الخميس، 1 مايو 2008

ميت في طبعات











بقلم : يوسف ابو الفوز




صيف هذا العام ، عرض التلفزيون الفنلندي ، القناة الاولى ، ولمرتين خلال شهر حزيران ، فلما وثائقيا قصيرا ، 18 دقيقة ، تحت عنوان " ميت في طبعات " ، اثار انتباه المشاهد الفنلندي والنقاد الفنيين ، واختاره التلفزيون الفنلندي ليساهم في تمثيل فنلندا خريف هذا العام في مهرجان اوربي للفلم القصير ، الفلم حمل توقيع المخرج وكاتب السيناريو : حسن بلاسم .حين ترك حسن بلاسم مدينة بغداد بأتجاه كوردستان عام 1998 لم يصطحب معه ، غير رزمة اوراق وحقيبة لا تتسع سوى لملابس رحلة ليوم او يومين ، لكنه سرعان ما حمل في كوردستان اسما مستعارا كورديا ، وعرف به خلال اقامته المؤقتة وعمله هناك : "أزاد عثمان " ، ولم يكن ذلك سوى ستارا لحماية عائلته في بغداد من بطش النظام الديكتاتوري . بعد الاستقرار المؤقت في كوردستان ، غادرها الى تركيا ، ومن ثم عبر حدود دول اوربا الشرقية ، عن طريق الهجرة الغير شرعية ، حين حمل مرة اخرى ثلاثة قمصان وبنطال واوراق . عاش خلال هذه الرحلة حياة تشرد قاسية اكلت من عمره حوالي عامين ، وخسر على اثرها ثلاثة اصابع من يده اليسرى. شلت. بعد ان التهمتها ماكنة في مطعم ، كان يعمل فيه من اجل جمع اجور مهربين البشر والاحلام عبر حدود الارض ، ثم جاء الى فنلندا محملا باحلام السينما والكتابة ، وليقيم فيها من حوالي عامين ونصف . حسن بلاسم لمن لا يعرفه ، سينمائي وكاتب عراقي ، من مواليد بغداد 1973 . دخل اكاديمية الفنون الجميلة عام 1994 ليدرس السينما ، التي عشقها من خلال القراءة ، لكنه لم يستطع اكمال دراسته للسينما لاسباب عديدة ، فاضطر لترك اكاديمية الفنون الجميلة مهموما وهو في عامه الاخير. خلال سنوات دراسته المعدودة اخرج وكتب ومثل في العديد من الاعمال السينمائية الفنية ، ويعتبرها حسن بلاسم اعمالا فنية متواضعة . في المرحلة الثانية من دراسته ، عام 1996 ، اخرج فلم "كاردينيا " وهو فلم وثائقي حاز على اهتمام مشاهديه ، وحاز على جائزة . ولفت ذلك الانتباه اليه كمخرج وكاتب سينمائي ، وصار البعض من الطلبة يقصدونه للاستفادة من امكانياته وقدراته . وتحت ثقل الحاجة وضيق ذات اليد ، في سنوات الحصار الاقتصادي الثقيلة ، اضطر حسن بلاسم لان يكتب وينفذ اعمالا فنية للعديد من الطلبة المتمكنين ماديا ليقدموها باسمائهم كأعمال تخرج ، ورغم ثقل ذلك نفسيا عليه الا انه وجدها فرصة مناسبة ليس لتوفير متطلبات حياته اليومية ، بل ولاستغلال حاجة هؤلاء الطلبة "المتخمين ماديا " والمستعدين لتمويل مشاريع تخرجهم ، فقام حسن بلاسم بالعديد من التجارب العملية واختبار بعض الأفكار حول شكل الفلم القصير. ومنحه ذلك تجربة عملية قادته لتنفيذ اعمالا اخرى باسمه ، فكان ان كتب سيناريو ومثل عام 1997 في فلم " بياض الطين" ، وكتب عام 1997 فلم "كابينة" ، وكتب فلم "النهايات" عام 2000. وفي كوردستان وجد فرصة لتقديم دروسا عن السينما في بعض المعاهد الفنية ، وفي عام 1999 كتب واخرج فلم " زامي كاميرا ـ جرح الكاميرا " ، فلم روائي كوردي ، ساعة ونصف ، عن الهجرة المليونية في كوردستان ، وتم تصويره بكاميرا فيديو منزلية عادية ووسط ظروف انتاج واجهتها مختلف الصعوبات الفنية والمادية ، وحاز الفلم على اصداء طيبة في الاوساط الفنية .في فنلندا ، ولقسم البرامج الثقافية ، للقناة الاولى ، كتب حسن واخرج فلمه القصير " ميت في طبعات " ، والذي عرض من خلال التلفزيون الفنلندي صيف هذا العام . الفلم 18 دقيقة ، كتبه حسن بلاسم ، ونفذه بالاشتراك مع فريق عمل فنلندي محترف . يقول حسن بلاسم عنه " انه بطاقة تعريف" . الفلم مكتوب على اساس نص قصيدة منشورة للكاتب وبنفس الاسم . في فلم "ميت في طبعات " ، الذي يحكي فيه حسن بلاسم عن حاله وهمومه من خلال نص قصيدة مترعة بالهواجس والاسئلة ، يميل الى الاهتمام بالشكل ، فهو في كل اعماله الفنية يحاول ان يبين للمشاهد ان مصداقية صورة الوثيقة يمكن ان يجدها في شاعرية الوثيقة ضمن بناء الفيلم . فالصورة في الفلم القصير لدى حسن بلاسم تملك طاقتها الشعرية ، ولكل لقطة كيمياء خاصة لها نصيب من الموسيقى . اللقطات في فلم " ميت في طبعات " كانت تحاول اللحاق بايقاع القصيدة المقروءة بصوت الكاتب نفسه . لم تكن هناك موسيقى في الفلم ، كان المشاهد يصغي الى صوت المؤثرات الطبيعية ، صوت الحياة ، ينقله الى العالم الداخلي للصورة . في فلم حسن بلاسم القصير كان هناك ايضا ايقاع الواقع العراقي المعاصر بدماره ودمويته في لمحات فنية مكثفة . في الفلم كان هناك محنة وحيرة حسن بلاسم كانسان وفنان ، ونلمسها في تلك المشاهد المؤثرة والعبرة في الفلم ، مثل مشهد قطار المترو في هلسنكي ، حيث يتدافع الناس للحاق باعمالهم ومنازلهم ومواعيدهم ، ويظهر حسن بلاسم بينهم ساهما ، ومع وصول القطار يركب الجميع ، ليبقى حسن بلاسم متسمرا في مكانه ، محني الظهر تحت ثقل همومه وحقيبة الظهر ناظرا في اللاشئ ، منتظرا المجهول . فلم " ميت في طبعات " ذاكرة صورية زاخرة تحمل سؤال : كيف نواصل الحياة مع زخم الارق والذكريات ؟ كانت القصيدة التي بني عليها نص الفلم زاخرة بالصور والاسئلة والحيرة ، وهذا انتقل ببراعة عبر عدسة الكاميرا الذكية والمونتاج البارع الى ايقاع لقطات الفلم . يعتقد حسن بلاسم انه لم يتمكن لحد الان من توظيف كل امكانياته الفنية ، وهو يبحث عن الفرصة المناسبة لتحقيق شيئا من احلامه السينمائية ، ويحمل عدة مشاريع لافلام قصيرة يسعى لايجاد الفرصة لتنفيذها ، ويخشى ان تمر عليها شاحنة الزمن وتظل حبيسة الاوراق .ومثلما طالبت محررة الشؤون الفنية في احد الصحف الفنلندية بضرورة منح حسن بلاسم فرصة للعمل والانتاج ، فاني اضم صوتي الى صوتها ، واتوجه بكلامي هنا الى المسؤولين في المؤسسات العراقية واتمنى ان يمنحوا حسن بلاسم ، وغيره من المبدعين ، الفرصة المناسبة لخدمة وطنهم وتحقيق احلامهم الفنية ، واقول للقراء الاعزاء : في عالم السينما ، اوصيكم بحفظ هذا الاسم وتذكره جيدا " حسن بلاسم " ، فيوما ما سيدق باب ذاكرتكم بقوة باعمال باهرة ، ستمنح السينما بريقا خاصا متفردا






2006 ـ هلسنكي



ليست هناك تعليقات: