهيت كتابة القصة المرفقة. هكذا هي الحال دائما مع هذه المهنة الشاقة التي تصبح ( زلاطة ) في بعض الأحيان ! تذكرتُ الرجل - القاموس حين إستعادت الذاكرة قراءتي لرواية كوبو الرائعة ( رجل في علبة ). أشك كثيرا في أن عربنجية النشر العربي قاموا بترجمة مثل هذه التحفة كما لا أعرف فيما إذا كانوا قد نشروا تحفته الأولى ( إمرأة من كثبان الرمل ) ، لكن كل شيء ممكن فعندنا أيضا توجد تلك الأقلية الرائعة : أقلية أوكتافيو باث...
15.6.2006
لم أنظر الى خارطة الطقس لكني توقعت أن لسكندنافيا الطقس نفسه على وجه التقريب. قصة هنري ميللر هي من مجموعته بعنوان ( ليالي الحب والضحك )، وصدرت في الخمسينات في نيويورك ( أي أنها خضعت للرقابة تحت تمثال الحرية ...). سأواصل الترجمة على أي حال. فليس بالشيء السيء إذا كانت هناك ترجمتان... سأعود الآن الى تراجم أخرى بينها لأعزاء مفضلين أمثال بورخيس وسيوران وغومبروفتش. وبحكم العداء المستحكم من جانب الوقت أنا أفضل إختيار النصوص القصيرة للترجمة. ( الزمان ) تنشر ترجمتي لمالرو على أجزاء وتحت إسمي :هولندا ، هذه المرة. في السابق كان تحته ألمانيا وهولندا وفرنسا وبولندا... لكني لم أفقد الأمل في تظهر هناك جزر القمر أيضا !
17.6.2006
ما هي أخبارك، هل إقتربت من ( الرجل القاموس ) ؟ أنا اتوقع هذا ، فالطقس السكندنافي صار مثل ريمه التي عادت الى عادتها القديمة : غيوم ، مطر ، رياح إلخ ( يكون صائبا مائة بالمائة تشبيه هذا المناخ بمزاج المرأة ...). دخلت مرة اخرى بالدوشيش ( الصديق زهير شليبة مغرم بهذا التعبير ، فمثل هذا الدخول يقوم هو به بضع مئات المرات يوميا ! ) وها أني أكتب في قصة حول ما أسماه يونغ محاولات العثور على تصوّر ٍ لأشياء لايمكن تصورها. في الحقيقة ليس لديّ مقاومة إزاء الجرثومة اليونغية التي نشرها في مؤلفه ( التزامن : مبدأ العلاقات اللاسببية ). يونغ جاء هنا بإستنتاج مفاده أن تجارب الباراسايكولوجي لا يمكن " تصورها " في سياق التفكير الغربي التقليدي ، فهي تقودنا الى منطقة ( كف المكان عن أن يكون فيها مكانا ولا الزمان زمانا ). في الحقيقة يردد يونغ هنا مقولة من مقولات الفلسفات الشرقية التي كان مبهورا بها طوال حياته. ورغبتي هنا أن لا آتي بشيء جديد غير مواصلة مسار عدد من قصصي التي سعيت فيها الى الإستكشاف ( كلا ! هذه كلمة كبيرة ، ومن الأصوب إستبدالها ب: البحث من جديد عن بصيص ضوء في ظلامين : طبيعي وآخر صنعته غباءات الإنسان ...). بالطبع الإهتمام ب(خارج - الواقعي ) هو شبه معدوم في أدبنا المهووس ب( تفلية ) الإنسان لكن ذي البعد الواحد...
18.6.2006
أنا مسرور كثيرا لإنتهاء ( إستراحتك ) في الكتابة... بالطبع المهم في كتابتك الجديدة هو المعالجة و ليس الموضوع ( أعيد هنا كلام الجاحظ : الأفكار ملقاة على قارعة الطريق ). أكيد أن هناك مواضيعا أقرب من أخرى الى نفس الكاتب و ذهنه. كل ما يفعله الكاتب هو تكرار النفس بصيغ شتى ( كلمة فلوبير : مدام بوفاري هي أنا ). نحن نكتب عن ( حفرتنا ) الوجودية ولذلك أعجبتني ( الرجل - القاموس ) رغم أن هذا الرجل ليس بفاعلها أي بطلها الرئيسي. إنه محض قناع يخفي هذا الملمح وذاك من ملامح الكاتب. كذلك المهم أن تواصل الكتابة . والقرار في أن تكون قصة أو رواية قصيرة يأتي تلقائيا. كذلك ليست هناك أيّ ( خيانة ) لصديقك القاموس ، ففي نفس الكاتب تدق أجراس شتى . أحيانا بصورة متزامنة و في أخرى تباعا... مثلا انا عدت الى القصة الأخيرة بعد أن رقدت ملاحظات كثيرة عنها في الجارور لشهور طويلة. أنت تمر بحالة كافكوية فيما يخص النشر الذي هو ( مسك الختام ) في عذاباتنا. الصدق مع النفس ليس بالأمر المطلق. كل شيء يا عزيزي هو نسبي ولأن النفس ، في حالتنا هذه ، كون فيه أكثر من درب مجرة واحد ، حتى نحن أنفسنا لا نعرف ما نريد في أحيان ليست بالقليلة. لنمارس لعبة الآخرين في ساحة النشر طالما إعتدنا على ممارسة أكثر من لعبة واحدة من ألعابهم... بالطبع بالطبع لنكن حذرين دائما ولانرقص في وسط ما أسميته بالأعراس و حلبات الملاكمة وحمل ماكياج المهرج. وإذا تعلق الأمر بي فلدي مقاومة إزاء الأضواء التي تعشي عيونا لايحصى عددها... بيكيت المعتزل لم يرقص في تلك الأعراس ، وكل ما كان يفعله ممارسة مهنته وقدره : الكتابة . وما حصل بعدها من قرع طبول النشر وجائزة نوبل هو محض عاقبة لايمكن تفاديها... عزيزي حسن . ماقرأته من نصوصك خلق لدي إنطباع راسخ بأنك تغوص في الحياة إلا أن هذا لايعني بأنها لاتضجرك. ولنتذكر هنا الضجر التشيخوفي الذي ُصيّر فنا جميلا... ونحن بدون الآخرين نكون عزلا أكثر، وحتى بروست الذي دفعه مرضه - الربو – الشبيه بلعنة الطرد من الجنة ! ومثليته الفاضحة ، الى العزلة ، كان قد وضع ، وبتلك المهارة ، في ( في البحث عن الزمن الضائع ) وغيرها من أعماله ، الآخرين ، وليس ذاته فقط ، تحت ذلك المجهر الحسّاس ... إذن ، ماعلينا إلا أن نراقب الآخرين في حماقاتهم وحكمتهم ، فالمهم هنا تلك العملية السادومازوكية : تعرية الداخل والخارج أيضا... أكيد أن ليس كل علاقة مع الاخر هي ناجعة للفنان. كما أنه لاخطورة هنا إذا كان للفنان غربال جيّد...

ملاحظتي الأخيرة : الأماكن لاتتشابه ولكل منها جغرافيته وتأريخه وإنسانه و ... بصمات الطبيعة. و لإيضاح ما أريد قوله يكفي الإشارة الى ما كتبه كامي عن تيبازه وجميلة وصيف الجزائر والصحراء في ( أعراس ) ، عن براغ في ( المنفى والملكوت ) ... وهي مصادفة اني كنت أقرأ في ( التاو ) حين جاءت رسالتك. ترجمة العلوي جيدة لكنها تنكص في اماكن كثيرة الى اللغة التقليدية. ولتكن شذرة اليوم من هذه الترجمة ...: كل من تحت السماء يمكنهم رؤية الجمال جمالا فقط لأن ثمة قبحا وكلهم يستطيعون أن يروا الخير خيرا لأن ثمة شرا من هنا ، أن تملك أو لاتملك يظهران سويا يتكامل العسر واليسر يتقابل الطويل والقصير الأعلى والأسفل يعتمدان على بعضهما الأصوات تتناغم الأمام و الخلف يقفان بعضهما بعضا ومن هنا يتجول الحكيم دون أن يفعل شيئا ، ويعلم دون أن يتكلم العشرة آلاف شيء تصعد وتنزل بلا توقف ، تبدع ، ولاتملك تشتغل ، ولا تأخذ شيئا تنجز العمل ، وتنساه وهكذا فهي تبقى الى الأبد
18.6.2006
أعود الى ما ورد في رسالتك عن النشر وماقلته أنا ثم إستدراكك بأن المقصودة هي كتاباتك. كلنا معرضون لفقدان الثقة بالنفس لكنك تبالغ قليلا : معظم نصوصك المنشورة هنا وهناك ترتفع عاليا فوق مزابل النشر في هذه الأزمان الرديئة حقا...
18.6.2006
صحيح أنها مشكلة كبرى مع هذا الأرق. تصورت أنك قد حققت نجاحا في هذه المعركة. أنا مثلك لا أطيق الأطباء ولا الأدوية. على الغالب أطبب نفسي بنفسي ، وهذا يتطلب إرادة من حديد بل بطولة لا أكشف عنها دائما ...
18.6.2006
... غدا ً السفر. أتمنى سفرة ناجحة وإنطباعات طيبّة. لا أعرف ماذا يشربون في إستونيا. أكيد ليس الفودكا الروسية الآن ! لكن المهم أن لا تبقى الكأس فارغة ...
20.6.2006
عملتُ اليوم بترجمة هنري ميللر. كالعادة يسرد عزيزنا وقائعا من حياته تبدو كأنها يوميات أو سرد لذكريات ، وفجأة يتحول كل شيء الى عمل أدبي... سأبعثها اليك حال الإنتهاء من الترجمة.
21.6.2006
كان اليونانيون هم من قال إن خير عادة لدى الإنسان أن لاتكون عنده أيّ عادة. لكني إكتشفت من زمان أن العادة رغم كونها الطبيعة الثانية للإنسان ، هي من أثمن الأشياء التي يخلفها الإنسان وراءه في هذه الدنيا ( بالطبع الى جانب أفعاله الأخرى ). أقصد هنا بالضبط المراسلات بيننا. فقد صارت عادة ً بالغة اللطف أن أفتح الكومبيوتر وأتابع أولا خارطة هذه المراسلات... بإختصار رسائلك تمنحني قدرا لا أستطيع الإستهانة به ، من الإنفراج والجذب الى الآخر ، في مثل هذا الزمن المشحون بالأسوأ... منذ الصباح جاءتنا الأمطار. لابد من تأجيل الذهاب الى البحر والشمس... آمل أن الطقس عندكم أكثر لطفا. يخونني التكنيك كثيرا في تحقيق ما أريده في أغلفة الكتب . ما أعمله هو مجرد إنقياد لرغبات صغيرة ، والسيطرة على التقنيات تحتاج الى الوقت. وهذا أين هو ! قد تكون عندي حساسيات وإلا فما ينشر من قصص و قصائد يدعو الى الرضى. ربما الفخر أيضا... ما العمل إذا كانت العادية هي العملة الرائجة . أكيد أن لظروفنا العراقية تأثيرا حاسما على نوعية ما ينشر. فالسيوف المسلطة على رقبة الفنان هي أكثر من كثيرة ... لا أظن أن هذا الغيوم السود ستنقشع بسرعة . فهي قد تحولت الى صخور ُشدّ البشر إليها وأطلقت العقبان كي تنهش و ليس الاكباد فقط بل العقول والمشاعر...
30.6.2006
سررت كثيرا برسالتك. ظننت أنك بعيد عن هلسنكي وتواصل هذه الإجازة القصيرة... كما سررت ، رغم كل شيء ، بمشروع التقرير الوثائقي. فالمهم جدا الآن أن لا تبتعد عن الكاميرا ولا عن العمل الروتيني في الفلم. لا أعرف لماذا أنا موقن بأن الحال ستتغير جذريا. أكيد أن السبب يعود ، لحد كبير ، الى كونك مشدودا بمثل هذه القوة ، بل تبدو المسألة كما لو أن الحبل السري مع الكاميرا سوف لن يقطع أبدا ! راجعتُ قصة ميللر ويؤسفني أني بعثتها إليك كأنها خامة منبوذة ! قمت ُبالتصحيحات و آمل أن تكون الآن بحال أفضل... الطقس سيء منذ أيام مما يعني جلوسا أطول أمام الكومبيوتر. بالفعل كتبت ُ أكثر من ست صفحات في قصة جديدة. عثرت على نصّ بعنوان ( الجنس مقابل النص - من ميللر الى نابوكوف ). سأكون مرغما على العودة الى الدعاء كي يكشف الوقت عن شيء من الرحمة...
3.7.2006
نعم ، تذكرت قصة كونديرا (عنوان الكتاب الأصلي : غراميات مضحكة. واللغة التشيكية قريبة جدا من البولندية ). ومقارناتك جاءت في مكانها... أنا لا أشك أبدا في أن المهم في هذه الحالات هو البراءة . و للأسف تملك هذه الظاهرة شتى التعاريف بدءا بالبراءة النقية عبرالسذاجة وإنتهاءا بالحماقة أو التراجيديا ( تذكرْ ( معطف ) غوغول و كيف كان الموت نهاية أكاكي أكاكييفتش ! ) لكن ما العمل ، فهذا أيضا جزء من صخرتنا السيزيفية... أتمنى لك إنشغالات فلمية دائمة هي بالطبع أهم بكثير من " إستهلاك " العطل... أما الرد على رسائلي فإتركه لإبتسامات الوقت ( لا أعرف لماذا تذكرتُ هنا فلم برغمان القديم والساحر : إبتسامة ليلة صيف ...). لا أعرف هل تستطيع أن تعمل ( دي في دي ) لأفلامك وتبعثها كي أشاهدها في الأخير ؟ محبتي وتمنياتي من جديد .
7.7.2006
سررت لأخبارك ولأن العمل سار على ما يرام كما تقول. فيما يخص مشاهدة أفلامك المهم أن تكون محفوظة ولاتتعرض للضياع. وآمل أنه ستكون أمامي أكثر من فرصة لمشاهدتها. كنت قد قرأت في كيكا مقالة أحمد ثامر جهاد و كتبت إليه حول الموافقة على نشرها ك(كلمة في الموقع ) ، وجاءني الرد سريعا. كانت رسالته لطيفة وتكشف عن محبة حقيقية ل( القصة ) ولنا أيضا. أحمد وفراس وآخرون من هذا المعدن الثمين هم ملح الأرض العراقية الحقيقي... أترجم الآن مقالة لباحث بولندي متخصص بالأدب الأميركي ، وكان رئيسا لتحرير مجلة ( الأدب في العالم ) ، وهي ما زالت من ابرز المجلات الأوربية . العنوان مثير بحد ذاته : الصعود والسقوط : الثورة الجنسية من هنري ميللر الى وليم بوروز. وكنت قد أخبرتك عن نيتي في ترجمة نص آخر ( الجنس مقابل النص . من ميللر الى نابوكوف ). بالطبع سأترجم هذا أيضا. أظنك تتفق معي بأن الفراغ العربي فيما يخص مثل هذه النصوص مريع و مزمن. أقصد الفراغ في النشر الورقي . لا اعرف كيف هي معرفة العرب ببوروز ، صاحب رواية ( الغداء العاري ). محتمل أن الحال تذكر مرة أخرى ب( عرب وين ، طنبوره وين ) ...
9.6.2006
قبل قليل إنتهيت من قصة جديدة ، وهي عادة طيبة بالطبع وأعتز بها ، أن تكون أنت قارؤها الأول ... سأعود الان الى ترجمة النص البولندي الذي كتبت عنه في رسالتي السابقة. ربما بسبب حرارة الجو صرت أقفز في مطالعاتي بين شتى النصوص وخاصة تلك التي سبق أن قرأتها : مثلا موزيل ، ميللر ، غومبروفتش ، كافكا حيث عدت الى قصة لم يكملها وهي بعنوان ( إستقصاءات كلب ). كانت آخر ما كتبه ( هكذا يقول الباحثون ). والمثير أيضا أنها نشرت وكما كتبها كافكا أي بدون تصحيحات. أما العنوان فوضعه ماكس برود صديق كافكا والذي قام ، كما نعرف ، بنشر أعماله خلافا للوصية. هي قصة غير طويلة لكنها كالعادة تنضح بالكافكوية ... أو كما يقول ناشرها الألماني هي نوع من النقاش مع المطلق أو بالأحرى مونولوغ موّجه صوب المطلق من قبل كائن يفشل في الوصول الى جواب على أسئلة تعذبه. برأيي أن برود أفلح في إختيار مثل هذا العنوان. فالسرد في القصة لا يخرج عن إطار ( الإستقصاءات ). وكلب كافكا ، وهو حيوان مفكر ، يجهد في إكتشاف معنى ما لوجوده ومعاناته. بالطبع محكوم على مثل هذه الإستقصاءات بالفشل مسبقا. فالإنسان ، كما الحيوان ، ليس بمقدوره سبر القانون الذي يحكم هذا العالم الذي حُشر فيه...
10.7.2006
وجدتُ رسالتك بالإنتظار. ما سرّني قبل كل شيء هوأن رد الفعل إيجابي إزاء هذه القصة. بالطبع كنت أتوقعه. لا أعرف إن كان هناك شيء يلجمني كي لا أملك هذه المثاقيل المعدودات مما تسميه بالجرأة. في الحقيقة أنا ضقت ذرعا بكل هذه النتاجات التي تصل الى (القصة ) والأخرى التي يدفعها الحظ الخبيث أمام ناظري ! كذلك لا تصدق حجي الجرايد وغيرها حول الأجيال الخمسينية والستينية وإلخ الباهرة الرائعة وإلخ . الثقب الأسود في مثل هذا الخريط أنهم لا يقولون ، مثلا ، ستينات أيّ قرن : ال19 ، ال 18 ولو أني افضل ما يزامن ما قبل فجر عصر النهضة الإيطالية ! الحزن ، مآسي العراق ، إحتمال إقتراب نيزك خطر من الأرض وإختراقه بصورة أسوأ من ذاك الإختراق في ال11 من ايلول... أضف الى ذلك أحزاننا الداخلية وتركة سيوران وقلب تينيسي وليامز المشطور - نصفه مُهدى لأرض اللعنات والآخر لما فوقها ( أظنه لم يعثر البتة على ما يشبه السماء السابعة ، ولو عثر على هذه لكان ذلك فصلا عجيبا من فصول اللامعقول ...) ، البيرة التي تخفف القيظ حسب ( هيهات أن تخفف كثافة دمنا الذي جعلته كل قباحات زمننا بكثافة دم الكركدن أو وحيد قرن إيونسكو...). أنا أفقه كل شيء ولسبب بسيط : نحن أبناء الحفرة نفسها. أما طريقتك فكانت فعلا موجزة لكنها ليست بالغريبة بتاتا كما كتبتَ. الغرابة الحقيقية التي ستبقى فجة وهلامية الى أبد الآبدين هي ما يطفو على سطح حياة هذه الملياردات... أنا أعامل رسالتك الأخيرة من الهدايا الجميلة التي أصبحت نادرة في حياتي وخاصة في الحقبة الأخيرة التي صارت عندي " فصلا للجحيم "- لرحيل الأصدقاء.
12.7.2006
قرأت اليوم ( في الواقع واصلت القراءة الثانية ) يوميات غومبروفتش . كان مزاجه متوثبا إن صح التعبير. أحب الكبار ولم يحبهم أيضا. كانت علاقته مع ساباتو أقوى من الأخرى مع بورخيس ( وجد نفسه بسبب الحرب في الأرجنتين وبقي هناك 24 سنة ). اليوميات ، وهي بثلاثة أجزاء كبيرة تعدعملا أدبيا بارزا وهناك من يعتبرونها ( وبينهم زوجته الكندية ) من أفضل أعماله. ما قرأته اليوم ل( فيتولدو) كما كان يخاطبه الأرجنتينيون : ( ينبغي على الناس أن لايتحركوا ، عموما ، من أماكنهم. فالمكان مرتبط الى حد زائد بالزمان . ويصبح إستيقاظ المكان إستفزازا للزمان. وهذا المحيط كله قد ُصنع من المسافات البعيدة الثقيلة ، إنه مكان غير منته يسمى : الموت . آه ، إن الأمور سواء ). في الحقيقة لم يحب بورخيس كثيرا ، هكذا كان غوميروفتش مسحوقا ومحبطا بسبب هذا النفي الإجباري إلا أنه كان غير مهادن ويكره الرياء كره الصنم ، وبقي في واقع الحال خارج مدار جمعيات ( الوله والإعجاب المتبادلين ) البولندية وغيرها. وكنت قد ترجمت الصفحتين اللتين كتبهما عن بورخيس ( كانتا هجوما قاسيا ) عدا بضع جمل. سأعثر عليهما وأكمل الترجمة .
14.7.2006
في الحقيقة هناك أكثر من سؤال ، ولأبدأ بالمتفائلة : هل إنشغل حسن بفلم جديد أم جاءته فيزا إستونيه وها أنه يتمتع بشمس الشمال التي فاجأتنا جميعا بطول النفس في هذا الصيف ، مضافة ً إليها فودكا حقيقية ؟! ربما غيّر الإتجاه وراح صوب الجنوب الغربي - ألمانيا وغيرها، ومن دون العبور بالدنمارك ؟! أما الأسئلة الأخرى ، ولا أريدها أن توقظ ولو أصغرأبليس ، فهي عن المصادفات السيئة التي تتربص بنا منذ أن شغلنا زمكاننا على سطح الأرض... قبل أن أكتب الآن جاءتني أفكار هي مزيج من الأدبية واللا أدبية: ماذا لو عملتُ من رسالتي سردا قصيّا ً ! وعلي أن أعترف أمامك بأن هذا النوع من المجهول المتعلق ب( أين وماذا وكيف ) يستفزني دائما رغم إدراكي التام بأن مثل هذه المناطحة مع الواقع قد يقال عنها بأنها تتأرجح بين العبث والإضحاك... المهم في كل هذا أن تكون بخير. إنه الصيف . لم أعمل الكثير. النص البولندي عن هنري ميللر تطل الشكوى من صفحاته ! مشروع قصة جديدة لايزال في قماطه ! قراءة غومبروفتش تمضي ببطء قاتل ! المشكلة في أني لا أشعر بحاجة الى عطلة بل رغبة ، وأعترف بأنها لاتعرف الإعتدال ، في الكتابة ... قد يكون السبب في أن الزمن يقف لي بالمرصاد... كل ما فعلته ترجمة ما كتبه غومبروفتش في يومياته عن بورخيس. بالطبع كان البولندي يبالغ كعادته، كما علي أن لا أغفل ميله القتالي الذي يدفعه الى حافة العجرفة ! رغم هذا فالحقيقة ، كما يقال ، تقف في المنتصف ... وبعض عبارات غومبروفتش عن بورخيس لا يخلومن الفطنة و تقريرواقع الحال...
31.7.2006
بقيت عندي ال( لكن )... آمل أن ( إنقطاعك عن العالم ) كان مثمرا كثيرا. عدا الغبطة من أنه كانت لك مثل هذه التجربة المدهشة ، عندي بعض الحسد. آه لكم أنا بحاجة غير بشرية وحتى للتيهان في غابة ! في بولندا التي تغطيها الغابات الرائعة كنت أعثر من وقت الى آخر على مثل هذه الجنان الصغيرة...
2.8.2006
أنا مغتبط حقا لكونك كنت هناك في ذلك الكوخ وسط روائح الغابة و ألوانها و... كما إزدادت الغبطة حين عدت من هناك بهذه الكتابات المتميزة حقا. غالبما أفكر لم لا يطرق كتابنا مثل هذه الأبواب. ربما يخشون ماوراءها... لدي بضع ملاحظات هي بالأساس تقنية صرفة. أجد من الأنسب أن تكون بشكل نثر أي أفقية وليس بالتنظيم الذي يوحي بأنها شعر. ملاحظتي الأخرى أن تأخذ بتقنية القص أي مراعاة المنطق الداخلي إن صح القول : عثر فنلندي على الزجاجة لكنه لم يفهم ما فيها وأعادها الى البحر ثم يعثر عليها ( رجل آخر ) نتعرف لكن قليلا على هويته - الفيزيقية خاصة ، هناك لكن أخرى : هل هو من يقرأ علينا محتوى الزجاجة أم أن الكاتب يقفز مباشرة الى تلك النصوص ؟ أجد أن ( المخرج ) هنا هو أن تبقي على الرجل الثاني لكن بعد أن تعيد اليه حواسه... أو لا تعيدها كأن يقوم بفتح الزجاجة ومسك محتواها بيده ثم ينفتح النص أمام القاريء ، تماما كما في السيناريو الفلمي... ما رأيك ؟ بالطبع سأراجع في أقرب وقت ، ( هفوات) النصوص. بالطبع ساكتب عنها مرة أخرى. عزيزي حسن . يسرني كثيرا ما تكتبه ، ولأكثر من مرة ، عن الحاجة الى هذه ( الأصوات الغريبة ) في الأدب أي الفن عامة. وهنا لابد من أن يكون رد الفعل غير محروم من الإنفعال ، فالغث والمفتعل يصولان و يجولان في الساحة ( ربما لهذا السبب حرق تاركوفسكي ذلك البيت في فلمه " القربا ن " ...). إثر قراءة رسالتك أصابني شيء من الخوف ، ففيها يسود اللون الأسود. أما أنا فلا أنفي ولا أؤكد أيضا بل أقول : قد تظهر في هذا ( البحر الأسود ) جزر صغيرة نابضة بالالوان ! أي أن تكون الجزر ردا على عجز أولئك الفرسان عن القفز فوق سور المعاصرة الحقيقية. فهذا الواقع المباشر الجاثم على الحواس والعقول أحبط كل شيء فيهم. أنا لا أقول بأنهم غير متمكنين من الكتابة لكن هذا التمكن هو أقل من النصف بكثير. صحيح أنهم يقامرون لكن على غنائم لاتملك قيمة حقيقية... وأنا كنت عامدا في ذلك النداء الى الكتاب العراقيين. كان قصدي أن أفسد عليهم هذا الرضا الفلكي عن النفس ! البارحة توقفت طويلا عند ( أستاذي ) القديم خوليو كورتاثار. أعترف هنا بأن إنجذابي إليه أقوى من الآخر الى بورخيس . أكيد أن السبب هو الإلتصاق الأشد لكورتاثار بالمعاصرة وزمننا وإنسانه الذي لم يعثر لغاية الآن على بوصلة حقيقية..

كان إنسحاري بهذا الأرجنتيني القادم من مجرة أخرى قد بدأ في نهاية الستينات حين قرأت روايته الطلائعية الكبرى ( لعبة الحجلة ) من عام 1963 والتي صوّرت في فلم أميركي ( للأسف لم أشاهده ). هناك أيضا فلم أنتونيوني ( الإنفجار) المعتمد على قصة لكوتاثار. لم أعثر إلا على بضع جمل قالها بورخيس عنه : ( لا أحد قادرا على أن يكرر ذكر العقدة في قصة كورتاثار ، فكل واحدة منها تحوي جملا محددة في نظام محدد. وإذا حاولنا أن نلخصها ندرك بأن شيئا ثمينا قد فقد ) ، ( في كل صفحة يجهد كثيرا في أن يكون أصيلا وهذا يعني صيرورة الأمر معركة مهلكة من أجل محاكمات عقلية دقيقة ، أليس كذلك ؟ ). ولك أن تتصور أن نيرودا " الأحمر " قال عنه : كل من لا يقرأ كورتاثار هو هالك). ربما جزء كبير من محبة الشاعر التشيلي لكورتاثار راجع الى ميوله اليسارية المعروفة . كان من مناصري الثورة الكوبية و النيكاراغوية و أليندي ( ألف كتابا جميلا وفق يوميات تشي غيفارا ، بعنوان " النيران كلها للجميع " ). وبدون مبالغة يقارن علماء الأدب روايته ( لعبة الحجلة ) ب( ثورة ) لورنس ستيرن حين كتب روايته ( تريستام شاندي ) في... القرن السابع عشر ...
2.8.2006
قبل أن تصل رسالتك كنت قبلها بقليل قد إنتهيت من قراءة نصوصك المثيرة التي كتبتها في تلك الغابة. قمت كما كتبت بعض الملاحظات. . أنهيت أيضا ترجمة قصة جميلة لكارين بلكسن. في الحقيقة كنت قد تركتها قبل شهور طويلة ولم اكمل الترجمة ( للمترجم مزاجه أيضا ! ) سأبعثها إليك حال تشذيبها. أما عن كورتاثار فيسرني حقا أن بعض النابهين من العرب كتبوا عنه وترجموا له. رسالتك هذه تلقيتها وكأنها صافرة إنذار.لا أريدك أن تدحر الحزن لكن الملل ، وأن تلجم ذاك الشعور بالعبث ( والمأساة أنه متجذر!) ، وبأفضل وسيطة مكتشفة لغاية الآن : الكتابة و القراءة . أنت تعرف جيدا بأنهما الهبة الوحيدة لأمثالنا...
4.8.2006
البارحة قرأت المراسلات بين فلوبير وبودلير( كانا في عمر واحد ). الثاني فهم الأول أحسن من فهم الأول للثاني... فلوبير كان يموت في كل يوم بسبب "غربته" ومرض الصرع أيضا ( لغاية الآن لايُعرف هل أنتحر أم تعرّض لحادث في بيته ). ما أدهشني وأدخل الحسرة على النفس إحدى ظواهر ذلك الزمان : العلاقات الشريفة والصادقة بين معظم الفنانين. أما الأخرى بين فناني الدرجة الثالثة وما تحتها فتذكرني بعلاقات اليوم السائدة ما بين المحيط والخليج... عموما لاشيء عندنا غير التزاحم في البازار. هم يفعلون الأسوا ، و أسوأ مما فعله موسيقار البلاط النمساوي بموتسارت ! هل تتذكر تحفة ميلوس فورمان " أماديوس " ؟ لدي الآن نصاّن عن سيوران من فترته " السياسية " في الثلاثينات. أنا متردد بخصوص الترجمة خشية تشويه صورة الرجل الكبير الذي برر وشطب على ما كان حينها. لكن المؤرخين و بيروقراطيي الثقافة ، وخاصة بعض علماء الأدب ، يعملون من كل شيء " مخلط يا لوز " لغرض الإبهار وإستعراض عضلاتهم الفكرية بعد النفخ والتلميع... لماذا أحب كورتاثار ؟ لأنه توقف عند كل بديهة وقانون في الأدب. تذكرتُ زميلة لي في الجامعة سألتني : لماذا تكتبون من اليمين الى الشمال ؟ أجبتها : ولماذا العكس ؟ ما غفر لها هذا السؤال جمالها السلافي الساحق ! تلك القصة في " القصة " كنت قد كتبتها ثم تركتها وبعدها عدت إليها ( الشيء نفسه سيحصل مع قصة جديدة أكتب فيها وأكتب منذ أيام طويلة... ). هكذا الحال عندي الآن. في الماضي " السعيد " كنت أكثر إنضباطا. واليوم هناك الكثير الذي يغفر لي مثل هذه النزوات ... لدي إعترافات أخرى كثيرة لدرجة أن عنوانا مثل " إعترافات عجوز العصر " يصلح لها !
5.8.2006
النص جيد و أصيل و يحمل ( دمغة ) حسن بلاسم . من ملاحظاتي أنك توّسع الموضوع الرئيسي بل تتجاوزه في مواقع وهي ليست كثيرة .أرجو أن تقرأه من جديد على هذا الضوء . قصدي هنا ما لقيصر لقيصر... وسيكون كل شيء في مكانه إذا قصرت الكلام على ( رذائل ) القصة. أقترح أن يكون هذا النص ( كلمة في الموقع ) للأسبوع القادم . سألتني مرة عن ماضي سيوران حين غازل الفاشية . البارحة عثرت أيضا على بضع مقالات منشورة بعد رحيله يذكر بعضها بهذا الماضي وأخرى تدافع . في نيتي ترجمتها رغم علمي بأنها ستكون موضع إكتراث القلائل ...
6.8.2006
الكتابة ؟ لدى بعضهم تكون العملية شبيهة بحفر قبر للكلمة ! وعموما فلهذه الكلمة ( الكتابة ) طعم الرماد والموت ... أنا أشعر بمتعة كبيرة حين أقوم بالطرح أمامك. ربما كلمة متعة ليست بالمناسبة. أظن التعبير الأكثر صحة : اشعر بأني اتنفس الصعداء حين أكتب إليك. إذ ليس الكل يحتمل مثل هذا الطرح ... وجدتُ قصتك ( الزجاجة ) في كيكا. وحسنت فعلت َ في نشرها هناك ، فلو كنت قد نشرتها في ( الزمان ) لأصيبوا بالرعب وسلسلة صغيرة من النوبات القلبية بسببها ! عثرت اليوم على ملاحظات متفرقة من مطالعات قديمة لمؤلفات عمانوئيل كانت. ما أذكره أنه في الخمسينات حين صعدت الموجة الشيوعية الى سقوف المقاهي و البيوت وتفشت في الشوارع أيضا كان كانت مجرد فيلسوف مثالي يربض في ترسانة الرجعية العالمية كي يطعن ، بأقرب فرصة ، البروليتاريا العالمية وطليعتها الحزبية ( تذكرت نكتة بالمناسبة : سألوا راديو يرفان الأرمني الذي كانوا يحمّلونه كل خطايا الإشتراكية الفعلية : ما هو الكونياك ؟ الجواب : الكونياك هو مشروب الطبقة العاملة في أفواه ممثليها ! ). في نيتي صياغة الملاحظات ك( يوميات ). وهكذا ظهر مشروع كتابة آخر ! الغريب أن تكاثر المشاريع لا يفزعني ولأن الحلم يسقط دائما بين الواقع والظل كما يقول إليوت ...
7.8.2006
أنا كلي قناعة بإدارتك الماهرة لموقع ( القصة ) التي آمل أن تعتبرها مثلي ، فضاءا نتنفس فيه ومعنا أولئك الذين يريدون ( البوح ). أما ( الآخرون ) فلا يهمّ كثيرا إذا حشروا أنفسهم ... وعلي ّ الإعتراف بأني تمنيت ل( القصة ) منذ البدء أن تكون صوتا آخر وطيرا غريبا لايغني خارج السرب فقط بل يزعق فيه ... أرجو الإنتباه الى أن الهمس والصوت الخافت هما سلعة بائرة في البازار الثقافي العربي خاصة !
8.8.2006
قبل ساعات وصلتني نسخة مقروءة هذه المرة ، من ترجمتي لمسرحية مروجيك ( في أعالي البحر ). تصور أني كنت أغرق في الضحك مع كل ثاني جملة ! هكذا هو مروجيك : ثعلب عجوز ُيضحِك الدجاج كي يسهل الإنقضاض عليه ! المسرحية قديمة. نشرها في عام 1961 . ولك ان تتصور أنها ترجمت على الفور للغات كثيرة. الكل فتش عن البعد السياسي فيها إلا ان مروجيك كان قد وقع مرة أخرى ، ضحية سوء الفهم. حين تقرا المسرحية ستدرك بأن مغزاها أكبر بكثير من دائرة الطباشير السياسية... أرجو قراءتها . فالمنفعة هنا مضاعفة : عمل كتابي متميز وفرصة لمسك السخرية عند النظر الى بعض ( تعاسات ) اللبون العاقل الذي حكم عليه العيش في هذا الجحيم الأرضي او ذاك ... أعمل الآن في ثلاث كتابات معا : يوميات عن كانت ، ترجمة مسرحية معروفة لآبي كوبو إسمها ( الرجل الذي صار عصا ) ، مواصلة لحواري مع النفس التي تهرسها ، بلا إنقطاع ، كل المآسي الراهنة ، شرق أوسطية وغيرها... أكيد أن مثل هذه الكتابة الثلاثية لاتصلح كي تكون وصفة ثابتة للعمل لكن تنتابني أحيانا مثل هذه الحمى ...
9.8.2006
تأخرت في قراءة رسالتك. هذا اليوم قتلته بعض المشاغل المجهدة التي لابد منها : أنا أستمع الى الموسيقى عند الكتابة أو القراءة . الموسيقى تأتي من الكومبيوتر. ويالها من سعادة أرضية نادرة ! اليوم حصل إضطراب آخر : عطب في السماعة وكان علي أن أغادر البيت لشراء أخرى ( كان جون أبدايك قد قال الحقيقة بعينها : الكاتب لايميل الى ترك غرفته...). أكتب إليك الآن بعد أن إستعدت تلك الهبة الكونية المسماة بالموسيقى. في هذه اللحظة تأتيني سمفونية موتسارت الأربعين . قيل إن ما ينفع الناس يمكث على الأرض وأما الزبد فيذهب جفاء ً. إذن بقي موتسارت وصحبه على الأرض ! عزيزي حسن ، من دون موسيقى نحن ضباع تائهة في أدغال هذه الحضارة الشرسة ! بدون موسيقى تتحول الأرض الى بور ! أظنك لو كنت قد إستمعت معي قبل ساعة الى رابسودي برامز الهنغارية لهربت حينها الى أقرب قرية غجرية هناك ! أرجوك أن تستمع الى ( موسيقى ليلية صغيرة ) لموتسارت وبعدها ستتفق معي بالتأكيد بأن هذا النمساوي قدم إلينا من نجم بعيد كان يحترق منذ ملايين السنين الضوئية ، بعد أن عثر على نقطة الأرض الضئيلة على خارطة كونية سرقها له رب مدمن على مسك المفارقات حين يكرع شراب الالهة ! ما كتبته عن القصة يحتاج الى رسالة خاصة. قرأت بإمعان ما كتبته. أنا متفق معك بأنه لابد من تأثيث تقني جديد. أكيد أننا سنعود في أقرب فرصة الى الكلام عن هذه القضية المهمة. أنا مغتبط للأصداء التي أثارتها قصتك( الزجاجة ). بالفعل هو نص جيد واصلتَ فيه مهمة إحداث الصدمة، ولتكن هذه عالية الفولتات ! فالخدر العراقي هاجم الدماء وخلايا المخ والبقية الباقية من العواطف الحقيقية أيضا... وهنا لا أجد نفسي إلا محرّضا لك ، فهناك من يريد علنا أن يحوّل الكهف الذي أبقونا فيه لالآف السنين ، الى فندق أبو خمس نجوم ! ترجمت ُ بضع صفحات من آبي كوبو . عثرت على إستشهادت له. كافكا الياباني هذا كان يتكلم بلغة ( أخرى ) شأن جميع أحفاد بودليرالذي جاءتهم الدوخة بعد أن تنشقوا أزهار الشر... كما كتبت أخرى عن هذا الجهنم و ذاك في ( أرضنا اليباب ). لم أقترب من إستاذنا القديم كانت إلا قليلا...رغم كل شيء هذا يوم إستثنائي بعض الشيء ! ربما هو محض شعور خادع لكوني إستعدت موسيقاي !
10.8.2006
صحيح أن سيوران لم يكن يحب بيتهوفن كثيرا. كان باخ ربّه الأرضي ، ولو كان البشر صورة للرب حقا لوضع هذا باخ في يمينه ، باخ الرجل البسيط ( صاحب عائلة ) يجلس الى أورغنه الكنائسي كل يوم ويعزف التراتيل لكن حين يعود الى البيت والزوجة والأطفال الكثر يستيقظ الرب فيه... أشكرك على إرسال كلمات سيوران التي كنت قد قرأتها مرة لكني نسيت الإحتفاظ بها. كما تعرف كرّس كيركيغارد معظم صفحات الجزء الأول من كتابه ( إما وإما ) ل(دون جيوفاني ) موتسارت. كيركيغارد التجاوزي المتسامي إستدرجه موتسارت الحسّي الى حد الشهوانية. لماذا وكيف ؟ لا جواب هناك غير : عبودية الجسد التي تذكرنا ب(من التراب جئنا والى التراب نعود ) ... رغم كل شيء كان سورين يذكر ، بأقرب فرصة ، بحزنه الذي سببه هذا الضياع الأبدي الذي لايعرف منارا آخر غير اليأس... : " حزني هو قلعتي التي شأن عش النسر توجد عاليا في قمم الجبال بين الغيوم ، ولا أحد قادرا على غنمها. ومن هناك أسقط ُ إلى الواقع وأقبض على غنيمتي لكنني أبقى في الأسفل وأحمل غنيمتي الى البيت ، والغنيمة هي الصورة التي أُولفها في أنسجة أغطي بها جدران قلعتي ، وأحيا هناك نصف ميّت. وكل ما عشته أغطسه في عماد النسيان مبدلا ً إياه في لا نهائية الذكريات (...)... لا استطيع ترديد كلمات أكثر، فكم من مرة وعدت النفس و قلت بمواصلة ترجمة كيركيغارد لكن الأصدقاء الآخرين يبعدوني عنه. ويا لهم من أصدقاء ! فهذا مضى في رفقة اليأس والموت وأرض أخرى لم ُتكتشف بعد ، و ذاك بقي كالبعير يجتر الأشواك ، أشواك هذه الحياة التي لعنها أفلاطون مرة...
13.8.2006
راجعتُ القصة و لابد من أن أقول بأن عملك أنقى من البلور ! الهفوات قليلة جدا وهي لاتذكر. أمنيتي الآن أن تسمح ظروفك بمثل هذا الإلتزام الحار بموقعنا (القصة). . مضيتُ اليوم أبعد في ترجمة كوبو. وقد أنتهي منها غدا. قرأتُ ما كتبه الرفيق أ. ولم أفاجيء ولم أستغرب. في الحقيقة هو رجل وديع يميل الى الهدوء لكنه حين يكتب ، سواء شعرا أو نثرا ، يصبح من الضباع ! أكيد ان ما كتبه كان رد فعل لمقال ما أو تصرف لشخص أو جهة ( غير تقدمية ). هكذا الحال دائما مع الشيزوفرينيا العراقية ! ربما بعد قرن سيتحسرون على غياب ( الأدب الآخر )... يهمني رأيك بما كتبته في ( اليوميات ) الأخيرة. لا أعرف من أين جاءتني شهوة إطلاق مثل هذه القذائف. أكيد أن ضياع لبنان ، رئتنا الجميلة ، قد دفعني الى تذكر طفل حكاية أندرسن ...
14.8.2006
لا أستطيع الجزم بأن الوسائل كثيرة كي يتحول الكابوس ( وهو هنا تجوال الكاميرا مع " الماعز " ! ) الى عمل فني. لكن جرّب ( الإختراق ) بالكاميرا والسيناريو - إختراق الماعز ... لا أعرف إذا كان المنتج يتدخل في كل شيء. لابد هنا من كثير من الدهاء أي أن تقوم بردِّ بضاعتهم إليهم لكنها أخرى ولايهم إن كانت بذات الغلاف القديم ... المهم أن تكون هناك الكاميرا، ولتكن الحركة مقيّدة الى حد معيّن... أنت لاتصدع رأسي بمثل هذه القضايا التي نعتبرها الأخطر. وأرجو أن تفهم قصدي : خذ الكاميرا و( دسّ السمّ في عسلهم ! ). أكيد أنك قادر على إكتشاف لؤلؤة ولو صغيرة في قش الماعز والممثلين الآخرين لمملكة الحيوان... أنا لا أريدك أن تكتفي بقوت القراءة والكتابة ، رغم أنهما قوت أساسي ، فقوتك الاول مع الكاميرا... قبل قليل أنتهيت من ترجمة كوبو. المسرحية ، شأن معظم أعماله ، تبدو ( سهلة ) وقابلة للهضم السريع لكن العاقبة هنا سوء الهضم أي الفهم ...
15.8.2006
عمانوئيل كانت ينتظرني بصبر عجيب ولابد من الذهاب إليه ! عاد الطقس السكندنافي الى طبيعته : مطر وريح وتقلبات أسرع من نزوات المرأة ! في الحقيقة أنا لم أشبع من البحر بعد. ما يسّرني أن الصيف سيعود في الأسبوع القادم . هكذا يقول أنبياء الأنواء الجوية.
16.8.2006
ما الجديد عندك ؟ في الصباح جاءتني فكرة أن تجمع سيناريوهاتك في كتاب . ما رأيك ؟ أمضي الآن ، بيسر ٍ، مع عمانوئيل كانت ( ربما موسيقى برامز أحد رفاق العمر والتي تصل إلي الآن ، تقود خطاي جيدا ). إنها حالة شعورية فائقة حين تسعف الموسيقى الذاكرة َ... إكتشفت أن هناك من ترجم قصة كوبو ( جنود من الحلم ) أيضا. هذه الترجمة ليست بالسيئة ، ولكانت لافتة لولا تلك اللغة ( غير الحديثة ). اللغة ! البارحت قرأت نصا لكاتب سويسري فولتيري النزعة بل اللغة جاء فيه أن الحيوانات تعرف لغتنا لكنها تتظاهر فقط بالجهل كيلا نسوقها الى العمل سواء أكان شاقا أو غير شاق ! إسمه هوغو لويتشير. يجمع في نصوصه بين الكتابتين الصحفية والأدبية. معروفة أيضا أبحاثه في اللغة. معظم أبطاله من الحيوانات. وهكذا نجد عنده عنوانا مثل ( الذبابة والحساء ). نثره ما بعد حداثوي صرف.
17.8.2006
أظن أن لديك أكثر من خمسة سيناريوهات هذا إضافة الى سيناريوهات أفلامك. برأيي أنه يكفي خمسة سيناريوهات كي تصدر في كتاب. بالطبع سيكون الكتاب غنيا أكثر كلما زاد عدد السيناريوهات. في الحقيقة أنا أحسدك على الجلوس في المقهى والتسكع أوإحتساء البيرة بين الناس إلخ ، لكن لابد من ( إغتصاب ) الوقت هنا وتكريس جزء منه للأعمال الأخرى التي ، وللأسف لايقوم بها أحد غيرنا... بالطبع أنت لا تحتاج الى نصيحتي فيما يخص ترويض النفس والرأس على إدخال نوع من الإنتظام والإستمرارية فيما يخص الكتابة والإعداد للنشر. وهي مهام روتينية ولاتخلو من الجمود أيضا. لكن البشرية الكسولة لم تبتكر لغاية الآن علاجا لهذا العذاب غير توظيف السكرتيرات !

18.8.2006
يحزنني حقا ما اسمعه منك عن خيانات الجسد. لكن ما يثير دهشتي ويزيد من شعوري بالتضامن معك في مكابداتك هو هذه الصلابة التي تبديها بوجه هؤلاء ( الخونة )... أما الأطباء فيصعب في زمننا أن ندرجهم في خانة بشرية مرموقة. الشيء نفسه في كل مكان ، وكما يقال : ما تبقى في يديه من طين جاءت منه نطفة الأطباء والمحامين والوسطاء والساسة والجنرالات ! أقول هذا الشيء رغم اليقين بأني سأقول : شكرا لأول طبيب ( فاشل ) بعد فحصه لعيني او كبدي أو روماتزم ظهري. نحن محكوم علينا بهؤلاء الحكام غير المتوّجين... ما يدفعني الى الإلحاح على مسألة كتاباتك السينمائية والأخرى هي أنك تكتب بأصالة غير مألوفة عندنا. أعتقد أن هناك قلائل إختاروا مثل ( طريق الآلام ) هذا. صديقي الراحل نزار عباس وصل مرة الى القدس وإستعد لزيارة الجلجلة بعد أن شرب عرقا عند صديق هناك كي يمده بالشجاعة اللازمة لرؤية ( الطريق ). ولكم كانت دهشته ، بل صعق حين وجد ( دربونة ) صغيرة صاعدة لم تعينه في ( فتح ) مخيلته عما كان قد حدث حينها... من كل هذا ثمة إستنتاج واحد: الصلبان هي بمختلف الأحجام لكن المفجع أن لكل واحد صليبه... أنا مسرورلوعدك بتنظيم الوقت وإرسال قصة جديدة أيضا . عاشت إيدك ! وهكذا تورد الإبل ! أنتهيت تقريبا من عمانوئيل كانت و( عدت) الى غومبروفتش: بدأت بترجمة مسرحيته ( أوبريت ). غومبروفتش فاجأ الجميع حين توجه الى المسرح. في الحقيقة لم يكتب سوى ثلاث مسرحيات ، الرابعة لم يكملها ، إلا أنهاصارت من أبرز إنجازات الأدب المسرحي البولندي ، وقد ترجمت للغات كثيرة. ( أوبريت ) هي مفارقة اخرى من مفارقات غومبروفتش الذي بقي الى آخر يوم في حياته يرى البشرية محض ظل صغير ضائع ... في اثناء تجوالي الإنترنتي سجلتُ بعض الشذرات : - الكتابة هي إضفاء شيء بطريقة معينة كي يصبح مخفيّا ً. إيتالو كالفينو - عندما كتبتُ لم أفكر أبدا بأنني أقترب من الشعب. والحق يقال إني لم أفكر أبدا بالإقتراب من أيّ أحد. بورخيس - الشاعر يفهم الطبيعة أفضل من العالِم. نوفاليس - الشعراء هم ناس حافظوا على عيون الأطفال . ألفونس دوديه - الشعرهو فن صبِّ البحر في كأس. إيتالو كالفينو - لقد إرتكبتُ أسوأ الخطايا التي يمكن أن يرتكبها الإنسان : لم أكن سعيدا. بورخيس - إن مشكلة البشرية هي حقيقة أن الأغبياء واثقون من أنفسهم للغاية في حين أن الأذكياء ملؤهم الشك . برتراند رسل. ( قبل يومين جاءتني رسالة من صديق وكلها سياسة ولعنات على الأعداء والأصدقاء رغم أنه يعرف جيدا كرهي وإحتقاري للسياسة بمعناها السوقي والرائج بين أمم الماعز على حد تعبيرك. وهكذا فكرت بإهدائه " باقة " من الشذرات السياسية. للأسف هي باقة متواضعة إذ لم تتحمل أعصابي المكوث لفترة أطول هتاك : - السياسة هي فن التجنب ولكي لا يهتم الناس بما يخصّهم. بول فاليري - لا ُتصنع السياسة من المباديء الأخلاقية لكن ليس بدونها أيضا. أندريه مالرو - تكون الحقيقة أثناء الحرب ثمينة للغاية ولذلك ينبغي أن تكون محميّة بحاجز من الأكاذيب. ونستن تشرتشل - السياسة ومصير البشرية قد صيغا من قبل ناس محرومين من أفكار العظمة. والناس الذين يحملون في داخلهم شيئا عظيما لايشتغلون بالسياسة. ألبير كامي

19.8.2006
هذا الصباح بغياب الشمس وأمطاره ورطوبته يبقيني أمام الكومبيوتر! ولأستغل الوقت خاصة أن هناك بإنتظاري ( أوبريت ) غومبروفتش وتخطيطات لقصة جديدة... ها أني قد إنتهيتُ من عمانوئيل كانت ورسالة جوابية الى صديق أصبح ماكنة للنشر ذات أعلى تقنية ! في رسالته لعن أكثر من عشر مرات ، السيرك العراقي الذي نصحته بتسميته : مزبلة - مسلخ . كنا قد تكلمنا عن قوع بعضهم في مصائد سخيفة كتقسيم الأدب الى داخل وخارج تماما مثل تاكسيات بغداد : كرادة داخل ... كرادة خارج ! معلوم أن الأكثرية تستمريء مثل هذه الشعارات التي لايسمع تحتها غير قعقعة السيوف الخشبية بل هي مغرمة بمثل هذه التصادمات المفتعلة ناسية ، أو متناسية ، أن الحقيقة الأولى والأخيرة هي : ليكتب كل من يجد نفسه كاتبا وليحكم الحاضر ، والأحسن المستقبل ، على كل شيء، أما البقية فهي زبد في زبد وحرام أن نضيع الوقت وحتى في متابعتها كمراقبين مع وقف التنفيذ. أخبرته بأني كتبت أكثر من مرة عن غوغائيي الثقافة العراقية الذين لا يكفون عن رمي الآخرين بالحجارة من نوافذ بيوتهم الزجاجية ... بالطبع وجدتها فرصة سانحة كي أكتب إليه عن المزابل الثقافية الجديدة مثل هذه المرابد التي حولوها الى محاكم تفتيش مقرفة ، والمؤتمرات والتكريمات المدونة في سجّل ٍ ُصنع من ذهب مغشوش ، وكما كتبتُ مرة أن إنهيار الطابق الصدامي من الجحيم ومجيء الإحتلال قد وجدهما كتاب الدرجة الثالثة فرصة لاتفوت للقفز الى الثانية ولربما الأولى. وكان هذا الصديق قد إقترح عليّ أن أتصل بهذا الناشر وذاك من معارفه و أصدقائه. شكرته وأوضحت له بأن رغبتي في النشر الورقي هي الى حد كبير رغبة بعض الأصدقاء بل عدد من القراء ، وأنا أفضل البقاء في موقعي الحالي و مناداة النفس : الى الوراء إستدرْ! ممنوع الدخول الى أدغال النشر العربي !

ليست هناك تعليقات: