الاثنين، 31 مارس 2008

السينما ليست قلادة إمتياز







كلما قرأت كتابا أو قصيدة أو رواية حقيقية شعرت بالأسف على حال السينما. فمنذ ولادة هذا الفن ونحن نقرأ ونسمع خطب المبشرين بلغة الصور المرئية المتحركة سواء تلك التي تصدر عن نقاد السينما وهم يبشرون بلغة العصر السحرية أو عن السينمائيين أنفسهم ، وحتى عن الكثير من الأدباء والفنانين الذين لم يترددوا في التنبوء بأنحسار سحر المكتوب لصالح الصور المرئية المتحركة ( وأنا كنت أحدهم). لكن هاهي السينما تتجه ، في اغلب نتاجها وبقوة ومن دون رادع أو قلق صوب سحر المفرقعات النارية. فالجمهور مبهور ومستعد للدفع والرقص.

لكنني اعود واتذكر ما قاله جيل دولوز في مقدمة كتابه ( الحركةـ الصورة ) عن هذا العطب الذي يلتصق بالفن السينمائي . أشار دولوز بأن هذا (الضعف) لا يقتصر على الفن السينمائي حين اراد ان ينصف الفن السينمائي والسينمائين بقوله : ( من الممكن مقارنة المؤلفين السينمائيين الكبار ليس فقط بالرسامين والمهندسين المعمارين والموسيقيين ، وانما يالمفكرين ايضا. فهم فكروا من خلال الصورة ـ الحركة والصورة ـ الزمن ، بدلا عن التفكير من خلال المفاهيم والتصورات. غير ان المقدار الهائل من الضعف وعدم الكفاءة في الانتاج السينمائي ليس اعتراضا على ذلك. فهو هنا ليس اسوأ منه في اي مكان اخر ، بالرغم من نتائجه الاقتصادية والصناعية الفادحة. لكن المؤلفين السينمائيين العظام ، هم فقط اكثر قابلية للجرح وتثبيط العزم من غيرهم. وما من شيئ أسهل من احباطهم والحؤول دون انجازهم لاعمالهم ، وتاريخ السينما حافل بقائمة طويلة من الشهداء )

. ...

لكن دعوني ادير دفة الحديث. فحين قلت ان السينما ( ليست قلادة امتياز) كنت ارغب في كتابة اشارة مقتضبة ،عن مفارقة اخرى تتعلق بالكتاب والكتابة. مايثير الشك حقا ، والقرف في كثير من الاحيان ، هو مايتردد في كتابات وهتافات الادب العربي، حول احد جوانب هذه اللغة التبشيرية التي تسللت الى الكتابة العربية بطرق مغلوطة وملتبسة. حين يتحدث بعض كتاب الرواية والقصيدة عن توظيف مفردات لغة السينما في كتاباتهم. وبالطبع يساندهم دائما نقاد الادب الذين شمروا عن سواعدهم لأكتشاف وتحليل الزوايا واللقطات واحجامها في قصيدة فلان او الحركة السينمائية في قصة علان حتى اصبح اليوم كل شاعر وكاتب يتباهى بالحس السينمائي في كتابته وكأنه صاحب امتياز. او حامل راية الابتكار. لكن عن اي سينما ولغة يتحدثون ، وهل هم مؤمنون فعلا بما يتفوهون به. كانت قصيدة فلان نموذجا رائعا لتوظيف ( المونتاج ) السينمائي ...

حسنا ، هل يحتاج شاعركم هذا الى الإنحناءات ورفع القبعات عاليا ، هل تقصدون بالمونتاج تلك الانتقالات البديهية في الزمان والمكان والتي سجلها المكتوب منذ ولاداته الاولى. و في تلك الأيام عندما كنا ندرس السينما في الاكاديمية ، كان استاذ مادة التصوير يقرأ لنا مقاطع من ملحمة كلكاماش ويطلب منا التعرف على الانتقالات الزمانية والمكانية وتشخيص الضوء والعتمة في كل مقطع.


برغمان ، فيلليني ، كوراساوا ، غودار ، بازوليني ، انطونيوني ، ... لا تقتصر إنجازات هؤلاء على توظيف مفردات اللغة السينمائية البديهة ( الانتقالات الزمانية والمكانية واحجام اللقطات والزوايا ) التي يتحدث عنها الكتاب والنقاد العرب. فهؤلاء وظفوا مفردات اللغة السينمائية لخلق عوالم سردية بأساليب مميزة . ومثلما نتحدث عن اسلوب كافكا يمكننا الحديث عن اسلوب خاص بتاركوفكسي الذي لا تكمن عبقريته في تلك الانتقالة او ذلك المشهد . كما لا تكمن عظمة كافكا في تلك الجملة الكابوسية في هذه الصفحة وتلك. يمكن العثور على لقطة رائعة وانتقالة أروع وحركة كاميرا مدهشة في اغلب الافلام الهوليوودية. اجل ، هذا صحيح. يمكننا ان نفهم ان اسلوب قصة فلان يقترب من آلية اشتغال الافلام التجربيية، او ان رواية احدهم تعتمد على بناء الافلام الواقعية الايطالية. ( على الرغم من ان هذه الاتجاهات السينمائية مستلة من الادب بطريقة واخرى ) لكن لا تقولوا بان هذا الشاعر وذاك ، كان قد وظف في قصيدته ( اللقطة القريبة ) بعبقرية لامثيل لها. ارجوكم. ماهذا الهراء !

ليست هناك تعليقات: