الاثنين، 31 مارس 2008

ميلان كونديرا







رسالة من صديقي واستاذي عدنان المبارك



عزيزي حسن. تكلمنا مرة عن نقل الأدب الى السينما بمناسبة سيناريوهك المعتمد على قصتي ( البرغشة ) . وها أني الآن أعود الى الموضوع لكن من خلال شذرات صغيرة حسب، وآمل أن أعود الى الموضوع بصورة لائقة وأكثر إسهابا في القريب . والشذرات أطلقتها ترجمة رائعة قام بها الصديق الكاتب العراقي جيان لمقدمة كتبها ميلان كونديرا لمسرحيته التي صهرها في بوتقة ديدرو وبالضبط روايته الخالدة ( جاك القدري ). وكونديرا أبقى العنوان نفسه لمسرحيته. كانت ترجمة الصديق القديم مكتوبة بخط يده ( يبدو جيان مترددا في دخول " برج بابل الألكتروني " ،كما عندي ريبة في أن أصابعه ، شأن أصابع الصديق فؤاد التكرلي ، لم تنقر يوما على الآلة الطابعة أيضا ! ) مما يعني أن بإنتظاري عملا لا يخلو من التضحية ( سبق أن إشتكيت في رسائل سابقة من كراهيتي الشديدة للتبييض وإعادة الكتابة ! ) : نقل الترجمة الخطية الى الكومبيوتر.. لكنك تعرف بأن للوفاء الى الأصدقاء شتى المعاني و الأفعال ! بإختصار : ها أن كونديرا أمامي ! وها أنه يتكلم عن أمور شتى تعكس ذكاءه وقدراته في الكتابة وتحليل الظواهر. بالطبع ما يهم شارلي هو كلام كونديرا عن فن الفلم بالدرجة الأولى ( آمل أن تظهر الترجمة الكاملة في موقع " القصة العراقية " في القريب لكن هذا لايمنعني من الدخول في دردشة عما كتبه كونديرا ، مع عزيزيّ حسن ! ). في مقدمته التي اسماها ( مقدمة نحو التنويع ) يمضي كونديرا مع كاتبيه المفضلين ديدرو و الإنكليزي لورنس ستيرن صاحب الرواية الفذة المتنبئة بالحداثة بل وما بعدها أيضا : ( حياة و أفكار الجنتلمان تريستام شاندي ). والغريب أن ما كتبه كونديرا عن الرواية هذه مجرد كلام عن فنوننا المعاصرة في الكتابة والفلم أيضا ( كما تعرف عاش ستيرن في القرن الثامن عشر.. ). إلا أن إلتفاتته الذكية تبقى في تساؤله : ألم يكن ديدرو متأثراً ، بقوة ، بنموذجه العظيم للورنس ستيرن " تريستام شاندي " ؟ وهنا وصلتُ الى ما أريد أن أقوله أي الإستماع سويةً الى كونديرا : تريستام هي واحدة من تلك الفوضى العظيمة الضائعة. الرواية التي خلقت قدوة هي الأكثر شبها بصاموئيل ريتشاردسن الذي إكتشف الإمكانيات النفسية للرواية في تقنية الرسائل . بإختصار : لايقيم ستيرن بناء قصته وفقا لمبدأ وحدة العمل ( أكشن ) حيث يتضمن كنتيجة منطقية ، الأخذ بعين الإعتبار ، الفعلي في الفكرة الوحيدة للرواية ، و بالنسبة إليه : الرواية تلك الحرفة العظيمة في إبداع الشخصيات مما يعني حرية غير محدودة في المصطلح الشكلي للإبداع. ومفهوم ان هذا المصطلح هو للإبداع الفلمي أيضا. وعن رواية ديدرو يقول كونديرا بأنها إنفجار حرية عشوائية دون قيود شخصية ، وعن رواية ستيرن، وهنا ارجو الإنتباه ، يقول إن ثمة فارقا بينها وبين ( جاك القدري ) أي رواية ديدرو، في درجة الوهم الواقعي : ستيرن يعطل تقسيم الوقت الى فترات ( الكرونولوجيا ) ، لكنه يرسي الأحداث بثبات في الزمكان لجعلنا نؤمن بواقعية وجودها. بهذه الصورة يخلق ديدرو فضاءا لم يكن مرئيا من قبل في تأريخ الرواية ( بالطبع إستفاد الفلم أيضا من هذه النظرة الروائية ) و بدون جهازية المسرح. و هذه ملاحظة أخرى لكونديرا : في كامل التأريخ العام للرواية ، يمثل ( جاك القدري ) الى أبعد حد ، الرفض التام للوهم الواقعي وجمالية الرواية النفسية ( وهذا إقتراب لحد الإلتصاق بأعمال فلمية معينة .. ). براي كونديرا تكون الطريقة التلخيصية لفهم المواضيع إنعكاسا وفيّا عميق الجذور للنزعات في وقتنا الحاضر. مما يجعلني أفكر أنه في يوم ما سوف تعاد كليا ًكتابة كامل الآداب الماضية وُتنسى كلياً ما بعد إعادة الكتابة. وأنا أفهم من رأيه أن إعداد الروايات العظيمة للشاشة السينمائية والمسرح ليس هو أكثر من نوع من التلخيصات للقاريء. لكن كونديرا يقول أيضا إن وجهة نظره لاتدافع عن عذرية الأعمال الفنية المقدّسة الى أبعد الحدود . حتى شكسبير أعاد كتابة أعمال أبدعها آخرون غيرأنه على أية حال ، لم يكيّفها : إستخدم العمل كفكرة في أعماله المتنوعة التي كان فيما بعد الكاتب المنفرد المستقل لها. يقول أيضا : من ناحية أخرى إن إعادة كتابة آنا كارنينا مرئية على المسرح أو على الشاشة هي تكيّفات ، وهذا إختزال . وكلما حاول المكيِّف الحفاظ على سرديته مختبئاً وراء الرواية كلما إزدادت خيانته له. وفي إختزالها يحرِّم ، كنسياً ، ليس فقط جمالها ولكن معناها أيضا.

كما تلاحظ يا عزيزي إن كونديرا يكاد يتناول موضوع تكييف الأدب ، للسينما أو غيرها ، لكن من زاوية غير معهودة ، وهي أصيلة بالطبع. بعبارة أخرى يجد كونديرا أن القيمة الحقيقية لعملية التكيف هي بيد فاعله. وفيما يتعلق ب( آنا كارنينا ) يجد أن كل تكيّف لهذه الرواية ضروري وفقا لطبيعة الفهم التلخيصية ، وكل محاولة تفسير سبب تصرف آنا كارنينا بوضوح ومنطقيا ، وعقلنة الموضوع تجعل التكيف هكذا إنكارا للنقاء والبساطة ، لأصالة الرواية. اكيد أن كونديرا بالغ التعصب لفن الكتابة لكنه لايقصد هنا التكييف الفلمي بالضبط بل المحاولات الأخرى لعصرنة شكسبير وليس هاملت وماكبث إلخ .ونقرأ هنا في مقدمة كونديرا : " الموت لكل من يجرؤ على إعادة كتابة ما سبق أن ُكتب ... ليتمَّ خصيهم وتقطع آذانهم ! ". أن كل كلام كونديرا إبضاح بالغ الجد لكتابة مسرحية بالإعتماد على ( جاك القدري ) الديدروية إلا أننا عثرنا على تلك الشذرات أيضا..

كما تعرف ليس موضوع التكيف بالمادة المطواعة أو التي يسهل غلق ملفها بسرعة ومن دون النفاذ الى الطبقات السفلى. لكن قد تكون هناك فائدة لشارلي ومحبيه من حديثي عن ( مقدمة ) كونديرا. محبتي .


ليست هناك تعليقات: