الأربعاء، 12 نوفمبر 2008

حسن بلاسم في مجموعته القصصية : طفل الشيعة المسموم



شهر تشرين الأول الماضي نشر موقع ( القصة العراقية ) الألكتروني المجموعة القصصية الأولى للكاتب والشاعر والسينمائي العراقي حسن بلاسم. وجاءت المجموعة بعنوان ( طفل الشيعة المسموم ). وحوت خمس عشرة قصة كتبها بلاسم في الأعوام الأخيرة. وفي مقدمة المجموعة التي كتبها عدنان المبارك جاء التأكيد على أن قصص بلاسم تمثل تيارا متفردا في الأدب العراقي خاصة. وهو تيار جديد لم تعرفه نتاجات العقود الماضية. كما نقرأ في المقدمة أن قصد حسن بلاسم، شأن ممثلي هذا التيار الآخرين ليس الإثارة وخرق المحظور تطمينا لرغبة غير صحية تنحو صوب فضائحية رخيصة . و قد يعزز بعض المظاهر مثل هذه الشكوك لكنها مجرد مظاهر خادعة . جاء في المقدمة أيضا: (إن قصص حسن بلاسم، شأن كتاباته الأخرى من شعر وسيناريوهات وغيرها، شبيهة كل الشبه بما يفعله مشرط الجرّاح وهو يحزّ في الإنسجة الحية ويفتح أوعية الدم، كن الغرض، هنا، ليس تفريغا لقسوة أو تطميناً لسادية ما. الغرض هو فتح نوافذ للتهوية وطرد كل هذا الهواء الفاسد الذي يخيل لنا أنه قد جاء من عصور الديناصورات وبقي راكدا في الرئة والنفس والذهن. ومن الواضح أن عملية كهذه لا تخلو من العنف والإزاحة الفظة لما ُبلي من الستر وحجبَ َالحياة الحقيقية التي يصعب تهميشها في بعد واحد حسب.

حسن بلاسم لم يقطع بعد أشواطا طويلة في دربه القصصي. إلا أن إنجازه يدفعنا جميعا، عدا المكابرين والآخرين المدمنين على إستنشاق ذاك الهواء الفاسد، الى الإعتراف بقدرته السردية وخصوبة مخيلته الفنية. كما يسهل ملاحظة هذه الصيغة من التضافر أو التكافل بين القاص والسيناريست والفنان الواقف وراء الكاميرا السينمائية. فهذه القصص جاءت ثمرة لتعامل خاص يمارسه الإثنان : القاص والسينمائي. وعليه يكون خلق الصور وإنثيالها بمثل هذه الوتائر هو نوع من التلقيح الناجح لأداتين في الفن : اللغة والكاميرا. بالطبع هناك صيغ في الكتابة القصصية جاءت بها كل فتوحات الأدب الحديث ، منذ أزمان ما قبل جويس وبعده أيضا ، وأصبحت بالغة الشيوع في آداب العالم . وواضح أن التيار الذي يكون حسن بلاسم أحد ممثليه قد أخذ بهذه الصيغ مما يكون أمرا بدهيا لايبتعد عن طبيعة الاشياء. ومفهومٌ أن المهم هو الفعل الفني وليس ساحته ...

إن هذا الصنف من القصة لا زال يافعا ، وإن لم يكن وليدا، في أدب المشرق العربي خاصة. ولا حتاج الأمر الى إفراط في التفاؤل إذا قلنا إن قصة حسن بلاسم ستغتني بتجارب أكثر نضجا كي تسهم بجدارة في تمثيل قصة عربية جديدة عن حق).

الاثنين، 20 أكتوبر 2008

قصص مدنٍ من الشرق الأوسط







مدينة: قصص مدنٍ من الشرق الأوسط


كتاب جديد لجمانة حداد صدرت أخيرا في انكلترا لدى دار "كوما بريس" انطولوجيا محورها المدينة بعنوان "مدينة/ قصص مدن من الشرق الأوسط"، من إعداد الشاعرة اللبنانية جمانة حداد وتقديمها. القصص القصيرة المختارة والمنقولة للمرّة الأولى الى الانكليزية (مجموعة مترجمين) هي ملك لأصوات أدبية حديثة البزوغ ولأخرى مخضرمة، كتبت قصصاً تدور في عشر مدن مختلفة في منطقة الشرق الأوسط، وتضم كلاّ من نديم غورسيل (قصّة اسطنبول) وجمال الغيطاني (قصّة الاسكندرية) وفدوى القاسم (قصّة دبي) وعلاء حليحل (قصّة عكا) وحسن بلاسم (قصّة بغداد) ويوسف المحيميد (قصّة الرياض) والياس فركوح (قصّة عمان) ونبيل سليمان (قصّة اللاذقية) وجمانة حداد (قصّة بيروت)، والكاتب الاسرائيلي التقدمي اسحق لاوور (قصّة تل أبيب).


سوف يتم إطلاق الكتاب في بريطانيا بين 17 و21 تشرين الأول 2008، في إطار جولة من القراءات والتوقيعات تشمل أربع مدن مختلفة هي لندن ومانشستر وإيلكلي وتشلتنهام، في حضور جمانة حداد يوسف المحيميد وحسن بلاسم.

الخميس، 1 مايو 2008

كلمة عن اخلاء سبيل الشعر










إن كل كتابة حماسية أو عدائية عن الشعر هي مجرد محاولة للغناء. احتفاء موسيقي بالشعر. ولا أورد هنا كلمة ( الغناء ) محملة بتلك النبرة الإستهزائية ، أو مطعّمة بذلك الاثر الرومانسي الذي تتركه هذه الكلمة حين تطلق بوجه من يريد استخدام دماغه في معالجة قضية ما؛ بل أوردها هنا كما هي ، نقية ، كثمالة حزن أو نشوة ، رقصة بالحبال الصوتية والكلمات. وليست كشتيمة مثلما يحب بعضهم تحوير جوهرها الكريم الى خبث مقصود. من هنا اعتقد أن افضل حالات الكتابة عن الشعر ( أكاديمية أو إنطباعية أو فوضوية ) ليست إلا طقوس غناء ، رائعة تارة و مقرفة تارة أخرى، تقام في حلقة حول جوهر النار ( الشعر). واذا ما افترضنا ان المغني ( الناقد ) كان ماهرا ، فلكان بالتاكيد يطربنا ، ولو كان متشنجا ، لأزعجنا. لكن لو صعد المغني الى الخشبة وبدل الغناء أخرج من جيبه رزمة من الاوراق وراح يخطب في الجمهور بحماس وهو يعدد لهم ما يجب ان يكون عليه الغناء ( الحقيقي) في هذا اليوم أو الغد أو بعد مائة عام ، لما كان بوسعنا في هذه الحالة غير مغادرة الصالة وترك المغني فوق الخشبة يهذر وحيدا في الظلام. وكان أوكتافيو باث مراوغا وأكثر حذرا في كتابه ( الشعر ونهاية القرن ) من ان يتورط في كتابة دينية تبشر بالنهايات أو البدايات ، رغم أنه عجز عن التخلص من إغواء التنبؤ ...

مع ذلك فالرجل أراد التنبؤ ، وببالغ الحذر ، بطبيعة رائحة الشعر ( القادم ). بإعتقادي أن الفنون الكتابية ، و الشعر خاصة، لايمكن سجنها في غرفة غاز. فالشعر اكثر النباتات حساسية وتعرضا للذبول اذ ماصبت عليه سموم التنظير. واخلاء سبيل الشعر من زنزانة التنظير أكثر نبلا من تعذيبه بالهلوسات أو المساطر الاكاديمية. وحتى انتشار الشعر الرديء لا أظنه يبرر الغضب الذي يؤدي الى كتابة لائحة بوليسية بمهام الشعر أو كتابة بيان إنقلابي كوميدي ، كما لا تبرر الاحداث الدامية ولا الزلازل ولا حتى خروج الله من قمقمه من تعليق بوصلة ٍ في رقبة الشعر. فقد ُخلق الشعر ليكون دخانا . ولايوجد دخان من دون نار. وأظن أن للأرض ما يكفيها من براكين وحرائق مرعبة. إن مثل هكذا حقائق شعرية متواضعة يكفي لكي يواصل الشعر مهمامه و يحقق الخلود . يقول اوكتافيو باث في كتابه المذكور إن شعر الغد لن يكون مختلفا عن شعر اليوم ولا الماضي، ولن تكون مهمة الشعر تقديم افكار جديدة بل الاعلان عما تم نسيانه ، بعناد ، طوال قرون. ان الشعر ذاكرة تحولت الى صور ...

وأنا أقف بحب الى جانب رأيه هذا . لكن "باث" نفسه سرعان ما يبدأ بعد ذلك بالتغني بالشعر. ولاتخلو صفحة من كتابه من مثل هذه التعابير الشعرية ( الشعر هو نفخة من الهواء ... تعويذة لفظية ... مخلوقات برمائية .. رذاذ من الصور الذهنية ). ولأنه يعجز حين يبلغ النشوة في حديثه عن الشعر ، عن استخدام لغة موضوعية ، يلجأ الى الغناء . مثلما نعجز اثناء بلوغ الذروة في الممارسة الجنسية عن التعرف على أنفسنا ونكتفي باطلاق آهات غنائية لاغير... ولو جمعت كل ماكتب عن الشعر بمثل هذه التعابير، لأحتجت بلانهاية الى مجلدات ضخمة. وكل مثل هذه المجلدات هي أغنية تصدح بحنجرة واحدة عملاقة. هي كرنفال موسيقي صاخب للاحتفاء بآلهة الشعر.

بالطبع أنا لا أطالب هنا -بنبرة حاسمة ومثل رجل معمم أو لاهوتي مازال محنطا منذ العصور الوسطى- بعدم الكتابة عن الشعر ، فكل مطالبة مصحوبة بنيّة وديعة خاشعة هي محاولة فارغة بل هي شهوة لاهوتية حقيرة. يمكننا بالطبع أن نغني ونحتفل ونصفق ونرقص حول نعمة وجمال أيِّ نار مدهشة. فما عسانا نفعله على هذه الأرض غير إقامة الطقوس رغم اننا نوغل في اقامة الوحشية منها كي نريق الدماء ونزهق الأرواح . لكني أريد التحريض ، شأن الكثير من الكتاب الآخرين ، على الحذر والتردد طويلا قبل التوغل في مهمة الكتابة عن الشعر. فما نقرأه في الكتابة النقدية العربية حول الشعر هو غالباً ما يكون مثبطا ومثيرا للسخرية ، وخاصة ما يكتبه اولئك المغرمون بوضع اللوائح التعليمية أو إستثناء مجموعة من الشعراء. أما وضع نظرية صارمة أو مخطط لمهام الشعر ، فهو مثل محاولة صب قوالب إسمنتية لروح الإنسان. أظن أن أكثر نقاد الشعر ريبة ، هم الذين يطالبون الشعر بأن يتقدم ، فكما يقولون في كل مرة إن العصر يختلف عن سابقه. وهنا لايمكنني الا ان اورد كلمات ارنستو ساباتو، واظنها تكفي علما بأنها تخص عموما جميع الفنون:

( هناك في جميع الأحوال تقدم في الفكر الخالص وفي العلوم ، وليس في الفن. الفن لا يتقدم. والسبب ان الاحلام ذاتها لا تتقدم : هل كوابيس عصرنا افضل من كوابيس عصر يوسف التوراتي ؟ إن رياضيات آينشتاين تتفوق على رياضيات أرخميدس ، ولكن عوليس جويس ليست أسمى من عوليس هوميروس ...)

و بالإمكان إيراد الكثير من الامثلة عن شعر الماضي وشعرالحاضر بطريقة ساباتو . ربما لايشجع حديثي هذا حول التردد في الكتابة عن الشعر وتقنين مثل هذه الكتابات ، اولئك المشتكين ابدا من شحة الكتابات النقدية العربية حول الشعر رغم إرتيابهم من شكواهم هذه . فجولة بسيطة في مواقع شبكة النت الادبية تكشف عن الكم الهائل من الكتابات عن الشعر والشعراء. لكن الجميع يعرف بأن كل أمور الأدب وقضاياه لاتتعلق بالكم. فماذا تعني كل هذه الكتابات الاحتفالية في نقد الشعر العربي. يمكنك أن تضع إسم أيّ شاعر أو عنوان قصيدة بدل ما أختاره الناقد في مراجعته النقدية أو إنطباعه ، وستجد حينها ، وبكل بساطة ، أن " أغنية " الناقد تتوجه الى جميع الشعراء و القصائد. وماذا يعني تعبير مثل : أن القصيدة لامست الجرح الكوني وأن كاتبها استطاع أن ينتشل أرواحنا من القاع ؟ ألا يصلح مثل هذا التعبير لكثير من القصائد والشعراء في كل زمان ومكان ؟ حسنا ، ربما يصلح مثل هذا التعبير كمقدمة افتتاحية مثل مقدمة السور القرآنية ( بسم الله الرحمن الرحيم ) لكن أن يواصل الناقد كتابة مقاله حتى النفس الاخير بمثل هذه التعابير ، فهو كمن يكتب سورة بكاملها لا تحوي الا هذه المقدمة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ويلوك تعبيرا وفكرة واحدة منذ بداية الأغنية حتى نهايتها. إنه يريد أن يصيب الهدف لكن يده ترتجف أو انه يجهل فن الرماية ، لهذا يبالغ في شد الوتر وبعدها يخطيء الهدف.

أظن أن ورطة الكتابة عن الشعر بحاجة الى الكثير من الصدق ( المنقرض ) مع القليل من الحماس والذكاء. وعلى ضفة الموضوع الاخرى يبدو أن جمعيات المدافعين عن الشعر لاتختلف كثيرا عن جمعيات المدافعين عن البيئة : تكون مخاوف أنصار البيئة مشروعة امام كل هذه الغازات السامة. أما بيئة الشعر فمن دواعي الفخر والاعتزاز بالطبع أن يكون لها حماة ، لكن من دون مبالغات دكتاتورية ، فالشعر (الرديء )، في أفضل وأسوأ حالاته ، هو محض محاولة ساذجة لمحاكاة الاوكسجين الشعري الذي نستنشقه باعجاب ومحبة ! أي مانسميه بالشعر ( الصادق ) أو ( الحقيقي ). و أنا أفضل قراءة قصيدة ( رديئة ) على مراجعة نقدية ( رديئة) حول قصيدة ( جيدة ).

إن ازمة الشعر العربي في عنوانها العريض تكمن في القارئ الذي داسته جيوش الظلام والتخلف وكتمت أنفاسه. أما ما يخص أزمات الشعر الاخرى ، الشكلية منها والوجودية فنحن نشارك هنا ونتقاسم هموم الشعر والشعراء في كل بقعة من الارض. لكن الكتابة عن الشعر بحناجر غليظة أو صدئة لا تفعل شيئا آخر سوى مضاعفة أزمة الشعر و تلقي عليه أثقالا أخرى لسنا على استعداد لحملها الى العديد من المستنقعات العربية التي نحاول او ندعي اننا نريد أن نجتازها.

و أنا الآخر أغني أيضا :

( الشعر نهر لا تنزل فيه مرتين )

ولهذا يمكن القول إنه في كل صباح و مساء وفي كل عاصفة وفي كل سلام وفي كل طاحونة وفي كل حقل وفي كل لحظة هناك للشعر جديدٌ !

ومن دون الحاجة الى الوقوف عند النهر ومطالبته بأن " يتقدم" او "ينزع جلده" !

الشعر افعى تنزع جلدها وتجدد حياتها من دون ان تصدر لها الأوامر من ملوك الغابة ومبشريها.

وفي الأخير ماذا تريد من هذا النهر الخالد، أن يصبح محيطا مثلا !




2007 ـ هلسنكي


ميت في طبعات











بقلم : يوسف ابو الفوز




صيف هذا العام ، عرض التلفزيون الفنلندي ، القناة الاولى ، ولمرتين خلال شهر حزيران ، فلما وثائقيا قصيرا ، 18 دقيقة ، تحت عنوان " ميت في طبعات " ، اثار انتباه المشاهد الفنلندي والنقاد الفنيين ، واختاره التلفزيون الفنلندي ليساهم في تمثيل فنلندا خريف هذا العام في مهرجان اوربي للفلم القصير ، الفلم حمل توقيع المخرج وكاتب السيناريو : حسن بلاسم .حين ترك حسن بلاسم مدينة بغداد بأتجاه كوردستان عام 1998 لم يصطحب معه ، غير رزمة اوراق وحقيبة لا تتسع سوى لملابس رحلة ليوم او يومين ، لكنه سرعان ما حمل في كوردستان اسما مستعارا كورديا ، وعرف به خلال اقامته المؤقتة وعمله هناك : "أزاد عثمان " ، ولم يكن ذلك سوى ستارا لحماية عائلته في بغداد من بطش النظام الديكتاتوري . بعد الاستقرار المؤقت في كوردستان ، غادرها الى تركيا ، ومن ثم عبر حدود دول اوربا الشرقية ، عن طريق الهجرة الغير شرعية ، حين حمل مرة اخرى ثلاثة قمصان وبنطال واوراق . عاش خلال هذه الرحلة حياة تشرد قاسية اكلت من عمره حوالي عامين ، وخسر على اثرها ثلاثة اصابع من يده اليسرى. شلت. بعد ان التهمتها ماكنة في مطعم ، كان يعمل فيه من اجل جمع اجور مهربين البشر والاحلام عبر حدود الارض ، ثم جاء الى فنلندا محملا باحلام السينما والكتابة ، وليقيم فيها من حوالي عامين ونصف . حسن بلاسم لمن لا يعرفه ، سينمائي وكاتب عراقي ، من مواليد بغداد 1973 . دخل اكاديمية الفنون الجميلة عام 1994 ليدرس السينما ، التي عشقها من خلال القراءة ، لكنه لم يستطع اكمال دراسته للسينما لاسباب عديدة ، فاضطر لترك اكاديمية الفنون الجميلة مهموما وهو في عامه الاخير. خلال سنوات دراسته المعدودة اخرج وكتب ومثل في العديد من الاعمال السينمائية الفنية ، ويعتبرها حسن بلاسم اعمالا فنية متواضعة . في المرحلة الثانية من دراسته ، عام 1996 ، اخرج فلم "كاردينيا " وهو فلم وثائقي حاز على اهتمام مشاهديه ، وحاز على جائزة . ولفت ذلك الانتباه اليه كمخرج وكاتب سينمائي ، وصار البعض من الطلبة يقصدونه للاستفادة من امكانياته وقدراته . وتحت ثقل الحاجة وضيق ذات اليد ، في سنوات الحصار الاقتصادي الثقيلة ، اضطر حسن بلاسم لان يكتب وينفذ اعمالا فنية للعديد من الطلبة المتمكنين ماديا ليقدموها باسمائهم كأعمال تخرج ، ورغم ثقل ذلك نفسيا عليه الا انه وجدها فرصة مناسبة ليس لتوفير متطلبات حياته اليومية ، بل ولاستغلال حاجة هؤلاء الطلبة "المتخمين ماديا " والمستعدين لتمويل مشاريع تخرجهم ، فقام حسن بلاسم بالعديد من التجارب العملية واختبار بعض الأفكار حول شكل الفلم القصير. ومنحه ذلك تجربة عملية قادته لتنفيذ اعمالا اخرى باسمه ، فكان ان كتب سيناريو ومثل عام 1997 في فلم " بياض الطين" ، وكتب عام 1997 فلم "كابينة" ، وكتب فلم "النهايات" عام 2000. وفي كوردستان وجد فرصة لتقديم دروسا عن السينما في بعض المعاهد الفنية ، وفي عام 1999 كتب واخرج فلم " زامي كاميرا ـ جرح الكاميرا " ، فلم روائي كوردي ، ساعة ونصف ، عن الهجرة المليونية في كوردستان ، وتم تصويره بكاميرا فيديو منزلية عادية ووسط ظروف انتاج واجهتها مختلف الصعوبات الفنية والمادية ، وحاز الفلم على اصداء طيبة في الاوساط الفنية .في فنلندا ، ولقسم البرامج الثقافية ، للقناة الاولى ، كتب حسن واخرج فلمه القصير " ميت في طبعات " ، والذي عرض من خلال التلفزيون الفنلندي صيف هذا العام . الفلم 18 دقيقة ، كتبه حسن بلاسم ، ونفذه بالاشتراك مع فريق عمل فنلندي محترف . يقول حسن بلاسم عنه " انه بطاقة تعريف" . الفلم مكتوب على اساس نص قصيدة منشورة للكاتب وبنفس الاسم . في فلم "ميت في طبعات " ، الذي يحكي فيه حسن بلاسم عن حاله وهمومه من خلال نص قصيدة مترعة بالهواجس والاسئلة ، يميل الى الاهتمام بالشكل ، فهو في كل اعماله الفنية يحاول ان يبين للمشاهد ان مصداقية صورة الوثيقة يمكن ان يجدها في شاعرية الوثيقة ضمن بناء الفيلم . فالصورة في الفلم القصير لدى حسن بلاسم تملك طاقتها الشعرية ، ولكل لقطة كيمياء خاصة لها نصيب من الموسيقى . اللقطات في فلم " ميت في طبعات " كانت تحاول اللحاق بايقاع القصيدة المقروءة بصوت الكاتب نفسه . لم تكن هناك موسيقى في الفلم ، كان المشاهد يصغي الى صوت المؤثرات الطبيعية ، صوت الحياة ، ينقله الى العالم الداخلي للصورة . في فلم حسن بلاسم القصير كان هناك ايضا ايقاع الواقع العراقي المعاصر بدماره ودمويته في لمحات فنية مكثفة . في الفلم كان هناك محنة وحيرة حسن بلاسم كانسان وفنان ، ونلمسها في تلك المشاهد المؤثرة والعبرة في الفلم ، مثل مشهد قطار المترو في هلسنكي ، حيث يتدافع الناس للحاق باعمالهم ومنازلهم ومواعيدهم ، ويظهر حسن بلاسم بينهم ساهما ، ومع وصول القطار يركب الجميع ، ليبقى حسن بلاسم متسمرا في مكانه ، محني الظهر تحت ثقل همومه وحقيبة الظهر ناظرا في اللاشئ ، منتظرا المجهول . فلم " ميت في طبعات " ذاكرة صورية زاخرة تحمل سؤال : كيف نواصل الحياة مع زخم الارق والذكريات ؟ كانت القصيدة التي بني عليها نص الفلم زاخرة بالصور والاسئلة والحيرة ، وهذا انتقل ببراعة عبر عدسة الكاميرا الذكية والمونتاج البارع الى ايقاع لقطات الفلم . يعتقد حسن بلاسم انه لم يتمكن لحد الان من توظيف كل امكانياته الفنية ، وهو يبحث عن الفرصة المناسبة لتحقيق شيئا من احلامه السينمائية ، ويحمل عدة مشاريع لافلام قصيرة يسعى لايجاد الفرصة لتنفيذها ، ويخشى ان تمر عليها شاحنة الزمن وتظل حبيسة الاوراق .ومثلما طالبت محررة الشؤون الفنية في احد الصحف الفنلندية بضرورة منح حسن بلاسم فرصة للعمل والانتاج ، فاني اضم صوتي الى صوتها ، واتوجه بكلامي هنا الى المسؤولين في المؤسسات العراقية واتمنى ان يمنحوا حسن بلاسم ، وغيره من المبدعين ، الفرصة المناسبة لخدمة وطنهم وتحقيق احلامهم الفنية ، واقول للقراء الاعزاء : في عالم السينما ، اوصيكم بحفظ هذا الاسم وتذكره جيدا " حسن بلاسم " ، فيوما ما سيدق باب ذاكرتكم بقوة باعمال باهرة ، ستمنح السينما بريقا خاصا متفردا






2006 ـ هلسنكي



الأحد، 13 أبريل 2008

أجيال الورق والأخرى من الشبكة العنكبوتية




مازال هناك كتاب في العالم العربي ينظرون الى النشر عبر شبكة الانترنيت نظرة تعال وإستخفاف ومازال النشر عبر الورق يشكل عندهم الدلالة على القيمة الابداعية لما يكتبون. وحتى أن كثيرين من النقاد لا يتابعون غير الكتابات التي تنشر عبر الورق. وهذا أمر لايدهشني، أنا على الأقل، كما لا يدهش عددا هو، ولحسن الحظ، في تزايد مستمر. فهكذا نحن قد إعتدنا على العماوة والتأخر في هذه الثقافة، ومن ثم نجلس لنلطم ونندب حظوظنا. رغم أني ألاحظ بأستمرار أن النشر عبر النت دفع كتابا كثيرين، خلال مدة قصيرة، على تغيير الرأي، والنزول الى ساحة النشر الرقمي ـ سواء أكانوا مرغمين أو أنهم أدركوا حقيقة وعطايا وسيلة النشر الجديدة التي ستزيح الورق نهائيا . لكن ليس السؤال الآن حول تلكؤ الكاتب العربي في تقدير وسيلة النشر هذه، بل حول مدى تأثير وسيلة النشر الجديدة على خلقه. لا أريد هنا غير لفت الإنتباه الى الجيل الجديد الذي يتكون الآن من خلال النشر عبر شبكة النت، والى الفرص المعرفية الكبيرة المتاحة له.

لدينا اليوم جيل آخر. جيل لم يشارك في المعارك الحزبية ولم يرضع من أوهام الغرور الأجوف. وهذا الجيل الذي أتكلم عنه هو جيل ملحد ولد تحت الانقاض. لكنه مازال تائها. وأنا أسميه بجيل الانترنيت الأول، بدلا عن تلك التسميات الصنمية الشائعة : جيل التسعينيات أو جيل الستينيات وهلم جرا. هذا الجيل بدأ النشر بشكل واسع مع صعود النت، وهو ينشر من وقت الى آخر في الصحف والمجلات الورقية أيضا. و في الأخير جاءته حرية القول بعيدا عن مقصات الرقابة. ومفهوم أن الزمن سيبلور قيمة إبداع جيل الإنتريت الاول. أما الجيل الإنترنيتي الذي سيعقبه - الجيل الثاني، فباعتقادي أن ولادته ستكون بعد إختفاء الورق. كما أعتقد أن ميزة جيل الانترنيت الاول هو أنه يضم كتابا من مختلف الاعمار وليس كما كان من قبل : مجموعة من الشباب تحتل عقدا من الزمن وترفع لافتة الجيل. إن تقارب الاجيال غير المشوَّهة ومن مختلف الاعمار، عبر شبكة النت سيكون له تأثير إيجابي على الكتابة المبدعة أي أفضل بكثير من القطيعة المصطنعة التي كان يبقي عليها الكثير من المجلات والصحف وغيرها من وسائل النشر الورقي. فكل مجلة كانت تحتكر بضعة كتاب من جيل معين وفق أمزجة المحررين والمؤسسات.
إن النشر الإنترنتي قد كسر مقص الرقيب العربي وشلَّ ذراعه الطويلة. وهذه فرصة أكثر من كونها ذهبية أمام الكاتب، وماعليه إلا إستغلالها لمصلحة الثقافة الحقيقية. كذلك فحرية النت دفعت الصحف والمجلات الورقية الى أن تسلك سبيلا آخر غير سبيل الكتابة المحجَّبة. فقد أجبرت هي الأخرى على إرخاء حبل الرقابة على الافكار والمضي مع ثقافة الصورة والمفردات الجديدة، ولأن المنافسة تشتد ولابد من اللحاق بحركة المواقع الادبية على شبكة النت.
لقد بات واضحا أن عملا شاقا طويلا لايزال أمام النشر الورقي لكي لا يصيبه التعفن ولايسحقه النشر الرقمي البارع. فعلى سبيل المثال لو قام أحد الباحثين بدراسة حول المفردات المحرمة التي لم يكن مطبوع ورقي واحد يجرؤ على إستخدامها، لوجد أن عشرات وعشرات من مفردات شبكة النت أصبح استخدامها من المسلمات، ولم يعد القارئ يرتجف حين يقرأ كلمة عارية ومجنونة. أظن أن على جيل الانترنيت الاول أن يسهم في توسيع الثغرة التي حدثت في جدار الرقابة، وينهل من كنوز الابداع الانساني في الشبكة العنكبوتية تاركا للذين تآكلت أسنانهم تلك الحكايات المكرورة واللامجدية مثل حكاية محليّة الكاتب وتراثه المسوَّر بتلك الصورة المعروفة. إذ ليس من وجود هناك لكلمة محلية أوعالمية، هناك فقط قلب الانسان الذي يتعذب على هذا الكوكب الذي يخشى اليوم أن تسممه يد الانسان الوحشية الجشعة.
نحن قادرون اليوم على الوصول، عبر الشبكة العنكبوتية، الى كل أسرار المعرفة تقريبا، بدءا بأدق دراسة عن عالم الحشرات وإنتهاءا ببحث مفصل عن تأريخ الشيزوفرينا. لقد بات من الممكن متابعة مسيرة القصة أو القصيدة في هذا البلد أو ذاك، أو الصعود الى السماء والتعرف على جهود العلماء في معرفة الكون. لقد أصبحت المعرفة بفضل النت مبذولة وعلى مثل هذا النطاق الذي لايصدق حقا. فكل الستائر هي مرفوعة كي نشاهد نساء يضاجعن الحمير بطريقة غامضة أو الدخول الى غرف طقوس سرية لجماعة دينية. وكل أطياف المعرفة وضعها النت على طبق خرافي السعة، فهناك المحرم والهامشي والسطحي والعميق والمدهش والمرعب والملائكي والشيطاني. وبكبسة زرّ ننتقل من عالم الى اخر. وهذه النعمة بحد ذاتها ستؤثر بطريقة مدهشة على نوعية كتابات هذا العصر. إلا أن الحذر لازم كي لايقودنا الزائل والبراق الى ألعاب المفرقعات النارية التي يجني بعضهم الحرام منها، في كل عصر، وعلى حساب الانسان الذي نحلم به. واليوم، في عصر شبكة النت، لا عذر للكاتب والقاريء إذا سترا الخمول بإنعدام الفرص. وكان إيتالو كالفينو يبشر بالقارئ الذي يتحلى بثقافة أكبر من ثقافة الكاتب. وبهذه الصورة يكون بمقدورالشبكة العنكبوتية أن تقوم بخطوة مثيرة في الاتجاه الذي تحدث عنه كالفينو أي حين اشار الى أن المستوى الثقافي للقارئ ليس ذريعة لخفض مستوى ثقافة الكاتب كي يكون مفهوما وفق تلك الطريقة الواقعية السطحية.
إن مهام الكاتب تزداد صعوبة، وعلى العكس مما يروج له بعض الكتاب العرب المعوَّقين بالكسل والخمول وما يقولوه عن كاتب النت. فالصدأ والتكلس هما من نصيب هذا الركام الهائل من أكداس الورق العربي والذي يسمى أدبا أنسانيا. إذ يكفي جيل واحد كي يختفي ثلاثة أرباع الأدب العربي . جيل واحد يولد حرا ويمارس طقوس السلام بعيدا عن دوامة الانظمة الشمولية. جيل واحد يتفرغ لفردانيته بعيدا عن الحروب وشعارات الاحزاب والسفسطات القومية والمضي مع غرائز القطيع. جيل واحد فقط وينكشف خواء الأدب الذي كتب في هذه الفترة الطويلة من الظلام. وهذه هي حال كل أدب مسمى بالمرحلي أنجبته العتمة بتلك الطرق البالية والمصطنعة. ولا شيء هنا غير أدب اللطم والحماس والشعارات والمصالح والاخوانيات والنفاق والتواطئ مع الأنظمة الحاكمة وحتى مع القارئ الذي سممته الشعارات الدينية. ليس أمامنا هنا سوى أدب يحاول أن يحشر، بالقوة، الأدبَ الغربي مثلا، في قوالب هموم حماسية ومواضيع طينية بإمتياز.
جيل واحد فقط وتتغير خارطة الأدب العربي، حين ُترسم خارطة أخرى للحياة وتتفرغ الأجيال القادمة الى حياة السلام بكل فراغه ( المكتنز ) وسعادته و( قسوته ) أيضا. وآنذاك ستنشأ أسئلة جديدة تعمل على إختفاء تلك الأسماء الركيكة ...

الأحد، 6 أبريل 2008

رسائلي الى حسن بلاسم إعترافات من دون ذنوب



عدنان المبارك


عزيزي حسن. أشكرك على التمنيات والرسالة. صحيح أنه لم يبق عندنا غير فعل المراقبة ، ونحن هنا نباري الله ! فهو أيضا يكتفي بهذا الفعل ولايحرّك ساكنا ... وهذا هو الفارق الجوهري بينه وآلهة اليونان الذين يشاركون البشر في كل أفعالهم ... حصل الشيء نفسه معي ، فقد مرت الأيام الأخيرة من السنة الفائتة بهدوء شمل المراقبة أيضا... عثرت على نصوص للشاعرالليتواني كتبها بشكل يوميات محرومة من التواريخ. وحسنا فعل ، إذ ليس هناك من معنى أساسي لظاهرة التعاقب في فعل الكتابة ... أبعث برسوم أخرى أيضا. الظاهر أن حصص الرسم صارت لدي إستراحات حقيقية ، خاصة حين تعقب قراءات ( عسيرة ) مثل ( مفهوم الخوف ) لكييركيغورد... أنا أعود إليه حين تفزعني ظواهر مثل الله والحياة والثقوب السود بكلى نوعيها - الأرضية والكونية...
2.1.2008
مقدمتك لرسائلك إلي ّ من عام 2007 ليست ب( القصيرة جدا ). انا أفهم وصفك هذا. والتجربة نفسها مررت بها حين أردت أن أكتب المقدمة لرسائلي إليك : فرصة ذهبية للتعبير عن الموقف والشعور والأمل في أن ما يخفض لعناتنا ونحن على هذه الأرض اليباب هو أن برعما هنا وآخر هناك يتشقق بالخضرة... إنها كلمات جميلة وليس لأنك قد رسمت لها محورا هو أنا ، بل لأنك تشخص ما تشعر به بمثل هذه الحساسية ... كابوسك الليلي إمتداد لواقع أننا أحفاد أوديب الشرقيون الذين حشروا كلهم في زوايا مختلفة من الطابق الجحيمي نفسه. ومن إبتكر هذه اللعبة التي منحها السذج نعتا رومانسيا : الحياة ، لم ينقصه الدهاء حين عمل في كوابيسنا السود بضعة ثقوب بيض ، ثقوب الفن والصلة الدافئة بين فان ٍ وآخر ... الغريب أني لا أتذكر إلا القليل من كوابيس الليل. أسفي هنا كبير، بالطبع لا علاقة له بالمازوكية ... أرغب إخبارك بتجربة صغيرة بدأتها اليوم : تلخيص سيرة إنسان عبر صورخاضعة للتعاقب الزمني. هي ليست سيرة ذاتية وإن لم تفتقد بضع وقفات منها. وكنت قد تذكرت مشروعا لبرغمان عن تصوير فلم لايتناول أي شيء آخر غير التحولات الجارية على وجه إنسان معيّن - من الطفولة حتى الشيخوخة. كما أذكر كان قد ألمح الى هذه الرغبة في أحد أفلامه ، لكني لا أتذكرأيّ فلم منها. ما أذكره فقط أنه كانت هناك إشارات بهذا الخصوص في كتاب ( فن التصوير الشخصي ) الذي ترجمته. تجربة الصباح تتحدد في كتابة جمل ، وأحيانا كلمات ، مهمتها الإيماء الى فترات العمر. هل مرت عليك مثل هذه الخاطرة ؟ إنها فلمية في الجوهر. أكيد أن السينما تعرف مثل هذه التقنية. لكن لا أعرف شيئا عنها في حقل الكتابة.
6.1.2008
أكتب بشيء من التردد في قصة من نوع السكربت الفلمي. تشظيات حسب لا تبتعد كثيرا عن تيار الوعي. إنها مجرد تجربة وآمل أن لاتكون محرومة من قيمة ما. عدت الى الميثولوجيا اليونانية. ما يجذبني الى زيوس بشريته الصرفة التي تنقض وتناقض العلو غير المفهوم لرب آخر. رب الأولمب هذا يتصرف وكأنه من البشر الفانين بكل أحوال ضعفهم. شبقيته معروفة بالطبع وكم من المتاعب جرّت عليه ! عدتُ بشكل خاص الى أوديب وسلالته. سوفوكليس أغلق كل الأبواب بوجه بطله التراجيدي حين وجد أن مصير الإنسان خاضع تماما لأحكام العناية الإلهية وأن الآلهة يبعثون للإنسان بالعذاب ، وهم وحدهم القادرون على جعله متساميا أو يحظى بالرحمة. في المحصلة هو رأي صحيح تماما طالما لا نعرف من هو الجالس أمام لوحة مفاتيح الحاسوب الكوني... أكيد أنها قفزات في القراءة. وفيها أشعر بحريتي. أما الترجمة فهي مزيج من الحرفة والتحليق لكن بجناحين صغيرين...
8.1.2008
كنت قد أجبت على رسالتك السابقة لكن مع إستثناء الكلام عن صديقي ( ف ). أنا أشاطرك الرأي. فإمتيازه أنه ظهر في زمن العطش والصبّار. صحيح أنه صديقي لكن الحقيقة أقوى من العواطف. وهنا تقرضني الرغبة في الإستشهاد بذلك القول المعروف : ( الأعور في بلد العميان ملك ) ، لكن لا أريد جرح شعور أي ّ أحد ، رغم أن القول يعكس بأمانة كبيرة ، المسيرة السلحفاتية للقصة العراقية. ويعرف الكل أسبابها التأريخية والحضارية والفنية والسوسيولوجية إلخ لكن غالبما تأخذنا العزة بالإثم... أواصل الكتابة. لا أعرف إذا كانت تجربة جديدة ، ففيها إلتفاتات قوية صوب نصوصك النثرية - الشعرية مع ميل أقوى الى إستخدام تيار الوعي وتقنيات المونتاج. بالطبع ليس فيها شعريتك، أو بالأحرى ليس بذلك الإندياح المألوف عندك.
10.1.2008
قرأت في كتاب هويمار فون ديتفورت ( أطفال الكون ). كتاب باهر مكرس للعلاقة بين الأرض والكون من ناحية ومن أخرى للغز الغريب المسمى بالحياة. كما تعرف ليست هذه بالغريبة فقط بل المفزعة أيضا. هنا إسترجعت ذاكرتي مصداقيتها وتذكرت ما كتبه باسكال في ( الأفكار ) حين تأمل قصر حياته التي ستلتهمها الأبدية ، وهذه كانت قبله وستكون بعده حين تأمل الحيز الضئيل الذي يشغله حتى أنه يبصره ملتحما بفضاءات غير منتهية لا يعرفها وهي لا تعرفه ، داهمه الفزع والدهشة... كان يوماٌ جاءني بدفعة ملموسة كي لا يغمرني الأسف بأنه كان يوما آخر ضائعا...
13.1.2008
لو لقيت الشيوع أحكامك وتصوراتك فيما يخص محنة الفن/ الأدب العراقي - العربي ، ولو بنسبة عشرة بالمائة لحدث في موقفي إنقلاب جذري قدره 180 درجة ، لكني لست من الصنف المتفائل ولا الآخر الذي يغمض عينيه كي لايرى الإعصارات والحمم ، وكلها جنونية. ولو حدث ما يحدث الآن ، قبل نصف قرن لأصابتني عدوى التفاؤل. حينها كان الدين وكل هذه الفوبيات تحت رماد ثقيل ولم توقظها بعد شتى أصناف الأبالسة. بالطبع أنا لا أشكك بنظرتك المستقبلية ، فشمولية الإنترنت وبقية مصنوعات الألكترونيكا هي حاضر دينامي ومرشح للهيمنة الكاملة على قرية المستقبل الألكترونية ، غير أن الإنسان باق على أحلامه السوداء ، فهو من أسماه شبنغلر بالمفترس الروحي الذي يعذب كل شيء ممارسا جبروت العقل ، أو كما يقول إن مصدر كل إختراع تقني هو الحلم الفاوستي بالإنتصار على الرب والعالم... بإختصار أنا لا أثق بمقولة تخلص الإنسان من أدرانه وعوقه في مجالات كالتفكير والأخلاقيات ، فالإحتمال ضعيف للغاية في أن ينتصر تماما على تأريخه وأوهامه لكن هذا لايعني أنه محتوم علينا أن نضيع ، مثل أطفال صغار، في متاهات القنوط القاحل وذاك الإحباط السارتري من نوع ( لافارق هناك إذا قدت الشعوب أو سكرت في حانة ). وأعترف لك بأني ( أبالغ ) بالتفكير بمصائرنا كحيوانات عاقلة إلا أن هذا وغيره لا يحول دون ممارستي صنعتي : الكتابة التي أعاملها كمصدّات الرياح أوالأمواج ...
17.1.2008
لا أعرف أين أنت في مثل هذه الساعة . ربما في ضجر ذاك العمل ، ربما إنصرفت الى الآخر ، آخرنا ... هناك مسرة صغيرة ، ربما كبيرة ، في أن التقويم الدنماركي للسنة الجديدة يغتني بكلمات مأثورة لكييركيغورد. وهكذا صرت أعجل في قراءة الكلمة وقبل رحيل يومها : - في البدء ترقص أنت مع الرغبة ، وهكذا ترقص الرغبة معك. كن واثقا بانه سيصبح رقصا مؤلما. - الإنجيل ليس قانونا ، الإنجيل لا يحررك عند الصرامة ، بل عند الوداعة ، لكن الوداعة هذه ستحررك وسوف لن تخدعك ، ولذلك تكون الغلاظة في ذلك حسب.
17.1.2008
كما لو أن الإبادات اليومية لا تكفي ، فها هم يدبرون جريمة على طراز طالبان : تفجير نصب الحريّة . والنداء الذي أرسلته إليك قبل قليل يوضح الأمر. أبعث بهذه القصائد للشاعر الليتواني ، ويمكنك أن تعاملها ككرسيّ ماتيسيّ بعد نهار متعب...
سيغيتاس بارولسكيس Sigitas Parulskis


الأرض الطاهرة

نقلعُ، نجمعُ البنجر

في الحقل ، أسنان حادة

للتنين

الأب أطعم الخيل

باركََ ، لنركعْ
نركع، ننحني ، البنجر

أكوام ، على الأوراق ندى

على الجذور تزيّط الأرض

في السماء غرانيق
تلمع الأنصال ، الظهور

ترطب ، الأيدي تعبى

في المفاصل شيء يخز

السماء تغيم
محراب أصفر أخضر

يشتعل ، كما الشمعة

تذوب كومة عالية من البنجر

الدموع تطير الى السماء

ليسرج الأب

الخيل ، ولنذهب الى البيت
في الطريق تجاعيد كما في وجه

الأم ويدي الأب

الريح أخذت َتحزّ ، بصعوبة

تدور العجلات في الوحل

الأرض طاهرة كالموت
عام 1994

زمن الجليد

قطعنا الخشب ، ألواح الزريبة

المهّدمة ، ُقرْمات ، كتب ضخمة

لحطب نار عيد الميلاد، صفحة ً بعد صفحة

ومن الجذوع ليفة ً بعد ليفة

و عمُّنا بيده المنشار

، كما القديس أنطون ، ونحن الإثنين أنا والأب

كمعاونين له، على يمينه و شماله

الثلج هطل و إبتلت الأكمام ، ثلج ٌ

من نشارة الخشب

قطعنا كل خشب المستودع ، وجاءت أميّ القديسة حنّه

هبطت من السماء وقالت:

آخذُ سويقا لإشعال النار ،

القديس أنطون ، خذي ما تشائين ،

أنت ترين كم قطعنا ، نعم أرى ،

ضحكت الأم ، ضحك العم ،

ضحك الأب القديس ، و المنشار

أصابه الخرس ، و الحيوانات أخذت تصهل ،

وهدأت مياه البحيرة ،

عندما أخذونا الى السماء
1998


ثقوب

أن تخلق صورة ً : جليد ُ ، وعلى الجليد

يطارد قط فأرة ، تتزحلق قوائم

الجلاد والضحية.

وهذا الجهد الذي يبذلانه

يساويه المصير ، الحمق الأبدي.

أن تنأى عن العذاب ، أن تفوز

وتحشو البطن بالمسرات ، وتطلق النفس حرّةً ،

وفجأة ُتصعَق بإتساع الوجود.

كوكبات النجوم تصب ، عبثا ، السائل المنوي على الأرض.

تريد أنت أن تقول شيئا ؟ قلْ بأنك تحب إلمرأة والجار - لكن المرأة هي

جارك أيضا ،

وأن الكحول يعمل ثقبا في البطن،

وأن المخ هو مجموع أفكار َشبقة.

ها قد تبددت الصورة - ذاب الجليد ،

والجلاد إلتهم الضحية ، والسيل إبتلع الجلاد.

هل بمقدور الله أن ُيحِب – من دون غيرة ؟

أهو قد شفا النفس من الجسدية بالموت ؟

لاشيء هنا. ثقب وزمن حسب.
1998


السرير

في الليل شيءٌ يزحف على جسده العاري

هو مرغم على حكّ جلده والتقلب ، وبألم ٍ

تتمزق البطن والفخذان وما بينهما

من دون إيروسية ينبش

في أعضائه التناسلية الذابلة

وفي النهاية حين يقفز من السرير ويشعل الضوء

ويتفحص الجسد المعروف

والغريب

وكما حصل قبلها لأكثر من مرة

لا يعثر ، ثانية ، على شيء ، لايبصر

أي ّ حشرات ، أيّ عفن ، أيّ جروح

أيّ ديدان ، لاشيء عدا

كفن فراش السرير والمرمي بقرفٍ
ومن الباب حجارة مرمية
عام 1998
* * *
18.1.2008
صدمتني رسالتك حقا. الظاهر أن نقمة عبثية تلاحقك ومعها فترات إستراحة لمجرد الإيهام بأنها قد ولت ... وما يقلقني هو ضياع وقتك بسبب بيروقراطية حمقاء كالعادة. لا أعرف ما أقوله ، رغم أني أعرف جيدا بأنك قد كسبت ما يكفي من المناعة ضد الصدمات المعاشية والأخرى أيضا مما يعينك في أن تواصل عملك الحقيقي. لكن يبقى السؤال الذي لا أريده أن يعكس ولو ذرة من القنوط أوالإحباط : متى ستسمح ظروفك بالوقوف وراء الكاميرا من جديد ؟ أتمنى صادقا أن تنتصر على هذه العقبة الجديدة أيضا... كما تعرف أنا لدي درعي السلحفاتي مما يعينني في مواصلة الكتابة وغيرها ، وما يزيد من صلابة الدرع تلك القناعة المعيشية التي تأتي حين يهرول الزمن صوب نقطته الأخيرة...


20.1.2008
رسالتك أحزنتني كثيرا. كلنا نعرف لعنة المعيشة وأدغال اليومي التي يربض فيها ويقفزمنها أكثر من حيوان مفترس ... لكن قل لي يا حسن ألا تشعر من دون الكتابة بأنك سقطت في فراغ أصم كان رامبو قد ترك الشعر في سن مبكرة جدا ولأنه لم يكن ، وفق قناعته ، لديه المزيد. إلا أن هناك عشرات الأمثلة الأخرى بل المئات التي تشير الى العكس... لا أعرف ، قد يعمل الجو النفسي وحصار تلك المشاكل على التقليل من شأن ( ما ُخلقنا من أجله ). ربما أنا أبالغ. ربما أجد نفسي ضحية للضجر الحقيقي إذا لم أفكر بالأدب والفن وأصدقائي فيهما... أتفق معك بأن الإنسان يشعر بضآلة ٍ ما حين يقرأ ما أنجزه الآخرون وخاصة إذا كان الإنجاز من النوع الفذ والمتجاوب مع المشاعر والمنطلقات. لكن ألا يعني هذا ، ومن جهة أخرى ، محض نموذج ومثال علينا أن نسترشد به من أجل أن نرد بعض الدين لهؤلاء الذين ضحوا من أجلنا نحن بالذات وليس من أجل أولئك ( الآخرين )...


20.1.2008
عدت اليوم الى غومبروفتش - ترجمة مسرحيته ( إيفون أميرة بورغندي ). في الحقيقة كنت قد ترجمت أجزاء منها. آمل أنها غير مترجمة الى العربية. الأمل قوي هنا ، فالعرب ليسوا بحاجة الى أي عبث أجنبي ، فلديهم المزيد من المحلي : الأدبي واللأدبي ...


21.1.2008

نصك جميل حقا. إنها عين فنان حقيقي تلتقط بمثل هذه الحساسية كل الأحداث الكبرى الموت، الحياة الحارة التي غالبما أشبهها بسمكة مشدوهة العينين وتلبط باليدين... في نصك ثمة تكثيف بل إجلال للكلمة. وهنا تذكرني بألبير كامي الذي كان هوسه أن لا ( يزيد ) في الكلام... إنها نثر خارج ، بالطبع من رحم الشعر. وياليتهم عرفوا جلية الأمر : ليس شعرا ، وفق التعريف الشائع ، خارجا من رحم الشعر بل هو ( نثر ) خارج من هناك ... أنا لا أرى أيَّ محذور من التعامل معه كنص سردي. هناك صفحات كثيرة في رواية كامي القصيرة " السقطة " تراوح بين الإعتراف والنفس السردي مثلا.

29.1.2008
قرأت البارحة بحثا شيقا لفيلسوف سلوفيني ( سلافوي شيشيك ) عن جاك لاكان. في الواقع لم يكن عن هذا الفرنسي بل معظم النص مكرس لألفريد هيتشكوك الذي خضع هنا لتفسير غير معهود : واقعي - حداثتي - ما بعد حداثتي ... السلوفيني يحاضر في أكاديمية الفلم اللندنية أيضا. نصوصه غريبة مابعد حداثتية كرس بعضها لوودي ألين وكشيشتوف كييشلوفسكي وآخرين.

2.2.2008

أنا متأثر بل مغتاظ من هذا العالم الذي يستعبدك بهذه الصورة. خشيتي أن يبالغ في جرّك عن ( الهمّ ) الأساسي ويغلق الباب عليك في زاغور الهموم الأخرى. لا أعرف لم تذكرت كلمة همنغوي ( الخبز أفيون الشعوب ) ، ومعها خاتمة أنتوان دي سان - أكزوبري في ( أرض البشر) حين إعترف بأن ما يقض مضجعه ليس موت الأطفال بل موت بيتهوفن وموتسارت آخرين فيهم. لكن ما يخمد غيظي هو وثوقي من أنك باق في موقعك بعد كل التجارب ، القاسية منها وغيرالقاسية ، التي عرفتَ فيها أكثر من حقيقة واحدة من حقائق هذا العالم ...


8.2.2008

أدواردو غاليانو تعجبني أشياء كثيرة فيه ومنه. قبل سنين قرأت روايته الأكثر شهرة ( عروق أميركا اللاتينية المفتوحة ). ما يعجبني فيه أيضا مقته للأميركانزم. أتذكر مقالا له من قبل عام عن الشياطين التي تقض مضاجع الغرب عموما. وقد عدّدها بدءا بالشيطان المسلم ( وهذا تقليد يرجع الى دانتي حين ألقى محمد في الجحيم ...) والأخر هو اليهودي ثم المرأة وبعدها المثلي ويعقبه من تبقى من الهنود الحمر، وفي الأخير جاء الشيطان الأسود : الزنجي. بهذه الصورة كتب وإذا لم تخني الذاكرة. نصوصك ليست عصافير مهلسة ـ كما تقول عنها ـ بل غير مشذبة قليلا. بفضلها أكسب بعض التفاؤل والإيمان بأن الكتابة في العراق قد لاتحتاج الى فترة أطول للبقاء في غرفة الإنعاش...
9.2.2008
أنا أعرف إنشغالاتك المعاشية تلك التي لايعرف بالضبط من خطط لها بكل هذا الخبث. فبدلا عن إلقاء حسن بلاسم على إحدى مصاطب الضجر الكوني كي يحاول التحاور مع مخلوقات غريبة تضاعف فيها كل شيء بدءا بحاسة النظر وإنتهاءا بفعل التبرؤ من كل ما هو أرضي ورباني أيضا... لكن لحسن ٍ دهاءه أيضا : إنه يقيم ، بحكم كونه متآمرا من طراز بريء تماما ، مونولوغات لا تنتهي لكن مع مخلوقات غامضة الجذور وأبالسةٍ وأشباه بشرٍ وآخرين من أمثالي الذين ينجحون تارة في بصق يأسهم بوجه الرب وأنظمته العبثية ، وتارة أخرى يرجعون قانطين الى ( الألعاب الأرضية )...
قرأت نصا ل(ف ) كرّسه ل( شرح ) بعض أبسط الآليات النفسية. لكن ليس هذا موضع الإستغراب بل في أنه لايزال مسحورا بعهود تولستوية وكأن فرويد ويونغ وجويس وسيوران وبقية مهدمي المعابد القديمة هم مجرد ظواهر سرابية أو عصابات تخريب لمملكة الجمال والأدب السعيدة ... أنا واثق تماما من أن ( ف) لا يقرأ لأمثالنا طالما أنه يأخذ بمقولة العصرالوسيط المعروفة : " يوناني لا ُيقرأ "... في الحقيقة أنا دخلت معه ولأكثرمن مرة ، في خلاف حول القضايا الأساسية - جحيم سيوران وكييركيغورد وبافيزه وساباتو وبورخيس والباقين. كان رده الدائم أو بالأحرى نصيحته ( وهي تذكرني بكل مساويء ممتطي أحصنة هزيلة - أحصنة الأخلاقيات ، وهوس الإلتصاق بالآخرين والذي هو في الحقيقة كاذب ومفتعل ولأنه في واقع الحال يأتي توكيدا على ذوات تعاني من الإنحراف أو التصنع ) : " ينبغي أن لاننسى الآخرين " ... وهنا لابد من الرجوع الى تحليل سارتر لظاهرة الحب : العاشق لايريد أن يفنى بمعشوقته بل أن يغنم مساحة جديدة لأناه ، أن يوسع هيمنته...
11.2.2008
ما تقوله عن قصصي صائب في كل مرة. في الحقيقة ليس الغرض هنا إيقاظ غرائز ومشاعر معينة بل هزّ النائمين ( وأعترف بأنه غرض فوق طاقتي ) : كي يبصر بعضهم - وليس كلهم فهذا خامس المستحيلات وليس رابعها - الوجود والحياة التي هي ظاهرته الأكثر قسوة ولأنها تعني هذا الجسد الفاني وهذا العقل المعوَّق ، تحت ضوء آخر ، ضوء الإحتمالات والتكهنات ومن ثم كي يثقب السؤال الرؤوس : لماذاالإنسان ولماذا العالم ولماذا كل هذه التعاريف البائسة التي ُدقت مثل مسامير علاها الصدأ ، للعوالم الصغيرة منها والكبيرة ؟ أعترف أيضا بأن هذا هو مسعى بالغ الطموح الى درجة أنه يصبح مضحكا أو مثارا السخرية ! يحفر فيّ أيضا هذا الإفناء اليومي للعراق. ونص مثل نصك ( شكو ماكو ) أجده التعبير والتصوير المناسبين أكثر من غيرهما - من مقالات و قصص مازوكية لا تقدم شيئا غيرالتشبه بالزناجيل والقامات والدماء التي تسيل عبثا. منذ يومين أنبش في الموضوع - الهاجس : ظاهراتية وجودنا ولماذا نحن بأبعاد ثلاثة وليس إثنين مثلا ( وكما في رواية الكاتب الإنكليزي أدوين آبوت آبوت : " فلاتلاند " - بلاد المُسَّطحين. ولا أعرف هل هي مترجمة الى العربية. في الواقع هي لا تبتعد كثيرا عن جوهرة الأدب الإنكليزي " رحلات غوليفر " ). ومن جديد وصلتُ الى يونغ في كتابه الفذ ( ذكريات ، أحلام ، أفكار ). تحصل لدي بلبلة : هل أن ما أكتبه هو محض هضم ، وقد يكون عسيرا ! ، لما تكرس له الاخرون ؟ في الحقيقة أنا راض بهذا الدور البسيط في هذه التمثيلية المعقدة ! المهم إفراغ التفاعلات الداخلية...
12.2.2008
رحل التكرلي . وبذلك خبا ذلك اللهب القديم الذي كان قد توهج في الخمسينات وتصاعد بعدها ثم جاء ( الواقع الجديد ) الذي لا يعرف الرحمة ، والشبيه بكاسحات الألغام أو كاسحات ثلوج طرق الشمال. لكن علينا أن نكون عادلين ونعطي لكل حقه. كان فؤاد قد زرع شتلته لكن ما يدهشني أنه كان على ثقة من أنها ستتبرعم وتشب في أرض يباب سرقت قرون طويلة خصبها... أعترف بأن كآبة قاسية لاحقتني طوال النهار وأصابتني بالشلل. لم أقدر على الكتابة...
19.2.2008
وجاء رحيل آخر. ألان روب - غرييه ودعنا بالأمس... في الرأس دار شريط من الذكريات عن هذا الكاتب والسيناريست والمخرج غير الإعتيادي ( أذكر أن الصدمة كانت كبيرة عندما شاهدت فلم ألان رينيه " العام الماضي في مارينباد " والذي كتب روب – غرييه سيناريوه ) . لا أتذكر من قارن رواية روب – غرييه بصندوق متعدد القعور. ف( المماحي ) مثلا هي ، ظاهريا حسب ، ذات حبكة بوليسية بينما تكون في الحقيقة إيغالا في التحليل النفسي والأسطورة والفلسفة. وكل هذه الإحالات تختلط فيما بينها لكنها تدفع أيضا تلك الحبكة الى الأمام. وكما تعرف بدد غرييه أسطورة معينة عن الزمن الذي إعتدنا على التعامل معه خطيا ، ففي هذه الرواية ( سرد ) لأجزاء من الثانية التي تفصل بين الضغط على الزناد وإختراق الرصاصة للجسد ، أي الزمن الذي كانت الرصاصة بحاجة إليه كي تصل الى هناك ( المسافة كانت ثلاثة أو أربعة أمتار ). لكن الزمن الفعلي كان 24 ساعة ، زمن ذلك الرجل الذي حوّله غرييه الى أوديب لكن ليس ذاك اليوناني تماما بل منحه ظلالا خفيفة من السخرية والباروديا. الكل تقريبا يعترفون بأن الرواية الجديدة ( وكانت تسمى في البدء ، في الخمسينات : ضد الرواية. وإذا لم تخني الذاكرة ألصق بها الإسم الآخر في عام 1957 ) هي تجربة كبيرة في ميدان الشكل بل ثورة راديكالية : نبذ شخصية الراوية العليم بكل شيء ، إنعدام إستمرارية الزمن ، إختصار الحكاية أوالقصة الى الحد الأدنى ، رسم بالغ الضعف للخلفية الإجتماعية ، التأريخية إلخ ، ذاتية الوصف - هنا نبذت تماما مباديء المحاكاة. ولدى غرييه خاصة ليس هناك من تعليقات ذات طبيعة سايكولوجية أوأخلاقية. رغم صعود هذه الرواية السريع وإنحسار مدها في الستينات لا أحد ينكر بأنها جاءت للنثر بعناصر جديدة ، ولأذكرُ أيضا الدقة الرياضية في بنية العمل الأدبي أو ما إستعير من تقنية التسجيل الفلمي : المقطع الروائي أوالقصصي يذكر تماما بلقطة الكاميرا. كانت قد سحرتني روايته ( الستائر ) أو ( الغيرة ) / الكلمة تحمل معنيين بالفرنسية / وهي تعد أفضل عمل جاءت به الرواية الجديدة. وأذكر أن ساباتو لم يعجبه الكثير في ( الرواية الجديدة ). لا أعرف السبب بالضبط ، لكن الأكيد أنه كان ينفر من نزعتها الدوغمائية. وكان هنا محقا. فكتاب هذه الرواية كانوا يتصرفون كنشطاء أيدولوجيين... على أي حال فرحيل روب - غرييه خسارة أخرى جاءنا بها هذا الشهر المحروم ، لغاية الآن ، من أيّ لون زاه ٍ ...
20.2.2008
تمتعت مرة أخرى بقراءة نصك ( النفق والهذيان ). هذا النص - النافورة التي تقذف اللعنات في كل الجهات ، يزاحم كاتبه الرب كي يسطو علي إمتيازه في إنزال اللعنات... النص يذكرني بنهج فرنسيس بونغ الشاعر الفرنسي الذي عاش عقود كثيرة من القرن العشرين. هناك بعض المنصفين الذين يعترفون بفضله على الرواية الجديدة ، لكن لم يذكرني بنصك ؟ لأنه قال مرة بأن الشعر كف في هذا الزمن عن أن يكون شعرا، وكان يقصد شعر البيت والقصيدة وكامل ذلك البناء. أنت تكتب مثله : تنثر شاعرا وتشعر ناثرا. وقد تكون صدفة أني كنت أقرأه قبل أيام حين أضع رأسي على الوسادة وأمسك بكتاب يعينني عند إجتياز نفق النوم صوب واحد من سهول أوغابات الاحلام. بونغ ينضح بيولوجية ً ، وهو يعترف للأشياء بوجود مستقل تماما، وولعه بالتفاصيل ولع عالم مختبرات ، وفي توصيفاته المكتظة بالتفاصيل والمموضعة يحوّل الحيّ والجماد الى أرباب للكون. لم يكتب القصائد بل نصوصا نثرية عن البرتقالة والسيجارة والخبز والنار والحلزون والطحلب. كان قد نبذ السوريالية وإنهمك في فحص اللغة كما لو أنها جثة تنتظر التشريح الطبي. إنه شاعر مأخوذ بالوجود كما هو...
21.2.2008
ألبي رغبتك في التعرف ، ولو قليلا ، على إبداع فرنسيس بونغ. إنه شاعر صعب. ولا أظن أن هناك ترجمة تفيه حقه ولكن ... :
فرنسيس بونغ Francis Ponge ( 1898 -1988 )
النار
النار ُتدخِل النظام : في البدء تمضي اللهب كلها بإتجاه واحد... ( مسيرة النار يمكن مقارنتها فقط بمسيرة الحيوانات : كي تشغل مكانا واحدا ينبغي قبلها التحرك المتزامن كماالأميبا وكما الزرافة – إبراز العنق ، جرجرة السيقان ) ...

بعدها حين تصير ، طرائقيا ً ، الكتلة المصابة بالعدوى ، خرابا ً ، تتحول الغازات الخارجة منها تدريجيا ً الى مرسى للفراشات.
عام 1936

السيجارة
في البدء ننقاد الى الجو : الضبابية ، الجفاف والسحابية في آن واحد ، الجو الذي تصنعه ، من دون لحظة إنقطاع ، السيجارة التي ترقد مائلة قليلا.
بعدها ننقاد الى هيئة ٍ : صغيرة ، هي بالأحرى ذات رائحة أكثر من كونها مشعلا تنفصل عنه ، في إيقاع معيّن ، تجمعاتٌ من الرماد ليست بالكبيرة وبمقادير يمكن حسابها.
في الختام هناك الهوى : قطعة ُمجَمَّرة في هالة من رقاقات فضية تتشظى تدريجيا. عام 1936


قطعة لحم
كل قطعة لحم هي ُمنشأة ، توربينات ومضخات دم. أنابيب ، أفران ، مباخر ، وعلى الجانب مرئية ٌ معاصرٌ ميكانيكية وكتلُ شحم ٍ. ينفث بخارٌ فائر. تتلامع نيران هي قاتمة مرة وفي أخرى ساطعة. تحت سماء مفتوحة تحمل تيارات ٌ أنسجة ميتة مخضبة بالصفراء. كل شيء يبرد ، ببطء ، في الليل، في الموت. وها أنه ينشأ صدأ ، أوعمليات كيميائية أخرى تبعث رائحة كريهة.
عام 1942

24.2.2008
أنا أعتبر نصك ( النفق و الهذيان ) نموذجا لما ينبغي أن يكون عليه ما يسمى بالأدب العراقي على حد تعبيرك مرة. أنا قانع ومغتبط من ظهور نصك في الموقع ، وإذا إمتعض أوإستعاذ بالله هذا الجحفل المتخشب والمرائي من الفريسيين فلا ينتظره منا غير ( طز ) بحجم بالونه الأخلاقي المنفوخ بالهواء الفاسد لاغير... نحن نكتب أيها العزيز للقراء الحقيقيين فقط ، أما عددهم فأنت ذكرتني ولأكثر من مرة كيف أهمل أوكتافيو باث العدد هنا ... أهنئك من جديد على هذا النص خاصة أنك لم تنبذ في نشره نصيحة المسيح عن عدم إلقاء اللاليء تحت أقدام الخنازير... رحت اليوم مع مسوّدات قصة جديدة . أظنها ستكون رحلة حلمية أخرى. ما العمل إذا كنت مجبولا على ( خيانة ) الواقع الذي أسميته أنت مرة بالأليف - بالطبع كان وصفك له مجازيا ، ولربما كان أليفا لو لم ينس الله نزع الأنياب والمخالب عنه...

رسائلي العارية الى حسن بلاسم ... 1




عدنان المبارك


رسائلي الى حسن بلاسم تحولت الى عادة شبه يومية تأتيني بقدر مرض من الإنسجام الداخلي وتلك القناعة التي يغنمها الإنسان حين يجد من يستمع إليه و يفهمه. والشيء نفسه يحصل ، كما أيقنت ، لدى حسن . فالغرض من المراسلات بين كاتبين أن يضيء ، وكل على طريقته ، ( دهاليز ) الذات و التي ليس من المستبعد أن تلتقي... أكيد أن تأريخ عقود من زمني يقف بيننا نحن الإثنين ، لكني لم أشعر البتة بأنه نوع من تحجيم الصلة الودية والتفاهم . وحسن يشعر أيضا بأن هذا القدر غير الصغير من الزمن لايعيق إضاءة تلك الدهاليز ... حسن فنان أصيل للكلمة. وهي عنده نسيج مدّمى بل جسد لاينقطع عن الإعلان التراجيدي بأنه الضحية الدائمة لعبثيات الزمكان البشري منذ خروج النطفة الأولى للحياة قبل ملياردات السنين... وفي خلقه الكتابي ذي الطاقة البيولوجية المتفجرة وجدت دائما أن هذا الفنان يتكلم بلغة أخرى لم تألفها الأذن المحتشمة ولا اللسان الذي صقل نعومته الزائفة أكثر من تراث حصل بعدها تحنيطه الماهر لكن ليس من دون غباء . وحتى سكين حسن التي يشق بها دمامل الواقع العراقي وغيره تبدو لي ذات جمال آخر غير الذي إعتادت أجيال على التعايش معه. ببساطة تذكرنا كتابات حسن بأن للجمال أكثر من تعريف واحد و أنه أمر طبيعي للغاية أن يأتينا جمال الكلمة ، وليس الكلمة وحدها ، من أكثر من ( قاع ) بشري ووجودي. فهنا نجد أنفسنا بمواجهة جمال إستل من قبح وشراسة الحياة و الوجود وسفالات التأريخ. أنا أفهم جيدا سعي حسن ،وهو هاجس محموم ، الى تفادي كل خداع للنفس و الإنسان الآخر ، فمحن الحياة و إشكاليات الوجود و كل هذا الظلام الذي يلف العقل حين يجابه ألغاز العالم لايريد حسن تهميشها من أجل التمركز التقليدي والمقولب في ممارسات الواقع المألوف. فكرامته كفنان لا تسمح بذلك. أملي أن تقود هذه الرسائل الى تلك الدهاليز ، دهاليز الذات ، بكل أمانة...

2 كانون الثاني 2007

غالبما أفكر بهذا الزحف الإسلاموي النياندرتالي. وفي بلدان مثل العراق ولبنان سيتحول من دون شك الى ( طاعون ) كاموي. فأصحاب اللحى ( أكيد أنها مصبوغة ومعطرة بمستحضرات " الصليبيين " ) يرفعون بكل صفاقة الشعار القديم المشؤوم ( إما كل شيء وإما لاشيء ). هم حذفوا من عقولهم وقلوبهم خيارات مثل إبقاء هوامش لأقليات فكرية أوأثنية ( غير خطرة ) أوعقد هدنات مع البشر الآخرين. أبدا ، فأشياء من هذا القبيل هي هرطقة لاتستحق إلا الرجم. والآن لتنزل رحمة ما من سماء ما على روح نوري السعيد الذي كان إمتيازه الوحيد أن يقطرمعمل مُسيّح عرقا خصوصيا له آنذاك ! ( عميل الإنكليز ) هذا لم يسرق دينارا واحدا من خزينة الدولة ، ومعروفة قصته مع المصرف العقاري الذي رفض ، في البداية ، منحه قرضا ! نعم ، نحن نعيش في زمن عجيب راجت فيه كل أصناف العملات الرديئة ، زمن السحالى التي وجدت نفسها بمثل هذه الضخامة لكونها تنتمي الى جنس الدناصير التي لاتهم أحدا هناك حقيقة إنقراضها...


3 كانون الثاني

البارحة إنشغلت بمراجعة رسائلك وإختيار بعضها لكتابة اليوميات. إنها حصيلة ثرة حقا. إمتزجت فيّ مشاعر الغبطة بالأخرى التي نشعر بها حين يسحبنا الزمن عنوة في ما يسمى بالحاضر الأبدي. ربما الحال ليست هكذا ولم يحن الوقت للأخذ بما دوّنه دا فنشي في دفتر ملاحظاته : ( ليس على الإنسان أن يطمح في المحال ). أنا أشعر، مثله ، بتقدم العمر ، إلا أن فكرة الموت لا تثير قلقي بعد. لا أسمح لنفسي ب( إختصار المسافة ) لسبب بسيط : ثمة أعمال تنتظر التنفيذ. لكن لا أعرف كيف ومتى. في الحقيقة يكون كامل العذاب مع ال( كيف ) القاسية مثل ميدوزا. ربما حفزت هذه الميلانخوليا تلك الصفحات التي كتبها ساباتو عن دافنشي في ( معالجات في الأدب ) حيث جاءنا الصديق الأرجنتيني بذلك التعريف الفذ للجسد : سجن الوجود والإمكانية الوحيدة لكينونته أيضا.


4كانون الثاني

بريد الموقع يكتظ كل يوم ، عدا الإعلانات السقيمة ، برسائل الى موقع إسمه ( القصة السورية ) صار منذ إزهاق أنفاس صدام ساحة لطم ونحيب. الموقع متوقف عن النشرالآن لمدة أسبوعين كما أظن ، لكن رسائل الوله المتبادل بين أيتام الدكتاتور هي كالسيل الزبى ! وما زاد من الإشمئزاز أن معظم الناحبين ، و بينهم لطامات من المحيط الى الخليج ، يخاطب أحدهم الآخر بالروائي البديع والكاتب اللامع والشاعر العربي الكبير. أكيد أنه ليس سيركا ، ففي هذا جهد وصنعة وإتقان وتحريض على الضحك الصافي ، بل هو مزبلة بشرية حقيقية. 7 كانون الثاني عدتُ اليوم الى صحبة فيليب لاركن الذي يذكرني في أبعاد معينة بعزيزنا هنري ميللر. أشعاره ، وقصصه التي لم تكن كثيرة بل بضع، ربما ثلاث ، تيار من الصدمات الكهربائية ...
7 كانون الثاني
منذ بضعة ايام أكتب في قصة. أشعر بإحباط معيّن مرده الى أني أكررأحد الهياكل التقليدية في قصصي : سوح قانط بين البشر ورموزهم المادية. لا أتذكر الآن من الذي قال بأن الفنان ينجز عملا واحدا فقط. فأعماله الأخرى هي ، في الجوهر ، بل في واقع الحال ، ( تكرار ) لما جاء به عمله الأول ، وما يتبدل هو المظهر الخارجي من أصوات وكلمات ومشاهد وتكوينات إلخ. لدي رغبة في أن أستمع الى ما لديك لقوله بهذا الصدد ، وأكيد أن هذا سيعمل على دحر ذلك الإحباط.


8 كانون الثاني

كلماتك عن القصة غير المنتهية ثمينة حقا. يدهشني أن القلم صار أطوع من بنانك ! فقطعتك الشعرية أنا قادر على درجها بين لاليء أعزائنا وخاصة السورياليين منهم ( أعترف بأني لا أرتوي أبدا من هذا البئر رغم أنني لا أعرف موقعه بالضبط ...). ظلٌّ سيورانيٌّ رقيق تلفه كالعادة تلك الكآبة الحكيمة. عاشت إيدك. أفكر بمواصلة الكتابة في هذه القصة على ضوء ملاحظاتك الذكية ، كذلك إختيار نص للترجمة من أحد أصدقائنا. أنا أتردد كثيرا عند ترجمة بورخيس خشية حصول تكرار، والشيء نفسه مع سيوران. أكيد أن المترجم العربي لم يقترب ، ولو نادرا ، من غومبروفتش. لدي كل أعماله تقريبا. أعتقد أن التفرغ لترجمته عمل مناسب وأكثر فائدة من ترجمة أخرى عدا ترجمة كيركيغورد !


15 كانون الثاني

ومن يعرف أسرار الذاكرة ! أكيد أن ما كتبته أنت عن لعبة التظاهر بالموت عند الشعراء والخنافس قد دخل ذاكرتي وإنزوى في ركن تطوّع التراب بتغطيته. في الطبيعة هناك ما يسمى بستراتيجيات الحماية وألوانها. وهنا تبز الحيوانات ، كبيرها وصغيرها ، أخاها العاقل... آمل أن ُتسمعني ملاحظاتك عن قصتي ( لعبة التظاهر بالموت ).


19 كانون الثاني

داهمتني ( حمى ) جديدة إلا أن فايروسها من النوع المقدّس : قراءة كيركيغورد ( المرض حتى الموت ) مرة اخرى ، عودة الى سيوران أيضا ، كتابة قصة جديدة إستيقظت بسببها في الساعة الثالثة ليلا ! أتمنى بالطبع ان تتحول قهوة الصباح الى ذلك االطعام السحري لآلهة اليونان ( أمبروزيا كانت طعاما مقصورا على الآلهة لكن قد تستطيع يا حسن ان تسرقه لنا ، فحينها سنكسب اللاموت- الخلود ! هناك نكتار ( الرحيق - الكوثر - السلسبيل ...) شراب الآلهة الذي تغنى به هوميروس في أوديساه ( تكلم أيضا عن إيخور ذاك السائل الأثيري الذي كان يجري بدل الدماء في عروق الالهة ). وأظنك سمعت بما يسمى بالضحكة الهوميروسية التي أحنُّ إليها من وقت الى آخر : ضحكة عنيفة لا يكبح جماحها أيّ شيء لكنها قلبية ! لا أعرف لم تذكرت كل هذه الهوميروسيات وهذه الضحكة التي أسماها أيضا بالتي لم يطفأ عطشها. وهل تعرف بأن تفاعلات الداخل هي أخطر ما يجري في الكون ، إذ ليست هناك أيّ جهة ، لا بشرية ولا ربانية ، تفك هذه الألغاز. ببساطة يكون الفاعل هنا مجهول...
20 كانون الثاني

منذ يومين أكتب في قصة أعترف بأن من يقود خطوتي فيها هو المجري الرائع بيلا هامفوش. أنا مازلت تحت تأثير روايته الفذة ( كرنفال ). وكلي إستغراب من عدم إلتفات علماء الأدب ومؤرخيه ونقاده الى إبتكاراته الطلائعية في هذه الرواية. وإذا جاءني إنتصار معقول على الوقت فقد أنتهي من القصة خلال بضعة أيام.
27 كانون ثاني

بدأت بترجمة مسرحية غومبروفتش ( إيفون أميرة بورغوندي ). في الأخير وجدت أن من الواجب نقل أعماله الى العربية طالما لا أحد قد إقترب منه لغاية الآن وعلى أكبر ظن. بعدها سأترجم المسرحية الثانية ( الزواج ) أو ( الزفاف ). أنت تعرف ذلك الكتاب القديم لكولن ولسن - قنبلة الموسم في الخمسينات ( اللامنتمي - ذي أوتسايدر ) . لا أعرف لماذا نسي ولسن صديقنا البولندي الكبيرهذا... عدا ذلك قرأت من جديد ( حرب نهاية العالم ) ليوسا وبضعة نقود مكرسة لها. هل تعرف أن ساحر يوسا الوحيد كان تولستوي ؟ هكذا الحال دائما : كل من يدخل مختبر الروسي يخرج بغنيمة ملموسة !
1 شباط

أقرأ من جديد ( أليس في بلاد العجائب ). إنه الكتاب الذي سبق ( سهر فينيغينز ) الجويسي. فكلا الكتابين تحليل باهر للعقل الغارق في الحلم. وفي الإثنين يكون علم النحو متوجها صوب الحلم وإيقاعه - ذاك التغلغل أو التسرب والتباطؤ والتكرار والتبدل الفجائي للوتيرة ثم الرتابة و فيما بعد خطف نتف ٍ من هذه الرؤية وتلك. والمدهش أن كل هذا يخص الحدث واللغة على السواء. مفهوم أن هذه ( الغيرية ) في العلاقة مع العالم إثناء اليقظة لا تقتصر ، بالتأكيد ، على تلك القضايا الخارجية. وهكذا فمن ضمن أكبر أحوال الفضول البشري معرفة ألغاز الحلم ولماذا ينشأ مثل هذا النسق الذي يملك منطقه الخاص ، ومن أين هذه السلسلة من الأسباب والنتائج التي تخرج عن سيطرة الحالم ، وعلى حد تعبير أليس : يصعب علي قليلا أن أفهم ... تبرز فكرة ... لكن لا أعرف بالضبط ماهي !


3 شباط

أتفق مع بعضهم أن لاشيء في السياسة غير الوحل والقتل وسوق نخاسة وأكثر من طابق من جحيم دانتي. من ناحية أخرى أتفق معك بأن لا أحد قد حرك ويحرك ساكنا أمام كل هذه المذابح. واضح أن الضجة كبيرة حول ملالي إيران الذين يستغلون كثيرا الخط الأحمر - خط التهديد بالحرب وإشعالها من جانب الأميركان. لكن وجود شيطان لا يعني عدم وجود آخر أوأكثر. والأميركان قد يستولون على نفطنا ويعززون القلعة الإسرائيلية أكثر لكنهم في كل الأحوال لن يعودوا بنا الى القرون الوسطى. بالطبع ليس أمامنا مثل هذا الخيار : إما أن نكون أوغادا لمصلحة الأميركان وإما لولاية الفقيه. أكيد أنك لمست إشمئزازي من السياسة والذي أحاول طرده بالأخذ بالمواقف العامة ، الأساسية ، التي أعمل فيها إستثناءا حين آخذ بمسطرة اللونين الأسود والأبيض...


4 شباط

الوقت يحاصرني بقسوة. كم هناك من الخطط في الرأس لكن عدونا في منتهى الصرامة : يظل مصّرا على أن يبقى اليوم 24 ساعة فقط ! أخذت أكتب في قصة جديدة وأترجم غومبروفتش بالتناوب ! قراءاتي فقيرة في الآونة الأخيرة. قد يكون السبب أن لدي تصورا آخر عن الوقت ، والأكيد أنه يشكو من الإنحراف ! ثمة جاذب قوي عندي منذ فترة الى قراءة الكتب القديمة : أليس كارول لويس ، محاكمة كافكا ، واليوم إنتهيت من قراءة الفصل المكرس لكاليغولا من كتاب سفيتنيوس عن قياصرة روما. كتاب شيّق وفيه ألف درس ودرس لمعاصرتنا ! هناك أيضا رواية وليم غولدنغ الفذة ( الورثة ) عن بشر ما قبل التأريخ. تقنيته الروائية باهرة عندما يكشف ، وبتلك الصور المجازية ، عن أحوال ضعف الإنسان وحضارتنا المعاصرة. هناك رائعته ( سيّد الذباب ) التي أدرجوها في صنف ( ضد اليوتوبيا ). للأسف لم أشاهد الفلم المعتمد عليها. أنا متأخر كثيرا إذا خص الأمر اللحاق بسينما اليوم .
6 شباط

أتقدم مع القصة الجديدة وفق المقولة اللينينية : خطوتان الى الوراء خطوة الى الأمام ! لكن العمل مرض ٍ عموما. شاهدت البارحة فلما تشيكوسلوفاكيا قديما . يا لها من متعة حين تشاهد أعمالا فنية حقيقية ! ثلاثة من كبار المخرجين ، بينهم يجي منتسيل ، نقلوا ثلاث جواهر من أدب بوهوميل هرابال صاحب رواية ( قطارات تحت حراسة مشددة ) التي حوّلها منتسيل الى جوهرة سينمائية أيضا. هناك روايته الفولتيرية ( خدمتُ ملك إنكلترا).هرابال يواجه العبث برصد المفارقات اليومية والكشف ، لكن المليء بمزيج من الشفقة والمحبة ، لبؤس الإنسان ، الروحي بشكل خاص.
9 شباط

ها قد إعتدت على الكلمات الجميلة لرسائلك التي تتكلم خاصة عما ( نفعله ) حقا... وهذا يضاعف غبطتي بل إفتخاري أن لي قارئا مثلك. صحيح أن الكلام عن الحلم والكتابة هما من إختياراتي المتكررة. وأكيد أن للعمر وكوابيس اليقظة إسهاما ملحوظا في أن أكتب بهذه الصورة المباشرة عما يقض مضجعي كما يقال. أفكر أحيانا بأن مثل هذا الطرح المباشر قد يثير الشبهة بأني أبحث عن السهولة التقنية. ربما هي شبهة واردة. لا أدري. فكما تعرف لحرية اليوم في الكتابة ، وصارت خرافية حقا ، مغريات كثيرة. أنا مدرك لوضعك ، كسينمائي ، في فنلندا ، فالمخاطر كثيرة ولأن البشر هم البشر في كل مكان فيما يتعلق بالدوافع والذهنيات وموازين المصالح. أما كلامك عن الفلم التجريبي في الظروف الفنلندية فله بالطبع مزالق عدة ، ومعظمها تتعلق بالجوانب المادية أو المالية. رأيي أن يكون سعيك الرئيسي العثور على مكان في الساحة كما نقول وبعدها ستتوفر لديك بحكم آلياتها ، فرص إختيار هذا العمل أو ذاك.
15 شباط

كل شيء عندي أبطأ في وتيرته. خشيتي أن يدخل الإضطراب على بعض العادات الجيدة مثل القراءة والكتابة المنتظمتين... أكتب الآن في قصة من واقعي الدنماركي. لا أعرف هل سيحالفني التوفيق الى النهاية. أترجم غومبروفتش بنفس الوتيرة أيضا. كما أخبرتك مرة بأني لا استطيع ترك رفقة بعض الكتاب الأقرب الى النفس. البارحة دخلت النت بحثا عن ريادة بورخيس في ما يسمى الآن بفوق النص hypertext . ذكرني كاتبٌ بحارس المكتبة الأعمى في ( إسم الوردة ) لإيكو. وهذا الكاتب يقسم بأنه بورخيس لا غيره وإلا من أين أخذ أمبرتو فكرة المكتبة وإذا لم تكن هي ( مكتبة بابل ) ؟!
18 شباط

توفر البارحة قدر أكبر من الوقت والهدوء. وأقصد هنا الهدوء الخارجي. فالداخلي أصبح من زمان ، رابع المستحيلات والذي يعزز موقعه ما يحدث في البلد خاصة. أما باقي العالم فمحكوم عليه وقبل زمن قابيل ، بأتفه ضياع... أقول : توفر هذان الإثنان كي أكمل بعض ما بدأت به ، أقصد بالضبط تلك القصة ( الدنماركية ) التي عاملتها الى حد ما كفترة إستراحة قد تكون شبيهة بتلك في دور السينما عندنا ! قد أكون هنا مثل الصديق فؤاد والذي يجد بعض قصصه ( الخفيفة ) مجرد ترويح عن النفس أثناء القيظ ! أما أنا فبمقدوري إستبدال القيظ بهجمة شتاء الشمال !
21 شباط

أخبارك طيبة : مشروع كتاب جديد ، كتابة نص عن صديقك الراحل كورش ، قراءة ساباتو في أحد أروع مؤلفاته ، مكان آخر دائم تحت الشمس : مقهى " إيقاع "... لا أعرف ، أنت توشك على إجتياز إحدى بوابات السعادة الأرضية ! أصبح الآن طقس هذا اليوم غضبة أخرى للرب. لم أفعل الكثيرعدا قراءة بورخيس من جديد ! : " تأريخ الأبدية ، " يانصيب في بابل " ،" فن السرد والسحر ". بالطبع جاءني عجوزنا الساحر بالكثير من الهدوء الداخلي الذي يحتاجه كل معذب على الأرض ...
24 شباط

أظنك ما زلت مبكرا على النهوض وقهوة الصباح ! أما أنا فكعادتي أنهض مع صياح الديكة أو كما يقول صديقي الراحل نزار عباس بأني طير الصباح. من المحتمل جدا أن يحصل فيّ تحوّل ، لكن غير كافكوي ! ، وأنتقل الى عالم الطيور... البارحة واليوم عدت الى سيوران. قراءاتي لا تخلو من الفوضى التي يدفعني اليها عزيزنا بنفسه ! فأنت تستطيع قراءته حين تغمض عينيك وتفتح لا على التعيين أي على الطريقة الدادائية ! ، كتابا له...
5 اذار

أنا أعرف مشاعرك تجاهي، كما تعرف تقديري وإعتزازي بك كفنان وإنسان. ولولاك وبقية الفنانين الحقيقيين ذوي القلوب الكبيرة لما وجدتني أيضا في موقع ( القصة العراقية ). فأنا مثلك أدور في هذا الزمكان بسبب رعب الوجود.


6 اذار

إنتهيت اليوم من كتابة القصة المرفقة. سترى بأني لا أبتعد عن نهج بعض القصص السابقة. وقد يعود هذا الى رغبة خفية في الإبتعاد عن السرد التقليدي ، وأنا لاحظتها في عدد ليس بالصغير من نصوصك أيضا. أكيد أن دافعي هو تجريبي. وإذا كان في هذه القصة أثر للسرد فهو يعني ، بلا شك ، بأني لم أغادر نهائيا قطار القصة القديم ! 8 اذار القراءة ... القراءة ... هذا المرهم المضمون الذي يدهن مفاصل حياتنا كي نحول دون تراكم الصدأ الذي يجلبه لنا اليومي. أعترف بأني أحسدك على إصرارك على القراءة. فأنا قد هيمن عليّ هاجس الكتابة : أخذت تميل كفتها ليل نهار. إنه هاجس ذو إملاء وآمرية لا أستطيع مراوغتهما. ويقوى الهاجس حين ينشأ دافع معيّن الى الكتابة ، أو بالأحرى تكرارها ، عن هذه الحمى التي تنتشر في هذا الجسم الهش أو تلك. منذ يومين عدتُ الى سيوران ُمقادا ً بإحساس غريب كما لو أني أريد كتابة وصيتي الأخيرة المعنونة ، بالفعل ، الى هذا الروماني الذي كان قد أدمن على الإيمان في اللاإيمان. أنا على يقين من أنه لما أصبح سيوراننا لو لم يكن ذلك الأرق " إلإلهي " الذي جاب معه طرق تلك المدينة ... سأبعث إليك بسيوران حال الإنتهاء من كتابته. أنا أشعر أيضا بسعادة تكاد تكون طفلية حين أكتب عن " رفاق السلاح " أمثال سيوران وبورخيس وبرغمان وميللر وكيركيغورد وكافكا وغيرهم من الذين فضلوا جحيمهم على جنة للخلد هي مجهولة في الأساس ...


13 اذار

اليوم وصلت الى غوغل العربي ووجدت القليل فقط عن سيوران .لا أعرف ، فقد يكون معروفا أكثر في مواقع لم يصلها غوغل بعد. رغم كل شيء أثارت هذه الحال الغمّ في النفس : أن يلقى هذا الكاتب والمفكر مثل هذا اللاإكتراث في أوطان إبن عربي والمعري والحلاج والتوحيدي وأخوان الصفا والمعتزلة ورابعة العدوية وعمالقة الشعر الجاهلي. أعود الى ( سيزيفية ) النشر العربي : صديقنا ( ز ) ، وهو شاطر ومتمكن جدا في قضايا العلاقات العامة ، لدغوه أكثر من مرة في أحراش النشر ! ونتاجات مثل نتاجاتك تبقى خارج إهتمامات الناشرين ( المحترفين ) ، ولايبقى أمامنا أحد غير( المغامرين ) و( الخارجين على بيت الطاعة )...


14 اذار

مع الرسالة قصة قصيرة ( كم بودي أن أسميها : فوق نصية ! ) أنتهيت من كتابتها هذا المساء بعد أن بقيت تتفاعل في الرأس حوالي الأسبوع ! عملتُ ، وبطاقة إبن العشرين ، في الرسوم والصورالمرفقة. أعترف بأن متعة العمل هنا تنافس متعة الكتابة ( المفروض أن أضع المتعة الثانية بين هلالين ، ومن باب السخرية . ففي الكتابة لاشيء غير اللاإرتواء والغيظ من أن اللغة تتحول بكل سهولة وخبث الى قلعة منيعة ! ). أرجو أن يأتي عملي هذا بشيء من المتعة فأنا لا أطمح بكثيرمنها...
16 اذار

بالطبع هناك شكايتي الأزلية من حصار الوقت. كانت نيتي مواصلة ترجمة غومبروفتش والقيام بجولة أطول في النت لكن الحصار كان شديدا ولم أفعل الكثير. قراءات متفرقة وكلها في دائرة الميثولوجيات. عملت غلافا لمجموعتي القصصية القادمة !


1 نيسان

أكيد أن الفلوس لا تجلب السعادة لكن كل لعنتها في أنها ضرورية ... بالنسبة للطبع في فنلندا لاشك أنه يكلف كثيرا شأن الحال في كل بلدان الغرب وحتى شرق أوربا التي أخذت تتكيف ل( الغلاء الغربي ). ورغم أننا نعيش خارج بلدان العرب إلا أن تلك السلسلة غيرالمرئية تشدنا ، بالمعنى السلبي بالطبع. و إذا لم نقم علاقات متينة وفق مبدأ المنفعة المتبادلة نكون ضائعين أدبيا وثقافيا ونشريا وحتى معاشيا. أتذكر كيف أصبحت فرانسوا ساغان غنية ، ولو أنها تنحدر من أسرة ثرية ، بعد نشر رواية قصيرة ليست باللامعة ، وحتى أنها ليست بالغة الإثارة ، وأقصد ( صباح الخير أيها الحزن ). من ناحية اخرى نحن ننتمي الى فئة ( بالغة الغرابة ) تضع قيما أخرى فوق فرص النشر. من كل هذا يأتينا إستنتاج واحد لا غير : علينا الإنتظار ! وهو إستنتاج يعني ، الى حد بعيد ، الأخذ بوصفة غودوية ! أنا لم أعمل الكثير أيضا ، عدا قصة ( مكالمة مبتورة ). إنشغلت بقراءة فرناندو بيسوا ( هكذا حالي : ليس بمقدوري الإفتراق عن الأصدقاء القدامى ! ). الى جانب الشعر الرائع كتب أعمالا سردية ومقالات ثمينة حقا ( في نينتي ترجمة نص له بعنوان " ملاحظات حول الأستيتيكا اللاأرسطوطاليسية ". كما تعرف كان يكتب وليس بأسماء مستعارة بل بإسماء شخصيات متباينة سكنت ذاته : البارو دي كامبوس ، ريكاردو ريس ، البرتو كاييرو وغيرهم... أبعث بشذرات منه وقصيدتين قصيرتين ربما هي غير مترجمة سابقا.


5 نيسان

واصلت قراءة بيسوا. يالها من قناعة منعشة حين يعثر المرء على رفيق روحي ! بدأت بقصة جديدة عن الظاهرة - اللغز : المصادفات التي كرس يونغ لها الكثير من الملاحظات. لا أملك خطوطا عريضة لها بعد، بل أكتب وفق وصفة غومبروفتش تلك ! أبعث برسمين من الأيام الأخيرة . أظنها عادة مفيدة جدا أن يحصل مثل هذا ( الطرح - التفريغ ) حين تتعبني القراءة والكتابة...


9 نيسان

قرات نصك ( وولف العربية ) ووجدت مرة أخرى أن لاجديد هناك تحت الشمس ! في الحقيقة تعجبني كثيرا هذه الصيغ الشعرية التي يأتينا نموذجها الأولى من الشرق الأقصى - لاوتسي والهايكو الى حد معين. بالطبع هناك النفري وغيره من ( الأقارب )... لم أنس أصدقائي لكني أمرّ الآن بفترة إصغاء لهم وآمل أن أعيد عربيا ما سمعته منهم ! كذلك يدفعني المزاج بقوة أكبر صوب الكتابة. مازلت أقرأ بيسوا. لا أعرف لم ذكرني صندوقه الذي فتحوه بعد رحيله ، بصندوقك ! أستدرك بالقول : أريدك أن تفتح بنفسك ، في كل يوم ، صندوقك ... أقرأ ( كتاب القلق ). جمعتُ بضع ملاحظات سأعرضها عليك بعد الإنتهاء من القراءة. أواصل الكتابة في قصة عن ظاهرة الصدفة ، وأظنها ستكون طويلة ، فمثل هذا الموضوع مغر جدا بالنسبة لي . هناك نظرية لا تخلو من الصدقية بأن الكون نشأ عن طريق الصدفة... سوق الكتب الإنترنتية صارت ظاهرة دائمية. ومعلوم أن الدخول إليها يحتاج الى جيب منتفخ بالنقود. فيما يخص كتاب ساباتو الذي ترجمته ونشرته دار أزمنة لم أستلم من صاحبها غير نسخة يتيمة !
12 نيسان

للأسف تمضي هذه الأيام وأنا غارق في قضايا أخرى أو بالأحرى أنا طاف على سطحها. إنها تلك القضايا التي تعيدنا بكل فظاظة الى أشداق غول اليومي. رغم ذلك أواصل قراءة بيسوا كما أضفت صفحات للقصة الجديدة وعملت بضعة رسوم وأستمع طويلا الى باخ وفيفالدي وشوبان وموتسارت ! أحوال البلد من زفت مدمى الى زفت أكثر دموية. لا أجد بصيص ضوء في هذا الكابوس عدا أن يجتمع الثلاثة إيران والأمريكان والسعودية كي يذبحوا على قبلة ، قضية الرجل العراقي المريض...
16 نيسان

إذا لم تخني الذاكرة كنت قد بررت شرودي الربيعي مرة بقول إليوت في مستهل ( الأرض الخراب ) عن نيسان - أقسى الشهور الذي يخرج من الأرض الميتة سويق الليلك ، يمزج الذاكرة بالشهوة ... تبا للذاكرة ! كنت مع صديقي الراحل أرداش نحفظ على ظهر قلب رائعة إليوت هذه. أنهيتُ في الصباح القصة الجديدة. في الحقيقة فوجئت قليلا بما يحدثه موقعنا ( القصة العراقية ) من أصداء في المغرب خاصة ، فكما نعرف يكون الخبز اليومي للكتاب هناك ثقافة العالم كله وليس الفرنسية فقط.


17 نيسان

سررت لإستلامك الرسائل ومجموعة إسماعيل غزالي القصصية. أكيد أنه ومعه أنيس الرافعي يذكراني ، لكن الى حدود معينة ، بكتاباتك السردية والشعرية. ما أقصده ، هنا ، هو إختلاف الزوايا ، فأنت تنشيء علائقك مع البشر والأشياء وشتى نظم الخارج بأسلوب مغاير لهذين الفرسين المغربيين الجموحين... ويدفعني الى أن أفكر بأنك تجهد في خلق نوع من التوازي ، ولا أقول التوازن ، بين ( الحيوان الأخلاقي ) والآخر الذي لا تختلف ملامحه عن ملامح الميرسوات والروكانتانات والكاستيلات وبقية المتورطين في نزاعات حدّية مع الآخر والحياة ... وكما يبدو لي فالرافعي وغزالي أصابهما اليأس من خلق صيغة للتعامل مع الخارج قائمة على خلق بون ذي مدار تأملي ، ومن هنا هذه اللهجات النارية والطرح ( المتشنج ) لكن المدهش تقنيا وبتطويع ممتاز للغة.


22نيسان

ما يحدث في البلاد أكثر من كونه جحيما في نفق. إنه جحيم في أكثر من متاهة ، فللنفق نهاية وحتى لو كانت مسدودة. وهناك ملايين التجارب التي تحذرنا من زلة تصديق الساسة. وعراق محتضر مغتال متحول الى بيغرزلاند - بلد شحاذين هو أمنية الكثيرين. وفي واقع الحال يتجه العالم كله صوب تطبيع ظاهرة القتل والتدمير. لولا أخبار الهمجية التي صارت قدرنا لتفرغنا تماما لعملنا الأساسي في هذه الرحلة المحكوم علينا قطعها وبمثل هذه السرعة : بضعة عقود وليس عشرة ونيف مثلا... كوابيس العراق خاصة تدفعنا الى نسيان ( بديهياتنا ) التي على رأسها الإرتداد الى الذات وحمل أكثر من مصباح ديوجيني كي نكتشف الإنسان والعالم بعيوننا وأدواتنا الخاصة.


26 نيسان

أنت لم تخطيء التعبير حين كتبت عن قصتي : " كوكتيل المخاوف ". فهكذا هي حالنا الأبدية. أنت أبدلت قصبة باسكال المفكرة بكوكتيل ، ويا حبذا لوكانت كوكتيل كحول ٍ بدل كل هذه المرارات الفيزيقية والميتافيزيقية... سأكون في كوبنهاغن غدا للقاء صديق قديم صار معتقا مثل كونياك نابليوني ! سأقترح عليه زيارة بيت ( شهرزاد الشمال ) كارين بلكسن والذي ليس بعيدا عن العاصمة. زرته مرتين وفي كل مرة تكتشف العين أمورا جديدة - في المرة الأخيرة إكتشفت هناك صورة تجمع كارين بأرثر ميللر وزوجته السابقة ميرلين مونرو! منذ البارحة أقرأ سيوران. دوّنت بعض الملاحظات والشذرات. وقد تلحق هي بقهوة الصباح ، صباحك ، وأملي أن تضيف لها شيئا من النكهة الطيبة.
28 نيسان

آمل أن تجد الصورة لنصّك ملائمة ولربما عملتها تحت تأثير صورتين في المخيلة : مخ الإنسان الذي توجه الى الكون كي يبث شكايته ، وصورة متواضعة لسوداوية سيوران الملائكية ! بعثت إليك بنص مكتوب بالإنكليزية ، ولكم تمنيت أن يفلح هواة القلم العربي المعوّج ومحترفوه أيضا في أن ( يشلحوا ) الحياة بهذه الصورة ...

2ايار

نهضت اليوم مبكرا ورحت الى عزيزنا سيوران . أنهيت الترجمة. وقد تكون هناك أخرى عندما أفكر لوقت أطول بمحتويات الكتاب المقبل. ما يصلك الآن أرجو معاملته كمسّودات شبه مبيَّضة ! سيوران كون شاسع وأنا لا طاقة كافية فيّ الآن للترجمة عموما ، لكن هكذا هي الحال على الدوام حين يقع الإنسان في شرك المحبة !


3 ايار

لاجديد عندي غير إعداد كتاب ( سيورانيات ) والذي إستغرق ساعات طويلة. ربما الجديد الآخر إختمار بطيء لفكرة قصة جديدة ، والغريب أني عملت رسما لها قبل ظهور أي ّ كيان لها ! وتجده مع الرسالة الى جانب آخر عملته تحت تأثير صورة لسيوران ولربما كانت آخر صوره ويظهر فيها تحت ضربات المرض.


4 ايار

الظاهر أن كبير الآلهة زيوس قد نفخ زفيره في رأسي اليوم مما حرّك كثيرا تلك الخلايا الرمادية وزاد من إنتاجيتها ! العامل الإضافي هو الطقس الرائع لهذا اليوم : ريح خفيفة وشمس سخية وعقد هدنة مع الجسد المتعب... بفضل هذه المصادفات السماوية ، والسمائية أيضا ، عملتُ كثيرا اليوم وخاصة فيما يتعلق بالهواية التشكيلية ... أبعث بصيغتين ، لاتختلفان كثيرا ، من رسم لقصصك ( طفل الشيعة السموم ) ، وأملي أنهما لم تبتعدا عن ( خيوط ) الفجيعة العراقية ...
ه ايار منذ أيام أنا بصحبة سيوران. ترجمت نصين عنه : واحد هجومي والآخر عادل مثل إبن الخطاب ! والثالث لكاتب سيرته. لم يبق الكثير لترجمته. سأبعث النصوص في القريب. للكتاب المقبل ( سيورانيات ) سأكتفي بما ترجمته وكتبته لغاية الآن. لا أظن أن هناك حاجة الى تقديم سيرته أو غير ذلك من الجوانب التعريفية. في غوغل العربي وجدت أن لسيوران حصة لا بأس بها. الرسائل إليك ومنك تبعث في ّ راحة وقناعة نفسيتين. الأكيد أنها متأتية من النظرة المشتركة لأمور كثيرة ، هذا إضافة الى إمتلاكنا ذات الإيقونات الوجودية ... ونصّك عن كورش شاهد بيّن على ما أقوله. كما تعرف يكون الإنتحار نفاد صبر مطلقا. وفي بعد معيّن يكون الفنان المنتحر ( أنانيا ) لايفكر بالآخرين الذين خسروا برحيله. كما أنه يغفل عن حقيقة أساسية : الحياة لاتزال ، كما يقول فرناندو بيسوا. الحياة لاتزال ، وهي فرصة أخرى كي نؤكد على حقائقنا ، كي نكتشف آثارا جديدا قد تقودنا الى كل هذه الألغاز والمعميات.


6 ايار

صار رجوعي الى الكتاب الأقرب منا ، ميلا لايقاوم . عدت الى كيركيغورد وبالضبط الى( فتات فلسفي ) و ( اللحظة ) وهما منشورتان في كتاب واحد. أكيد أن هذه العودة تحصل تحت تأثير الوقت الذي قضيته مع كتاب ( سيورانيات ). فالشبه كبير بين خواطر الروماني والدنماركي وخاصة ما يتعلق بإشكالية اليأس الذي وجده الإثنان أحد المحاور الرئيسية التي يدور حولها الكون...
7 ايار

القصة المرفقة إختمرت ونضجت برفقة إثنين من الأقرب إلي ّ - سيوران وكيركيغورد... لا أظنها قصة ( صعبة ). فقد سعيت كي تكون ذات طبيعة سردية مألوفة. أكيد أن عقدتها مأخوذة ، لكن مع تحوير بسيط ، من ( علماء الفيزياء ) لديرنمات. لا أعرف إن كنتِ قد قرأت مسرحيته الباهرة هذه. أوصيك بقراءة هذا السويسري الذي لم يثق أبدا ب( إنسانية ) الإنسان...


11 ايار

نعم لقد ُجردنا تماما من كل وسيلة دفاعية. وصحيح هو تشخيصك : عملية تحويل الكل الى متفرجين. إنها البربرية المعاصرة التي إستبدلت فيها الهراوة بالصاروخ ذي التوجيه الذاتي. وأنا مثلك أموت في كل دقيقة حين أعي خسارتنا وكيف حوّلونا الى متفرجين بلا سلاح عدا القنوط والعنه. وإذا لم تكن هناك خطط وراء هذا العبث الكابوسي لكانوا قد أنهوا الأمر بإجتماع مساومة واحد. إن أكثر ما يدفعني الى الغثيان حيت أشاهد هذه المسوخ المتحصنة في المنطقة الخضراء . ثق بأنهم من النسل نفسه ، نسل الأفاعي. ولربما أجد بصيصا صغيرا من الضوء في هذا النفق العراقي : تقاسم سعودي - أميركي - إيراني للكعكة العراقية التي تخثر الدم فيها بدل القشدة.


12 ايار

اليأس بسبب الكتابة... أكيد أنه يأس مرّكب : يأس بسبب العبثية المطلقة ، يأس بسبب الشلل الكلي ، وليس النصفي ، الذي أصاب الكتابة في مختلف الأسواق... يأس سببه أن ما نكتبه يبدو وكأنه ليس صرخة في واد بل ضرطة هناك ... هكذا ُشيِّد العالم ، وقناعتي هنا أني لا أتحمل أيّ مسؤولية عن مثل هذا الطيش . لنكتب يا عزيزي وفق وصفة هنري ميللر : ( إكتشفتُ في الأخير أن ليس علي أن أفعل أيّ شيء آخر غير أن أكتب وأكتب وأكتب ). وأنا شبه واثق بأن هنري كان يعلم جيدا أنه تلك الفزاعة لكنه لم يكترث للغربان وواقع تحليقها فوق حقله... أنا أفهم حالتك الناشئة من وضعك ( غير الطبيعي ) الذي يحرمك من العمل السينمائي وفق ما تريد. لكن لابد من طرد فكرة التراجع ، خاصة أن هناك الفرص القادمة. هكذا يقول لي حدسي. لاشيء هناك ينقذنا من الوقوع في حفرة القنوط غير التحدي والمثابرة... أكيد أن ما قلته لايعدو كونه صفطة نصائح ، لكن ما العمل إذا كانت هي راهنة وناجعة في أحوال كثيرة.
13 ايار

لا أعرف بالضبط لم هذه الرسالة. إستيقظت اليوم قبل الديكة والغربان كي أستمع الى باخ الذي إستعرت هداياه الكونية البارحة من المكتبة. في هذا العمر يصبح المرء عاطفيا بل متهافتا. أوشكت على البكاء حين وعيت بأني سأفترق عن باخ يوما ما. بعدها لم أستطع طرد وحدة الصباح ، وكانت شريرة حقا هذه المرة ، ولجأت الى عادتي القديمة : البحث عن صديق في أحد الكتب. بهذه الصورة إلتقيت بريلكه. ربما كانت صدفة عمياء حين فتحت الكتاب على قصيدته ( الوحدة ) ...
الوحدة
من البحر تنهض هي كي تلقى إنبلاج الفجر ، من السهول الأكبر سعة ، البعيدة ، تشبُّ بلا إنقطاع في السماء الشاسعة. ومن السماء تسقط على المدن.
تنثُ بغموض ٍ في ساعات إنبلاج الفجر حين تعدو الشوارع ُ للقاء الصباح ، وحين لاتعثر الأجساد على شيء ، يبتعد بعضها عن بعض قانطا ً، وحين يكون على الناس الكاره بعضهم بعضا أن يناموا معا – وهم أكثر وحدة.
الوحدة تجري أنهارا بكاملها.
***
معلوم أن هذا النمساوي فشل في مراوغة وحدته بالصيرورة مأخوذا بالأسفار.
محبتي و تمنياتي بنهار هاديء يطرد ولو شبحا أو شبحين لتلك الوحد ة...


13 أيار اعترف ، ومن دون تباه ، بأني أفلحت قليلا في ترويض الوحدة لكن ، وكما تعرف ، هي غادرة خاصة إذا تحالفت مع أكبر تنينين ُخلقا للمحق : اليأس والعبث ...


15 ايار

بدأتُ ( الخربشة ) بقصة جديدة. وكنت قد أخبرتك مرة بأني أبقى تحت تأثير قوي لبعض المطالعات. وكنت قد بدأت العودة الى كيركيغورد قبل أيام. أقرأ الآن ( مفهوم الخوف ) وهو دراسة رصينة تراجع فيها العصب الرومانسي لدى سورين. موضوعها مصادر حرية الإنسان. هذه القراءة متعبة ، فالكتاب صعب ويتطلب تركيزا كبيرا. يقول فيه إن الخوف هو رغبة موروثة كما لو أنه قوة داخلية تلاحق الإنسان ولاتسمح له بنسيان الرب والنفس ..


16 ايار

( شخبطت ) قليلا في القصة الجديدة . هذا كامل ( إعترافي ) بأفعال نصف النهار ! هناك أيضا قراءة كيركيغورد الذي لا أعرف كيف لم يمنعه يأسه الوجودي من الإبتعاد ولو قليلا عن الرب - الصنم . أليس هو القائل : ( الذاتانية subjectivity هي الحقيقة ) ؟ بالطبع يمكن الإفتراض أن يتساوق الذاتي مع الإيمان ، لكن اليأس ، الشامل والكوني ، وليس " الأرضي - الدهري " ، يبقى معزولا...


17 ايار

أرجو أن يكون هناك تقدم مستمر في مونتاج فلمك. كما أرجو أن لا تلتهم مثل هذه الأشغال كل الوقت. ونحن لابد من أن نكون من النوع المحتال والسارق للوقت هذا البعبع الذي لايعرف شيئا إسمه الوقوف أوالتوقف! قرأت اليوم رواية كونديرا ( الخجل ). أكيد انه كاتب مسيطر على تقنيته لكن لا أعرف كيف يتكرر وقوعه في ( الصحفيات ). أظنه يشعر بتهديد الزمن ومن هنا هذا السبيل في ملاحقة بعض الأحداث والظواهر التشيكية الصرفة... أبدلت بعض المقاطع في ( حوار آخر مع النفس ). وأود أن تطلع على الصيغة هذه ، كما آمل أن تكون نهائية ... في أرشيفي للصور وقفت عند صورتك الفوتوغرافية التي أعجبتني. فكرت ب(التصرف ) بخلفيتها. أبعثها فقد تعجبك أيضا بمثل هذا الظهور...
أظن أن ( ج ) لا يزال في عمان للإسهام بمؤتمر آخر عن الثقافة العراقية ، وهاهم قد خرجوا منه بالقرارات والتوصيات والنداءات إلخ. لا أعرف ، فقد يدفعون هذه الثقافة قليلا صوب غرفة الإنعاش... لكن ما أنا واثق منه هو أن قضايا الثقافة لا يمكن قطعها عن كامل هذا الجسم العراقي الممزق. وأظنهم تسرعوا في فتح ملف الثقافة قبل أن تغلق ملفات الأمن والهجرة الجماعية ووضع السدود أمام أيرنة الجنوب مثلا...


18 ايار

صار الإضطراب الحياتي عندك قاعدة ! بالطبع ما يهمني أن لا تبرد دماؤك الكتابية الحارة ! طموحي أن تكون عنقاءً غفت قليلا ثم نهضت نصّاً جديدا ... مؤتمرات ، لقاءات ، قرارات ، مايكروفونات ، ميديات ، سفرات ، فنادق ، شجارات تعقبها قبلات لحى وهلم جرا والى أن تظهر امبراطورية كالعثمانية تدفعنا تحت خيمتها... الخبال أصبح وباءا جماعيا ولم يصب فقط هذا وذاك. ( س ) الذي يتآكل من الداخل والخارج بفعل طموح قروي بالأساس أخذ يمارس هواية الترقيم لكنه لم يفكر طويلا حين إختار رقم واحد لنفسه ، وأظنه لم يخرج بعد من سبات الكهف ، وإلا أين هي هذه االعقيدة حلم الذين اصابتهم ضربة شمس تموزية ! ما لاحظته عندنا أن كل كاتب حقق الشهرة يقع في مفارقة غريبة : بدلا عن إستغلال هذه الشهرة كي يصيح : الملك عار ، نجده يقع في روتين الأفكار السائدة ، وهذا الشيء يخص( ف ) أيضا. في الحقيقة كان هو ( محافظا ) دائما رغم قناعته القوية بأن المواضيع ( الجريئة ) تبعده عن الكتابة الروتينية التي تبالغ في تأدبها وإيمانها ب( الحالة القائمة ). وأعترف بأن ظاهرة ( ف ) بشكل خاص هي نوع من الخطوط الحمر بالنسبة لي ، تحذير كي لا أخضع المضامين والأشكال ل(التهذيب ) الذي هو في الجوهر لايعني شيئا آخرغيرأن الكاتب يماليء مجتمعه. أما الآخر ( ع ) فيبقى سوء فهم من النوع التراجيكوميدي. أعترف بأني كنت أعلق أملا غامضا لكن الرجل هشم كل الأحلام بمثل هذا الحب الساذج لكل ما ترهصه الحياة العادية التي كان أكسيل مونتي قد أوصى بتركها للخدم ... أرجو أن لا تندهش من قدرات هذا الرجل فيما يخص العلاقات العامة ، فهو مؤسسة وطيدة كالبنك الدولي ! وعلاقاته مع الكل خرافية الرقعة ، مثلا بمقدوره أن يقنع أربعة ناشرين كي ينشروا نفس الكتاب وفي نفس الوقت ! أنا بحاجة الى رسائل مثل رسائلك التي حين أقرؤها أحس بأن العالم ليس بمثل هذه الغلاظة والغباوة ...


19 ايار

أنا أسكن أيضا على مبعدة ربع كيلومتر عن غابة كبيرة. لكن ما أفتقده فيها هو البحر ! البحر ليس بعيدا ، وتطوقه الغابات أيضا. أنا مثلك أجده ضروريا هذا ( الهروب الأخضر ) ، ولو أنه عندي بلونين : الأخضر والأزرق ... لم أعرف برحيل عبدالإله أحمد إلا اليوم ء. كان من شلتنا. ودائما كانت تدهشني حيويته. سيبقى الزمن لعنتنا ، ومقصلتنا بالطبع . إلتقيت به في الثمانينات ومازحته بأن يساعدني في البحث عن خشب غير مصبوغ كي أطرقه دفعا لعين الحسود... فقد كان يتفجر حياة بل شبابا. قرأت اليوم بضعة نصوص عن شيستوف الذي كان من أصدقاء سيوران الروحيين. لهذا الروسي ، وكان تائها- يائسا حقيقيا في الكون ، فضل كبير في التعريف بكيركيغورد والإعتراف بأبوته للوجودية حينها.
23 ايار
رسالتك كلها مفاجآت شأن فلم قديم لغودار ! قبل كل شيء سررت لهذا الفلم القصيرالذي لم تتكلم عنه من قبل. ذكرني ما قلته عن العنوان ، وبصورة ما ، بتلك الكلمة لسيوران عن الضحك الذي تنتابه موجة منه وتدفعه الى التدحرج على الأرض حين يرى العالم وأحداثه التي نعتها أنت بالمتسارعة ( القول الأكثر موائمة : ذات سرعة العبث الذي هو أبوها الحقيقي والفعلي ...) لكن ما أحزني كثيرا إعتذارك عن الإسهام في المهرجان الشعري. فرنسا بلد رائع وكما يبدو جاء من ضمن الإستثناءات القليلة التي رافقت نزوة خلق االعالم ! ربما فرنسا اليوم غير فرنسا العقود الأخيرة من القرن الفائت. حينها كان بضعة اصدقاء يمنحون نكهة رائقة لحرائقنا... إستغربت جدا من أن حديثا كان في الحلم مع المسيح. فهذا الرجل صامت ، كما كان عند إيفان كارامازوف ، في أحلامي ! أنت يا حسن تنحت لك فجوة في هذا الضباب الذي يلفني كالكفن ، سوية مع الأعزاء الاخرين - باخ وسيوران وكامي وكيركيغورد ورامبو الذي أذكر كلمته - الجوهر عن البورتريه الشخصي : أنا آخر ، وبقية من أتقنوا وصف قضبان قفصنا الوجودي... قد تكون محقا عن فساد الروح بسبب النت. أكيد أن نسبة عالية من الصدق في قولك. أعترف لك بأني لا أصله إلا لغرض البحث عن المصادر ولقاءات مع أصدقائي من الكتاب ، وما يجري في هذا العالم المجنون لا يحتاج الى بحث طويل . أنهيت مراجعة القصة ( المنسيّة ) وتنقلت كامل النهار بين الرسم وشيستوف والإستماع الى باخ وشوبان وموتسارت ورحمانينوف. أظن أن الأذن خير أداة لنسيان قدر لابأس به من هذه القسوة التي لا نعرف بالضبط هل هي عقاب من نوع اللامعقول أم أنها مقصلة وفق ظاهرة أسموها بالصدفة بعد أن عجزوا عن العثور على تسمية أخرى تليق بهذه الظاهرة الكونية.

رسائلي العارية الى حسن بلاسم ...2




1 حزيران
إنشغلت البارحة واليوم بكتابة النص المرفق. أكيد أنه بحاجة الى قراءة غير سريعة. وأنا رغم التجارب لا أزال أجهل كيف هو تبسيط هذا النوع من الكتابة. في الحقيقة هي لاتحتاج الى خلفية معرفية كبيرة بل مجرد ذخيرة بسيطة مما يوفره العصر. المهم أن لا أخيب ظن أقلية باث ! أرجو أن تخبرني بموعد التوجه الى ( الصومعة ). كتبت البارحة الى سركون بولص بعد أن قرأت له قصائد جديدة في ( كيكا ) وشاهدت بروفيله هناك أيضا. أخبرته بأنه سرق بورتريه دوريان غري وأخذه معه الى سان فرنسيسكو ! أنا أعرفه جيدا : سيؤجل الجواب خمس سنوات على الأقل ! أخبار البلاد هي توغل مرهب تال في حمامات الدم وفي سوق النخاسة السياسية. أكيد أن المساومات ستطول ولايهم هؤلاء ما يحدث أثناءها من تصاعد هذا الجنون الذي لم يعرف تأريخنا المعاصر مثيلا له. أتمنى أحيانا أن يسرعوا في تقاسم الغنائم من أجل الحفاظ على أرواح الناس. لا أعرف كيف الخروج من مثل هذه الحلقة المفرغة التي هي من إختراع شيطان آخر غير التقليدي.
11 حزيران
آمل أنه قد وصلتك السيورانيات الجديدة ( أظنها ثلاث مقابلات مع سيوران زائد ترجمة نص عن طائفة المنبوذين - المهاجرين ، من كتابه " غواية الوجود " ) . آمل أيضا أنك قد وصلت الى ( الصومعة ) مملكتك الصغيرة - الكبيرة للوحدة العذبة ! ما زلت مشغولا مع سيوران الذي فرض عليّ سلطة غير مرئية كي لا أعمل شيئا عدا الإنقياد الى كل هذا السحر. من وقت الى آخر أكتب أشياء أخرى وأعمل رسومات وأمضي برفقة البحر الذي كما يبدو دخل في صفقة سماوية مع الشمس : الطقس هو " جنوبي " منذ أيام. وصلني رد من سركون بولص على رسالتي التي كنت قد بعثتها قبل بضعة أسابيع. المسكين كان في المستشفى وبالضبط في غرفة العمليات. إرتفعت عاطفته كثيرا بسبب رسالتي التي ذكرته بأيام بغداد ( كنت قد كررت عليه مرة نصيحة كامي بأن ليس من الحكمة أن يعمّق الإنسان عاطفة ما ! ). ذاكرة سركون من النوع الصاعق : ذكرني ببعض أقوال صديقنا نزار عباس ، بل قال إنه يتذكر أين بيتنا بالضبط في بغداد ! :
[ ... وبالمناسبة، أنا أستعد الآن للسفر الى ألمانيا بعد يومين. سأبقى في أوربا أربعة أشهر: قراءات في هولندا، فرنسا، وربما السويد...وسوف أحاول أن أراك بالتأكيد.
أتعرف يا عدنان ؟ حين قلت أن نزار لم يعد بيننا، بكيته حقاً. كان نزار في ذاكرتي رمزاً لكل ما هو أصيل، كاره للكذب، متحضر الى أقصى درجات التسامح، وأعظم متحدث ملئ بالمرح والسخرية في نفس الوقت. أتذكر أنه مرة كتب يقول، أن من يقرأ سفر أيوب ولا يبكي يستحق أن يتوّج ملكاً للغباء.
إلهي، كم من الحديث ينبغي أن يقال، وكم من الجميل أن يقال وجهاً لوجه. كن بخير يا عزيزي عدنان، ولنبق على اتصال حتى نلتقي. ]
وبهذه الطريقة الماكرة رحت أنا أيضا ضحية صغيرة لموجة عالية من العاطفية ! أرسل بعض الرسوم التي جاتني أفكارها الأولية وأنا راقد على الرمل الساخن لبحرنا ...
14 حزيران
ترددت في كتابة هذه الرسالة خشية أن تجرح وحدتك التي آمل أن تكون بصفاء غابتك ، ولربما عذريتها أيضا .أكيد أني أحسدك على مثل هذا التوحد ، وإذا كنت قد حققته أي أنك الآن في غابتك ( على الأكثر أنت هناك. فصمتك الإيميلي شبيه بصمت الكون على نداءات الأرض ! ). كما أخبرتك إنشغلت ، ولا أزال ، بسيوران. أقرأ في ( غواية الوجود ) وأثابر على ترجمة الحوارات معه. أكيد أنك تشاركني الرأي بأنها ممتعة وتقربنا أكثر من صديقنا. أبعث اليوم بالحوار الذي أنهيته قبل قليل. وإذا توقف مفعول مغناطيس البحر والشمس فسأنهي الحوار التالي ، وهو طويل أيضا ، خلال الأيام القلائل القادمة. أكتب الآن قليلا. ربما بسبب سيوران والبحر. كذلك بسبب العراق الذي تحول تماما الى طابق حقيقي من طوابق الجحيم. الكل هناك يحلم بالعيش في بلد آخر. فلا أحد من البرابرة القتلة يريد حلا وسطا.
26 حزيران
أرجو أن تكون ناجحة هذه العزلة وأن نعرف ثمارها في القريب. كما أخبرتك صرت مشغولا بترجمة سيوران. فمقاومة هذا السحر هو فوق طاقتي. الترجمة المرفقة أجدها من بين المقابلات الأكبر في الأهمية والإثارة أيضا. في فترات الإستراحة ألجأ الى الرسم وقراءة كتب قديمة من جديد. إنها تجربة مؤلمة : إكتشاف المدى المريع لضعف الذاكرة. ما العمل ، كل هذا وغيره هو عقاب ينزل علينا من دون ذنب ، فلسنا نحن من سجن الأنا في مثل هذه الأجساد الهشة التي سرعان ما تصبح قبيحة خربة لا تفصلها غير مسافة صغيرةعن الحفرة الأخيرة. بالطبع يكون الصغر والكبر من ( مؤكدات ) العالم الآخر - الإفتراضي الذي تدورحوله شائعات قوية مفادها أنه هو الفعلي حقا - في " إغراء الوجود " لسيوران نص صغير ، ويمكن معاملته كشذرة ، عن الجسد أظنه أقوى بكثير في مجال التعبيرالأدق ، مما كتبه سارتر عن ( الجسديات ). آمل أن أترجمه في القريب. الغريب أن مشاعر الغيظ والسويداء البودليرية تداهمتني بالتناوب عند قراءة تلك النصوص التي تكشف شراسة وغدر الزمن. لولا سيوران وباخ و شيستوف وكيركيغورد لكان حزيران أقسى شهورالسنة وليس نيسان الإليوتي...
29 حزيران
حزيران على وشك الرحيل. لا أعرف كيف هي الحال في غابتك - غابة السماء السابعة ، وإذا كانت هي سماء وحدة حقيقية فليس من المستبعد أن كاثارسيس فعلية ستبقيك هناك ! بالطبع أنا أتمنى لك نهاية العراك مع هذا العالم الأحمق. لا أريدها من نوع الهيبي إند الأميركانية مثلا ، بل ( بلورة ) أخرى لكل هذه العذابات.
5 تموز
أنا لا أشكو من غياب الرفقة الطيبة. معي سيوران طيلة الوقت. كما أخبرتك كان هو من دلني على شيستوف. في الحقيقة كنت أعرفه من قبل وخاصة بعد مطالعاتي لما كتبه تشيسواف ميووش عن هذا الروسي المعجب الى حد العبادة بإثنين من الأقربين : كيركيغورد ودوستويفسكي. أخبرتك أيضا بأني أقرأ كتابه عن كيركيغورد والفلسفة الوجودية. الكتاب ذو نهج أصيل ، وعلى أكبر إحتمال كان شيستوف أول من قام ببحث مقارن مكرس لدوستويفسكي وكيركيغورد. كتاب ثمين رغم أسلوبه الأكاديمي ، وأعترف بأنه أتعبني ، نفسيا ، قليلا خاصة أنه تخلل قراءاتي وترجمتي للحوارات مع سيوران الذي يطرح بذاك الأسلوب النثري الجذاب أكثر الثيمات تعقيدا.
22 تموز
قبل قليل أنهيت ترجمة حوار آخر مع سيوران وهو يختلف عن البقية . فمحاور صديقنا هذه المرة لم يخلع ، ولو لحظة واحدة ، نظاراته الوردية ، بل خيّل لي أحيانا أنه كان يزمع جرّ هذا المعذب الى جنة الإلتزام و رؤى المستقبل الوضّاء ! بالطبع لم أكن خائفا على سيوران الذي كما تعرف كان يجيد تحصين قلعته .
26 تموز
وصلت الى نهاية القصة الجديدة . أعترف بأني ترددت طويلا : لماذا بغداد كطاولة تشريح لفكرتي الثابتة عن فلسفة المصادفات ؟ لا أعرف هل هي قصة ناجحة رغم أني قمت بمزج بضع تقنيات. أكيد أن هذه المذابح اليومية تلقى بظلها المقيت على سبل تفكيرنا - السبيل السيوراني خاصة . لم أفلح في إنهاء ترجمة أخرى لحوار مع سيوران أقامه معه هذه المرة فرانسوا فيجي وهو فيلسوف من أصل مجري سبق أن كتب عن سيوران. كما يبدو لم يكتف سيوران ب( هرطقته ) ويأسه من الفراغ واللامعنى والتأثيرالمزعوم للرب ، فهو في هذا الحوار يصدم بصراحة ، وأظنه كان عامدا فيها ، أنصار السلوك المؤدب والعفة ! أنا أشعر بمتعة كبيرة حين أترجم سيوران وبورخيس خاصة. غالبما يخيل لي بأني كنت حاضرا حين مارسا الكتابة والكلام... أيام هذا الاسبوع أضاعها المطر وغيومه التي تحاصر السماء ليل نهار. ناس الشمال محقون عندما يتحولون في الصيف الى قبائل رحّل صوب الجنوب...
26 تموز
في الحقيقة أنا لا أستغرب رفض المجلة لنصك، فهكذا هي تابواتنا ، ولم يتغير الكثير منذ زمن ( قصائد عارية ) لحسين مردان رغم أنها لم تكن عارية تماما. وأنا أشك بأنهم لا يعرفون جلية الأمر أو تنقصهم الجرأة. فما يوقفهم عن نشر الهرطوقيات و" الخروقات " هو ( العقل السليم – الحس العملي)... كما أنهم يعرفون الحساسية المرضية العربية - الإسلامية إزاء الجنس والأخلاق بل وحتى الأفعال الفيزيولوجية الإعتيادية. أليست الكلمة المقدسة أكثر من غيرها هي ( الحرام ) ! وبعيدا عن لعبة التنبؤ ستبقى الطليعة عندنا، وأقصد الحقيقية بالطبع ، قابعة في هامشها لأكثر من قرن. إنها معركة خاسرة معهم. لكن ما يقلل من هذه الخسارة أن هناك الآن النشر غير الورقي. وقبل أن أكتب هذه الرسالة عدت الى نصك وقرأته مرة أخرى. لاشيء فيه غير واقعي لم يلتصق بالحياة الفعلية. وصديقك يعرف ذلك جيدا إلا أنه ملتصق أيضا لكن بالحياة ( الخارجية ) ، تلك المحفورة عميقا في الإثنين معا : الوعي واللاوعي ...
28 تموز
لم افتح رسالتك والنص إلا في هذا الصباح. الرسالة هجمة أخرى عليك من طرف تلك اللعنات الأبدية. وكل هذا مفهوم وقائم بهذه الصور الشبحية ، لكن لنأخذ بكلمة سيوران الحكيمة عن الكتابة كفعل من أفعال ( التحرير) ، ذاك التحرير الذي هو سرّ غير مباح للكل... أرجو أن لا تغلق الباب. وهو أمر لايخلو من الخطورة حين لانضع الحدود والفواصل بين هذه القضايا وتلك. عد يا صديقي الى همومك كفنان وكاتب وشاعر. فبدونها يتحول الشعور المقدس بالفراغ الى آخر آصم غير آبه بالعذاب الحقيقي. أنا أتفق معك بأن لهذه الحياة فصولا مضجرة لكن لا أهمية لهذا الأمر طالما إخترنا طريقا آخر تجهله هذه الملياردات... أنا أشعر طيلة الوقت بأني من صنف الحرفيين الذين يؤدون عملهم بصمت وتواضع رغم الضجيج المحيط بهم. وليس الذنب ذنبنا حين لم نعثر على سلاح أو وسيلة للمقاومة غير نقر حروف الكومبيوتر وإطلاق سراح الأفكار والأحلام كي تصل الى أراض مجهولة لغايتها... وفي الأخير ليست هي مسألة إغواء كما تقول بل هوهذا الطريق الجحيمي الذي لا أعرف بالضبط هل تركت لنا فرصة إختياره أم أننا دخلناه كالسائرين في نومهم. فيما يخص السينما يتضاعف العذاب ! فدخولك في هذه الظروف يعني إجتيازا لأكثر من بوابة جحيم واحدة ، إذ ليس هنا إلا التفكير المتواصل بإقامة شتى العلاقات وإلى آخره لكن أيّ أشياء لعينة لا تعلمنا الحياة إياها ! ليس أمامك يا عزيزي غير إجتياز هذه العتبة وتلك. ولنتذكر مافعله الكبار من أجل أن يأتوا لنا بكل هذه الهدايا. ويكفي ذكر سيرة برغمان ...
28 تموز
أعود الى رسالتك السابقة. أرغب في أن أضيف فقط : مثل هذا الإحباط يتمدد في ّ أكثر من مرة في اليوم. الأسباب كثيرة وهي أسبابنا المعهودة. أتركُ الكتابة فجأة بسبب الحنق من عجزي وخراقتي أمام اللغة التي تمانع مثل فاجرة تتظاهر بالعفة ! حينها لا أعرف ما العمل كي اعبّر عما في هذا الرأس الذي يغتصبه التعب وحتى حين التواجد في ذلك العالم الآخر ، عالم النوم والأحلام والكوابيس...
28 تموز
كتبت إليك عن نوبات الإحباط التي تدفعنا الى التفكير بقرارات يمليها الإنفعال. وهذه كلها من متاعنا في هذا الزمكان الذي قذفنا فيه من دون أخذ الرأي ، وكما نعرف فكل هذا محض قدر أعمى ، والأكيد أنه غير موَّجه ، هو عشوائي تماما ويسخر من كل ما نملكه : العقل والغرائز والتأريخ أي التجارب كلها...
29 تموز
لأبدأ بصورتك مع طفلك أنكيدو ، أو صورته معك : لست راهبا بوذيا رغم محبتي العميقة للمعلم الكبير الذي ترك كل شيء و ذهب مع الروح كسيّد مطلق للكون... هذا الطفل سيكون بركانا جميلا إن صح القول. أقصد بركانا - قرن وفرة يذرّ عطايا مثيرة بلا إنقطاع ( وهنا لتصمتْ كساندرا وإلا فستكون هي في الإثنين غير المناسبين : الزمن والمكان ...) . بهذا الطفل صار عندك ترس لطرد الأبالسة ، وضوء لإنارة تلك العتمة الأبدية... قرأتُ نصك ( رسائل حب ). الى جانب هذا الطرح الباهر لما في تلك البوتقة منحني السرور والقناعة أنك صرت تكتب بهدوء أكبر ( لا أعرف بالضبط لم َذكرتني " الرسائل " ببعض الشعراء الفرنسيين أمثال بريفير وشار خاصة ). أشكرك على هذه الكلمات الجميلة آمل أن أكون مخلصا لها دائما. الأرق . أظنه كارثة مثل كارثة الخطيئة الأولى .أرقي ليس من النوع الشرس : مجرد وخزة إيقاظ أو وخزتين أثناء ليل طويل... هناك نصائح عملية مخصصة للبشر ( العمليين ) لكن لاضرر هناك من أن تكون نافعة لنا أيضا.
30 تموز
كنت في عزلة مع سيوران ولم أعرف برحيل برغمان. وهكذا واحدا بعد الآخر ممثلو مأساتنا يرحلون ، على حد تعبير أراغون. لا أعرف أيّ رب غليظ الإحساس إخترع الزمن ، وآخر أسوأ منه بكثير إخترع خدعة أكبر أسماها الحياة. تذكرت دار العرض الصغيرة في مدرسة السينما البولندية ، وكيف كنا نجتمع كل مساء في الصالة لنشاهد أعاجيب برغمان. اظنني شاهدت ( الختم السابع ) مرات ومرات. هل تعرف أني شاهدت ( عطلة مع مونيكا ) في إحدى دور السينما في بغداد الخمسينات ! شاهدنا الفلم مرتين. أنا ونزار عباس وعبدالله حبه وأرداش ...
2 اب
مرّ هذا اليوم منتفخا بالضجر الأصم. لم أفعل شيئا غير كتابة القليل في تلك القصة وترجمة بضع صفحات من سيوران إلا أني قرأت الكثير في النت. صرت كسولا يثقل عليّ الذهاب الى المكتبة متعللا بالقول : لكن في النت كنوزا كثيرة أيضا ! توقفت طويلا عند الكثير من صور برغمان وأنتونيوني المنشورة في عدد من الميديات. أنا أعتبرها وحشية ليس من بعدها وحشية حين لا نشعر بإنقضاء الزمن ويركبنا الوهم بأن لازمن قد توقف عن الجريان أوتعرض للإبطاء. لغاية أيام قلائل كان بإعتقادي أن الأثنين لايزالا واقفين وراء الكاميرا ويشتغلان كالعادة. إنتبهت اليوم الى أن الكثير من شذرات سيوران ، المعروفة عربيا ، مأخوذة من كتابه الرابع المكتوب بالرومانية ( قديسون ودموع ). كتاب عنيف أضطر الناشر الفرنسي الى إزالة الكثير من الشتائم التي إعترف سيوران فيما بعد ( في حوار سأصل الى ترجمته قريبا ) بأنه كتب ما كتبه بسبب ذلك الأرق اللابشري... لولا الكتابات الأخرى وتكشيرات الوقت لتفرغت ، والى مدى أبعد ، لترجمة سيوران. فكما تعرف لايزال الكثير الكثير من جواهره تحت الرماد العربي...
3 اب من عادتي أن أعود الى الرسم في أثناء الإستراحات. واليوم كثرت هذه ، ولاحاجة الى ذكرالأسباب ، فمعظمها ( كلاسيكي ) في مثل هذا العمر الذي يتضخم مثل دملة وماعليّ إلا إنتظار إنفجارها ... وسيكون الإنفجارالوحيد أي الذي لايتكرر ، تماما كما يقولون عن الخطأ الذي يرتكبه جندي الهندسة - مزيل الألغام : الخطأ الأول والأخير... الأنواء الجوية تعدنا بطقس صيفي في يوم الأحد. أكيد أنه سيدفعني الى أن لا أفكر بأيّ إنفجار !
5 اب
بدأت بترجمة حوار سيوراني آخر. لم يبق للترجمة غير أربعة حوارات . أنا اشعر بقناعة كبيرة حين تصل الى القاريء أشياء جديدة عن هذا الذئب الميتافيزيقي الذي لم تجذبه قصور الرمال التي شيّدها البشر لكن لا أحد يعرف هل هي تشيَّد في أثناء : اليقظة ، النوم ، خدر بليد للقيلولة... وقد أكون مخطئا. فعلى الأكثر تبنى هذه القصور حين يكون التأريخ مالكا لوعيه و( بعد نظره )...
6 آب
قبل أن أطرح رجائي أرغب الكلام عن الشمس قليلا ! كما تعرف يضعف هجوم الثقب الآزوني علينا بعد الظهر. البارحة ذهبت الى البحر بعد الساعة الثانية كما ينصح العلماء ورفاقهم الأطباء ، فالخروج الى الشمس يكون بعد تلك الساعة أقل خطرا بكثير. ألا تفكر أحيانا بأن هذا الثقب وأفعال الساسة وأبناء الشيطان من علماء وسلطات ، هي المقدمة لذلك المصير المحتوم الذي يذكرنا به سيوران في كل أحاديثه وكتبه ؟ ما أردت قوله قد يندرج في صنف التحذير من الشمس والثقب الآزوني ( كأن الثقوب السود لاتكفي كي يعي الإنسان كينونته كدودة مهجورة في الكون ! ). والآن رجائي : كما قلتُ أترجم سيوران وأكتب أشياء أخرى أيضا. وأنا الذي يجهد في تنظيم الحياة اليومية أتحول الى فوضوي كسول فيما يخص تنظيم كتاباتي ! مثلا فتحت مخزوني صباح اليوم ، وبالضبط الفايل الذي أكتب فيه ، ووجدت هناك قصة بعنوان ( كانت خدعة فاشلة ). فوجئت بهذه ( اللقطة ) المجهولة ! وللتأكد توجهت الى موقع القصة لكني لم أعثر هناك على أي أثر ل(الخدعة الفاشلة ). يساورني شك قوي جدا بأن أكون قد إنتزعت مقاطعا من هذه القصة وألحقتها بقصة أخرى أو أكثر. بعد مراجعة مضنية حقا لم أصل الى نتيجة. قل لي يا حسن هل أن الصليب السابع (و يسمّي البولون العقد بالصليب للتأكيد على إستمرارية هذا العذاب الذي لامبرر له خاصة أن كل ذنوبنا هي في منتهى التفاهة ! ) ، يعمل مثل هذه المقالب للذاكرة ؟ وهل هو أمر محتوم أن يتحول هذا " المستودع " ( وحتى أنه لا يُعرف مكانه بالضبط : هل الذاكرة في الدماغ أم في كل خلايا الجسم ) الذي بفعل فسيولوجيات سخيفة ، الى خرقة بالية ؟! رجائي الحار أن تراجع بريدي إليك وللتأكد من فعلية عبث من هذا الصنف الذي لايمكن وصفه إلا بالداعي الى الرثاء... أستدرك بالقول إنه يكفي مراجعة البريد من حزيران فصاعدا. في بريدي إليك هناك أكثر من ثقب آزوني واحد ولذلك لا يسعني الإعتماد عليه... آمل أنك قد قرأت الحوارالسيوراني الأخير. مرة أخرى يكشف بأنيابه العدمية ، عن " ملائكيته " ! أوليس هو ملاكا من يخبرنا بالحقيقة كاملة ؟ وكنت قد أقسمت لنفسي بأن أبتعد عن الترجمة التي غالبما تبدو لي من الأعمال الخيرية ، إلا أني لم أستطع مقاومة صوت سيوران ...
6 آب
لا أعرف لماذا كنت أملك إنطباعا بأنك فوضوي أيضا ! كما تبين كان إنطباعا خاطئا. فعندك كل شيء ، عدا براكين الداخل ، مضبوط مثل ساعة سويسرية ! شكرا على تقديم العون في حل لغز القصة المذكورة . سأفكر من جديد في نشرها. أعترف بأني أميل الى الكلام عن متاهات المستقبل ، وقد يكون السبب كل هذا السواد الذي يلطخ به الحاضر حياتنا... شاهدت البارحة فلما آخر مقتبسا من رواية باسترناك ( دكتور جيفاغو ). لكنه كان ( تعبان ) ولربما كانت قيمته الوحيدة ذلك الإستنساخ الدقيق للواقع الروسي آنذاك.
8 آب
قصة ( الخدعة الفاشلة ) كنت قد نسيتها تماما. أظنها ظاهرة يجدر الوقوف عندها خاصة إذا أدركنا أن هناك فارقا جوهريا بين الذاكرة وما يحدث على سطح الماء أو الرمل. إستوقفتني صورة غريبة هي تصوير لصفحة من إحدى أقدم النسخ لإنجيل لوقا من القرن الثاني وقدعثروا عليها في سيناء. إنها وجه إنسان وصل الأبدية وأكتشف أن الجحيم موجود هناك أيضا ... لا أظن أن أحدا قد تعمد في منح هذه الورقة وجه إنسان ...
9 آب
في هذا الشمال الذي إستعار الأمزجة المتقلبة من الغواني والعوانس إنتهى الصيف وعاد الغيم والمطر والريح ... لولا الهوس قليل النفع ، أي قدرنا الذي قيّدنا بالكتاب والقلم ، لرميت ُ كل شيء في أقرب حاوية زبل وأصبحت متسولا في اليونان مثلا ! لكفاني هناك رغيف الخبز والزيتون وزجاجة الآؤزو ، هذا الزحلاوي الذي أجاد تقطيره أبناء هيلاده ! إنه الثالوث المقدس الحقيقي .
10 آب
بخصوص الطقس : أمنيتي أن لا تصلكم أمطارنا التي تتوقف قليلا ، وفق ستراتيجية ذر الرماد في العيون ! ، ثم تعود الى الهطول. أظن أن هناك أنهارا عملاقة تحت الأرض بسبب هذا الفصل الطويل من الأمطار التي صارت مثل تلك الموسمية...
11 آب
سيوران والإنشغال بالكتابة القصصية أبعداني عن مشاريع للكتابة عن التشكيل وغيره. أتمنى أن يكون الخريف القادم فترة العودة الى الإهتمامات الأخرى. فهناك بالإنتظار كيركيغورد ودفاترالفلم ونصوص غومبروفتش وغيرها. كتبرير لمثل هذا التأخير ، وثق بأني لا أطيقه ، تلاحقني كلمات دا فنشي : لم هذا التعب كله يا ليوناردو ! بالفعل لم هذا التعب ، وكيف سمحنا كي ُنقاد ، كالنعاج الى المسلخ ، وبعد أن قرئت تعاويذ فوق رؤوسنا عن ( الوعي الشقي ) و( لامعنى كل شيء ) والى آخر القوانة التي هي ، ولنعترف بكل نزاهة ، الأكثر خطرا وخطورة من بين إكتشافات البشر للنار والعجلة والعائلة ، والرب قبل كل شيء ، وأنت تعرف هنا العذاب اللابشري عند سيوران الذي بقي الى آخر يوم في حياته يفكر بالإيمان واللاإيمان... قرأتُ نصوصا جيدة عن رحيل برغمان وأنتونيوني. لكم تمنيت أن يرينا الرب شطارته و يمدد اليوم كي يصبح أكثر من 24 ساعة ، الى 34 ساعة على الأقل !

12 آب
شذرات سيوران المرفقة ، وواحدة لنيتشه ، تزيد من مناعتنا إزاء محن الوجود ، وبينها شتى أمراض الكتابة العراقية وغيرها ! البارحة قرأت في النت الكثير من الشذرات ( حين تتعبني الترجمة والكتابة الأخرى أذهب الى هناك أو أقوم بالرسم أو أقرأ الشعر). - وحدة بعضهم هي هروب المريض ، ووحدة بعض ٍ آخر هي الهروب من المرضى. نيتشه
14 آب
أنا مع التداخلات في القصة ، بالطبع من دون المبالغة في تبسيط المهمة ، وبأي ثمن ، أمام القاري. لكننا لا نستطيع أن نرمي البوصلة أو نبعدها سواء كثيرا أو قليلا... لا أعرف ، ربما عملية القص بالصيغة ( الكلاسية ) لاتعني دائما إنتشال جثث قديمة ! وأنت تعرف ما فعله كوروساوا في ( راشومون ). بالطبع أنا لا أقصد التطبيق الجامد لمساطر قديمة بل التضحية بأشياء قد تكون كثيرة من أجل متانة الهيكل. وتعرف أيضا كيف هوتيار الوعي لدى جويس الذي رغم كل شيء جهد في أن تكون حرائقه أستيتيكية أيضا ! قد لا أكون مخطئا إذا قلت بأن عملية نحت اللغة هي من الضرورات الرئيسية عند الصياغة. وهنا لا أنسي معلمي الكبار أمثال همنغوي وهنري ميللر بل كامل الأدب الأميركي على وجه التقريب. ربما هو ضعف شخصي حين أكون مغرما بلغة البرقيات... من ناحية أخرى أنا أفهم بأنك تريد الطرح الوافي إلا أن هذا لايقود وفي أحوال ليست بالقليلة إلا الى التعتيم وسوء الفهم. وقد يبدو مفارقة ما أقوله : التركيز على عملية الإيضاح يقود الى الغموض أو في أحسن الأحوال : الى البلبلة ... في الختام أجيب على سؤالك عن العدد الكافي من السيورانات لإيقاظ أدبنا ( وتجريده مما أسميته بالدجل ) الذي لايزال يحبو ، رغم إصابته بكل أمراض الهرم : كنت ضعيفا دائما في الحساب والرياضيات لكني أخمن بأن العدد يتجاوز هنا كثيرا كثيرا ما يعطينا إياه جدول الضرب...

14 آب
إنشغلت ، كالعادة ، بالروتين اليومي من ترجمة و كتابة ورسم إلخ. وحصل لدي بعض الإنفراج عندما أنهيت قبل قليل ترجمة الحوار ما قبل الأخير مع سيوران. رغم ذلك أشعر باني صرت أستخف بالوقت. مثلا شاهدت البارحة فلما أميركيا هابطا بدل القيام بعمل آخر ، فقد إستعرت عددا كبيرا من التسجيلات الموسيقية لإعزائنا ، كما هناك بضعة كتب تنتظر القراءة ثم مغناطيس النت الثقافي - المعرفي. وفي الحوارالمذكور جاءت كلمات سيوران عن حسرته على تضييعه هذا القدر الضخم من الساعات... ربما ما أنقذ ( الموقف ) البارحة هو أني شاهدت فلما مقبولا الى حد ما ل( الشيخ ) سيدني لومييه ، إسمه ( السنوات الضائعة ). صديقي نزار عباس لم يضع الوقت وحتى حين يسكر أو يعلق على العابرين أمامه في المقهى. كان يعترف دائما بكسله الأسطوري الذي يحول دون طوافه الشوارع كما سقراط !
16 آب
الأكثرية في العائلة أطباء لكن لحسن الحظ ليس بينهم طبيب نفساني ! أحدهم كررعلي نصيحة جيّدة كنت في الواقع قد قرأتها ، مفادها أنه للحفاظ على الصحة النفسية من الأحسن أن يقلب الإنسان برنامجه اليومي رأسا على عقب مرة في الأسبوع. بالطبع هي نصيحة محدودة النجاعة ، فالإنسان عبد للروتين منذ أن صار بيدقا في لعبة التاريخ ! لكن شيئا خير من لاشيء. هذه مقدمة كي أقول بأني أطبق ، خفية ، هذه النصيحة : أن اضرب الروتين اليومي بعرض الحائط. بالطبع ليست هي ثورة تخص الجوهر إلا ان تعريف الثورة ينطبق عليها ! ( ثورة اليوم ) كانت عدم إقترابي من الحوار الأخير مع سيوران ومن القصة الجديدة. بعدها كانت الحال شبيهة بحرمان المدمن من القهوة أو السيجارة مثلا ! المهم أني تحايلت على الروتين كي أكون بقرب سيوران : ترجمتُ شذرات أخرى ... كما إنسقت مع الروتين حين إقتربت من الرسم ( وهذا صار روتينا عندي في الفترة الأخيرة ) لكن ليس طويلا : قمت بجمع رسوم قديمة في رسم واحد يبدو الآن وكأنه لمجموعة خصوصية من ( نسائي ) ! في الحقيقة ليس لدي أيّ هواية للجمع ، ربما الإستثناء كان الكتب والبطاقات البريدية التي تحمل صور الأعمال الفنية ...


17 آب
إشتغلت اليوم أيضا بترجمة الحوار الأخير مع سيوران . ولا أعرف لم أخذت أعيد قراءة كتابه الهرطوقي الأكبر ( قديسون ودموع ) الذي نشر فيه كامل الغسيل الرباني القذر... إنه كتاب مصدم وحتى للذين هجروا دروب الله من زمان.
19 آب
نظرتُ طويلا في صورة الإنسان السائر بجوار الجدار. إنها " جدارية " تعاملت كما فعل باخ الذي أستمع إليه الآن: دهشة الكينونة في عالم جبار لكنه لم يحرم نفسه من نعومة غنائية غامضة جاءت بها مساقط الضوء في أعلى كادر الصورة. اظن أن الكون يملك مثل هذه المعادلة : حرائق نجومية وعدمٌ متباين الألوان ، وفي الكفة الأخرى تلك الروح الأزلية التي إمتلكت هنا قامة وهموما بشرية... عاشت إيدك !
لم يتبدد حلمك السينمائي يا حسن. واقعك الآن بحاجة الى المزيد من العرق وتلك المثابرة اللعينة وإتقان أصول اللعبة في الحياة. وهي لعبة ليست شبيهة بتلك التي تمارسها الملياردات ليل نهار ، بل هي لعبتنا العزيزة التي أسماها سيوران بالهبة الوحيدة التي تأتينا بالتحرير الحقيقي...


20 آب
أظنك لمست قوة المغناطيس الذي يجذبني الآن الى الشذرات. كان الرأس فارغا رغم قهوة الصباح - فارغا من " أوهام " الكتابة تلك... وهكذا رحت الى سيوران. شعرت ، بعدها ، بغبطة ساذجة لكنها غادرة أيضا إذ أردت القفز كأولمبيّ صار معوّقا ! هكذا الحال الآن : حتى من يعلن اليأس واللامعنى واللاقدسية يبعث فيّ الغبطة !

29 آب
في الحقيقة ترددت طويلا قبل أن أكتب المقدمة لقصصي الأخيرة وأحمّل مجتزءاتك فيها. كما تعرف أنا أفضل الصمت خارج الكتابة. وآمل أن لا أكون هنا مخطئا ، فأنا مؤمن تماما بصحة مقولة باث عن تلك الأقلية. وقد تبدو مبالغة غير مفهومة أو مفتعلة إذا قلت بأني قانع الى حد كبير إذا كان عندي بضعة قراء فقط. وتزداد القناعة حين أجدك قارئي الأول الذي لايكتب ( إنطباعات ) كما قلتَ ، بل يعينني بصورة ملموسة حين يسبر وبمثل هذه الحساسية والذكاء ما أردت طرحه في كتاباتي. ثق بأني بالغ الإعتزاز بكل جملة تقولها عن عملي. ومن هنا حرصي على أن تكون أول من يقرأني...




11.9
كانت النية مزيدا من ترجمة الشذرات لكن الحيوية إنخفض منسوبها كثيرا... بالطبع السبب الأول ، ولربما ما قبل الأخير أيضا ! ، هو هذه الخيانات المتواصلة والوقحة من قبل الذاكرة : صرت أتوقف طويلا عند إختيار الكلمة العربية المناسبة أو الصحيحة عند الترجمة . ربما هو محض هاجس يهيمن على كل مترجم مثلي ( يعمل لوجه الله والبشرية ! ). وتضخم هذا الهاجس في النفس حين تصفحت بعضا من تلك الأقوال المعروفة عن الترجمة : brutte fedeli e belle infedeli وتعني بالإيطالية : [ ترجمة ] دميمة مخلصة وأخرى جميلة لكن خائنة. وهذه بالأحرى تكرار لقول الفرنسي نيكولاس أبلانكور من القرن السابع عشر : Belles Infideles : الجميلة الخائنة. حينها كان المترجم " القدير" من يقوم ب( تجميل ) النص و أسلوب المؤلف خاصة. وكانت المقصودة الترجمة من اليونانية واللاتينية ... هذه شوارد أتمنى أن تبقى بعيدة عنك ! فالترجمة عبودية حقيقية لكن كم هناك من عبيد يستمرؤنها !

11.9 شيء جميل أن أقضي اليوم بصحبة سيوران ! هذه شذرات تالية... أظنني إستمعت أثناء رفقة سيوران الى كونسترات باخ البراندبورغية الثلاثة ( الثالث والرابع والخامس ) أكثر من خمس مرات ! هكذا يبدو تخميني ، فوقت الثلاثة هو 62 دقيقة ... نعم أنا سعيد اليوم . أترى كيف يخرج الإيمان من قناعتنا وليس العكس ! شجعني الطقس الوديع على التوجه الى الغابة القريبة ، ولذلك عدت ثانية الى سيوران بعد أن عمّدتني الوحدة والصمت هناك... أكلتُ أيضا التوت البرّي مثل طفل نهم. أظن أن سيوران سيغفر لي مثل هذا اللجوء الى أحضان الحياة ! اضفتُ الى صورة كوابيس تلك الليلة فزاعة حقل كنت قد حلمت بها أيضا. بالمناسبة هل شاهدت فلم ( فزاعة الحقل ) لجيري شاتزبيرغ وبأداء جين هاكمان وآل باتشينو ؟ يخيل إلي أني رأيت أيضا عيني باتشينو في ذلك الكابوس ...

13.9
أنا لا أشكو كثيرا من الزمن في هذا اليوم. كتبت بضع صفحات في قصة ذلك الحيوان الغريب الذي لم يتكيف تماما ، ربما لم يعرف كيف ، مع كل هذا الجد الذي تتعامل أكثريتنا به مع الحياة والعالم ... لقد لاحظتُ أن ما أجمعه وأترجمه من شذرات سيوران يلاحقني عند الكتابة. ثمة تداعيات ذهنية مكدرة : بين سيوران الذي كان قد فتح عينيه واسعا على كل هذه الكوميديات السوداء ، و بين من سبقوه ، أولئك الذين كانوا يبصرون أيضا جيدا. أنا واثق بأن اللغة وحدها كانت تعوز إنسان النياندرتال ( يقول العلم إن فكيه لم يكونا متكيفين للنطق ...) وليس التفكير السليم ...


14.9
أنت يا حسن باحث أركيولوجي من النوع الباهر ! قل لي كيف تعثر على مثل هذه الكنوز في النت ؟! كنت قد قرأت للشاعر الليتواني ما ترجم الى البولندية ( أنا كسول وبخيل على الوقت أيضا إذا تعلق الأمر بالبحث في النت ) ومفهوم أنه أعجبني على الفور. ليتوانيا كانت جزءا من بولندا أو بالأحرى كانت هناك وحدة بين البلدين قبل قرون طويلة رغم أن لغتي البلدين مختلفتين تماما. البولندية سلافية لاتختلف كثيرا عن التشيكية أو الصربية أو السلوفينية وغيرها ، أما الليتوانية فهي من منحدر آخر. المصور البولندي رحل قبل سنتين وكان فذا في إستخدام الغرافيك الكومبيوتري إلا أنه كان مصور لوحات قبل كل شيء ، وكل أعماله بدون عناوين. يكفي أن تكتب إسمه كي تصل في النت الى الكثير من أعماله الموزعة على المتاحف والغاليريات وغيرها : zdzislaw beksinski أحببت بيكشينسكي جدا. ألم يقل ريلكه : أعمال الفن تأتي من وحدة لاتنتهي. والحب وحده قادرعلى فهمها ، وحفظها والحكم العادل عليها ( إذا لم تخني الذاكرة هكذا كانت كلماته ).


17.9
ما يعجبني في نصوصك المهارة في مزج الشاعري بالسردي. ثم تلك العين التي تطلق نظراتها الشرسة كما لو أنها أشعة ليزر تريد ، بعناد ، تطهير المشهد من أوبئته... نص جميل حقا. آمل أن يكون الرسم الذي عملته ، وكأني منوّم مغناطيسيا ! ، وأناعلى وشك الإرتجاف بسبب أفاعي وبنادق عراق 2007 ... تجد بضع ملاحظات على النص . ربما قصدك هنا وهناك واضح لكن ربما الخريف أسدل ستارا سميكا في هذه الرأس التي كما يبدو فقدت كل أمل في أن ذاك الذي لم ينبس منذ ملياردات السنين ولا بكلمة واحدة، سينطق في الأخير، وعلى الأقل كي لايقتل الأطفال...

18.9
كتاباتك يا حسن تمنحني ما أنا بحاجة إليه في هذا العمر : بعد إنتظار طويل ثمة شيء يزهر في صحرائنا. وأضيف هنا : نصوصك تعيدني الى الواقع الذي لاينبغي الهرب منه ومهما كان هجينا أنجبه الوهم والفعلية ( أنا هنا استعير لغة المفارقة السيورانية ! ). غالبما أقول مع نفسي بعد قراءة نصوصك : هذا ما ينبغي على القاريء أن ينتظره من الكاتب : عدسة مكبِّرة مصنوعة من زجاج قاس وجميل كالماس... اليوم كتبت قليلا ورسمت قليلا أيضا لكني قرأت كثيرا وإستمعت طويلا الى باخ وشومان وهيندل خاصة. هكذا يبدو قطاع كبير من سعادتي الأرضية !


4.10
واضح أنك بحال أفضل. فكتابة مثل هذا النص الذي يشهر سكينه بوجه الله والكون وكل أحابيل الحياة ، تعني أنك قطعت أكثر من شوط في إستعادة التوازن... الحال هي هكذا دائما مع الأطباء الذين لايفهمون ولاحتى خمسة بالمائة من حروبنا الداخلية بسبب قصر نظرهم الذي لا يعوّض عنه أيُّ ناظورحربي... لا أتفق معك فيما يخص العداء تجاه العالم . هو مسكين ضائع مثلنا، جاء ثمرة محرمة لنزوة جنسية قام بها الرب على فراش العدم... . إنه نص ثمين حقا. وعند القراءة خطرت ببالي فكرة جمع هذه القطع الشعرية الأصيلة حقا في كتاب. المهم جمعها ومن ثم التفكير بالعثورعلى الناشر، أي أن تكون تحت اليد في كل وقت. أكيد أن أنفاسا سيورانية لفحتك عند قراءة قصتي الأخيرة. بدأت بكتابة أخرى. أرجو أن يحالفني توفيق أكبر ...

14.10
عثرت على نص قديم ( كرونيكيل عن بيكاسو ) إلا أنه يحتاج الى تكملة ، وآمل أن أنتهي منه في القريب. سيوران ( النقائي ) كان ينفر من هذا الساحر الإسباني ( الهجين ) تماما كما كان غومبروفتش يشعر بالضجر حين الإستماع الى باخ الذي كان ربّا ، لدى سيوران ، أعاره الكون ، وفي لحظة تدفق فيها الحنان ، لسيّار الأرض ! غومبروفتش عشق اللاجد واللانضج ، ففيهما وجد جوهر الإنسان. أعترفُ بأنه كان محقا ، لكنه نسي عناصر أخرى لهذا الجوهر: من دون باخ لبدا الكون ، كما قال سيوران ، عملا سيئا...


14.10
أنا مسرور لكونك تواصل ( الصراع ) ، ولم ( تنسحب )... الكتابة والوحدة هما من الجوائز التي لم ينتبه الرب الحسود إليها. بالطبع هناك كتاب تغتني الوحدة حين ( يقتحمونها ). و بينهم سيوران الذي يتكلم بصورة أكثر وضوحا من غيره عن العذاب والوحدة وكل هذه اللامعقوليات التي ُدفعنا الى سراديبها...


17.10
إنقطعت تماما عن العالم الخارجي ، وعن النت خاصة ، منذ يوم الإثنين. فتعاونيتنا السكنية قررت إبدال النوافذ والأبواب بأخرى جديدة ، رغم أن القديمة كانت لاتزال لائقة. وبهذه الصورة المبتذلة أضعت ثلاثة أيام ( لا أريد ان أحسب كم دقيقة وكم ساعة ! ) إضافة الى تكبّد الصحتين النفسية والبدنية بخسائرموجعة... موقعك في نفسي وذهني راسخ للغاية. كل شيء راجع هنا الى أنك فنان حقيقي ، ومن هنا خشيتي الكبيرة حقا من أن تنزل أحدى اللعنات وتعرقل ما تنجزه. إلا أني استرد الطمانينة عقب كل زاغور يجرّك إليه.، فأنت تخرج منه بقدر أكبر من التحدي والإصرار... أنا مسرور لكونك تقاوم كل الشياطين - في الداخل والخارج ، وتواصل الكتابة. أرجو لك المزيد من الإصرار على مواصلة الكتابة عن رجلك ذي المآزق الفنتازية. أما اللغة الشعرية فأود القول إنها ضرورية للكتابة ، وأيّ كانت ، كما الملح للطعام بل أكثر: إنها بروتينها الحقيقي والفعلي. بالطبع علينا أن نملك ميزان صاغة ذهب كي لا نزيد من مثاقيل الشعرية... أتذكر هنا إنسحاري بشعرية ألبير كامي في نثره الفذ. كامي شاعر حقيقي لكنه إختار تقنيات النثر. قرأت ( الديناصور ). بصمة أصابعك الشعرية واضحة هنا أيضا. هذه النداءات اليائسة التي يخيل إلي أنها خارجة من بئر مهجورة ، وأخذت تهدم كل المعابد المعروفة والمجهولة معا. لا أستطيع القول بأن من يطلقها هو شمشون خانته إمرأة بل لدي شعورغامض بأنه الغضب نفسه ومعه الكثير من الحنق. المهم هنا أن سيطرتك على التعبير في إزدياد.


22.10
شيئا فشيئا استعيد توازني النفسي والبدني بعد نكبة تبديل النوافذ والأبواب ! نحن التائهون في دروب أخرى نستخف عادة ً بالأمور اليومية التي نعاملها كعبء أنزله بنا رب حقود سوية مع عباده بأكثريتهم الساحقة :المضحكة - المبكية. لكن يا عزيزي لا مكان هنا للإستخفاف حين يتخشب الجسم وتنتشر أكثر من غشاوة على العينين إلخ ! عدت الى النص عن بيكاسو ومسوّدة قصة جديدة أرغب أن أخصصها لواحد من مدينتي القديمة يجوب بدراجته الشوارع باحثا عن مجانين من شتى الأصناف. كما تعرف هو موضوع ازلي، فوق زمكاني. لا أرغب في القصة الكلام عن كل من فقد جميع الصلات بهذا الواقع ، بل تهمني درجات الفقدان و(الضياع الحقيقي ) ... وجدت قصيدتك المهداة الى سركون في كيكا أيضا. أكيد أنها ستحتل مكانا خاصا في قلبه. سركون عاطفي ومفرط الحساسية ، وكانت مناكدتي الوحيدة له حين أصفه ب(العقلاني ) ! حينها تنفجر قهقهات الضحك التي يقصد بها الهزء والإحتجاج على مثل هذه التهمة ! حزنت جدا حين سمعت بمرضه. هو طير غريب ينظر بعين أخرى الى كل شيء...


22.10
صدمني خبر رحيل سركون. خجلت من نفسي ومن كل ذنوب الرب الذي خربط مواعيد الرحيل البشري. فأنا أكبرمن سركون ، من نزار عباس ، من أرداش كاكافيان ، في العمر. أكيد انه ذنب لا يغتفر حين أجد نفسي أحيا مع مثل هذا الإمتياز. كان سركون إنسانا رائعا وبمقدوره ان يضع كل ما يسمى بالأدب العراقي في جيبه. كنا نجرّه بالقوة كي يخرج من البيت من أجل الجلوس في مقهى أوالعربدة في حانة. كان مهووسا بالقراءة والكتابة. رغم كل شيء كان جنونه من الصنف العذب. اليوم إستيقظت ضحكاته في ذاكرتي. لن أنسى دهشته بل ذهوله من أبسط أشياء العالم الخارجي وأفعاله. أحيانا لا أعرف كيف أواصل دفع عربة العمر. فمثل هذه الأخبار تجعلني أفقد الإتجاه وأفكر بالتوقف ، بالوقوف مثل أيّ حمار حرون.
24.10
صحيح ما تقوله عن جحافل النادبين الذين وجدوها فرصة لتلميع الإسم ولكي يلقوا حطبا إفتراضيا في نار شهرة إفتراضية أيضا... كما لا أعرف كيف إكتشفوا بمثل هذه السرعة الضوئية كل كنوز سركون بولص ! البشر يتغيرون لكني لا أعتقد بأن سركون قد تغيّر بعد تركه بغداد. كنت في بيروت قبل أن يتركها الى سان فرنسيسكو. ذهبت الى يوسف الخال للسؤال عنه. أخبرني بأن سركون لا يأتي كثيرا الى المجلة وإعتذر عن عدم معرفته عنوانه. كنت خائبا حين تركت بيروت من دون لقاء سركون. بعدها بفترة جاء نزار عباس الى بيروت وعثر على سركون. بالطبع تحول بيت سركون الى حاوية جبارة للقناني الفارغة ! أخبرني نزار أن سركون كاد يبكي حين عرف من يوسف الخال أني كنت أبحث عنه. بالطبع إستيقظت حينها كلبية نزار و( إنتهازيته ) حين إقترح على سركون أن يغرقا مثل هذا الهمّ بسفح قنان جديدة ! لكل هذا لا أريد ان اكتب عن رحيل سركون في إحدى فسح النشر...

27.10
أعترف لك بأن قدرا كبيرا من الأنوية يدغدغني ويدفعني الى أن أردد البديهية القديمة عن طرد العملة الرديئة للجيدة. لكن ما العمل يا عزيزي هي قانون إقتصادي متجذر في حياة البشر! لكن ما يريحني أني أغمض عيني كما النعامة ( لكن بدون دفن الرأس في الرمال، فهذا عمل غير صحي ناهيك عن تسببيه الإختناق ! ) وأقنع النفس بأن ما يحدث في كل هذا الواقع الفعلي مجرد مسلسل قام أحد الخبثاء بإدخال الفوضى على نظام تتابع حلقاته...


28.10
هل تعرف بأني أعتبر نفسي محظوظا حين لا أكون هدفا لغارات الكتبة ومعاركهم الكارتونية. وهذا يكفيني ! فأنا لاقدرة لي على خوض أيّ قتال بل أجد نفسي عاجزا عن خوض بركة ماء آسن. لا أقول هذا بدافع القنوط واليأس من الواقع القائم فقط بل لكونها معركة طويلة ستخطف أعمار أجيال وأجيال. إنها لعبة شبة ازلية تذكرني بحال الأدب السوفييتي الذي خضع لنظام صارم قانونه الأساسي : الإخلاص قبل الموهبة بل قبل كل شيء... ونتيجة لذلك ساد أدب الدرجة الثالثة الذي دعا الى مثل ذلك السقي الرديء للفولاذ ! هكذا هم يفضلون في العراق ، ومعه كل ما بين المحيط والخليج ، الإصابة بالأمراض السوفيتيية على البقاء أصحاء لكن مع تلك القضايا اللعينة التي يسرق لهم نارها بروميثيوسات من أمثال سيوران وكيركيغورد وكافكا وسركون بولص... تشخيصك للمرض صحيح حين قلت بأنهم تجاهلوا سركون الحيّ لكن بدأ الندب واللطم وفتح النافورات الرومانسية عندما رحل . يذكرني هذا بقول الرجل الأبيض : الهندي الأحمرالطيّب هو الهندي الأحمر الميت .


6.11
قد يكون هذا الخريف مختلفا. وعليّ أن أطرق خشبا غير مصبوغ قبل التفوه بشي من هذا القبيل ! فالخريف لم يمر بعد ، رغم أنه في الدنمارك صنو للشتاء : مناخ معتدل ، تدفئة معتدلة ، وعد ٌ ذو مصداقية بأن العظام لن تعرف الرجفات الشديدة ! قبل قليل إنتهيت من إعداد شذرات سيورانية جديدة. راجعت ُ ، قدر الإمكان ، مسألة عدم تكرارها لكن من الأحسن التأكد مرة أخرى وكما يقول البولون : المحاذر يحذره الرب أيضا ( هذا شعب صار الأوربي الوحيد في كاثوليكيته الصارمة. كما نعرف تكون هنا كل الطقوس موّجهة الى الخارج مع إهمال الداخل الذي تركوه لكرسي الإعتراف ! ).


7.11
قرأت نصك ( الديناصور ) مرة أخرى أي هذه المرة في إيلاف. أظنه جديدا على هذا الموقع نشر مثل هذا النص الجميل لكن ( الهرطوقي ). التعليق الأول عليه أعجبني أيضا. لكل هذا لابد من أن تشطر وقتك على معشوقاتك الثلاث : الشعر والسرد والفلم... بالفعل مشروعكما كبير. ويسرني أنك تنوي تنفيذه مع عبدالأمير. شهرزاد التي تقاوم الثالوث ، الزمن ، المكان ، العدم ، ستخرج على أيديكما محققة إنتصارا فعليا ، منطقيا ، وحشيا أيضا تماما كما لو انها كانت على علم بكارثة ميديا الإغريقية التي قتلت أطفالها ! سروري كبير لديناميتك المدهشة حقا. فكرة هذه المتاهة تتخطى بعيدا تقنية الهيبننغ ، وقد تكون جنينا ملؤه العافية ، لفعل تشكيلي - "مسرحي" - فلمي يشق طريقا جديدا. برأيي أن الدليل المطبوع سيعين الجمهور كثيرا.

8.11
أجد أن إشارتي الى التعليقات على نصك ( الديناصور ) لاتخلو من الأهمية. فلدي ميل سوسيولوجي لايقاوم أحيانا ! آنذاك نويت الدراسة في فرعين: علم الإجتماع وتأريخ الفن إلا أن كسلي ، وهو لايطاق لغاية الآن ! ، حال دون تحقيق مثل هذا الطموح غير الكبير ... في الحقيقة كان للكسل ما يبرره : الدروس كانت كثيرة ومتنوعة إضافة الى اللغات ( كان تعلم لغتين عدا اللاتينية إلزاميا ). لغاية الآن أنا آسف على عدم مواصلتي تعلم الألمانية. هي لغة سهلة بالمقارنة مع الإنكليزية ولاحاجة هنا الى ذكر الفرنسية ! واظبت على حضور دروس الألمانية ، وهي موسيقية أيضا رغم صلابتها ، وكأي تلميذ مطيع ، إلا أني تركتها لصالح نزوات أخرى... تجاهلا لنصيحة سيوران في عدم الكلام عما تكتب ولم تنته منه ، أرغب القول بأني أخذت أكتب بنص ( قصصي ؟ روائي ؟ ) أطمح فيه أن أراقب ، بدقة أكبر بل أريدها أن تكون مايكروسكوبية أيضا ، حركة ذلك الخيط الرفيع الذي يشدنا بالواقع ( في الحقيقة أنا لا أكتب طوال الوقت إلا عن هذه الحركة ...). أكيد أن ( مسرحي ) يشكو من ندرة من يتحرك على خشبته. فعليها ليس هناك سوى ممثل واحد : تلك الذات أو ما يسميه غيته ذلك المتمرد الأبدي ... لا أعرف إن كانت هناك ترجمات لأعمال هنري باربوس ، وخاصة روايته العظيمة ( النار - مذكرات فصيل في الخنادق ). كان كاتبا من النوع الواقعي الشرس إلا أن نهايته كانت أكثر من بائسة : إنتهى ستالينيا وحتى أنه كتب سيرة معبوده هذا في عام 1936 ( قضى سنوات طويلة في الإتحاد السوفييتي ومات هناك إلا انه دفن في باريس ). وكما يقال لاجديد تحت الشمس ، فهي ذات المتاهات القديمة التي ضاع فيه أكثر من فنان موهوب ... أقول هذا كله بصدد ما أكتبه الآن : وشايات متواصلة بالنفس ( رغم أني لا أعرف لمن ُتنقل الوشايات هذه ، ربما لله أو أحد ظلاله على الأرض ! )

9.11.
بالطبع أنا أعرف مباءات النشر العربي. الأمرغير متعلق بالفلوس فقط. هناك الغش والخداع والإنعدام المطلق للأمانة ثم حضور ( الأخ الكبير ) أي الرقابة ، تخيف جميعها أشجع الشجعان ، أو بالأحرى تخيف إللي ما عنده حبايب ويطلق ( طزّه ) بوجه الرقابة... وأذكر أنه لولا متابعة بعض الأصدقاء أمثال نزار عباس وموسى كريدي وفؤاد التكرلي ونزار سليم لما نشرت كتبي في بغداد... أقترح عليك النشر الألكتروني الآن ، كما أنه ليس من باب التفاؤل إذا قلت إن هناك فرصا قادمة. كما تعرف هو إحتمال ليس بالقوي ان ينتبه احدهم الى النشريات الألكترونية ويقترح نشرها ورقيا. لكني لا أستثني هنا حصول بعض المعجزات ... كرست هذا الصباح لجديد االموقع. نصوص تضرب كالمسامير في أعصاب تالفة مثل أعصابي. أحيانا اتظاهر بالجهل بالأسباب وأتساءل : كيف هو ممكن الكتابة بهذه الصورة الساذجة في القرن الحادي والعشرين ؟! لكن ما العمل يا عزيزي ، فهذه هي البضاعة. أكيد أن الغيظ مبعثه في أنها لا تزال رائجة !


12.11
أنا مقتنع تماما بأن معركة الكتابة هي في مكان آخر ، و( جنرالاتها ) الذين يرافقونك فيها أو يسلمونك الخرائط العسكرية هم الكتاب الآخرون. ولولا جنرالاتي لقذفت القلم والأوراق بعد المعركة الأولى... كنت مسحورا بنثر الجنرال ألبير كامي. فهو في صفحة واحدة يكثف الزمان والمكان ومن دون أن تشعر بأنك دخلت كونا فسيحا آخر. إنه الشعر - النثر ( البرقي ) ... وتكتب إلي عن المجازفة. أظن ان الكل يجازف. أرجو أن لاتنسى أن كل شيء مجازفة بدءا بالتمرين وإنتهاءا بالصبرالذي ذكرته في رسالتك. وهو شعور خاطيء بأنك قد إستعجلت وأن تحكمك باللغة بطيء وإلى آخره. أكيد أنه شعور يبقيك في الوهم. فحتى الكبار كانوا معوّقين وذوي تأريخ كالح ومجهد بسبب تلك المجازفات. نحن في كل يوم ، بل كل ساعة ، نزيد من سرعة ذاك التحكم. معلوم أن النصوص القصيرة تتيح ، لكن عموما ، تحكما أسهل ، غير أنك تتفق معي بأن لامفر من القيام بالمجازفة الأخرى : كتابة نصوص أطول ... للأسلوب الإيضاحي القريب من التقريري كمائن غادرة. لا أتذكر الآن القائل بإن التفكير بالقاريء أثناء الكتابة ينبغي أن يكون بعد الإنتهاء منها. وأنا لم أقرأ فوكنر مرة واحدة رغم أني لا أتخلى عن المتابعة اليقظة أثناء المطالعة إلا أن هذا الكاتب يطالبني بالكثير، كما هو واضح لم يفكر بي إلا بعد إنتهائه من الكتابة ... كنت في المكتبة عصرا. إستعرت الإثنين باخ وبيتهوفن. وقرأت أميلي ديكنسن قليلا. تصوّر أن هذه الربة التي كانت جميلة الروح والنفس لم ينشروا لها طوال حياتها ( عاشت 56 سنة ) إلا سبع قصائد من مجموع 1775 قصيدة ! ألا يعني هذا أن صحراء التتر أنبتت صبّارها أيضا في ماسوشيتس مسقط رأس هذه الشاعرة الفلتة ؟ ...


14.11
الإنسان أكثر تعقيدا من خارطة الكون ! قيل الشيء نفسه عن هنري ميللر الذي كان بريئا مثل نحلة تعطي العسل رغم وجود الإبرة في مؤخرتها ! سرت فيّ كآبة حين قرأت عن رحيل نورمان ميلر. كان ( الطفل المرعب ) للأدب الأميركي شأن هنري الذي سبقه الى ... هناك . كان جراحا ماهرا شق، وحتى بشيء من السادية ، أحشاء الحياة الأميركية. وبصورة تلقائية خطرت بالبال فكرة : متى يخطو أدبنا ، ولو أقل بكثير من واحد بالمائة ، مثلما كان يخطو نورمان...

17.11 قد تكون هناك نورمانات وميللرات لدى العرب لكننا لانعرفها كلها. ومعلوم أن للديناصورات أقداما بالغة الضخامة ، وعلى أكبر إحتمال إستقرت الأقدام على صدور نورماناتنا، وإذا أخطأت الأقدام هدفها سيبقى الأمل كله فيكم ...
18.11 ما لاحظته في قصتك أنك توقفت طويلا في شارع المتنبي من أجل أن تكشف عن حادثة إحتيال صغيرة لا تستأهل توقفا طويلا عند كثير من التفاصيل. في الحقيقة أنا أكرر هنا ملاحظة سابقة تخص إفراطك في الحرص على تسجيل ( كل شيء ) ومناطحة اللاممكن. فقدرنا في الكتابة هو الإنتقاء عند تناول شتى طوابق الواقع أو بالأحرى أصنافه - من واقع مألوف الى آخر ميتافيزيقي أو فنتازي أو يوتوبي إلخ. أنا لا أنكر بالطبع أهمية ما حدث في ذلك الدكان و ضرورة ( ترميزه ). لكن كارثتنا ليست في ( ما يحدث ) بل ( كيف يحدث ). فكرت ُ حينها : لكان مونتاج روبير بريسون خير تسجيل لأحداث الدكان. لا أعرف إن كنت قد شاهدت فلمه ( النشال Pickpocket ) من عام 1959 والذي أخذ بعض عقده من ( الجريمة والعقاب ). لقد صوّر بريسون عملية النشل عبر مونتاج سريع أظنه كان من تلك اللحظات الباهرة في فنه. ولديّ قناعة تثلج القلب حين أفكر وأعمل بهذه الصورة. فالواقع جحيم تفاصيل بل فوضى مفزعة يجهد الفنان في إدخال شيء من النظام عليها عندما يحوّ ل ال ( ما ) الى ( كيف ) ...


21.11 تعب الكتابة معروف. ولربما أكرر الكلام إذا قلت بأن الكتابة تجارب مستمرة تتبخر أثناءها تصورات كثيرة عن أننا قادرون على التحكم باللغة وطرح التجربة وتحريك آليات المخيلة. لاشيء من هذا القبيل ! فالكلمات المناسبة تهرب من الرأس ، أي الذاكرة ، حين تريد إصطيادها ونقر حروفها. مثلا طارت من الرأس كلمات وصياغات حين قراءتي لنصك ( برج الفأر ). ثق بان ليس هناك من أرباب في اللغة العربية أوغيرها. الأكثرية تلجأ الى الدروب المطروقة في التعبير اللغوي. وهنا علي أن أعبر عن دهشتي من بعض صياغاتك. قناعتي أنك لاتحتاج الى أشياء كثيرة بل يكفيك تركيز أشد للإنتباه الى اللغة والأخذ بتقنيات أكثر بساطة. وكما قلت مرة إنه من الصعب جدا أن نقوم بالتفريغ التام .إذ لابد من صرامة الإنتقاء...
22.11
حالات السهو عندي في إزدياد مقلق . مرة قال صديق بعد أن نسي في الحانة كتابين لكامي الذي كان يعبده : السهو والكباب والذباب من أقانيم حياتنا ولذا تمنيت أن أكون من عائلة الإسكيمو !... معروف عن الإسكيمو أنهم ذوو ذاكرة خارقة : تفكك أمام أحدهم ساعة يدوية لم يرها من قبل لكنه يعرف كيف يركبها ويعيدها الى حالتها السابقة ...
*
26.11
بتالي العمر صرت آخذ بالتلقائية : بدل الإنشغال بالكتابة في تلك القصة / الرواية رحت أبحث عن شذرات كاموية جديدة. أظنه طيش المسنين! أبعث بما إستطعت جمعه منذ رسالتي الأخيرة إليك. وسأواصل البحث. في الحقيقة ما يشدني الى كامي هو تلك الإكتشافات التي اصبحت معروفة جيدا اليوم لكن هذا لا يحول دون أن تبقى راهنة. وقبل كل شيء يسحرني شعره.
26.11
هناك الكثير من الأفكار للنص الذي أكتب فيه ، أي القصة / الرواية ! لا أعرف ، فقد أصبحت أخشى التخطيط البعيد الأجل. وحسنا فعل سيوران حين كان يقرأ ، ولأمد طويل ، اليوميات والذكريات وما شابه. فهنا يكون الطرح مباشرا مما يعني إلتفاتا بسيطا الى ( الفنيات ).
26.11
أظن رسالتي السابقة عندك مما يعني أنه ( إنفكت الجبسة ). هكذا كانت تقول جدتي حين كانت تنحل إحدى العقد الحياتية... صار هاجس الأرق يزورني كثيرا ، ومن هنا هذه الرسوم... لا أعرف السبب رغم أني لا أشكو كثيرا من ذهابي ، وهو من النوع المعتدل ، برفقة الرب هيبنوس ! أعترف أن الهروب من الأرق ب( تعاطي ) النوم يعني أن حريتي ُردّت إلي كاملة ً.
26.11
كنت قد وصلت مرة أو مرتين الى موقع شمس الدين. أعجبتني كثيرا أعماله. قبل قليل زرته مرة أخرى ووجدت أشياء جديدة بينها قصيدة لسركون ورثاء له. أنا قريب من ميله الفني. والظاهر أن لنا أساتذة مشتركين : باول كلي وخوان ميرو وأكثر من تراث بل كامل ما قبل التأريخ ! أنت تعرف لعنة الوقت. مشاريع كثيرة الى حد اللامعقول. مثلا رغبتي قوية في الكتابة عن " الفطري " من بنسلفانيا. وقد أحققها . لكن لا أعرف متى . ربما بعد ساعة ، بعد يوم أو سنة... تحياتي لشمس الدين متمنيا له أطول مكوث في عوالمه البديعة تلك. إنها فراديسنا الأرضية رغم المخلب والناب الأحمرين ! هناك كاتب أميركي رائع لايعرفه العرب بالتأكيد : أمبروز بييرس Ambrose Bierce) 1842 - 1914 ) . تأثير أدغار ألان بو كبير عليه ، وبدوره ألقى بتأثير قوي على بورخيس و كورتاثار بشكل خاص. كارلوس فوينتيس كتب رواية عنه ( الأميركي القديم The Old Gringo ) نقلت الى السينما بمشاركة غريغوري بيك وجين فوندا. فلم جيّد من إخراج لويس بونتسو. ذكرتني به ورقة التقويم الدنماركي لهذا اليوم والتي قرأت فيها شذرة لبييرس : ( الكاتب المسمى بالجماهيري يكتب عما يفكر به الناس. أما الكاتب الفذ فيدعوهم الى التفكير بأمر آخر ). وسيسرني حقا أذا إتفقت معي على أن تعلق هذه الحكمة ، وهي فذة أيضا ، على صدور كتابنا... كتبت قليلا ورسمت قليلا أيضا ( رسم جديد عن الأرق ) لكني إستمعت طويلا الى باخ. قامت الذاكرة بخيانة أخرى : لا أتذكر أين قرأت عن زوجته التي رأته يبكي حين كان جالسا أمام أرغنه. وقد يكون سبب بكائنا حين نستمع الى أصواته الكونية هو ذات السبب الذي دفع إبن الأرض والسماوات هذا الى البكاء. صرت لا أستعير إلا باخ. أكيد أنهم في المكتبة الموسيقية يظنوني أصوليا لكن من طراز موسيقي !
27.11
أشعارك جميلة ، وجمالها جمال نمر ليس هدفه الوحيد الإنقضاض على الفريسة بل التمتع بجمالها أيضا ! لاحاجة الى القول إن لا أحد يعرف شيئا ، وحتى الذي كما ُيزعم أنه معنا لكن بصفة مفتش بلدية ، عن براكين أحاسيس وغرائز هذا النمر. عموما ليبرهن ذاك على أنه العليم و يبعث نبيا كي يفشي لنا بمثل هذه الأسرار أيضا...
1.12 مر الأسبوع كالماء الفاتر: من دون إعاشات تتميز عن غيرها. كل شيء كان بحد أدنى... في الحقيقة هكذا كل شيء في حياتنا وما يقفز فوق السطح نظنه لا إعتياديا بينما هو في المحصلة والجوهر ، مجرد فعل ( آخر )... الرسم أخذ وقتا أطول في هذا الأسبوع. الحافز كان ذلك الكتاب عن ما قبل التأريخ والذي ذكرته في رسالة سابقة. أدخلت بعض المنحوتات القديمة التي تعود الى أكثر من 30 ألف سنة على رسومي ! من الإكتشافات المصدمة أن أنسان العصر الحجري القديم الذي هاجر أجداده من أفريقيا عرف بعض ألاعيبنا المعاصرة مثل الكتابة والرسوم على جدار المرحاض أو الشارع رغم أنه لم يمتلك هذين بل آخريين من هبات الطبيعة ، وجسّد أحلامه و تحسسه بشعر الوجود. أبعث ايضا بنحت صغير يمثل عملية جماع إختلف علماء الآثار والأنثربولوجيا وغيرهم حول هوية طرفيها : هل هوجماع بين ممثلي جنسين مختلفين أم جماع مثليين ! الكتاب يدلل على أن اللغة إبتكرت قبل السومريين بآلاف السنين أو بالأحرى تملك أكثر من لغة بل جميعها جذرا واحدا إلا أنها فرضية لم يبرهن عليها بعد. كتب ٌ من هذا النوع تبعدنا ولو قليلا عن مختلف محننا وملاحقات الوجود والله لنا ...

2.12.2007 صارمشروع الرواية الذي تكلمت عنه في رسائلي السابقة قصة قصيرة ! فقد تذكرت أقوال بورخيس عن كسله الذي كان يمنعه دائما عن التفكير بكتابة رواية ... كما لاحاجة الى القول بأن كل نسيج سردي يصلح لتفصيله كرواية ...
5 كانون الأول أكتب إليك بعد أن شاهدت ، مرة أخرى ، فلم كونتين تيرينتينو ( قصة مبتذلة ) هكذا كما أظن ترجم الإسم : ( Pulp Fiction ). أكيد أن كونتين هضم بكل دقة ما أنجزته مختلف سينمات العنف بدءا بفلم ( الواقعية السوداء ) الأميركي من الخمسينات خاصة. وأعترف بأن فلم كونتين هذا دفعني الى الشعور بأن تحقيق الكمال أمر ممكن ... بحثت في موقعنا ولم أجد نصا مكرسا ل( قصة مبتذلة ). إذا لم تخني الذاكرة كان موقع ( الفيل ) قد نشر نصا عن تيرينتينو. في نيتي الكتابة عن هذا الفلم بشكل خاص. في الحقيقة من زمن تراودني فكرة الكتابة عن فلم العنف الأميركي الذي جاء نتيجة شتى الفلسفات. سؤالي إليك وبالطبع أنت الأكثر متابعة وإطلاعا فيما ينشر بالعربية : ألا يكون مثل النص تكرارا ما ؟ بالطبع لدي مسطرتي الفكرية والتفسيرية لكن خشيتي في عدم إتياني بجدبد. أظن أن الإطلاع على ما نشر في ( الفيل ) ينبغي أن يسبق مباشرتي بالكتابة. فهل من الممكن أن تبعث لي بهذا النص وما يتوفر لديك بهذا الشأن. كتبت قصة صغيرة البارحة واليوم حول أحد هواجسي اليومية : فعل المصادفة في حياة الإنسان الذي حصلت ، وكما نعلم ، إدانته وحتى قبل خروجه من بطن أمه... آمل أن تلقى القصة بعض التجاوب. عملت لها رسما أيضا. أكيد أن هناك جديدا عندك.
6 كانون الأول
من زمان أنا معجب بتارانتينو العصامي. كما تعرف يكون إقترابه من العنف والقسوة وكل أبعاد البربرية المعاصرة ، مفزع في صدقه ( على مشرط الجراح أن يكون بالغ الحدة وإلا لفشلت كل عملية . ومن هنا إعجابي و تمتعي بقراءة نصوصك ...). وهذا الطفل الأميركي المرعب يكون في واقعيته الحسية بل ما فوق الحسية كما لو أنه ألقى بقفازه بوجه كل ( حلوانية ) الفن الذين لاهم لهم غير تحلية الواقع أو دفعنا الى كراهية بعض مظاهره فقط. وقبل كل شيء أليس كونتين من أنجبه عالم أميركي ( آخر ) ، عالم همنغوي وميللر وفوكنر وغيرهم من الذين يطلقون مثل هذا الصراخ المدوي بوجه الرب والعالم ! فوزي كريم يعجبني كشاعر أيضا. كنت أقرأ ما كان يكتبه عن الموسيقى. وادهشني حقا ، ففي بغداد زماننا لم يكن هناك عشاق كثيرين للموسيقى الكلاسيكية. إلتقيت معه في لندن. كان من ضمن المشاركين في ندوة تلفزيونية عن غرافيك العالم الثالث. كان يقف أيضا في الجهة المناوئة لمغاوير الفن الكارتوني ... كلماتك عن القصتين منحتني قناعة ليست بالصغيرة. فأنا أكتب لحسن وأمثاله... 9 كانون الأول قرات في موقع ( أدب فن ) نصك الجميل حقا ( رأس أجداده...). أنا أجده الأجمل. أظنني قلت مرة عن فنيّتك في مزج الشعري بالسردي. هومزج ناتج عن دهاء ، فنحن نبقى غير عارفين الى النهاية : أهي إعترافات صرفة لل( هو ego ) أم لبطل مفترض قد ُشد ّ بأكثر من خيط بتلك الأنا...
11 كانون الأول كما قلت سابقا أجد أن رسائلك مرآة أمينة لقتالاتك اليومية... رغبتي قوية في أن ُتري بعضهم كيف على الفنان أن يكون صادقا مع نفسه والآخرين... وكما يقول سيوران : ليكف عن الكتابة وغيرها من يفتقد الجرأة... كتبت قليلا عن تارانتينو وقرأت نصوصا عن كافكا كما عملت بضعة تخطيطات ورسوم ، أرسل أثنين منها. بدت الحال وكأن الزخم أخذ يهبط تحت هاجس إنتظار مئات من الأيام الجديدة ، والحسرة على خسارة العدد نفسه ... بمكنتي تحوير كلمة إليوت وجعلها هكذا : بين تقويم سنوي وآخر تسقط ظلالنا الشاحبة التي أخذت تهزل وتهزل حين تبلع بصقات الزمن المسمومة...
13 كانون الأول
أموري ماشية ( نسبيا كالعادة ...). تدور شتى الأفكار في الرأس عن كتابات جديدة لا أعرف هل ستختمر ويبدأ النقر في الكومبيوتر ... عثرت على قصص لأحد أعزائي سوافومير مروجيك. لم أنشرها لغاية الآن. كانت تحتاج الى مراجعة وإكمال. وها هي الآن جاهزة للإستهلاك - طازجة مثل خبز باب الأغا لكنها ليست مثله ، فهي بلاش ! قضيت بعض الوقت مع الرسومات. واحد منها كان ماتيس ، معبودي منذ زمن الصبا ! ، قد مسك بيدي وأملى علي ّ التكوينات والألوان...