الأحد، 6 أبريل 2008

رسائلي العارية الى حسن بلاسم ... 1




عدنان المبارك


رسائلي الى حسن بلاسم تحولت الى عادة شبه يومية تأتيني بقدر مرض من الإنسجام الداخلي وتلك القناعة التي يغنمها الإنسان حين يجد من يستمع إليه و يفهمه. والشيء نفسه يحصل ، كما أيقنت ، لدى حسن . فالغرض من المراسلات بين كاتبين أن يضيء ، وكل على طريقته ، ( دهاليز ) الذات و التي ليس من المستبعد أن تلتقي... أكيد أن تأريخ عقود من زمني يقف بيننا نحن الإثنين ، لكني لم أشعر البتة بأنه نوع من تحجيم الصلة الودية والتفاهم . وحسن يشعر أيضا بأن هذا القدر غير الصغير من الزمن لايعيق إضاءة تلك الدهاليز ... حسن فنان أصيل للكلمة. وهي عنده نسيج مدّمى بل جسد لاينقطع عن الإعلان التراجيدي بأنه الضحية الدائمة لعبثيات الزمكان البشري منذ خروج النطفة الأولى للحياة قبل ملياردات السنين... وفي خلقه الكتابي ذي الطاقة البيولوجية المتفجرة وجدت دائما أن هذا الفنان يتكلم بلغة أخرى لم تألفها الأذن المحتشمة ولا اللسان الذي صقل نعومته الزائفة أكثر من تراث حصل بعدها تحنيطه الماهر لكن ليس من دون غباء . وحتى سكين حسن التي يشق بها دمامل الواقع العراقي وغيره تبدو لي ذات جمال آخر غير الذي إعتادت أجيال على التعايش معه. ببساطة تذكرنا كتابات حسن بأن للجمال أكثر من تعريف واحد و أنه أمر طبيعي للغاية أن يأتينا جمال الكلمة ، وليس الكلمة وحدها ، من أكثر من ( قاع ) بشري ووجودي. فهنا نجد أنفسنا بمواجهة جمال إستل من قبح وشراسة الحياة و الوجود وسفالات التأريخ. أنا أفهم جيدا سعي حسن ،وهو هاجس محموم ، الى تفادي كل خداع للنفس و الإنسان الآخر ، فمحن الحياة و إشكاليات الوجود و كل هذا الظلام الذي يلف العقل حين يجابه ألغاز العالم لايريد حسن تهميشها من أجل التمركز التقليدي والمقولب في ممارسات الواقع المألوف. فكرامته كفنان لا تسمح بذلك. أملي أن تقود هذه الرسائل الى تلك الدهاليز ، دهاليز الذات ، بكل أمانة...

2 كانون الثاني 2007

غالبما أفكر بهذا الزحف الإسلاموي النياندرتالي. وفي بلدان مثل العراق ولبنان سيتحول من دون شك الى ( طاعون ) كاموي. فأصحاب اللحى ( أكيد أنها مصبوغة ومعطرة بمستحضرات " الصليبيين " ) يرفعون بكل صفاقة الشعار القديم المشؤوم ( إما كل شيء وإما لاشيء ). هم حذفوا من عقولهم وقلوبهم خيارات مثل إبقاء هوامش لأقليات فكرية أوأثنية ( غير خطرة ) أوعقد هدنات مع البشر الآخرين. أبدا ، فأشياء من هذا القبيل هي هرطقة لاتستحق إلا الرجم. والآن لتنزل رحمة ما من سماء ما على روح نوري السعيد الذي كان إمتيازه الوحيد أن يقطرمعمل مُسيّح عرقا خصوصيا له آنذاك ! ( عميل الإنكليز ) هذا لم يسرق دينارا واحدا من خزينة الدولة ، ومعروفة قصته مع المصرف العقاري الذي رفض ، في البداية ، منحه قرضا ! نعم ، نحن نعيش في زمن عجيب راجت فيه كل أصناف العملات الرديئة ، زمن السحالى التي وجدت نفسها بمثل هذه الضخامة لكونها تنتمي الى جنس الدناصير التي لاتهم أحدا هناك حقيقة إنقراضها...


3 كانون الثاني

البارحة إنشغلت بمراجعة رسائلك وإختيار بعضها لكتابة اليوميات. إنها حصيلة ثرة حقا. إمتزجت فيّ مشاعر الغبطة بالأخرى التي نشعر بها حين يسحبنا الزمن عنوة في ما يسمى بالحاضر الأبدي. ربما الحال ليست هكذا ولم يحن الوقت للأخذ بما دوّنه دا فنشي في دفتر ملاحظاته : ( ليس على الإنسان أن يطمح في المحال ). أنا أشعر، مثله ، بتقدم العمر ، إلا أن فكرة الموت لا تثير قلقي بعد. لا أسمح لنفسي ب( إختصار المسافة ) لسبب بسيط : ثمة أعمال تنتظر التنفيذ. لكن لا أعرف كيف ومتى. في الحقيقة يكون كامل العذاب مع ال( كيف ) القاسية مثل ميدوزا. ربما حفزت هذه الميلانخوليا تلك الصفحات التي كتبها ساباتو عن دافنشي في ( معالجات في الأدب ) حيث جاءنا الصديق الأرجنتيني بذلك التعريف الفذ للجسد : سجن الوجود والإمكانية الوحيدة لكينونته أيضا.


4كانون الثاني

بريد الموقع يكتظ كل يوم ، عدا الإعلانات السقيمة ، برسائل الى موقع إسمه ( القصة السورية ) صار منذ إزهاق أنفاس صدام ساحة لطم ونحيب. الموقع متوقف عن النشرالآن لمدة أسبوعين كما أظن ، لكن رسائل الوله المتبادل بين أيتام الدكتاتور هي كالسيل الزبى ! وما زاد من الإشمئزاز أن معظم الناحبين ، و بينهم لطامات من المحيط الى الخليج ، يخاطب أحدهم الآخر بالروائي البديع والكاتب اللامع والشاعر العربي الكبير. أكيد أنه ليس سيركا ، ففي هذا جهد وصنعة وإتقان وتحريض على الضحك الصافي ، بل هو مزبلة بشرية حقيقية. 7 كانون الثاني عدتُ اليوم الى صحبة فيليب لاركن الذي يذكرني في أبعاد معينة بعزيزنا هنري ميللر. أشعاره ، وقصصه التي لم تكن كثيرة بل بضع، ربما ثلاث ، تيار من الصدمات الكهربائية ...
7 كانون الثاني
منذ بضعة ايام أكتب في قصة. أشعر بإحباط معيّن مرده الى أني أكررأحد الهياكل التقليدية في قصصي : سوح قانط بين البشر ورموزهم المادية. لا أتذكر الآن من الذي قال بأن الفنان ينجز عملا واحدا فقط. فأعماله الأخرى هي ، في الجوهر ، بل في واقع الحال ، ( تكرار ) لما جاء به عمله الأول ، وما يتبدل هو المظهر الخارجي من أصوات وكلمات ومشاهد وتكوينات إلخ. لدي رغبة في أن أستمع الى ما لديك لقوله بهذا الصدد ، وأكيد أن هذا سيعمل على دحر ذلك الإحباط.


8 كانون الثاني

كلماتك عن القصة غير المنتهية ثمينة حقا. يدهشني أن القلم صار أطوع من بنانك ! فقطعتك الشعرية أنا قادر على درجها بين لاليء أعزائنا وخاصة السورياليين منهم ( أعترف بأني لا أرتوي أبدا من هذا البئر رغم أنني لا أعرف موقعه بالضبط ...). ظلٌّ سيورانيٌّ رقيق تلفه كالعادة تلك الكآبة الحكيمة. عاشت إيدك. أفكر بمواصلة الكتابة في هذه القصة على ضوء ملاحظاتك الذكية ، كذلك إختيار نص للترجمة من أحد أصدقائنا. أنا أتردد كثيرا عند ترجمة بورخيس خشية حصول تكرار، والشيء نفسه مع سيوران. أكيد أن المترجم العربي لم يقترب ، ولو نادرا ، من غومبروفتش. لدي كل أعماله تقريبا. أعتقد أن التفرغ لترجمته عمل مناسب وأكثر فائدة من ترجمة أخرى عدا ترجمة كيركيغورد !


15 كانون الثاني

ومن يعرف أسرار الذاكرة ! أكيد أن ما كتبته أنت عن لعبة التظاهر بالموت عند الشعراء والخنافس قد دخل ذاكرتي وإنزوى في ركن تطوّع التراب بتغطيته. في الطبيعة هناك ما يسمى بستراتيجيات الحماية وألوانها. وهنا تبز الحيوانات ، كبيرها وصغيرها ، أخاها العاقل... آمل أن ُتسمعني ملاحظاتك عن قصتي ( لعبة التظاهر بالموت ).


19 كانون الثاني

داهمتني ( حمى ) جديدة إلا أن فايروسها من النوع المقدّس : قراءة كيركيغورد ( المرض حتى الموت ) مرة اخرى ، عودة الى سيوران أيضا ، كتابة قصة جديدة إستيقظت بسببها في الساعة الثالثة ليلا ! أتمنى بالطبع ان تتحول قهوة الصباح الى ذلك االطعام السحري لآلهة اليونان ( أمبروزيا كانت طعاما مقصورا على الآلهة لكن قد تستطيع يا حسن ان تسرقه لنا ، فحينها سنكسب اللاموت- الخلود ! هناك نكتار ( الرحيق - الكوثر - السلسبيل ...) شراب الآلهة الذي تغنى به هوميروس في أوديساه ( تكلم أيضا عن إيخور ذاك السائل الأثيري الذي كان يجري بدل الدماء في عروق الالهة ). وأظنك سمعت بما يسمى بالضحكة الهوميروسية التي أحنُّ إليها من وقت الى آخر : ضحكة عنيفة لا يكبح جماحها أيّ شيء لكنها قلبية ! لا أعرف لم تذكرت كل هذه الهوميروسيات وهذه الضحكة التي أسماها أيضا بالتي لم يطفأ عطشها. وهل تعرف بأن تفاعلات الداخل هي أخطر ما يجري في الكون ، إذ ليست هناك أيّ جهة ، لا بشرية ولا ربانية ، تفك هذه الألغاز. ببساطة يكون الفاعل هنا مجهول...
20 كانون الثاني

منذ يومين أكتب في قصة أعترف بأن من يقود خطوتي فيها هو المجري الرائع بيلا هامفوش. أنا مازلت تحت تأثير روايته الفذة ( كرنفال ). وكلي إستغراب من عدم إلتفات علماء الأدب ومؤرخيه ونقاده الى إبتكاراته الطلائعية في هذه الرواية. وإذا جاءني إنتصار معقول على الوقت فقد أنتهي من القصة خلال بضعة أيام.
27 كانون ثاني

بدأت بترجمة مسرحية غومبروفتش ( إيفون أميرة بورغوندي ). في الأخير وجدت أن من الواجب نقل أعماله الى العربية طالما لا أحد قد إقترب منه لغاية الآن وعلى أكبر ظن. بعدها سأترجم المسرحية الثانية ( الزواج ) أو ( الزفاف ). أنت تعرف ذلك الكتاب القديم لكولن ولسن - قنبلة الموسم في الخمسينات ( اللامنتمي - ذي أوتسايدر ) . لا أعرف لماذا نسي ولسن صديقنا البولندي الكبيرهذا... عدا ذلك قرأت من جديد ( حرب نهاية العالم ) ليوسا وبضعة نقود مكرسة لها. هل تعرف أن ساحر يوسا الوحيد كان تولستوي ؟ هكذا الحال دائما : كل من يدخل مختبر الروسي يخرج بغنيمة ملموسة !
1 شباط

أقرأ من جديد ( أليس في بلاد العجائب ). إنه الكتاب الذي سبق ( سهر فينيغينز ) الجويسي. فكلا الكتابين تحليل باهر للعقل الغارق في الحلم. وفي الإثنين يكون علم النحو متوجها صوب الحلم وإيقاعه - ذاك التغلغل أو التسرب والتباطؤ والتكرار والتبدل الفجائي للوتيرة ثم الرتابة و فيما بعد خطف نتف ٍ من هذه الرؤية وتلك. والمدهش أن كل هذا يخص الحدث واللغة على السواء. مفهوم أن هذه ( الغيرية ) في العلاقة مع العالم إثناء اليقظة لا تقتصر ، بالتأكيد ، على تلك القضايا الخارجية. وهكذا فمن ضمن أكبر أحوال الفضول البشري معرفة ألغاز الحلم ولماذا ينشأ مثل هذا النسق الذي يملك منطقه الخاص ، ومن أين هذه السلسلة من الأسباب والنتائج التي تخرج عن سيطرة الحالم ، وعلى حد تعبير أليس : يصعب علي قليلا أن أفهم ... تبرز فكرة ... لكن لا أعرف بالضبط ماهي !


3 شباط

أتفق مع بعضهم أن لاشيء في السياسة غير الوحل والقتل وسوق نخاسة وأكثر من طابق من جحيم دانتي. من ناحية أخرى أتفق معك بأن لا أحد قد حرك ويحرك ساكنا أمام كل هذه المذابح. واضح أن الضجة كبيرة حول ملالي إيران الذين يستغلون كثيرا الخط الأحمر - خط التهديد بالحرب وإشعالها من جانب الأميركان. لكن وجود شيطان لا يعني عدم وجود آخر أوأكثر. والأميركان قد يستولون على نفطنا ويعززون القلعة الإسرائيلية أكثر لكنهم في كل الأحوال لن يعودوا بنا الى القرون الوسطى. بالطبع ليس أمامنا مثل هذا الخيار : إما أن نكون أوغادا لمصلحة الأميركان وإما لولاية الفقيه. أكيد أنك لمست إشمئزازي من السياسة والذي أحاول طرده بالأخذ بالمواقف العامة ، الأساسية ، التي أعمل فيها إستثناءا حين آخذ بمسطرة اللونين الأسود والأبيض...


4 شباط

الوقت يحاصرني بقسوة. كم هناك من الخطط في الرأس لكن عدونا في منتهى الصرامة : يظل مصّرا على أن يبقى اليوم 24 ساعة فقط ! أخذت أكتب في قصة جديدة وأترجم غومبروفتش بالتناوب ! قراءاتي فقيرة في الآونة الأخيرة. قد يكون السبب أن لدي تصورا آخر عن الوقت ، والأكيد أنه يشكو من الإنحراف ! ثمة جاذب قوي عندي منذ فترة الى قراءة الكتب القديمة : أليس كارول لويس ، محاكمة كافكا ، واليوم إنتهيت من قراءة الفصل المكرس لكاليغولا من كتاب سفيتنيوس عن قياصرة روما. كتاب شيّق وفيه ألف درس ودرس لمعاصرتنا ! هناك أيضا رواية وليم غولدنغ الفذة ( الورثة ) عن بشر ما قبل التأريخ. تقنيته الروائية باهرة عندما يكشف ، وبتلك الصور المجازية ، عن أحوال ضعف الإنسان وحضارتنا المعاصرة. هناك رائعته ( سيّد الذباب ) التي أدرجوها في صنف ( ضد اليوتوبيا ). للأسف لم أشاهد الفلم المعتمد عليها. أنا متأخر كثيرا إذا خص الأمر اللحاق بسينما اليوم .
6 شباط

أتقدم مع القصة الجديدة وفق المقولة اللينينية : خطوتان الى الوراء خطوة الى الأمام ! لكن العمل مرض ٍ عموما. شاهدت البارحة فلما تشيكوسلوفاكيا قديما . يا لها من متعة حين تشاهد أعمالا فنية حقيقية ! ثلاثة من كبار المخرجين ، بينهم يجي منتسيل ، نقلوا ثلاث جواهر من أدب بوهوميل هرابال صاحب رواية ( قطارات تحت حراسة مشددة ) التي حوّلها منتسيل الى جوهرة سينمائية أيضا. هناك روايته الفولتيرية ( خدمتُ ملك إنكلترا).هرابال يواجه العبث برصد المفارقات اليومية والكشف ، لكن المليء بمزيج من الشفقة والمحبة ، لبؤس الإنسان ، الروحي بشكل خاص.
9 شباط

ها قد إعتدت على الكلمات الجميلة لرسائلك التي تتكلم خاصة عما ( نفعله ) حقا... وهذا يضاعف غبطتي بل إفتخاري أن لي قارئا مثلك. صحيح أن الكلام عن الحلم والكتابة هما من إختياراتي المتكررة. وأكيد أن للعمر وكوابيس اليقظة إسهاما ملحوظا في أن أكتب بهذه الصورة المباشرة عما يقض مضجعي كما يقال. أفكر أحيانا بأن مثل هذا الطرح المباشر قد يثير الشبهة بأني أبحث عن السهولة التقنية. ربما هي شبهة واردة. لا أدري. فكما تعرف لحرية اليوم في الكتابة ، وصارت خرافية حقا ، مغريات كثيرة. أنا مدرك لوضعك ، كسينمائي ، في فنلندا ، فالمخاطر كثيرة ولأن البشر هم البشر في كل مكان فيما يتعلق بالدوافع والذهنيات وموازين المصالح. أما كلامك عن الفلم التجريبي في الظروف الفنلندية فله بالطبع مزالق عدة ، ومعظمها تتعلق بالجوانب المادية أو المالية. رأيي أن يكون سعيك الرئيسي العثور على مكان في الساحة كما نقول وبعدها ستتوفر لديك بحكم آلياتها ، فرص إختيار هذا العمل أو ذاك.
15 شباط

كل شيء عندي أبطأ في وتيرته. خشيتي أن يدخل الإضطراب على بعض العادات الجيدة مثل القراءة والكتابة المنتظمتين... أكتب الآن في قصة من واقعي الدنماركي. لا أعرف هل سيحالفني التوفيق الى النهاية. أترجم غومبروفتش بنفس الوتيرة أيضا. كما أخبرتك مرة بأني لا استطيع ترك رفقة بعض الكتاب الأقرب الى النفس. البارحة دخلت النت بحثا عن ريادة بورخيس في ما يسمى الآن بفوق النص hypertext . ذكرني كاتبٌ بحارس المكتبة الأعمى في ( إسم الوردة ) لإيكو. وهذا الكاتب يقسم بأنه بورخيس لا غيره وإلا من أين أخذ أمبرتو فكرة المكتبة وإذا لم تكن هي ( مكتبة بابل ) ؟!
18 شباط

توفر البارحة قدر أكبر من الوقت والهدوء. وأقصد هنا الهدوء الخارجي. فالداخلي أصبح من زمان ، رابع المستحيلات والذي يعزز موقعه ما يحدث في البلد خاصة. أما باقي العالم فمحكوم عليه وقبل زمن قابيل ، بأتفه ضياع... أقول : توفر هذان الإثنان كي أكمل بعض ما بدأت به ، أقصد بالضبط تلك القصة ( الدنماركية ) التي عاملتها الى حد ما كفترة إستراحة قد تكون شبيهة بتلك في دور السينما عندنا ! قد أكون هنا مثل الصديق فؤاد والذي يجد بعض قصصه ( الخفيفة ) مجرد ترويح عن النفس أثناء القيظ ! أما أنا فبمقدوري إستبدال القيظ بهجمة شتاء الشمال !
21 شباط

أخبارك طيبة : مشروع كتاب جديد ، كتابة نص عن صديقك الراحل كورش ، قراءة ساباتو في أحد أروع مؤلفاته ، مكان آخر دائم تحت الشمس : مقهى " إيقاع "... لا أعرف ، أنت توشك على إجتياز إحدى بوابات السعادة الأرضية ! أصبح الآن طقس هذا اليوم غضبة أخرى للرب. لم أفعل الكثيرعدا قراءة بورخيس من جديد ! : " تأريخ الأبدية ، " يانصيب في بابل " ،" فن السرد والسحر ". بالطبع جاءني عجوزنا الساحر بالكثير من الهدوء الداخلي الذي يحتاجه كل معذب على الأرض ...
24 شباط

أظنك ما زلت مبكرا على النهوض وقهوة الصباح ! أما أنا فكعادتي أنهض مع صياح الديكة أو كما يقول صديقي الراحل نزار عباس بأني طير الصباح. من المحتمل جدا أن يحصل فيّ تحوّل ، لكن غير كافكوي ! ، وأنتقل الى عالم الطيور... البارحة واليوم عدت الى سيوران. قراءاتي لا تخلو من الفوضى التي يدفعني اليها عزيزنا بنفسه ! فأنت تستطيع قراءته حين تغمض عينيك وتفتح لا على التعيين أي على الطريقة الدادائية ! ، كتابا له...
5 اذار

أنا أعرف مشاعرك تجاهي، كما تعرف تقديري وإعتزازي بك كفنان وإنسان. ولولاك وبقية الفنانين الحقيقيين ذوي القلوب الكبيرة لما وجدتني أيضا في موقع ( القصة العراقية ). فأنا مثلك أدور في هذا الزمكان بسبب رعب الوجود.


6 اذار

إنتهيت اليوم من كتابة القصة المرفقة. سترى بأني لا أبتعد عن نهج بعض القصص السابقة. وقد يعود هذا الى رغبة خفية في الإبتعاد عن السرد التقليدي ، وأنا لاحظتها في عدد ليس بالصغير من نصوصك أيضا. أكيد أن دافعي هو تجريبي. وإذا كان في هذه القصة أثر للسرد فهو يعني ، بلا شك ، بأني لم أغادر نهائيا قطار القصة القديم ! 8 اذار القراءة ... القراءة ... هذا المرهم المضمون الذي يدهن مفاصل حياتنا كي نحول دون تراكم الصدأ الذي يجلبه لنا اليومي. أعترف بأني أحسدك على إصرارك على القراءة. فأنا قد هيمن عليّ هاجس الكتابة : أخذت تميل كفتها ليل نهار. إنه هاجس ذو إملاء وآمرية لا أستطيع مراوغتهما. ويقوى الهاجس حين ينشأ دافع معيّن الى الكتابة ، أو بالأحرى تكرارها ، عن هذه الحمى التي تنتشر في هذا الجسم الهش أو تلك. منذ يومين عدتُ الى سيوران ُمقادا ً بإحساس غريب كما لو أني أريد كتابة وصيتي الأخيرة المعنونة ، بالفعل ، الى هذا الروماني الذي كان قد أدمن على الإيمان في اللاإيمان. أنا على يقين من أنه لما أصبح سيوراننا لو لم يكن ذلك الأرق " إلإلهي " الذي جاب معه طرق تلك المدينة ... سأبعث إليك بسيوران حال الإنتهاء من كتابته. أنا أشعر أيضا بسعادة تكاد تكون طفلية حين أكتب عن " رفاق السلاح " أمثال سيوران وبورخيس وبرغمان وميللر وكيركيغورد وكافكا وغيرهم من الذين فضلوا جحيمهم على جنة للخلد هي مجهولة في الأساس ...


13 اذار

اليوم وصلت الى غوغل العربي ووجدت القليل فقط عن سيوران .لا أعرف ، فقد يكون معروفا أكثر في مواقع لم يصلها غوغل بعد. رغم كل شيء أثارت هذه الحال الغمّ في النفس : أن يلقى هذا الكاتب والمفكر مثل هذا اللاإكتراث في أوطان إبن عربي والمعري والحلاج والتوحيدي وأخوان الصفا والمعتزلة ورابعة العدوية وعمالقة الشعر الجاهلي. أعود الى ( سيزيفية ) النشر العربي : صديقنا ( ز ) ، وهو شاطر ومتمكن جدا في قضايا العلاقات العامة ، لدغوه أكثر من مرة في أحراش النشر ! ونتاجات مثل نتاجاتك تبقى خارج إهتمامات الناشرين ( المحترفين ) ، ولايبقى أمامنا أحد غير( المغامرين ) و( الخارجين على بيت الطاعة )...


14 اذار

مع الرسالة قصة قصيرة ( كم بودي أن أسميها : فوق نصية ! ) أنتهيت من كتابتها هذا المساء بعد أن بقيت تتفاعل في الرأس حوالي الأسبوع ! عملتُ ، وبطاقة إبن العشرين ، في الرسوم والصورالمرفقة. أعترف بأن متعة العمل هنا تنافس متعة الكتابة ( المفروض أن أضع المتعة الثانية بين هلالين ، ومن باب السخرية . ففي الكتابة لاشيء غير اللاإرتواء والغيظ من أن اللغة تتحول بكل سهولة وخبث الى قلعة منيعة ! ). أرجو أن يأتي عملي هذا بشيء من المتعة فأنا لا أطمح بكثيرمنها...
16 اذار

بالطبع هناك شكايتي الأزلية من حصار الوقت. كانت نيتي مواصلة ترجمة غومبروفتش والقيام بجولة أطول في النت لكن الحصار كان شديدا ولم أفعل الكثير. قراءات متفرقة وكلها في دائرة الميثولوجيات. عملت غلافا لمجموعتي القصصية القادمة !


1 نيسان

أكيد أن الفلوس لا تجلب السعادة لكن كل لعنتها في أنها ضرورية ... بالنسبة للطبع في فنلندا لاشك أنه يكلف كثيرا شأن الحال في كل بلدان الغرب وحتى شرق أوربا التي أخذت تتكيف ل( الغلاء الغربي ). ورغم أننا نعيش خارج بلدان العرب إلا أن تلك السلسلة غيرالمرئية تشدنا ، بالمعنى السلبي بالطبع. و إذا لم نقم علاقات متينة وفق مبدأ المنفعة المتبادلة نكون ضائعين أدبيا وثقافيا ونشريا وحتى معاشيا. أتذكر كيف أصبحت فرانسوا ساغان غنية ، ولو أنها تنحدر من أسرة ثرية ، بعد نشر رواية قصيرة ليست باللامعة ، وحتى أنها ليست بالغة الإثارة ، وأقصد ( صباح الخير أيها الحزن ). من ناحية اخرى نحن ننتمي الى فئة ( بالغة الغرابة ) تضع قيما أخرى فوق فرص النشر. من كل هذا يأتينا إستنتاج واحد لا غير : علينا الإنتظار ! وهو إستنتاج يعني ، الى حد بعيد ، الأخذ بوصفة غودوية ! أنا لم أعمل الكثير أيضا ، عدا قصة ( مكالمة مبتورة ). إنشغلت بقراءة فرناندو بيسوا ( هكذا حالي : ليس بمقدوري الإفتراق عن الأصدقاء القدامى ! ). الى جانب الشعر الرائع كتب أعمالا سردية ومقالات ثمينة حقا ( في نينتي ترجمة نص له بعنوان " ملاحظات حول الأستيتيكا اللاأرسطوطاليسية ". كما تعرف كان يكتب وليس بأسماء مستعارة بل بإسماء شخصيات متباينة سكنت ذاته : البارو دي كامبوس ، ريكاردو ريس ، البرتو كاييرو وغيرهم... أبعث بشذرات منه وقصيدتين قصيرتين ربما هي غير مترجمة سابقا.


5 نيسان

واصلت قراءة بيسوا. يالها من قناعة منعشة حين يعثر المرء على رفيق روحي ! بدأت بقصة جديدة عن الظاهرة - اللغز : المصادفات التي كرس يونغ لها الكثير من الملاحظات. لا أملك خطوطا عريضة لها بعد، بل أكتب وفق وصفة غومبروفتش تلك ! أبعث برسمين من الأيام الأخيرة . أظنها عادة مفيدة جدا أن يحصل مثل هذا ( الطرح - التفريغ ) حين تتعبني القراءة والكتابة...


9 نيسان

قرات نصك ( وولف العربية ) ووجدت مرة أخرى أن لاجديد هناك تحت الشمس ! في الحقيقة تعجبني كثيرا هذه الصيغ الشعرية التي يأتينا نموذجها الأولى من الشرق الأقصى - لاوتسي والهايكو الى حد معين. بالطبع هناك النفري وغيره من ( الأقارب )... لم أنس أصدقائي لكني أمرّ الآن بفترة إصغاء لهم وآمل أن أعيد عربيا ما سمعته منهم ! كذلك يدفعني المزاج بقوة أكبر صوب الكتابة. مازلت أقرأ بيسوا. لا أعرف لم ذكرني صندوقه الذي فتحوه بعد رحيله ، بصندوقك ! أستدرك بالقول : أريدك أن تفتح بنفسك ، في كل يوم ، صندوقك ... أقرأ ( كتاب القلق ). جمعتُ بضع ملاحظات سأعرضها عليك بعد الإنتهاء من القراءة. أواصل الكتابة في قصة عن ظاهرة الصدفة ، وأظنها ستكون طويلة ، فمثل هذا الموضوع مغر جدا بالنسبة لي . هناك نظرية لا تخلو من الصدقية بأن الكون نشأ عن طريق الصدفة... سوق الكتب الإنترنتية صارت ظاهرة دائمية. ومعلوم أن الدخول إليها يحتاج الى جيب منتفخ بالنقود. فيما يخص كتاب ساباتو الذي ترجمته ونشرته دار أزمنة لم أستلم من صاحبها غير نسخة يتيمة !
12 نيسان

للأسف تمضي هذه الأيام وأنا غارق في قضايا أخرى أو بالأحرى أنا طاف على سطحها. إنها تلك القضايا التي تعيدنا بكل فظاظة الى أشداق غول اليومي. رغم ذلك أواصل قراءة بيسوا كما أضفت صفحات للقصة الجديدة وعملت بضعة رسوم وأستمع طويلا الى باخ وفيفالدي وشوبان وموتسارت ! أحوال البلد من زفت مدمى الى زفت أكثر دموية. لا أجد بصيص ضوء في هذا الكابوس عدا أن يجتمع الثلاثة إيران والأمريكان والسعودية كي يذبحوا على قبلة ، قضية الرجل العراقي المريض...
16 نيسان

إذا لم تخني الذاكرة كنت قد بررت شرودي الربيعي مرة بقول إليوت في مستهل ( الأرض الخراب ) عن نيسان - أقسى الشهور الذي يخرج من الأرض الميتة سويق الليلك ، يمزج الذاكرة بالشهوة ... تبا للذاكرة ! كنت مع صديقي الراحل أرداش نحفظ على ظهر قلب رائعة إليوت هذه. أنهيتُ في الصباح القصة الجديدة. في الحقيقة فوجئت قليلا بما يحدثه موقعنا ( القصة العراقية ) من أصداء في المغرب خاصة ، فكما نعرف يكون الخبز اليومي للكتاب هناك ثقافة العالم كله وليس الفرنسية فقط.


17 نيسان

سررت لإستلامك الرسائل ومجموعة إسماعيل غزالي القصصية. أكيد أنه ومعه أنيس الرافعي يذكراني ، لكن الى حدود معينة ، بكتاباتك السردية والشعرية. ما أقصده ، هنا ، هو إختلاف الزوايا ، فأنت تنشيء علائقك مع البشر والأشياء وشتى نظم الخارج بأسلوب مغاير لهذين الفرسين المغربيين الجموحين... ويدفعني الى أن أفكر بأنك تجهد في خلق نوع من التوازي ، ولا أقول التوازن ، بين ( الحيوان الأخلاقي ) والآخر الذي لا تختلف ملامحه عن ملامح الميرسوات والروكانتانات والكاستيلات وبقية المتورطين في نزاعات حدّية مع الآخر والحياة ... وكما يبدو لي فالرافعي وغزالي أصابهما اليأس من خلق صيغة للتعامل مع الخارج قائمة على خلق بون ذي مدار تأملي ، ومن هنا هذه اللهجات النارية والطرح ( المتشنج ) لكن المدهش تقنيا وبتطويع ممتاز للغة.


22نيسان

ما يحدث في البلاد أكثر من كونه جحيما في نفق. إنه جحيم في أكثر من متاهة ، فللنفق نهاية وحتى لو كانت مسدودة. وهناك ملايين التجارب التي تحذرنا من زلة تصديق الساسة. وعراق محتضر مغتال متحول الى بيغرزلاند - بلد شحاذين هو أمنية الكثيرين. وفي واقع الحال يتجه العالم كله صوب تطبيع ظاهرة القتل والتدمير. لولا أخبار الهمجية التي صارت قدرنا لتفرغنا تماما لعملنا الأساسي في هذه الرحلة المحكوم علينا قطعها وبمثل هذه السرعة : بضعة عقود وليس عشرة ونيف مثلا... كوابيس العراق خاصة تدفعنا الى نسيان ( بديهياتنا ) التي على رأسها الإرتداد الى الذات وحمل أكثر من مصباح ديوجيني كي نكتشف الإنسان والعالم بعيوننا وأدواتنا الخاصة.


26 نيسان

أنت لم تخطيء التعبير حين كتبت عن قصتي : " كوكتيل المخاوف ". فهكذا هي حالنا الأبدية. أنت أبدلت قصبة باسكال المفكرة بكوكتيل ، ويا حبذا لوكانت كوكتيل كحول ٍ بدل كل هذه المرارات الفيزيقية والميتافيزيقية... سأكون في كوبنهاغن غدا للقاء صديق قديم صار معتقا مثل كونياك نابليوني ! سأقترح عليه زيارة بيت ( شهرزاد الشمال ) كارين بلكسن والذي ليس بعيدا عن العاصمة. زرته مرتين وفي كل مرة تكتشف العين أمورا جديدة - في المرة الأخيرة إكتشفت هناك صورة تجمع كارين بأرثر ميللر وزوجته السابقة ميرلين مونرو! منذ البارحة أقرأ سيوران. دوّنت بعض الملاحظات والشذرات. وقد تلحق هي بقهوة الصباح ، صباحك ، وأملي أن تضيف لها شيئا من النكهة الطيبة.
28 نيسان

آمل أن تجد الصورة لنصّك ملائمة ولربما عملتها تحت تأثير صورتين في المخيلة : مخ الإنسان الذي توجه الى الكون كي يبث شكايته ، وصورة متواضعة لسوداوية سيوران الملائكية ! بعثت إليك بنص مكتوب بالإنكليزية ، ولكم تمنيت أن يفلح هواة القلم العربي المعوّج ومحترفوه أيضا في أن ( يشلحوا ) الحياة بهذه الصورة ...

2ايار

نهضت اليوم مبكرا ورحت الى عزيزنا سيوران . أنهيت الترجمة. وقد تكون هناك أخرى عندما أفكر لوقت أطول بمحتويات الكتاب المقبل. ما يصلك الآن أرجو معاملته كمسّودات شبه مبيَّضة ! سيوران كون شاسع وأنا لا طاقة كافية فيّ الآن للترجمة عموما ، لكن هكذا هي الحال على الدوام حين يقع الإنسان في شرك المحبة !


3 ايار

لاجديد عندي غير إعداد كتاب ( سيورانيات ) والذي إستغرق ساعات طويلة. ربما الجديد الآخر إختمار بطيء لفكرة قصة جديدة ، والغريب أني عملت رسما لها قبل ظهور أي ّ كيان لها ! وتجده مع الرسالة الى جانب آخر عملته تحت تأثير صورة لسيوران ولربما كانت آخر صوره ويظهر فيها تحت ضربات المرض.


4 ايار

الظاهر أن كبير الآلهة زيوس قد نفخ زفيره في رأسي اليوم مما حرّك كثيرا تلك الخلايا الرمادية وزاد من إنتاجيتها ! العامل الإضافي هو الطقس الرائع لهذا اليوم : ريح خفيفة وشمس سخية وعقد هدنة مع الجسد المتعب... بفضل هذه المصادفات السماوية ، والسمائية أيضا ، عملتُ كثيرا اليوم وخاصة فيما يتعلق بالهواية التشكيلية ... أبعث بصيغتين ، لاتختلفان كثيرا ، من رسم لقصصك ( طفل الشيعة السموم ) ، وأملي أنهما لم تبتعدا عن ( خيوط ) الفجيعة العراقية ...
ه ايار منذ أيام أنا بصحبة سيوران. ترجمت نصين عنه : واحد هجومي والآخر عادل مثل إبن الخطاب ! والثالث لكاتب سيرته. لم يبق الكثير لترجمته. سأبعث النصوص في القريب. للكتاب المقبل ( سيورانيات ) سأكتفي بما ترجمته وكتبته لغاية الآن. لا أظن أن هناك حاجة الى تقديم سيرته أو غير ذلك من الجوانب التعريفية. في غوغل العربي وجدت أن لسيوران حصة لا بأس بها. الرسائل إليك ومنك تبعث في ّ راحة وقناعة نفسيتين. الأكيد أنها متأتية من النظرة المشتركة لأمور كثيرة ، هذا إضافة الى إمتلاكنا ذات الإيقونات الوجودية ... ونصّك عن كورش شاهد بيّن على ما أقوله. كما تعرف يكون الإنتحار نفاد صبر مطلقا. وفي بعد معيّن يكون الفنان المنتحر ( أنانيا ) لايفكر بالآخرين الذين خسروا برحيله. كما أنه يغفل عن حقيقة أساسية : الحياة لاتزال ، كما يقول فرناندو بيسوا. الحياة لاتزال ، وهي فرصة أخرى كي نؤكد على حقائقنا ، كي نكتشف آثارا جديدا قد تقودنا الى كل هذه الألغاز والمعميات.


6 ايار

صار رجوعي الى الكتاب الأقرب منا ، ميلا لايقاوم . عدت الى كيركيغورد وبالضبط الى( فتات فلسفي ) و ( اللحظة ) وهما منشورتان في كتاب واحد. أكيد أن هذه العودة تحصل تحت تأثير الوقت الذي قضيته مع كتاب ( سيورانيات ). فالشبه كبير بين خواطر الروماني والدنماركي وخاصة ما يتعلق بإشكالية اليأس الذي وجده الإثنان أحد المحاور الرئيسية التي يدور حولها الكون...
7 ايار

القصة المرفقة إختمرت ونضجت برفقة إثنين من الأقرب إلي ّ - سيوران وكيركيغورد... لا أظنها قصة ( صعبة ). فقد سعيت كي تكون ذات طبيعة سردية مألوفة. أكيد أن عقدتها مأخوذة ، لكن مع تحوير بسيط ، من ( علماء الفيزياء ) لديرنمات. لا أعرف إن كنتِ قد قرأت مسرحيته الباهرة هذه. أوصيك بقراءة هذا السويسري الذي لم يثق أبدا ب( إنسانية ) الإنسان...


11 ايار

نعم لقد ُجردنا تماما من كل وسيلة دفاعية. وصحيح هو تشخيصك : عملية تحويل الكل الى متفرجين. إنها البربرية المعاصرة التي إستبدلت فيها الهراوة بالصاروخ ذي التوجيه الذاتي. وأنا مثلك أموت في كل دقيقة حين أعي خسارتنا وكيف حوّلونا الى متفرجين بلا سلاح عدا القنوط والعنه. وإذا لم تكن هناك خطط وراء هذا العبث الكابوسي لكانوا قد أنهوا الأمر بإجتماع مساومة واحد. إن أكثر ما يدفعني الى الغثيان حيت أشاهد هذه المسوخ المتحصنة في المنطقة الخضراء . ثق بأنهم من النسل نفسه ، نسل الأفاعي. ولربما أجد بصيصا صغيرا من الضوء في هذا النفق العراقي : تقاسم سعودي - أميركي - إيراني للكعكة العراقية التي تخثر الدم فيها بدل القشدة.


12 ايار

اليأس بسبب الكتابة... أكيد أنه يأس مرّكب : يأس بسبب العبثية المطلقة ، يأس بسبب الشلل الكلي ، وليس النصفي ، الذي أصاب الكتابة في مختلف الأسواق... يأس سببه أن ما نكتبه يبدو وكأنه ليس صرخة في واد بل ضرطة هناك ... هكذا ُشيِّد العالم ، وقناعتي هنا أني لا أتحمل أيّ مسؤولية عن مثل هذا الطيش . لنكتب يا عزيزي وفق وصفة هنري ميللر : ( إكتشفتُ في الأخير أن ليس علي أن أفعل أيّ شيء آخر غير أن أكتب وأكتب وأكتب ). وأنا شبه واثق بأن هنري كان يعلم جيدا أنه تلك الفزاعة لكنه لم يكترث للغربان وواقع تحليقها فوق حقله... أنا أفهم حالتك الناشئة من وضعك ( غير الطبيعي ) الذي يحرمك من العمل السينمائي وفق ما تريد. لكن لابد من طرد فكرة التراجع ، خاصة أن هناك الفرص القادمة. هكذا يقول لي حدسي. لاشيء هناك ينقذنا من الوقوع في حفرة القنوط غير التحدي والمثابرة... أكيد أن ما قلته لايعدو كونه صفطة نصائح ، لكن ما العمل إذا كانت هي راهنة وناجعة في أحوال كثيرة.
13 ايار

لا أعرف بالضبط لم هذه الرسالة. إستيقظت اليوم قبل الديكة والغربان كي أستمع الى باخ الذي إستعرت هداياه الكونية البارحة من المكتبة. في هذا العمر يصبح المرء عاطفيا بل متهافتا. أوشكت على البكاء حين وعيت بأني سأفترق عن باخ يوما ما. بعدها لم أستطع طرد وحدة الصباح ، وكانت شريرة حقا هذه المرة ، ولجأت الى عادتي القديمة : البحث عن صديق في أحد الكتب. بهذه الصورة إلتقيت بريلكه. ربما كانت صدفة عمياء حين فتحت الكتاب على قصيدته ( الوحدة ) ...
الوحدة
من البحر تنهض هي كي تلقى إنبلاج الفجر ، من السهول الأكبر سعة ، البعيدة ، تشبُّ بلا إنقطاع في السماء الشاسعة. ومن السماء تسقط على المدن.
تنثُ بغموض ٍ في ساعات إنبلاج الفجر حين تعدو الشوارع ُ للقاء الصباح ، وحين لاتعثر الأجساد على شيء ، يبتعد بعضها عن بعض قانطا ً، وحين يكون على الناس الكاره بعضهم بعضا أن يناموا معا – وهم أكثر وحدة.
الوحدة تجري أنهارا بكاملها.
***
معلوم أن هذا النمساوي فشل في مراوغة وحدته بالصيرورة مأخوذا بالأسفار.
محبتي و تمنياتي بنهار هاديء يطرد ولو شبحا أو شبحين لتلك الوحد ة...


13 أيار اعترف ، ومن دون تباه ، بأني أفلحت قليلا في ترويض الوحدة لكن ، وكما تعرف ، هي غادرة خاصة إذا تحالفت مع أكبر تنينين ُخلقا للمحق : اليأس والعبث ...


15 ايار

بدأتُ ( الخربشة ) بقصة جديدة. وكنت قد أخبرتك مرة بأني أبقى تحت تأثير قوي لبعض المطالعات. وكنت قد بدأت العودة الى كيركيغورد قبل أيام. أقرأ الآن ( مفهوم الخوف ) وهو دراسة رصينة تراجع فيها العصب الرومانسي لدى سورين. موضوعها مصادر حرية الإنسان. هذه القراءة متعبة ، فالكتاب صعب ويتطلب تركيزا كبيرا. يقول فيه إن الخوف هو رغبة موروثة كما لو أنه قوة داخلية تلاحق الإنسان ولاتسمح له بنسيان الرب والنفس ..


16 ايار

( شخبطت ) قليلا في القصة الجديدة . هذا كامل ( إعترافي ) بأفعال نصف النهار ! هناك أيضا قراءة كيركيغورد الذي لا أعرف كيف لم يمنعه يأسه الوجودي من الإبتعاد ولو قليلا عن الرب - الصنم . أليس هو القائل : ( الذاتانية subjectivity هي الحقيقة ) ؟ بالطبع يمكن الإفتراض أن يتساوق الذاتي مع الإيمان ، لكن اليأس ، الشامل والكوني ، وليس " الأرضي - الدهري " ، يبقى معزولا...


17 ايار

أرجو أن يكون هناك تقدم مستمر في مونتاج فلمك. كما أرجو أن لا تلتهم مثل هذه الأشغال كل الوقت. ونحن لابد من أن نكون من النوع المحتال والسارق للوقت هذا البعبع الذي لايعرف شيئا إسمه الوقوف أوالتوقف! قرأت اليوم رواية كونديرا ( الخجل ). أكيد انه كاتب مسيطر على تقنيته لكن لا أعرف كيف يتكرر وقوعه في ( الصحفيات ). أظنه يشعر بتهديد الزمن ومن هنا هذا السبيل في ملاحقة بعض الأحداث والظواهر التشيكية الصرفة... أبدلت بعض المقاطع في ( حوار آخر مع النفس ). وأود أن تطلع على الصيغة هذه ، كما آمل أن تكون نهائية ... في أرشيفي للصور وقفت عند صورتك الفوتوغرافية التي أعجبتني. فكرت ب(التصرف ) بخلفيتها. أبعثها فقد تعجبك أيضا بمثل هذا الظهور...
أظن أن ( ج ) لا يزال في عمان للإسهام بمؤتمر آخر عن الثقافة العراقية ، وهاهم قد خرجوا منه بالقرارات والتوصيات والنداءات إلخ. لا أعرف ، فقد يدفعون هذه الثقافة قليلا صوب غرفة الإنعاش... لكن ما أنا واثق منه هو أن قضايا الثقافة لا يمكن قطعها عن كامل هذا الجسم العراقي الممزق. وأظنهم تسرعوا في فتح ملف الثقافة قبل أن تغلق ملفات الأمن والهجرة الجماعية ووضع السدود أمام أيرنة الجنوب مثلا...


18 ايار

صار الإضطراب الحياتي عندك قاعدة ! بالطبع ما يهمني أن لا تبرد دماؤك الكتابية الحارة ! طموحي أن تكون عنقاءً غفت قليلا ثم نهضت نصّاً جديدا ... مؤتمرات ، لقاءات ، قرارات ، مايكروفونات ، ميديات ، سفرات ، فنادق ، شجارات تعقبها قبلات لحى وهلم جرا والى أن تظهر امبراطورية كالعثمانية تدفعنا تحت خيمتها... الخبال أصبح وباءا جماعيا ولم يصب فقط هذا وذاك. ( س ) الذي يتآكل من الداخل والخارج بفعل طموح قروي بالأساس أخذ يمارس هواية الترقيم لكنه لم يفكر طويلا حين إختار رقم واحد لنفسه ، وأظنه لم يخرج بعد من سبات الكهف ، وإلا أين هي هذه االعقيدة حلم الذين اصابتهم ضربة شمس تموزية ! ما لاحظته عندنا أن كل كاتب حقق الشهرة يقع في مفارقة غريبة : بدلا عن إستغلال هذه الشهرة كي يصيح : الملك عار ، نجده يقع في روتين الأفكار السائدة ، وهذا الشيء يخص( ف ) أيضا. في الحقيقة كان هو ( محافظا ) دائما رغم قناعته القوية بأن المواضيع ( الجريئة ) تبعده عن الكتابة الروتينية التي تبالغ في تأدبها وإيمانها ب( الحالة القائمة ). وأعترف بأن ظاهرة ( ف ) بشكل خاص هي نوع من الخطوط الحمر بالنسبة لي ، تحذير كي لا أخضع المضامين والأشكال ل(التهذيب ) الذي هو في الجوهر لايعني شيئا آخرغيرأن الكاتب يماليء مجتمعه. أما الآخر ( ع ) فيبقى سوء فهم من النوع التراجيكوميدي. أعترف بأني كنت أعلق أملا غامضا لكن الرجل هشم كل الأحلام بمثل هذا الحب الساذج لكل ما ترهصه الحياة العادية التي كان أكسيل مونتي قد أوصى بتركها للخدم ... أرجو أن لا تندهش من قدرات هذا الرجل فيما يخص العلاقات العامة ، فهو مؤسسة وطيدة كالبنك الدولي ! وعلاقاته مع الكل خرافية الرقعة ، مثلا بمقدوره أن يقنع أربعة ناشرين كي ينشروا نفس الكتاب وفي نفس الوقت ! أنا بحاجة الى رسائل مثل رسائلك التي حين أقرؤها أحس بأن العالم ليس بمثل هذه الغلاظة والغباوة ...


19 ايار

أنا أسكن أيضا على مبعدة ربع كيلومتر عن غابة كبيرة. لكن ما أفتقده فيها هو البحر ! البحر ليس بعيدا ، وتطوقه الغابات أيضا. أنا مثلك أجده ضروريا هذا ( الهروب الأخضر ) ، ولو أنه عندي بلونين : الأخضر والأزرق ... لم أعرف برحيل عبدالإله أحمد إلا اليوم ء. كان من شلتنا. ودائما كانت تدهشني حيويته. سيبقى الزمن لعنتنا ، ومقصلتنا بالطبع . إلتقيت به في الثمانينات ومازحته بأن يساعدني في البحث عن خشب غير مصبوغ كي أطرقه دفعا لعين الحسود... فقد كان يتفجر حياة بل شبابا. قرأت اليوم بضعة نصوص عن شيستوف الذي كان من أصدقاء سيوران الروحيين. لهذا الروسي ، وكان تائها- يائسا حقيقيا في الكون ، فضل كبير في التعريف بكيركيغورد والإعتراف بأبوته للوجودية حينها.
23 ايار
رسالتك كلها مفاجآت شأن فلم قديم لغودار ! قبل كل شيء سررت لهذا الفلم القصيرالذي لم تتكلم عنه من قبل. ذكرني ما قلته عن العنوان ، وبصورة ما ، بتلك الكلمة لسيوران عن الضحك الذي تنتابه موجة منه وتدفعه الى التدحرج على الأرض حين يرى العالم وأحداثه التي نعتها أنت بالمتسارعة ( القول الأكثر موائمة : ذات سرعة العبث الذي هو أبوها الحقيقي والفعلي ...) لكن ما أحزني كثيرا إعتذارك عن الإسهام في المهرجان الشعري. فرنسا بلد رائع وكما يبدو جاء من ضمن الإستثناءات القليلة التي رافقت نزوة خلق االعالم ! ربما فرنسا اليوم غير فرنسا العقود الأخيرة من القرن الفائت. حينها كان بضعة اصدقاء يمنحون نكهة رائقة لحرائقنا... إستغربت جدا من أن حديثا كان في الحلم مع المسيح. فهذا الرجل صامت ، كما كان عند إيفان كارامازوف ، في أحلامي ! أنت يا حسن تنحت لك فجوة في هذا الضباب الذي يلفني كالكفن ، سوية مع الأعزاء الاخرين - باخ وسيوران وكامي وكيركيغورد ورامبو الذي أذكر كلمته - الجوهر عن البورتريه الشخصي : أنا آخر ، وبقية من أتقنوا وصف قضبان قفصنا الوجودي... قد تكون محقا عن فساد الروح بسبب النت. أكيد أن نسبة عالية من الصدق في قولك. أعترف لك بأني لا أصله إلا لغرض البحث عن المصادر ولقاءات مع أصدقائي من الكتاب ، وما يجري في هذا العالم المجنون لا يحتاج الى بحث طويل . أنهيت مراجعة القصة ( المنسيّة ) وتنقلت كامل النهار بين الرسم وشيستوف والإستماع الى باخ وشوبان وموتسارت ورحمانينوف. أظن أن الأذن خير أداة لنسيان قدر لابأس به من هذه القسوة التي لا نعرف بالضبط هل هي عقاب من نوع اللامعقول أم أنها مقصلة وفق ظاهرة أسموها بالصدفة بعد أن عجزوا عن العثور على تسمية أخرى تليق بهذه الظاهرة الكونية.

ليست هناك تعليقات: