الأحد، 6 أبريل 2008

رسائل عبر الحلم ـ 1 ـ



لم أكن أخطط اثناء كتابة هذه الرسائل لنشرها لاحقا كيوميات. لم تكن سوى ردود بسيطة على رسائل الاستاذ عدنان المبارك الجميلة. وتبرير نشرها الان ، ربما ينبع من محاولة مراقبة الزمن وهو يتأبط الانسان في رحلته القاسية ، تارة يتأبطه مثل دمية مستسلمة ، وتارة اخرى مثل طائر حالم ومنتفض. سيلاحظ القارئ بأن أغلب هذه الرسائل هي عبارة عن متابعة لكتابات الاستاذ عدنان المبارك باعجاب ومحبة مرفقة بهمومي وأحلامي وفورات عاطفية أخرى. لكن ربما لو كان هذا الاعجاب والعواطف تجاه كتابات صديق عشت معه ذلك الزمن الرياضي ( الذي مضى والذي مازال يئن بين عقربي الساعة ) القائم بتسوير أغلب سكان هذه الارض ، لبدت هذه العواطف والكلمات كأنها مجرد مجاملات من تلك التي يتبادلها الاصدقاء. بيد أن علاقتي بالاستاذ عدنان المبارك لاتتخطى حدود الزمن الافتراضي لشبكة النت. لم نلتق من قبل وجها لوجه ، ولم يمرعلى تواصلنا غير بضع سنوات من خلال البريد الألكتروني. لهذا بمقدوري القول إن تواصلنا عبر الرسائل لم يكن سوى تبادل للكلمات والهموم داخل حلم مفترض ، كما هو الوجود برمته. مع ذلك فان المحرض الاساسي لتواصلي مع الاستاذ عدنان المبارك هو اعجابي بمنجزه الابداعي وعزلته وتواضعه الذي لاحدود له. ودعوني أعترف أيضا بأنني حرصت على الرد على رسائل الاستاذ عدنان المبارك بخبث تلميذ مجتهد ، من اجل الحصول على المزيد من رسائله التي كانت ومازالت بالنسبة لي دروسا مكثفة نابعة من قلب إنسان أضاءت له عزلته شمعة الابداع وشمعة النقاء الانساني المدهشة والنادرة في آن واحد :

8.3.2006
دخلت الى موقع القصة العراقية لقراءة الرواية مررت على الجديد شكرا على اهتمامك وتواضعك فيما يخص مساهماتي اردت ان اشير في رسالة البارحة انني عثرت على جواب جميل وحميمي عن سؤال راودني عن كتاباتك في هذا المقطع الذي نشرته مع رسائلك اليوم:
قد تكون كبيرةً جرعة ما أسميته ب( الحشو الثقافي ) في قصصي. وهنا أيضا ثمة إغراء قوي خاصة أن لا أحد قد رسم حدودا ، وحتى لو كانت هلامية ، في القص المعاصر... وكما نعرف حوّل المكتشف العظيم جويس كل شيء الى مزبلة راقية ! وقبله كان هناك توماس مان الذي ( تساهل ) كثيرا وتردد عند رسم الحدود بين المروّي والمقال والمذكرات والتمحيصات العلمية. كذلك تلحّ عليّ فكرة مفادها : أليس من النافع للقاريء ، وهو مسكين في كل الأحوال ، أن يوضع تحت أنفه هذا الطبق أو ذاك من المعرفة ؟ وقد يكون هذا أكثر نفعا من المبالغة في رصد حركات سواء أكانت خارجية أو داخلية.
اشد على يديك في نشرك تجاربك من يوميات ورسائل فهي بالنسبة لواحد مثلي ـ ويوجد الكثيرون ممن يظنون مثلي بانها مفيدة ومهمة كان واحد مثل اميل سيوران لايقرأ في شيخوخته غير كتب السيرة والحوارات ورسائل المبدعين كان يفكر بانه يحب ان يرى كيف تتشكل الاوهام وكيف تهوي اوهامنا اللذيذة
هنا بعض من سطور سيوران وجدتها في شبكة النت :

_ يتسرب الغموض والارتباك الى الصحو لأنه عاقبة سوء تصرفنا في سهاداتنا. _ ينقلنا وسواس الولادة الى ما قبل ماضينا فنفقد طعم المستقبل والحاضر والماضي ذاته. _ حين تتجسد الفكرة (أو الكائن أو أي شيء آخر) يشحب وجهها, وتتحول الى شيء مضحك, هو ذا احباط التوصل الى نتيجة. _ لا ينبغي أبدا اتقاء الممكن والتبختر كمتذبذب أبدي ونسيان الولادة. _ سوء الحظ الحقيقي الوحيد: هو حظ رؤية النهار والذي يرتبط بالاعتداء ومبدأ التوسع والغيظ الكامن في الأصول والتحمس للشر الذي يحركه. _ عندما نلتقي بشخص لم نره منذ سنوات عديدة, من الافضل أن يجلس الواحد منا قبالة الآخر, وألا نقول شيئا طوال ساعات, من أجل ان يتذوق الوجوم, من خلال هذا الصمت, ذاته ويستلذها. _ بعض الايام يجتاحها العقم بأعجوبة. وعوض أن أسر بذلك وأهتف بالنصر, وأحول هذا الجفاف الى عرس, وأرى فيه دليلا على اكتمالي ونضجي وانفصالي الأخير, أتيح للغضب أن يغزوني. _ ما أشد صلابة العجوز الذي يقيم في أعماقنا, ذلك النذل المهتاج الذي لا يليق بالمحو. _أنا مفتون بالفلسفة الهندية, لأنها تهدف بالأساس الى الرفع من شأن الذات. وكل ما أفعله وأفكر فيه هو أناي ومصائبها. _ يستنفد المرء اهتمامه بالموت, ويتوهم انه لم يعد يجني من ورائه شيئا, فيختلي بالولادة ويتأهب لمواجهة هاوية أخرى لا تنضب. _ أنا أتصرف مثل كل الناس, حتى أولئك الذين احتقرهم أكثر من غيرهم, لكني أتدارك نفسي برثاء كل فعل ارتكبه حسنا كان أم سيئا. - خارق وتافه - غايتان تنطبقان على بعض الأفعال وبالتالي فهما تنسحبان على كل ما ينجم عنها, وعلى الحياة في المقام الاول. _ البصيرة هي الآفة الوحيدة التي تجعل الانسان حرا- طليقا في بيداء.
11.3.2006
.................... كنا جيل تائه بمعنى الكلمة ... كنت اعرفك من خلال تذكر اسمك تحت بعض الترجمات في العراق التي لا اتذكر اين لكن ربما في الثقافة الاجنبية لقد عتموا علينا تماما أسماء كثير من المبدعين. كنا محاصرين بفظاعة. انت تعرف ان لفظ كلمة شيوعي في التسعينيات تؤدي بك الى هناك ... فكيف باسماء مبدعين يعيشون في الخارج حتى الاسماء التي لم يكن تحتها خط احمر كانوا يتعمدون شطبها ويروجون لاصحاب الطبول ليتني اتمكن من نقل كل تلك المشاهد الى السينما ... فيما يخص الادباء هناك ، يكفينني ان اضع الكاميرا في مقهى حسن عجمي واقرأ لك ماذا كان يفعل هذا وذاك ... قرأت روايتك ( تحت سور الصفيح ) ايضا لكنني لم اقرأ بعد ( ثمار الزقوم ) . اكيد انني سأبدأ في الايام القادمة إنها فكرة اكثر من رائعة اتمنى تحقيقها ، أي ما يخص تحويل روايتك الى سيناريو انها لذة ومتعة وفيها فائدة كبيرة للفراغ الذي يعاني منه مشهد السيناريو العربي وانا مستعد للمساهمة في كل ما يمكنني القيام به.


12.3.2006
في يوم راس السنة الذي امقته، كنت جالسا في البيت وكتبت نصا نثريا احاكي فيه الابراج الشمسية ، وقد وجدت نفسي اهديه اليك حتى قبل ان اكتب النص ، ثم عدت اليه بين فترة واخرى للاشتغال عليه. البارحة وانا اتصفح ملف الصور عندي تذكرته حين شاهدت تخطيط جميل لك . ربما سادفعه للنشر الى كيكا او ايلاف. هو نص متواضع، لكنني احبه ان كنت تسمح لي ان انشر معه تخطيطك الجميل الذي ستجده مع النص . اشرت الى انه لك. احتاج الى موافقتك انا سعيد بهذا الامتياز الذي تمنحه لي بقراءة كتاباتك وما تترجمه قبل تحميلها الى القصة ، فحين تقوم بتجديد القصة، اكون قد قرات نصوصك، فأتفرغ بحزن للقصص الاخرى المنشورة والتي كتبت يوما عنها كلمة قاسية لكني تراجعت عنها.
14.3.2006
على الرغم من القليل الذي قرات لسيوران ، لكنه يحتلني يوما بعد يوم ، مرارة دمه ، رعبه ، صدقه. هذا الرجل يمدني باكثر من شريان ، شكرا لك على الاهتمام به من اجلنا ، لانك على الاقل يمكنك ان تقرا له بلغة اخرى ، واتمنى ان يسعفك الوقت لتكمل ترجمة بعض نصوصه الاخرى شكرا على الابراج التي حملت للقصة. ارسلتها الى مجلة ادبية جديدة تصدر الان في العراق وفرحوا بالنص. اجمل ما في رحلاتك المتواصلة انها تثمر بتى اصناف الفاكهة الشهية سادعو الى الالهة التي اعرف ان تمدك بالخير والسلام

17.3.2006

استاذي العزيز ..... امر بوجع من هذا الذي خبرته انت في فقدان اناس لا يمكن تصديق موتهم من فرط شفافيتهم لم يخبرني احد بموت الفنان التشكلي الكردي سروت سوز الا قبل ايام دهسته سيارة ومات .. هكذا ببساطة ورعب كان بمثابة العزاء لي والمعلم والصديق حين كنت اعيش في كردستان ايام الدكتاتورية لا ادري لماذا اخبرك بهذا كله. لكنني اشعر بحاجتي الى انسان فأنا هنا بلا اصدقاء وليت الانسان يعيش طوال حياته بلا احبة ولا اصدقاء كي لا تغرز السكين كل شمس وظلام في خاصرته النازفة ابدا نشرت صورة سروت في موقع الفيل لانني لا اعرف ماذا افعل
20.3.2006
حين تشتد المآزق ألجأ الى المزيد من القراءة وحين تبدو وكانها انفرجت أضاعف القراءة وحين اتوهم انه لا غيمة واحدة سوداء في سمائي اخاف كثيرا ... لهذا استعد بالكثير انا مثل النملة اعمل ليل نهار لفصل الجوع المخيف لكنني بلا فصل آمن .. كل فصولي رعب لهذا كثيرا ما اكتشف مقالة او كتاب او دراسة واحب ان يشاركني الاخرون سارسل اليك حوارا جميلا مع سيوران العزيز.
لدي الكثير من الاعمال احب ان تكتمل كي اطلعك عليها في الفترة السوداء في هنغاريا دونت مسودات كثيرة اجلس الان بجدية كي أعطي قسما منها شكلها النهائي.
شكرا.
20.3.2006
هذا ما قمت به في الايام السابقة استعنت ببعض النصوص الموجودة في قسم ( فلم ) ، لا توجد مشكلة في ظهور النصوص في اكثر من مكان ، انا ايضا ارسل نصوصي الى اكثر من موقع ، مرات اكتشف مثلا ان صديقا لا يعرف موقع القصة العراقية لانه على سبيل المثال اعتاد على القراءة في مواقع معينة ، وهكذا ... ومثلما اشرت في رسالتك، هي جهود خيرية من قبل الكاتب ومن قبل المشرف او محرر الموقع ، لكن هناك كتابا يرون انفسهم عباقرة العصر، فحين تنشر مادة لأحدهم نقلا عن موقع اخر يسألك عن الحق في نشر مادته مرة اخرى من دون اذنه ، وصلتني مثل هذه الرسائل ، وهي ما دفعني الى التردد في اعادة النشر ، رغم انه توجد هناك مواد جيدة تستحق النشر مرة اخرى ، نعم يمكنه ان يغضب مثلا لو نشروا مادته في صحيفة ورقية تدفع او طبعوها في كتاب ، رغم ان نصف الصحف العراقية والعربية الورقية ، صدقني ، تسرق من قسم ( فلم ) في موقع القصة العراقية والفيل حتى من دون الاشارة الى جهة النقل ، وانا على اطلاع على هذه الصحف جيدا... بدات اعتاد على انتظار رسائل ونصوص ومفاجئات مدهشة من بريدك الالكتروني.
23.3.2006
( مقاربة " عملية " للحلم ) . انها مادة جميلة وساحرة كما هي الاحلام التي تتبعتها بايجاز منذ الاساطير حتى بورخيس. اعتقد ان هذه المادة يمكن لها ان تؤدي الى كتاب ساحر . لقد قرأت بنفس واحد، وفكرت انني بحاجة الى القراءة مرة اخرى ، لكن ليس قبل ان اكتب لك . المدهش في الامر بالنسبة لي هو انني اكتب منذ فترة قصة قصيرة بعنوان ( تشريح قلب ) واليوم جلست في النهار من دون ان اتمكن من اضافة او حذف اي شي قبل ان اقرأ رسالتك ، اقول في مطلع القصة : حقيقة ان كل شيئ يحدث في الدماغ وان القلب مجرد مضخة كارتونية لضخ الدم ، هي حقيقة غير شعرية . هي دليل مناسب فقط للاطباء والمختبرات العلمية. لايمكننا الاستغناء هكذا بسهولة عن اشكال قلوبنا التي ورثناها من الخرافات والحكايات الشعبية والاساطير. ليس من الانصاف ولا من اللائق تفسير اوجاعنا من خلال شبكة الدماغ التي لم تفتح كل شفراتها بعد. على امل ان يعثروا لنا يوما ما على جميع اسرار ينبوع الورم بطريقة طبية باردة. اننا نموت ايها السادة ! دعونا نستمتع بالحديث عن قلوب كسيرة واخرى غليظة. قلوب مائية بشرايين اسفنجية. قلوبنا التي من طين ولعاب. و قلوبهم التي من فضة ، من دون الاستخفاف بهذا النبض المدهش ... ( من مسودة بحاجة الى مراجعة طويلة) شكرا لك على هذه المادة الجميلة والغنية. لقد كان الدخول الاول اكثر من رائع حين بدات من الاسطورة بهذه الطريقة. ثم جاءت تفاصيل الذين حلموا ، بايقاع متسارع جميل ايضا. في الحقيقة انا اعول كثيرا في اي مقال او قصة على الايقاع. كثير من المرات تخليت عن بعض الكتب بسبب الملل، وربما كانت قيّمة. اخشى ان يكون هذا الخلل قد تسلل لي من شغفي بالسينما. اعجبتني الفكرة حول نصف القلب الغربي والشرقي. معك حق في كل ما قلته حول كتاب لغة السلاحف العربية...
26.3.2006
إستيقظت في الصباح الباكر من دون سبب واضح. أنا اصحو متاخرا في ايام الاحد. ليلة البارحة انتهت بمطاردة الفايروسات والقضاء عليها بفضل برامج الحماية. دخلت موقع القصة وبدات اتفحص بعض القصص العراقية من جديد. اعدت قراءة بعض النصوص ثم قرات ما فاتني. وكنت قد اشرت لك باني كنت قد شكوت من تلطيخ او تعذيب الورق كما تعبر انت بدقة . لست من الذين يمكنهم الكتابة عن منجز الاخرين. لانني ببساطة افتقد الى ادوات الناقد. وحتى انني لااشتهي ذلك كثيرا. وتبرير الكتابة على انها مجرد انطباعات هي مجازفة ايضا. فالانطباع لايشفع له ان لم يكن مشحونا بالجرأة والذائقة السليمة. لا اقصد الخوض في تبريرات شعرية. لكن ما يدهشني هذا العقم الدائم .وأجدني اعود واكتب إليك ببساطة عن دهشتي مرة اخرى، فانا لااعرف بالتحديد لم يكتبون بهذه الطريقة ، هل هو نقص في المخيلة ، في القراءة والاطلاع ، هل هي جرأة في الوقاحة ! اخبرتك انني كتبت من قبل كلمة قصيرة. احببت الان ان اقتطف لك منها بعض الهموم ، رغم انه لا يمكنني ان ادعي انني اكتب افضل بكثير من الذين اتهم ! لم اللغة سلحفاتية الى هذا الحد ، ولم المخيلات مريضة ! للذائقة النقدية العربية شحنة من الاوهام اصبحت عكازا لكاتب القصة والرواية والمتلقي في آن واحد. اوهام اتخذت طابع ( الشعار) والذي تتأسس عليه غالبية منافذ العيش في العالم العربي. التيه والتخبط تحت يافطات بعناوين عريضة هي اقرب لعناوين شواهد القبور. فالميت على سبيل المثال يكون من المضحك التعامل معه على كونه ( كائنا ) نعرفه ، يرقد الان في القبر الذي يحمل اسمه وتاريخ مجئيه وعودته. فالميت الان هو واقع متعدد الابعاد يهبط في اوعية زمنية هلامية. لهذا اصبح مجهولا منذ ان دخل عتمة الزمن. ومن المضحك التعامل مع ( الشعارات ) التي وضعت للقصة وكاتب القصة في العالم العربي على انها دليل سياحي للقصة والرواية. فهناك على الاغلب مسميات او دعني اقول رغبات متمارضة في تعريف القصة ( التي يريدون ). صدقني ان هذه الافكار مازالت سارية المفعول حتى يومنا هذا : القصة الخالصة هي قصة واقعية تتحرك وتتوغل في بيئة محلية واقعية حسب الازياء التي فصلت للواقع. وكأن هذا الواقع، الذي يتحدثون عنه هو واقع واقعي الى هذا الحد ، وليس تشظيا مرعبا ودهليزا لاضوء في نهايته. دهليز كل انعطافة فيه تؤدي الى دهليز هو اليأس بعينه . خذ على سبيل المثال قصة ورواية فؤاد التكرلي. صحيح ان التكرلي ينجز نصا بمواصفات فنية رائعة. لكن نصوصه تفتقر الى العمق والفزع. فهو كمن يسير في دروب معبدة نظيفة ومضاءة جيدا. لا كمن يسير في دروب موحشة وفي يده اخر عود ثقاب مشتعل. حبكة جيدة وشخصيات غارقة في تفاصيل لاتقود بالنتيجة الى الفزع او الغوص اسفل المتاهة ، ودعني اتجنى واقول، انها لا تثير حتى سؤالا بل تصل عادة ً الى نهايات سينمائية متواضعة. لهذا يطوف معظم الذين مازالوا يشتغلون في منطقة قريبة من التكرلي ، باصرار غريب حول كعبة الواقع وبطماننية خاشعة. لكننا على الاقل نعرف ان التكرلي ( فنان ) يجيد الرسم ، اما اولئك الذي فتحوا صالونات الثرثرة ، و بتزكية من الواقع ! فهم يلطخون الورق بقرف نادر. وهناك قصة اخرى تكتب وتعاني من مأزق قريب من مأزق الشعر الذي كتب في ثمانينات العراق على وجه الخصوص. أحاجي فلسفية تسربت من النظريات النقدية. رموز رصت وجمعت من اجل ستر عورة العجز. كلمة نبشت من بالوعة التراث واخرى من الاساطير وثالثة من نظريات النقد. كي تصبح لدينا جملة على هيئة سلسلة مصنوعة من الحجر الميت، وليته بالطبع من ذلك المشع. تلك الهيستيرية في توظيف التراث والاسطورة ومفاهيم اللغة النقدية دفعة واحدة من دون ان تكون هناك دقة في الإنجاز. اما الاتهامات فهي جاهزة على طول الخط. من لايغرف بسطل من بالوعة التراث لا يكتب نصا اصيلا. ومن لا يزرر نصه ب( المحلية ) فهو مقلد اعمى والى اخره من حلول جاهزة واتهامات وشعارات ... اين يا ترى يكمن الخطأ. اكيد أنه توجد استثناءات متفرقة هنا وهناك. انا لا اجد لغاية الان مبررات كافية لهذا التخبط. عذرا على الاطالة في هذه الرسالة. اعرف ان افكاري حول القصة مطروحة ربما في اكثر من مكان ، لكنها مازالت بلا اجابات ومن دون اي محاولة للتصدي وتغيير هذه الدروب التي سدّت بالعفن.
27.3.2006
لا حاجة الى اخبارك بانني ايضا اعتدت بل ادمنت تماما على رسائلك. اما التبغ ، فاخبار الذين توقفوا عن التدخين تمدني في بعض الاحيان بالقوة لانني اعاني من الافراط في التدخين ولا ادري كيف يمكنني ان امتنع عنه. على كل حال قصص المدخنين متشابهة في اغلب الاحيان . لقد اعجبتني حقا هذه المرة مقدمة استاذ زهير لمجموعتك ( ثمار الزقوم ). جاءت هادئة وقريبة من نكهة اشتغالات النصوص. لكن هل تقصد بنشرها ، بانك ستطبعها في كتاب ورقي ام ستكتفي بترتيبها في كتاب داخل موقع القصة ؟ اعتقد انه قد اصبح لديك نصوص رائعة كثيرة ومميزة في موقع القصة، ويمكن ترتيبها وتنزيلها في الموقع بطربقة بعض المواقع، ان لم ترغب في طبعها حاليا على الورق. مثلا لديك كتابات عديدة عن السينما يمكن ايضا جمعها في كتاب وتصميم غلاف لها.

30.3.2006
فيما يخص كتابتي السيناريوهات يحتاج كل شيء الى تنظيم واستثمار الوقت . اكتب كل يوم تقريبا وأنا حاليا مشغول بكتاب/ اكتب فيه : عنك وعن الشعراء والكتاب وعن الاصدقاء والنساء وعن ابطال وقتلى السينما ، عن الملاك والشيطان والمخنث الخ ، لا ادري كيف سيكون شكل الكتاب ، كل ما اعرفه انني اكتب واكتب... لهذا تجدني اخيب كثيرين من الاصدقاء ، بعضها يتعلق بالكتابة عن السينما لمجلة او صحيفة. المشكلة الحقيقية هي في كل هذه السيناريوهات التي تصل الى بريدي من العراق كي أقوم بمراجعتها وإبداء الرأي ، يخيل الي ان الجميع هناك قد اصبح بحاجة الى سيناريو عن الجثث والدم وامريكا ، خاصة وان مثل هذه الافلام تباع بالاف الدولارات على المحطات الفضائية العالمية ، رغم اني بصراحة لا افهم مثل هذه الكتابات والمواضيع ، ويبدو انني تغيرت وصدأت اكثر من اللازم ، فكلما ابديت لهم ملاحظة غضبوا وزعلوا . كلها سيناريوهات غير صالحة للنشر فهي مجرد رؤوس اقلام عن افكار تنقصها الحدة والجرأة...

3.4.2006
استاذي العزيز شكرا على اهتمامك ، ساحاول ان ادبر الامور ، مايحزنني و يخيفني بالفعل خسارة المزيد من الوقت الذي اشتهي ان اقضيه مع القراءة والكتابة . قصتك ( صورة لم تكن بالألوان ) جميلة، وقد اعجبني السطر الاول من القصة كثيرا :( اعد رجل هذه القصة قهوته بالهدوء المعتاد...). اعتقد انه يمكن استنطاق مثل هذه التفاصيل للولوج مرة اخرى الى تلك المناطق التي تبدو للوهلة الاولى انها مكشوفة ، لكنها في الحقيقة تبقى مبهمة مادام الامر يتعلق بهذه الاحاسيس التي لا تهدأ ولا يصيبها الكلل، وهي تتلوى وتزرع سمومها وتبدل جلودها مثل افاعي الكوابيس ... المصيبة حين يحاول بعضهم ان يغلف ( شكوكنا وأوجاعنا ) بورق عتيق ومتوارث، ومن يقدم لنا تفاسيرا على انها آيات مختومة ... كلمات سيوران جميلة ولم اطلع عليها من قبل . عثرت هنا على موقع متواضع لسيوران و قرات مقالا اعجبني.عنوانه: سيوران وثقافة الموت http://www.geocities.com/PlanetCioran/index.html اما ترجمتك لغومبروفتش فهي هدية ثمينة تتيحها للقارئ العربي ، ليت بعضهم يشعر بالخجل حين يطلع على هذه اليوميات الصادقة ، رغم انني اشك حتى بقراءة هؤلاء.
4.4.2006
قرات خبر رحيل الماغوط ، فهو منشور في اكثر من مكان ويبدو انهم كتبوا كثيرا عن الخبر ، هناك ملف في موقع كيكا عن جريدة الحياة . اما بالنسبة لي فأنااكره نفسي هذه الايام لان ني اشعر انني بدات اخيب ظن الناس الذين احب بسبب دوامة من التشتت واليأس. لم اقرا من الماغوط سوى القليل ولم احب شعره في بداية القراءات الاولى ، ولم اعد إليه مرة اخرى ، اشعر بالرعب والخيبة في آن واحد كلما ارى واسمع واصغي الى منجل الموت وهو يصعد وينزل مثل عقاب صارم اتمنى ان يكون الربيع عندكم قد اطل ببعض العذوبة ، يبدو انه سيتاخر عندنا ، مازال البرد في فنلندا غير مقتنع بالرحيل.

18.4.2006
لا ادري ما اقوله لك عن مؤتمر المثقفين بل عن هذه البلاد المفزعة ابدا ! يبدو اننا بامس الحاجة الى معجزة ! كنت في العاصمة السويدية وليس في مالمو . انظر ماالذي سالني عنه مسرحي شاب : انت شيعي ام سني ... اراد ان يتعرف علي . تخيل الان لدينا مثقف ومسرحي وشاعر شاب في البلاد يريد ان يعرف اسمك . لكن قبل ذلك عليك ان تبرز بطاقة الطائفة والعشيرة كي يحدد تعامله معك او كي يستنتج بذكائه الخارق من انت بالتحديد ! ولماذا على سبيل المثال تساند حق الكورد ! او لماذا تقول له : لكن الفلوجة فيها عجوز وشاعر وطفلة تحب مدرستها اكثر من حبك للمسرح واكثر من عشق بيتر بروك للمسرح !
سارسل لك توصيات المؤتمر في ما يخص ورشة السينما.
19.4.2006
قرات مرة في لقاء مع احد كتاب ( الواقعية القذرة ) من كتاب القصة القصيرة في امريكا . كانت احدى زميلاته قد كتبت عنه في كتاب لها. هاجمت قصصه . وحين قرأ القاص الكتاب النقدي وضعه امامه وصوب رصاصة في وسطه ثم ارسل الكتاب النقدي المثقوب برصاصة الى زميلته التي اصيبت بالفزع من هذا السلوك . قال ، على ما اذكر ، من هذا الذي يأتي ويعبث بجثتك كيفما شاء . هذا يشبه كلبا ميتا وسط الشارع تدوسه السيارات المسرعة وهي غير مبالية...


26.4.2006
في الحقيقة ان كل مااشرت اليه في الكلمة عن ( مملكة السرير ) هو من وحي رسائلك واطلاعي المتواصل على نصوصك ومقالاتك وترجماتك ، فكرت بمنح القارئ فرصة ما ، ليتخلى عن الآيات الواقعية التي صبت في دماغه. ففي حديث مع بعض الاصدقاء/ القراء ، في مناسبة واخرى حول نصوصك القصصية . كانوا يحبون النصوص، ويعترضون على مايسمونه ( فلسفة زائدة ) . حاولت قدر المستطاع في مسودة الكلمة ان احرك مثل هذه الملاحظات التي تكررت، واعتقد ان هناك اسبابا عديدة تقف وراء مثل هذه الاحكام ، من ابرزها غياب النقد واقتصاره على بعض النقادالذين عمدوا الى ترويج مثل هذه الكتابات التي يشتهيها القارئ. اما القصور الذي اعتقده في الكلمة، فمرده هذا الاحساس بأني لم اعتد الكتابة عن النصوص التي احب. شكرا على كلماتك الجميلة ، سارسل لك النسخة النهائية قريبا.


30.4.2006
شكرا على فسحة الجمال مع اصدقائك الروحيين : بورخيس وسيوران وغومبروفتش ، وها انت تحرضني على صديق اخر لايقل ابداعا هو خوان ميرو. بالطبع لم انس هنري ميللر . بالمناسبة قد يبدو من الصعب او الغريب للوهلة الاولى ان اجمع بين ميللر وبورخيس في طريق واحد ، فلو نظرت من الشرفة لاعتقدت ان كل واحد منهما يسير عكس إتجاه الثاني. لكني اشعر في بعض الاحيان ان ميللر وبورخيس يلقتيان في نصوصك القصصية ويسيران سوية جنبا الى جنب بكل يسر وشفافية. ... كنت اشبه سيوران بطائر البوم حسب تعريف ابو حيان التوحيدي في كتاب الامتاع والمؤانسة ، بل ان تعريف البوم بهذه الطريقة ينطبق على الكثير من المصابين بفايروسات اليأس. وكنت قد كتبت بعض السطور في هنغاريا في تلك الليالي التي تسببت في مطاردتي لكل ماترجم عن سيوران من وحي وصف طائر البوم ... وهي سطور ظلت مرتبكة او انني لم اتمكن من اكمالها او صبها في شكل معين ، ارسلها اليك مع هذه الرسالة مرفقة بالمحبة والسلام
في ليلته العاشرة يصف ابو حيان التوحيدي في الأمتاع والمؤانسة طائر البوم وكأنه يلخص حياتي : ( البوم : مأوآه ومحله الخراب، يوافقه الليل، لانه بالليل بصير وبالنهار كليل، مع حبه للتوحد والخلوة بنفسه ، وبينه وبين الغربان عداوة ما تنقضي ) أنا ادعي النسيان خوفا على ماتبقى مني. الساعة بلا حراك في الثانية عشرة وخمس دقائق. مع ان ضوء الفجر يمتزج ببطء في زجاج النافذة المتسخة. ربما توقفت الساعة نهار البارحة او ليلا قبل يومين او قبل ان تمرض. في الثانية والثلاثين من عمري ارقد هذه اللحظة وحيدا في شقة صغيرة بعيدة كل البعد عن الاشخاص الذين مازالوا يتذكرونني. في الصورة التي تلطخت بالمني، امرأة زنجية عارية، تفرك بظرها بأصبعها وتفتح فمها مثل سمكة مرعوبة. غسلت زبي في مغسلة المطبخ. وبيني وبين الماضي عداوة لا تنقضي. في الثالثة والثلاثين. فجرا. في الثانية عشرة وخمس دقائق على الحائط. الان. وحيدا. اكتب قصيدة خالية من الشعر. اكتب هيكلها العظمي. اخرج المني لئلا يفسد،. اعد فطوري. بيضة غراب وقهوة. سأشتري غدا للحاضر بطارية جديدة ! الشمس تصعد. ظلام يهبط.


11.6.2006

استاذي العزيز
في الحقيقة أنا اقف الى جانبك تماما في الحاجة الى فيلم روائي. منذ زمن وانا اتابع عن قرب اصدقائي والتجارب الشابة في الداخل. غالبما يبعثون سيناريوهات افلامهم القصيرة .للقراءة قبل ان يشتغلوا عليها .فهناك الان فرصة لا بأس بها للاشتغال في مجال الفيلم القصير والوثائقي والتجريبي بفضل توفر الكاميرات رخيصة الثمن نسبيا واطلاع الاصدقاء هناك الان على تجارب مميزة عالمية في سينما ( الفيديو) الجديدة ، فهناك اهتمام واضح من جانب المهرجانات والكتاب. وتتوفر الان للجيل الشاب فرصة لتسويق اعمالهم من خلال كل ( تجار الحروب والأزمات ) من محطات فضائية وشركات صغيرة اخرى عراقية واجنبية .. طبعا لا يعول على هذه الشركات والمحطات كثيرا .. لكن يمكن القول انها خلقت فرصة العمل على الارض للشباب وهذا ماكنا نحلم به لفترة طويلة . فالكتابة بالكاميرا كما تعلم تحتاج الى خبرة عملية متواصلة حاولت ان اطرح افكار كانت تلازمني منذ زمن . لعلها تساهم في وبوصلة ما. و بدل ان ينساقوا للعبة الفضائيات التجارية. تصوّر ِ افلام منجزة بهذه الطريقة : امراة تتسوق . طفل في الشارع يبكي . رجل يشكو للكاميرا . شارع .محلات تبيع الفواكه. وماذا بعد. بفترة قياسية اصبح لكل شاب خمسة او ستة افلام . من دون ان يكون هناك اي فيلم في الحقيقة. هم هناك يشعرون بحاجة ماسة للتعامل مع الواقع لكن وفق اي اسلوب ؟ ما جدوى ان يشتغل الواحد منهم نسخة مرتبكة عن فيلم تجريبي فرنسي هو مزيج من الالوان المبهمة. بالطبع هي افكار بصوت مسموع . او كما لوأنها ملاحظات شخصية موجهة لي قبل العودة في نهاية هذا العام الى البلاد . ولنر ما يمكن ان نفعله على ارض الواقع المفزع هناك. ..... الكتابة لم تكتمل بعد . وهناك مشاهد اخرى اتمنى ان تتضح فيها الصورة بطريقة ادق. كنت قد كتبت بضع ملاحظات في المقهى عن قصة لك قرأتها موخرا ( المشي صوب نهاية العالم) سأرسلها اليك.

13.6.2006
منذ أن وصلت قصتك ( البرغشة ) وانا اعيش معها بطريقة غربية. لقد احببتها جدا. انها من اجمل النصوص التي قرأتها مؤخرا . لقد سكنتني مثل روايتك الجميلة ( ترس السلحفاة). حملت البرغشة معي الى المقهى والحديقة والبيت وقرأت وقرأت ووجدت نفسي ( لكن عليك ان تسامحني ) اكتبها الى سيناريو قصير اقول تسامحني لانني عبثت بها بطريقة كاتب السيناريو ... تلك الرغبة الطفولية. سارسلها لك من عنواني على الهوتميل لكنك ستجد بدل البرغشة أشياء ا أخرى! النسخة التي سابعثها هي مسودة اولى وغير منقحة. فقط اردت موافقتك على ان اشتغل عليها بطريقتي التي ستشاهدها في السيناريو. وانا ساتقبل اي ملاحظة ، حتى عدم موافقتك ، بكل حب وثقة. وفي حالة موافقتك فقد أكون واهما انه لا يمكن لاحد سواي ان يشتغل في هذه القصة القصيرة الى السينما ان ماقدر لها ذلك. فأنا لست متأكدا من ان من يقرأ السيناريو سيتمكن من مشاهدة ما اراه الان في شاشة مخيلتي . وقد يكون سبب العجز عن الإيصال هوالسيناريو الذي كتبت. فأنا اراها ولا حاجة حتى الى كتابتها.
19.6.2006

قرأت أنك ترجمت قصة بورخيس ( مكتبة بابل ) لكنني لم اجدها في ( القصة العراقية ). لدي فضول لقراءة القصة بترجمتك . تعجبني هذه القصة كثيرا . كتابه الجميل ( الالف ) لا يفارق حقيبيتي حين اتسكع في الحدائق العامة للقراءة. هو مجموعة من نصوص الساحر بورخيس ومن ضمنها قصة مكتبة بابل بترجمة محمد ابو العطا والكثير من النصوص الجميلة مثل نص الاطلال الدائرية وحديقة الطرق المتشعبة والاف والحقير والاخر والبرلمان ونصوص اخرى هي اكثر من رائعة.

19.6.2006
نعم. لقد احسست بتلك الظلال من بورخيس لكن أنت لا تفقد صلتك بالواقع نصوص بورخيس لم تحدث في الواقع بينما نصوصك ربما حدثت وربما لا. انتهيت من التصوير . لكنني دهشت حين وجدت ان عملية المونتاج لن تتم الى مع بداية العام القادم . يقولون هكذا هي حجوزات التلفزيون ولأن الفنلندي يكاد لا يعمل في فترة الصيف . فهو يعتبر ظهور الشمس بمثابة العيد ، وفعلا هناك اعياد ترتبط ببزوغ شمس الصيف. .... غدا سيصل صديقي السينمائي عدي رشيد الى فنلندا في زيارة لي بعد ان شارك فيلمه قبل ايام في مهرجان روتردام . انا سعيد بذلك فهو اول انسان سالتقيه من داخل العراق منذ ان هربت من هناك ..اضافة الى انه اكثر من صديق ..وهو يريد ان يناقش معي موضوع عودتي الى العراق فهو اعلم بما يحدث على الارض ... صحيح ، علي ان انتبه الى صحتي . فانا اعاني هنا كثيرا. وحين تلتقي بي ستجدني في كل مرة وكأنني خارج للتو من قتال طويل ...

ليست هناك تعليقات: