الاثنين، 31 مارس 2008

فهرنهايت 9-11 ظاهرة عام سينمائي





شهدنا جميعا قبل فترة الانتصارات التي حققها فيلم ( فهرنهايت 11/9) بتوقيع الامريكي مايكل مور. رغم انها انتصارات على الطريقة الدونكيخوتية. قد يستفز البعض من هذا الطرح وستكرر علينا اسطوانة جرأة الرجل او تستعرض امامنا الارقام ( 21 مليون دولار خلال الايام الاولى من عرض الفيلم) هذه الارقام التي فتحت شهية بعض النقاد والكثير من شركات الانتاج لاعادة النظر في هذه الطريقة المربحة بعد ان ظل الفيلم التسجلي لزمن طويل يعاني من ازمة التمويل رغم اننا في العقد الاخير من القرن المنصرم شهدنا اتساع الاهتمام في هذا النوع السينمائي الخطير من خلال اقامة المهرجانات في مختلف انحاء العالم واتجاه عدد كبير من المخرجين الى تجسيد افكارهم وطموحاتهم عن طريق هذا الخطاب البصري، الذي ندعوه بالفيلم التسجيلي. لكن هل الفيلم التسجيلي هو تقرير مخابراتي ناجح عن انسان او مكان او حدث وهي المصادر التي غالبا مايطيب للفلم التسجيلي محاكاتها. أم ان الفيلم التسجيلي هو القدرة على اثارة الفضائح والاتكاء على فضيلة الجرأة !!. اننا نتعامل مع شكل فني سينمائي له ادواته الخلاقة والتي رسخت عبر محاولات وتجارب منذ الرواد حتى يومنا هذا. اذ يقول الاب الروحي للسينما التسجيلية ( جريرسون) في اولى بديهيات هذا الفن :ـ ان الفيلم التسجيلي هو معالجة الاحداث الواقعية الجارية بأسلوب الخلق الفني. حتى الفيلم التسجيلي السياسي والذي ينتمي اليه فلم( مور) هو بشروط الخلق الفني. فتاريخ السينما التسجيلية يشهد على تجارب غنية ومؤثرة في مجال الفيلم التسجيلي السياسي . بحكم ان فيلم ( مور ) اراد ان يسجل موقفا نقديا سياسيا . ففي عام ( 1957 ) قدم المخرج الفرنسي ( كريس ماركر) والذي برع في مجموعة من الافلام التسجيلية السياسية، فيلمه ( رسائل من سيبريا ) والذي صوره في روسيا . في هذا الفيلم رسخ ( ماركر) قدرة الفلم التسجيلي في ان يكون موضوعيا في الوقت الذي لم يتخلى فيه عن الشروط الفنية بل انه كان يوصف بشاعر التقنية. ففي فيلمه ( رسائل من سيبيريا) قدم مشهدا واحدا صوره في الشارع العام ويكرره ثلاث مرات مع تغيير التعليق المرافق للمشهد في كل مرة. حيث يظهر في المشهد مجموعة من العمال يشتغلون في حفرة في الشارع بينما تمر خلفهم حافلة مزدحمة بالركاب. وظف في التعليق الاول المصاحب للمشهد تعليقا سلبيا ينتقد فيه السلطة. وفي الثاني تعليقا دعائيا يخدم السلطة. وثالثا تعليقا محايدا. انه اسلوب للمشاركة. لا للجلوس امام الشاشة وانتظار الحقائق ، والتي من يدعي انه يملكها ؟؟

بل اننا بامكاننا ايضا الحديث عن الشعر في السينما التسجيلية من خلال تجارب عديدة في تاريخ هذا الفن. ومن الامثلة العديدة فيلم( المطر) للهولندي ( يوريس ايفنيس) حين كتب قصيدته المرئية عن اللحظات الاولى لهطول المطر في انحاء المدينة. والحديث عن السخرية السوداء في فيلم ( فاشية عادية ) لميخائيل روم. وعن روائع ( دزيغا فيرتوف) التسجيلية والذي كان يصفه شارلي شابلن ( بالموسيقار العظيم).

نعم، لا يمكن النظر للفيلم التسجيلي على كونه مجرد واسطة لأثارة الفضائح او اشهار حقائق حسب الطلب . في هذا اجحاف واستسهال لأهم واخطر الانواع السينمائية. اما الانتصار الحقيقي للامريكي ( مور) قد نجده في تعبير كتبه الياس خوري في مقاله ( الوجه الاخر لبوش) فقد كتب يقول (( في نيويورك يقف الجمهور مصفقا في نهاية الفيلم. وفي باريس وبيروت تشتعل الايدي لحظة انطفاء الشاشة. مايكل مور في فيلمه التسجيلي الخير فهرنهايت 11/9 * يفش خلق* الناس )) . وهذا ما لايمكنه ان يصمد بوجه الزمن. لاننا لانكتب القصيدة ولا نلون ولا نملأ الشاشة من اجل ( فش خلق الناس !!). اننا ازاء خطاب بصري له آليات اشتغال جمالية ومعرفية. ان ظاهرة ( مور) هي ابنة المغامرة الامريكية السطحية. لا المغامرة الخلاقة. هذا يشبه كثيرا كتب السيرة الفضائحية والتي تلقى رواجا هائلا وتحقق ارباحا خيالية على حساب ادب السيرة والرواية التي حفرت في وجدان البشرية الضوء والسؤال.

ليست هناك تعليقات: