الاثنين، 31 مارس 2008

شجرةٌٌ تحت الطبع, والتحميض









لقطاتٌ موجزةٌ من حرب المرئيّ, والمكتوب من زاوية عين السمكة



أكشن :

- تدريب -

(لا تتنازل عن الفكر

لا تستند على : دائماً كان الأمر على هذا الشكل

وسيكون كذلك دائماً هناك حيث لن تنحني

سوف توجد

أنت نحن أنت التاريخ )

- ريتسوس-


عداوةٌ كلاسيكية
فيما مضى, كنا نقول : أنّ (ماريا) المُتمددّة فوق سريرها في مدينة سيدني، وهي تقرأ كلمة شجرة في رواية لـ(دويستوفسكي), هي ليست الشجرة التي ستقرأها (فاطمة) في البصرة، مع أنّ الرواية نفسها, والسطر, والنقطة، لأنّ (ماريا) سوف تحاول, أو من دون أن تشعر, أن تتخيلها, أو تشتهيها وُفق ما تمكنت من الحصول عليه, والإحتفاظ به من أشجار في خانات ذاكرتها, تبعاً للأماكن التي عاشت حياتها فيها، وكذلك هو الحال بالنسبة لـ(فاطمة) البصرة، أما السينمائيّ الذي سوف يتورّط بنقل رواية (دويستوفسكي) هذه، فإنّه سيفرض الشجرة على كلّ من (فاطمة) و(ماريّا)، وهنّ الآن يشاهدن في الشاشة صنف الشجرة, وإسمها, ولونها, والتي إختارها صانع الفيلم حسب الأماكن التي إقترحت مخيلته عليه أوضاعها, وحتى, وإن أراد الإلتزام بالأماكن, أو إسم الشجرة التي أحبها الروائي، فإنّ السينمائي سيغضب عليه في كلّ الحالات، إننا نُعيب عليه خيانته لذلك النظام الحلميّ الذي كنا نُعوّل عليه بين المكتوب, والمُتلقي، فشجرة (دويستوفسكي) كانت أخرى بالنسبة لـ(ماريا), وثانية لـ(فاطمة), ورابعة, وخامسة, بالنسبة لـ(حوراء), و(ديانا) (لا يُعوّل كاتب المقال على المرأة بشيء, لهذا يستشهد بأسمائهنّ)، من هكذا هواجس, بدأ المكتوب حربه على المرئيات, وأخذ يتسلّح بكلّ مناسبة, ونقد, للتنظير لهذه العداوة (الإيجابية), ومن مختلف الزوايا, والإتجاهات، والطروحات, والأمثلة كثيرة، منها على سبيل المثال, ما كان يدّعي, ويتباهى, بأنّ الرواية الجيدة, ﻻ يمكن لها أن تكون فيلماً ناجحاً، وأنّ قدر السينما, إذّا ما أحبت الإقتراب، أن تعالج الروايات البسيطة, و حتى التافهة، ولم نتوانَ عن إشهار كلّ دليل, وبرهان في وجه السينما, وتعجيزها بأعمال فنية عملاقة لـ ( جويس - بروست - فوكنر), مع أنّ هذا الإدّعاء - فيه شيء من الصواب - بدأ يخفت تدريجياً مع تحول فنون المكتوب, ورغبتها في تجريب تقنيات السينما نفسها / آليات السرد، وبدا السينمائيّون أكثر متانةً, وثقةً, وهم يعمّقون, ويتفاخرون بلذة آلية نصوصهم المرئية الجديدة، أما اليوم, فقد صار بإمكاننا أن نحاجج المكتوب بشتى السبل، كأن نقول للروائية الجميلة( إيزابيل الليندي) : ـ إيزابيل ...تعرفين أنّ الممثلة (ميريل ستريب) في (بيت الأرواح)، الفيلم المأخوذ عن روايتك الشهيرة بنفس الإسم، إستطاعت أن تُعيد خلق الكثير من سطور حكايتك, بأدائها الملائكيّ الطاهر، وأن تجعل من السطور الطويلة التي تصفين فيها الشخصية, زوائد دودّية عن الحاجة,... مع الإعتذار ... كنا نخوض حروباً جماليةً للدفاع عن الجنين, وشرعيته, وكأيّ خلق وليد, وفريسة, سنشهد إنقضاض غرائز الإنسان المُدهشة في الإستحواذ على هذا الخطاب الإبداعي (لا نقصد السينما فحسب, والتلفزيون), وتطويعه لكلّ الوظائف النفعية, والمرضية للهيمنة, وخروج الخطاب المرئيّ من سحره الأول, إلى سحره الأخير, الذي سيجلب سذاجة الأول البريئة, وشحنها بعفوية مُلفقة, وبتقنية خرافية, إن أُمكن تسميتها مفاوضات السلام.


>الإيدولوجيا في الواقع نتاج مخيلة عصر ما، السينما نتاج مخيلة مجتمع<

ـ رولان بارت ـ

مع ( بارت ), أحد أهمّ عشاق السينما, والمهووسين بها, (إلى درجة أنه يُحيل بعض الأفعال في مشاهد شابلن إلى الميثولوجيا, أو يستنطق علم الإشارات في كتاباته حول السينما - أغلب كتابات بارت عن السينما ذات طابع شعريّ) يمكننا أن نتلمس المديّات التي أخذت تنضج علاقاتنا فيها بنصوص الشاشة, ومراجعة الحسابات، مع أن الحاجة لمراقبة العالم (الصورة المرئية المُتحركة بالتحديد) هي حاجةٌ إنسانيةٌ, وجماليةٌ في نفس الوقت، أما دّفة الشكوك في تتبع مسار هذا الوليد - صار الآن إلكترونيّاً - أيّ بعمر صبي، والذي إنتقل من طور سحر الصور المُتحركة المُفرّغ من كلّ معنى, إلى مرحلة المُشاكس المُحرج لبقية دروب الخلاص التي عبدتها الفنون الأخرى (كم درب يلزمنا ... ؟ ) إلى مرحلة المُنافس الشرعي، حتى أنّ التشهير بالشاشة, بدأ يتخذ طابع الجدية بدل الإستسهال, وركن السينما إلى ثقافة الترفيه(البعض ما زال يفضل هذه النظرة) في ( مقاومة السينما) كمثال، يلزمنا (بارت) أيضاً أن نضع كلمةً ثالثةً, ﻻ لحسم الحوار, بل لمُساندة تعميقه، بدل الفرجة التي كان يقترفها عزيزنا المُشاهد في (صالة الوليد)، فـ (بارت) من زاوية مضادّة, ﻻ يتردّد في القول :

الفيلم شريطٌ ثرثار، التوكيد إستحالة التشظي، إستحالة الهايكو وهذا شكلٌ جديدٌ من طرائق التفكير الجديدة, والتي تحاول أن تُعيننا على شكّ آخر، ﻻ ذلك الذي يسلب حقوق الجمال(محاولة تسطيح الشاشة)، بالمناسبة، نحن نتحدثُ عن بارت - كمحاولة غير وافية لإيجاز الدروب التي شقتها مدارس سينمائية مهمّة/الواقعية الإيطالية، أو سينمائيّون نبلاء/غودار، وإنتقال عدد ﻻ بأس به من الروائيين, والشعراء للتعبير بالنثر السينمائيّ/ آلان روب غرييه، ومحاولة العديد منهم ولوج عالم الكتابة السينمائية/ماركيز، فوينتس( الأخيريّن فشلا)، إلى جانب المحاولات المُستمرّة لإستحواذ المكتوب على منجزات السينما الجمالية، أو إعتبارها مصدراً خصباً للإلهام, والتجريب .


أمبرتو إيكو
يمكنني إيجاز الحركة في اللقطة الثالثة, والتي أودّ أن أشير بها إلى الميناء الذي رست به سفن المنافسة, أو (الحديث عن حرب بين المرئيّ, والمكتوب, أمرٌ تجاوزته الأحداث), مع أنّ (إيكو) يشير في قوله هذا إلى مواجهة أوسع, تتضمن أوعيةً مرئيةً مختلفة/ سينما - تلفزيون - حاسوب - إعلانات ضوئية، بل إنه يطالب بـ (تحليل التكامل القائم بين الاثنين), وهو ( يرفض الموقف المانويّ لأشباه المثقفين الذين يُمثل المكتوب بالنسبة لهم الخير, وتُمثل الصورة الشر), وهذا ما أودُّ أن أؤكد عليه في اللقطة الثالثة فقط، من آراء – إيكو, لكن ...
قطع
( لكنّ المُتابع لكتابات السيد - إيكو - على صعيد المُنجز النقديّ, والتنظيريّ فيما يخصّ{ الأدوات, والبضائع, والكتاب الإلكتروني, والمكياج, والإعلانات, والصحف} يمكنه العثور بسهولة - على شرط أن تتخلى عن رعب إسمه الوردة على متفائل معرفيّ عصريّ, وبذريعة المُواكبة, والورع أمام الصراعات, كما يحدث في كلّ مرة, وهي تغلف بالمزيد من قوانين الإستسلام المُقنع, بدعوى حلّ الإنسان, ... في حين أنّ النصر برمته يكمن في ديمومة اللعب, والرفض، كم أخبرتنا الشياطين, والسماء من قبل، لهذا, لا يمكنني أن أقدم السيد - إيكو - كمثال نموذجيّ لإعلان - نصر المرئيّ المُطلق - على حدّ تعبيره في لقاء صحفيّ سابق، هذا يشبه كثيراً مرضى نهايات المُصالحة, والتكامل الأعزل في شتى مجالات المعرفة, وحروب الإنسانية، من أفكار الخلاص, والملائكة التي إقترحتها الأديان, إلى آخر هبة منحنا إياها السيد (فوكاياما) بنهايته الدينية اللطيفة.
حركةٌ ذاتية
أظنُ أن جمعيات حقوق الحيوان, من حقها جلب السلام لفراء الثعلب، أو أن نساند الوردة ضد شهوة القطف(وفي كل دقيقة إلكترونية, ومتمدّنة, تُذبح البشرية من نفس الشهوة, وبآلية قطف منحطة) وكلّ محاولة تقوى, وإيمان, ومصالحة, ونهايات, وسلام, وإستسلام، فيما يخصّ على الأقل فحوى لقطاتنا هذه، هو وقوف سلبيّ, وإكتفاءٌ بمرحاض الفرجة، الذي ندّعي أننا ﻻ ننتمي إليه، خاصةً مع مرئيات مُعاصرة, وصلت اليوم في كثير من المناسبات بالمتلقي إلى كراسي الصالة الأولى,...حين هرب منها الناس, وهم يشاهدون القطار يتجه من عمق الشاشة صوب كراسيهم المذعورة (ما حدث بالضبط في عروض السينما الأولى), وما يحدث اليوم في أفلام هوليود... (عدوٌ كلاسيكيٌ إنتشر وبائه في أكثر من شاشة) من خلال تقنيات متقدمة, وهائلة, هو رجوعٌ إلى سحر الصورة المتحركة الساذج، والأمثلة لا طائل منها. سنحاول أن نورد ثلاثة أمثلة, سوف تبدو بأنّ ﻻ علاقة لها ببعض، غير أنها تصب في القصد المُتشعب نفسه, والذي نحاول حصره فيما يخصّ قضية الخطاب, والمُنجز الجمالي المُتعلق بإنجاز شجرة ممكنة, ومستقلة, وسحب البساط من تحت كلّ من يُخلّ بشرف الجمال، ﻻ الحديث عن رضوخ, وأقنعة, ونهايات ... الأول: يوضح أن"موروث الإحساس بأن الشاشة ليست جديةً إلى هذا الحدّ ما زال حاضراً بقوة، فالمثال الذي سنورده، لو كان وعائه مكتوب, لما مرّ بسهولة, أو لما فكر صاحبه أن يطرحه بهذه السذاجة، على الأقلّ لإحتال علينا قليلاً, بدل هذه المباشرة الميتة في المعنى، وهو نقيض مع ما يحاول (إيكو) الإشارة إليه، وبأنها الحاجة الطفولية, والمرضية للتكرار, هي التي تدفع بنا إلى الطمأنينة للمكتوب، فهو يقول (أنا أعلم عن طريق التلفاز أن السيد فلان, وقد سقط من النافذة، وقراءة ذلك في الغد في جريدة, يطمئنني, ويجعلني واثقاً من نفسي) أيّ الحاجة الطفولية للتكرار, و( إيكو) هنا مع الشكّ في الشاشة, في الوقت الذي يحاول أن يكون ضدها، وحتى الحاجة الطفولية، إلاّ أنّ الوقت غير مناسب, وﻻ نحبذ جرّ الموضوع لإشكالية شعرية . الثاني: نحاول أن نشير به إلى الإمكانيات الثمينة, والمرنة التي وصلت لها السينما، والمثال نفسه, هو مثالٌ في الكتابة السينمائية الجديدة, وإشراقاتها.


الثالث: نكتفي بالإصغاء للسيد (كارلوس فوينتس).


insert / 1
تدخل كومةٌ من الحشرات (أقرب إلى الذباب) إلى مطبخ نظيف، ويبدو أن نيّة عصابة الحشرات تلويث كلّ شيء، ويرتدي جميع أفراد العصابة قبعات مضحكة, وهم يحملون حقائب القاذورات، بينما يحمل قائد المجموعة هاتفاً نقالاً كبيراً، بعد قليل, يتصل بالمجموعة زعيم العصابة, وهو يجلس في مقهى عربي, و يرتدي زياً فلسطينياً, ويطلب من أفراد عصابته (حشراته العربية) إخلاء المكان بأقصى سرعة ممكنة، إلاّ أن مبيد الحشرات يكون قد دخل المكان، وبرشة عملاقة, وبدفعة واحدة, يجهز على الحشرات كلها، ينقطع الاتصال. هذا إعلانٌ تجاريّ عن مبيد الحشرات الجديد, وهو يُبثُ في محطة فضائية أوربية/ هنغاريا.
insert /2
فمثلاً: الشريط القديم المُمزق, ﻻ يملك علاقة بالبنية الفنية للفيلم, أكثر مما يملك كتاب ممزق إتسخت صفحاته، بالطبعة الجمالية لـ(دون كيخوت), لكن, ما أن نبني الفيلم كتبادل لأجزاء قديمة, متآكلة من الشريط, مع أجزاء جديدة (سوف يُستقبل كأجزاء حيادية, أيّ ليست شريطاً) ووضع هذا التبادل المتكرر في ترتيب معين, يمكن الإحساس به، حتى يتحول تلف الشريط بسبب قدمه، من عيب إلى عنصر من عناصر لغة السينما- / لوتمان
insert /3
يقول الروائي (كارلوس فوينتس): "لقد كبرتُ مع بدايات الراديو، وهي حقبةٌ يتوجب فيها الركض إلى بائع الجرائد, للتأكد من الشجاعة التقنية لمصارع الثيران (مانوليتي) التي كان يعلن عليها مذيع محطة ... "ولنرى كتابة : بلى, لقد كان الأمر صحيحاً، فوحش قرطبة, أيّ مصارع الثيران, قطع أذن, وذنب الثور الشجاع، أما اليوم, فقصف (بغداد) يحدث في اللحظة نفسها التي نراها فيها على الشاشة، ﻻ حاجة لتأكيد الأمر عبر الكتابة، والأدهى من هذا, أنه ليس من ضرورة لفهم الأمر، وبفضل القوة على التواجد في كلّ مكان( وهي صفة من صفات الله), وبفضل آنية, وفورية الصورة، فقد رأينا مشهداً زاهي الألوان، أما الأموات ...؟ فلا أحد رأى, وﻻ أحد سمع ) .
stop



تدريب

"أيها الإنسان من جديد

أنت الأكثر طرداً

الأكثر إلتزاماً

الأكثر وحدةً

أنت المسؤول أيها الإنسان "

يانيس ريتسوس


ليست هناك تعليقات: